التصنيفات
العقيدة الاسلامية

من فضائل " لا إله إلاّ الله " في القرآن و السّنة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
أيها الأفاضل : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إن كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " لأجلها خلقت الخليقة ، و أرسلت الرسل ، و أنزلت الكتب ، و بها افترق الناس إلى مؤمنين و كفار ، و سعداء أهل الجنة و أشقياء أهل النار ، فهي العروة الوثقى ، و هي كلمة التقوى ، و هي أعظم أركان الدين و أهم شعب الإيمان ، و هي سبيل الفوز بالجنة و النجاة من النار ، و هي كلمة الشهادة ، و مفتاح دار السعادة ، و أصل الدين و أساسه و رأس أمره ، و فضائل هذه الكلمة و موقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون و يعرفه العارفون ، قال الله تعالى : ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) آل عمران18 .

أولا : بعض ما ورد في فضلها في القرآن الكريم :

1) جعلها الله زبدة دعوة الرسل و خلاصة رسالاتهم :

قال الله تعالى : ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ))الأنبياء25 .
و قال الله تعالى : ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )) النحل36 .
و قال الله تعالى : ((يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ )) النحل2 .
قال سفيان بن عيينة : " ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرّفهم لا إله إلا الله " .

2) أنّ الله وصفها في القرآن بأنها الكلمة الطيبة :

قال الله تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء )) إبراهيم24 .
و هي القول الثابت في قوله تعالى : (( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ )) إبراهيم27 .
و هي العهد في قوله تعالى : (( لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً )) مريم87
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : " العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، و يتبرّأ إلى الله عزّ و جلّ من الحول و القوة ، و هي رأس كلّ تقوى " .

3) أنها العروة الوثقى التي من تمسّك بها نجا و من لم يتمسّك بها هلك :

قال الله تعالى : ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) البقرة256 .

4) أنها الكلمة الباقية التي جعلها إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ في عقبه لعلّهم يرجعون :

قال الله تعالى : ((َإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ،ِ إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) الزخرف 26 ـ 28 .
و هي كلمة التقوى التي ألزمها الله أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ و كانوا أحق بها و أهلها :قال الله تعالى : ((إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً )) الفتح26 ، عن عمرو بن ميمون قال : " ما تكلم الناس بشيء أفضل من لا إله إلا الله ، فقال سعد بن عياض : أتدري ما هي يا أبا عبد الله ؟ هي والله كلمة التقوى ألزمها الله أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ و كانوا أحق بها و أهلها ـ رضي الله عنهم ـ " .

5) أنها منتهى الصواب و غايته :

قال الله تعالى : (( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ))النبأ38 .
روى علي بن طلحة ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى ((إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً )) أنه قال : " إلا من أذن له الرّب عزّوجل بشهادة أن لا إله إلا الله ، و هي منتهى الصواب " .

6) أنها هي دعوة الحق المرادة بقوله تعالى :

(( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ )) الرعد14 .

7) أنها هي الرابطة الحقيقية التي اجتمع عليها أهل دين الإسلام :

قال محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في كتابه " أضواء البيان " : " و الحاصل أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق و تؤلف المختلف هي رابطة " لا إله إلا الله " ، ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجمع المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد ، و تجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا ، عطفت قلوب حملة العرش و من حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف ، قال تعالى : ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) غافر 7 ـ 9 ، فقد أشار الله تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش و من حوله ، و بين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنما هي الإيمان بالله جلّ و علا …… و بالجملة فلا خلاف بين المسلمين أن الرابطة التي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض و تربط بين أهل الأرض و السماء هي رابطة لا إله إلا الله ، فلا يجوز البتّة النداء برابطة غيرها " .

تعليمية أنها أفضل الحسنات :

قال الله تعالى : (( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ )) النمل89
و ثبت في المسند و غيره عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : (( قلت يا رسول الله علّمني عملا يقرّبني من الجنّة ويباعدني من النّار ، فقال : إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنّها عشر أمثالها ، قلت : يا رسول الله : أفمن الحسنات لا إله إلا الله ؟ قال : نعم هي أحسن الحسنات ))

ثانيا : بعض ما ورد في فضلها في السنّة النبوية :

1) أنها أفضل الأعمال و أكثرها تضعيفا و تعدل عتق الرقاب و تكون لقائلها حرزا من الشيطان :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ، في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، و كتب له مائة حسنة ، و محي عنه مائة سيئة ، و لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك )) الشيخان .

2) أنها أفضل ما قاله النبيون :

ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، و خير ما قلته أنا و النبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير )) الترمذي و حسنه الألباني .

3) أنها ترجح بصحائف الذنوب يوم القيامة :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة و تسعون سجّلا ، كلّ سجل منها مدّ البصر ، ثم يقول الله تبارك و تعالى له : أتنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول عزّ و جلّ : ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا يا رب ، فيقول عزّ و جلّ : بلى إن لك عندنا حسنة ، و إنه لا ظلم عليك ، فتخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله و أنّ محمدا عبده و رسوله ، فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجّلات ؟ فيقول عزّ و جلّ : إنّك لا تظلم ، قال : فتوضع السجّلات في كفّة و البطاقة في كفّة ، فطاشت السجّلات و ثقلت البطاقة )) أحمد و النّسائي و الترمذي و غيرهم .
و لا شك أن هذا قد قام بقلبه من الإيمان ما جعل بطاقته التي فيها لا إله إلا الله تطيش بتلك السجّلات ، إذ النّاس متفاضلون في الأعمال بحسب ما يقوم بقلوبهم من الإيمان ، و إلا فكم من قائل لا إله إلا الله لا يحصل له مثل هذا لضعف إيمانه بها في قلبه ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (( يخرج من النّار من قال لا إله إلا الله و في قلبه وزن برّة من خير ، و يخرج من النّار من قال لا إله إلا الله و في قلبه وزن ذرّة من خير )) صححه الألباني .
فدلّ ذلك على أنّ أهل لا إله إلا الله متفاوتون فيها بحسب ما قام في قلوبهم من إيمان .

4) أنّا لو وزنت بالسموات و الأرض رجحت بهنّ :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( أنّ نوحا قال لابنه عند موته : آمرك بلا إله إلا الله ، فإنّ السموات السّبع و الأرضين السّبع لو وضعت في كفّة و وضعت لا إله إلا الله في كفّة رجحت بهنّ لا إله إلا الله ، و لو أنّ السموات السبع في حلقة مبهمة لقصمتهنّ لا إله إلا الله )) أحمد .

5) أنّا ليس لها دون الله حجاب ، بل تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عزّو جلّ :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عنه ـ أنه قال : (( ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصا إلا فتحت له أبواب السّماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر )) الترمذي .

6) أنها نجاة لقائلها من النّار :

في صحيح مسلم (( أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سمع مؤذّنا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال : خرج من النّار )) مسلم .
و عن عتبان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنّه قال : (( إنّ الله حرّم على النّار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )) الشيخان .

7) أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعلها أفضل شعب الإيمان :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( الإيمان بضع و سبعون شعبة ، أعلاها قول لا إله إلا الله ، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق )) الشيخان .

تعليمية أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أنّها أفضل الذّكر :

عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( أفضل الذكر : لا إله إلا الله ، و أفضل الدعاء : الحمد لله )) الترمذي .

9) أنّ من قالها خالصا من قلبه يكون أسعد النّاس بشفاعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّه قال : قيل يا رسول الله من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة ؟ فقال : (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه )) البخاري .