بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة العصر
الشيخ عبد الكريم الخضير
من الموقع الرسمي للشيخ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فالمقدم وفقه الله -إمام المسجد- لما قرأ السورتين في الصلاة تردد هل المطلوب العصر أو النصر، فلا شك أن هذا له أصل، هذا التردد له أصل، وهو أن الطلب أو الإجابة الأولى كانت في سورة النصر، ثم بعد ذلك قلنا الإعلان خرج باسم سورة العصر، لما قرأ الإمام السورتين كأنه يخيِّر في… لكن لما قدم عين، ذكر أن المطلوب سورة العصر.
بين يدي السورة:
وسورة العصر على قصرها سورة جامعة شاملة -كما تفضل- لخير الدنيا والآخرة للعلم والعمل، للعمل الخاص والعمل المتعدي, وجاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم.
وبالإمكان في تفسير هذه السورة أن يتكلم المتحدث عن جميع أبواب الدين؛ لأنها في ألفاظها الوجيزة كل لفظ يدخل تحته أبواب كثيرة من أبواب الدين, وهذه السورة سورة مكية في قول الأكثر، وقال بعضهم إنها مدنية.
هذه السورة جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا إذا التقى أحدهم بالآخر لم يفترقا حتى يقرأ أحدهم أو أحدهما سورة العصر، وجاء فيها من الأخبار مما يذكره المفسرون أن من قرأ سورة العصر كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، هذا وإن تواطأ على ذكره أكثر المفسرين، إلا أنه لا أصل له، يذكرون هذا في تفسير هذه السورة، ومما يذكر فيها من الأخبار قبل أن ندخل في مفرداتها أن عمرو بن العاص قبل أن يسلم -رضي الله عنه- ذهب إلى مسيلمة فسأله مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم؟ فقرأ عليه سورة العصر، فقال إني أنزل عليَّ مثلها، أنزل عليَّ مثلها، فقال ماذا؟ فقال من تراهاته وسخافاته التي تذكر عنه فيما يعارض به القرآن نسأل الله السلامة والعافية، فقال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفز وقفر، قال: ماذا تقول يا عمرو؟ قبل أن يسلم، والعدو يفرح بمثل هذا الكلام الذي يعارض به كلام عدوه، لكن عمراً قال: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب، وهذا قبل أن يسلم عمرو، وأُثر عن مسيلمة من أمثال هذه الأقوال الساقطة التي لا يعارض بها الكلام العادي فضلاً عن أفصح الكلام وأثر أيضاً عن أبي العلاء المعري الزنديق المعروف الشاعر أنه عارض القرآن بكتاب مطبوع متداول، اسمه الآيات البينات في مواعظ البريات، وكان أصله في معارضة الآيات.
والله -جل وعلا- تحدى الخلق، تحدى العرب الذين هم أفصح من نطق أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم بعشر سور، فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بسورة ولو كانت أقصر السور، كهذه السورة أو سورة الكوثر مثلاً، لكنه لم يقع التحدي بآية، وقع التحدي بسورة، لكنه لم يقع التحدي بآية؛ وذلكم لأن العرب لا يعجز الواحد منهم أن يقول ثم نظر، أو يقول مدهامتان، وهما آيتان، لكن آية بقدر أقصر سورة لا يستطيع العرب ولو اجتمعوا أن يأتوا بمثله، فكيف بمثل هذا الكلام المضحك للصبيان، كيف يقال أن مثل هذا معارضة، أو يؤخذ له شيء في الاعتبار، هذا كله هذيان، أشبه بكلام المجانين الذي لا معنى له، أفترى على الله كذبا أم به جنة، هذا شبه المجنون.
جاء أيضاً في هذه السورة ما ذكره الرازي في تفسيره, وهو أن امرأة تجوب شوارع المدينة وسكَكَها تبحث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فدُلَّت عليه فقالت: يا رسول الله: إنها شربت –تعني الخمر– ثم زنت، ثم ولدت من الزنا، فقتلته، تقول: إنها شربت الخمر، ثم زنت بعد أن شربت، ثم ولدت من الزنا ثم بعد ذلك قتلت هذا الولد، هذه العظائم التي ارتكبتها -والخبر سيأتي الكلام عليه- يقول الرازي في سياق خبره هذا إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: أما الخمر ففيه الحد، وأما الزنا فلعلك لم تصل العصر، وأما القتل فالنار، هكذا قال الرازي في تفسيره في تفسيره, في تفسير هذه السورة، ونقله عنه الألوسي في روح المعاني, وقال تفرد بذكره الإمام – يقصد بذلك الرازي- وإذا أطلق في كتب المتأخرين -لاسيما ممن ينتسب إلى مذهب الشافعي- الإمام فهو المقصود – الرازي- قال تفرد به الإمام، ثم قال الألوسي: ولعمري إنه إمام, ولعمري إنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، فهل هذا مدح أو ذم؟ ذم، ذم شديد، ولهذا الحديث لا أصل له، لا يوجد في داوين الإسلام المعتبرة، ومثل هذا الخبر إذا بحث عنه في الدواوين المعروفة من الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمعاجم والمستخرجات -في الداواوين المعروفة عند أهل العلم- فما وجد هذه أمارة وعلامة من علامات وضعه، وممن قال بهذا الكلام الرازي نفسه، في المحصول قال هذا الكلام، أن الحديث إذا لم يوجد في دواوين الإسلام المعروفة فهذه أمارة وضعه، فلم يوجد هذا الخبر إلا عند الرازي وقد تفرد به وليس من أهل الرواية، فالخبر لا أصل له، وسمعنا كلام الألوسي فيه، فهذه الأمور التي ذكرناها بين يدي تفسير هذه السورة من قول الإمام الشافعي وقبل ذلك صنيع الصحابة إذا اجتمعوا وما جاء في قصة عمرو بن العاص، وما ذكره الرازي يمكن أن تكون هذه مدخل لتفسير هذه السورة.
الملفات المرفقة تفسير سورة العصر للشيخ عبد الكريم الخضير.pdf‏ (145.4 كيلوبايت) تفسير سورة العصر للشيخ عبد الكريم الخضير.mp3‏ (9.39 ميجابايت)