ما هو سر اعتزاز أهل الصحراء بنوقهم وما هي فوائد لبنها ؟
بشكل عام يكون لبن الناقة أبيض مائلا للحمرة ، وهو عادة حلو المذاق لاذع ، إلا أنه يكون في بعض الأحيان مالحا ، كما يكون مذاقه في بعض الأوقات مثل مذاق المياه . وفي بعض البلدان لا يقبل الناس على حليب الناقة بل يرفضونه بسبب مذاقه الكريه على حد قولهم ، وإذا رج هذا الحليب فإنه تتكون رغوة فيه ولو لفترة بسيطة، وترجع التغييرات في مذاق الحليب هذا إلى نوع الأعلاف التي تأكلها الناقة أو النباتات الرعوية التي ترعاها ومياه الشرب التي تتناولها .
وعندما يترك حليب الناقة لبعض الوقت تزداد درجة الحموضة وهي النسبة المئوية لحمض اللاكتيك فيه بسرعة ، ويتزايد محتوى الحليب من هذا الحمض المذكور من 03 % بعد تركه بساعتين إلى 0,14% بعد 6 ساعات . وعموما يمتلك الحليب الطازج حموضة منخفضة تزداد ببطء عند الحفظ ، كما أن خثرة حليب الناقة أكثر طراوة من حليب البقرة . ويكون لبأ الناقة أبيض اللون ويخفف على نحو طفيف بعض الشيء بالمقارنة مع لبأ البقرة .
لقد اتضحت للدارسين أن الكثافة النوعية لحليب الناقة هي أقل من الكثافة النوعية لألبان الأبقار والأغنام والجاموس . كذلك يصل محتوى الماء في حليب الناقة بين 84 % و90 % وهذا ما له أهمية كبيرة في الحفاظ على حياة صغار الإبل والسكان الذين يقطنون المناطق القاحلة " مناطق الجفاف "، فصغار الإبل وأولئك الناس يحتاجون في تلك المناطق إلى السوائل للمحافظة على الاتزان البدني والتعادل الحراري في أجسامهم . ويختلف محتوى الماء في حليب الناقة ، ويتأثر تبعا لمدى توافر مياه الشرب وتوافر الأعلاف والنباتات الرعوية " الغنية بالماء " طيلة فترة العام ، والبيئة التي يعيش فيها الحيوان ، ومدى احتواء الأعلاف أو النباتات الرعوية من الماء .
وقد تبين أيضا أن الناقة التي تكون في فترة الادرار " الناقة الحلوب " تخسر أو تفقد ماءها في الحليب الذي يحلب في أوقات الجفاف والقحط وقلة الماء وهذا الأمر يمكن أن يكون تكيفا طبيعيا ، وذلك كي توفر هذه النوق وتمد صغارهم – في الأوقات التي لا تجد فيها المياه – ليس فقط بالمواد الغذائية ،ولكن بالسوائل الضرورية لمعيشتهم وبقائهم على قيد الحياة ، وهذا لطف وتدبير من الله سبحانه وتعالى . وهناك تفسير آخر لهذه الظاهرة يمكن استبيانه من خلال فحص آلية التعرق في الإنسان عندما يتعرض للحرارة . فعملية التكيف مع الحرارة تسبب إفراز عرق مائي غزير . ويرجع ذلك إلى إفراز الهرمون المضاد للإبالة الداخلي المنشأ " الهرمون المانع أو المضاد لإدرار البول لأن الإنسان ينتج أو يفرز العرق المائي ذاته أو نفس كمية العرق عندما يحقن بالهرمون المضاد للإبالة. وهكذا يخسر أو يفرز الإنسان الماء من غدده العرقية مما يسمح له بالمحافظة على التعادل الحراري لجسمه . ونظرا لأن ضرع الناقة " الغدد الثديية " لها نفس المنشأ الجنيني الذي لغدد العرق ،و نظرا لأن إفراز الهرمون المضاد للإبالة يرتفع ويزيد في الناقة العطشى ، فربما يعود نزول الماء في الحليب إلى عمل وتأثير هذا الهرمون .
