تولدت الحكايات الست السابقة وهي حكايات خارج السياق من حكاية تضمينية واحدة، فإن حكاية الصياد هي الأخرى تعمل في الأسلوب نفسه في توليد الحكايات؛ حيث نرى أن حكاية تضمينية واحدة تتولد منها ثلاث حكايات من نوع خارج السياق. تنقسم حكاية الصياد إلى قسمين أحدهما القسم الذي يلتقي فيه الصياد بالجني والقسم الثاني يأتي بعد القسم الأول مباشرة، عندما يلتقي الصياد بالخليفة عند إهدائه السمكات الملونة. في القسم الأول يخرج الصياد إلى النهر ويرمي شبكته وبعد محاولات فاشلة يصطاد قمقما، يخرج منه جني يحاول قتل الصياد لأنه قد نذر مع نفسه أن يقتل كل من يخرجه من القمقم فيحتال عليه الصياد، لأنه كما يقول مع نفسه: ((جني وأنا أنسي وقد أعطاني الله عقلاً كاملاً، وها أنا أدبر أمراً في هلاكه بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه)) ص15 عندها يسأل الصياد الجني عن كيفية احتواء القمقم الصغير لجسمه الكبير، وي منه أن يريه ذلك، فتنطلي الحيلة على الجني ويدخل في القمقم، ويسرع الصياد ليغلقه عليه لكن الجني ي منه أن يخرجه مرة أخرى، ويتوسل إليه والصياد يرفض خوفاً من أن يقتله لو أخرجه مرة أخرى، لأنه لا يأمن منه
تقنيات السرد
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن السرد والسرديات خاصة في الدراسات النقدية الحديثة لما لهذا الجانب من أهمية كبيرة في دراسة النص الإبداعي قديمه وحديثه.
والسرد في أصل اللغة العربية هو التتابع الماضي على سيرة واحدة وسرد الحديث والقراءة من هذا المنطلق الاشتقاقي،
ثم أصبح السرد يطلق في الأعمال القصصية على كل ماخالف الحوار،
ثم لم يلبث أن تطور مفهوم السرد على أيامنا هذه في الغرب إلى معنى اصطلاحي أهم وأشمل، بحيث أصبح يطلق على النص الحكائي أو الروائي أو القصصي برمته.
فكأنه الطريقة التي يختارها الروائي أو القاص أو حتى المبدع الشعبي (الحاكي) ليقدم بها الحديث إلى المتلقي.
فكان السرد إذن هو نسيج الكلام ولكن في صورة حكي. وبهذا المفهوم يعود السرد إلى معناه القديم.
حيث تميل معظم المعاجم العربية إلى تقديمه بمعنى النسج أيضاً
فيما يأخذ السرد طريقه في النقد الحديث الذي يهتم به اهتماماً كبيراً فيقسمه إلى نوعين هما:
1 السردية الدلالية.
2 السردية اللسانية.
وتنطلق هذه الدراسة اعتماداً على النوع الأول، وهو السردية الدلالية، ومما يعنيه هذا النوع، هوأنها أي السردية الدلالية:
تعنى بمضمون الأفعال السردية دونما اهتمام بالسرد الذي يكونها. إنها المنطلق الذي يحكم تعاقب تلك الأفعال.
الهيكل التنظيمي لحكايات الليالي:
توصلت إلى أن حكايات الليالي تقع في أربعة أنواع هي:
1 حكاية المفتتح: وهي حكاية الملك شهريار وماجرى له من أحداث منذ اكتشافه لخيانة زوجته الأولى وحتى نهاية الليالي.
2 حكايات الإطار: وهي الحكايات التي أخذت شهرزاد تقصها أمام زوجها الملك شهريار.
3 حكايات تضمينية: وهي الحكايات التي تدخل ضمن حكايات الإطار ولها دلالاتها الفنية والمضمونية.
4 حكايات خارج السياق: وهي الحكايات التي ترد داخل الحكايات التضمينية دون أن تفيد شيئاً في مجمل أحداث حكايات الإطار أو الحكايات التضمينية.
واعتماداً على هذا التقسيم يمكن اختيار حكاية
• ونعطي كمثال عن حكاية الإطار قصة:
حاسب كريم الدين
التي تبدأ من الليلة ((472)) وتنتهي بالليلة ((560)) كمثال من أمثلة حكايات الإطار ((3)) التي ترويها شهرزاد مباشرة أمام زوجها..
ودراسة تقنيات السرد فيها،
إن قراءة متأنية لهذه الحكاية أو أية حكاية أخرى في الليالي، يستوقفنا جانب مهم من جوانب العملية الإبداعية الشعبية ألا وهو جانب السرد فيها. ويأتي السرد في هذه الحكاية كمثال تطبيقي بصورة متداخلة وهذا ما ستبينه السطور القادمة.
تقنيات السرد
تداخل السرد:
إن من أهم ماتمتاز به حكايات الليالي من تقنية فنية في مجال السرد هو هذا التداخل السردي للأحداث، ومن دراسة هذا الجانب الفني المهم والذي تعتمد عليه تقنية بناء المشهد السردي في الحكايات، يمكن استخلاص نوعين من تداخل السرد هما.
1 تداخل السرد التضميني: والذي نقصد به تضمين حكاية أو أكثر في صلب حكاية المفتتح أو حكايات الإطار وكذلك حكايات التضمين.
2 تداخل السرد التراكمي: والذي نقصد به تركيب حكاية واحدة من عدة طبقات أو من تراكم الأحداث اعتماداً على بعض، أو كل عناصر الحكاية، مثل دخول //خروج شخصية أو أكثر في// من المشهد الحدثي للحكاية أو تقدم//تراجع الزمن في الحكاية، أو تغير// تطور الحادث فيها.
إن التداخل السردي التضميني، يقف عند حدود حكايات خارج السياق، ولا يمكن التداخل فيها.
فيما تعتمد كل أنواع الحكايات الأخرى في الليالي التداخل السردي التراكمي ابتداء من حكاية المفتتح وانتهاء بحكايات خارج السياق مروراً بحكايات الإطار والحكايات التضمينية.
في حكايتنا هذه يمكن تتبع النوع الأول من تداخل السرد ابتداء من حكاية الإطار ((حكاية حاسب كريم الدين)) التي تبدأ في الليلة ((472)) وتنتهي في الليلة ((560)) حيث تبدأ شهرزاد بقصها لهذه الحكاية أمام زوجها شهريار عندما تقول: ((بلغني أنه كان في قديم الزمان….الخ)) ص 794، وتنتهي بقولها: ((وهذا آخر ما
انتهى إلينا من حديث حاسب بن دانيال رحمه الله تعالى والله أعلم))، ص 875. بعدها تبدأ بقص حكاية أخرى من حكايات الإطار وهي حكاية السندباد ومن خلال رواية أحداث هذه الحكاية نتعرف على ((حاسب)) ابن الحكيم دانيال وما جرى له من أحداث منذ ولدته أمه حتى نهاية الحكاية وكيف أنه تعرف على بعض الحطابين الذين عمل معهم في التحطيب وكيف وصل إلى مملكة الحيات ومحاولاته العديدة في العودة إلى أهله وكيف أن ملكة الحيات كانت تقص عليه الحكايات العديدة كي تعيق عودته إلى أهله لأن في عودته موتها. لكنها تقبل في الأخير بعد أن تعهد أمامها بأن لا يستحم في حمام عمومي.. فيعود إلى أهله لكنه يجبر على الاستحمام في حمام عمومي، مما يؤدي ذلك إلى فقدان ملكة الحيات لحياتها لأن في لحمها دواءً شافياً لعلة الملك.
هذا ملخص للحكاية يظهرها على أنها حكاية عادية لكن تضمينها لحكايتين أخريتين تعطي دلالاتها النفسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية كذلك.
إن حكاية ((حاسب كريم الدين))، تتضمن حكاية أخرى هي حكاية بلوقا، التي هي في الوقت نفسه تتضمن حكاية ثالثة من نوع حكايات خارج السياق هي حكاية جانشاه
إن الحكاية الأولى تنقسم إلى قسمين حيث ينتهي الأول عند وصول حاسب إلى مملكة الحيات ومحاولاته العديدة العودة إلى أهله.
الخروج من العالم السفلي… حيث تبدأ الحكاية التضمينية بلوقا التي هي الأخرى تقف عند التقاء بلوقا بالشاب جانشاه حيث تبدأ هذه الحكاية وتنتهي لتعود ملكة الحيات وبصوت شهرزاد بسرد تكملة حكاية بلوقا أمام حاسب وعندما تنتهي حكاية بلوقا تعود شهرزاد لتقص أمام الملك شهريار، تكملة حكاية حاسب حتى النهاية..