وبمقارنة دهون حليب الناقة مع دهون ألبان الأبقار والجاموس والنعاج ، وجد أنها تحتوي على حموض دهنية قليلة ، كما أنها تحتوي على حموض دهنية قصيرة التسلسل ،إلا أنه يمكن العثور على حموض دهنية طويلة التسلسل . ويرى الباحثون أن قيمة حليب الناقة تكمن في التراكيز العالية للحموض الطيارة وبخاصة حمض اللينوليك والحموض المتعددة غير المشبعة ، والتي تعتبر ضرورية من أجل تغذية الإنسان ، وخصوصا في تغذية الأشخاص المصابين بأمراض القلب وهذا في الواقع نعمة من الله . وعلى الرغم من أن الحليب الناتج من الناقة العطشى تنخفض فيه نسبة الدهون و البروتين ، فإن محتوى الصوديوم والكلوريد يزداد فيه وهذا هو السبب في مذاق الحليب المائل للملوحة .
ومن أهم المزايا التي تخص حليب الناقة دون غيره من ألبان الحيوانات الأخرى ، هو امتلاكه لمركبات ذات طبيعية بروتينية كالليزوزيم ومضادات التخثر ومضادات التسمم ، ومضادات الجراثيم والأجسام المانعة وغيرها ، وهي تمتلك خصائص مقاومة التجرثم . وخلال فترة محددة من الزمن تعرقل هذه الأجسام تكاثر الأحياء الدقيقة في حليب الناقة ، ولهذا فهو لا يتجبن أو يصعب تجبينه أحيانا ، وهكذا فهو يتميز عن حليب أو ألبان بقية الحيوانات الأخرى بإمكان حفظه لمدة طويلة في حالة طازجة . وبسبب ارتفاع مقدرة حليب الناقة على مقاومة التجرثم فإن الحموضة لا تسرع إليه وتتزايد بشكل بطيء ، وعند حفظ الحليب بدرجة حرارة + 10م فإن الحموضة الطبيعية فيه تبقى على حالها مدة 3 أيام.
كذلك أفادت الأبحاث العلمية أن وظائف الكبد تتحسن كثيرا في المرضى الذين أصيبوا بالتهابات الكبد ، وذلك بعد علاجهم بحليب الناقة الذي ثبتت فعاليته في العلاج . وفي كينيا تبين أن الرعاة الذين يعيشون على حليب الناقة فقط ، وكذلك الرعاة الذين يتناولون هذا الحليب في منطقة الأحجار في الصحراء الكبرى ، يتمتعون بصحة جيدة وحيوية متدفقة ، فحليب الإبل عندهم مشهور بصفاته التي توفر الصحة الجيدة والعافية بما في ذلك نمو العظام القوية، وبعض الرعاة الذين يعيشون على حليب الناقة فقط تحول لون أشعارهم إلى الأحمر ولكن شعرهم عاد إلى لونه الطبيعي عندما حصلوا على غذاء أكثر توازنا . كذلك فإن حليب الناقة له مفعول مسهل إذا تناوله إنسان لم يتعود استخدامه . ومن الواضح أن المعدة تضطرب فقط عند تناول حليب الناقة وهو لا يزال دافئا ، أما عند ما يبرد فليست له أي تأثيرات ضارة . وقد وضحت بعض البحوث أن لهذا الحليب خصائص تؤدي إلى تخفيف الوزن ، كما أنه سهل الهضم في الجسم . كذلك يعطي حليب الناقة للمرضى والشيوخ والأطفال والنساء الحوامل نظرا لغنى تركيب هذا الحليب بالمواد الغذائية التي سلف ذكرها ، وبخاصة الحموض الدهنية والمواد البروتينية والفيتامينات ، ولأن الدراسات أثبتت أن هذا الحليب مفيد للصحة وفي تكوين العظام.