التصنيفات
رموز و شخصيات

الأمير عبد القادر

النشأة
هوالامير عبدالقادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن شعبان بن محمد بن أدريس الأصغر بن إدريس الأكبر ابن عبد الله ( الكامل ) أبن الحسن ( المثنى ) أبن الحسن ( السبط ) ابن فاطمة بنت محمد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وزوجة علي ابن أبي طالب بن عم الرسول صلى الله عليه وسلم. يرجع أصله للأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع.
و أيضا من عائلة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم
لأدرج ضمن خطة احتفالية «دمشق عاصمة للثقافة العربية»، ترميم وتأهيل عدد من البيوت الشهيرة في دمشق بعضها كانت الدولة قد وضعت اليد عليها من أجل تحويلها إلى منشآت سياحية وثقافية، مثل قصر العظم، ودار السباعي، والتكية السليمانية، وغيرها. ويذكر أن بعض البيوت في دمشق القديمة كانت قد تحولت إلى مطاعم سياحية، كبيت الشاعر شفيق جبري، وبعضها لا تزال تنتظر ليبتّ بأمرها، والبعض الآخر، استثمرتها سفارات بعض الدول الأوروبية وحولتها إلى بيوت ثقافية، مثل «بيت العقاد» الذي تحول إلى المعهد الثقافي الدنماركي في حي مدحت باشا.

واليوم وبالاتفاق بين المفوضية الأوروبية والإدارة المحلية والبيئة، وضمن برنامج تحديث الإدارة البلدية، يجري تأهيل بيت الأمير عبد القادر الجزائري الواقع في ضاحية دمر، غرب دمشق، والقصر هو مصيف كان للأمير في «الربوة»، على ضفاف بردى، وسط روضة من الأشجار الوارفة!

القصر كما أفادنا المهندس نزار مرادمي الذي نفذ الترميم، يعود بناؤه إلى حوالي 140 سنة، سكنه الأمير عبد القادر مع عائلته عام 1871، ثم سكنه أبناء الأمير وأحفاده، وكان آخرهم الأمير سعيد الجزائري، رئيس مجلس الوزراء في عهد حكومة الملك فيصل، بعد الحرب العالمية الأولى. وصار القصر مهملاً مهجوراً، شبه متهدم، منذ عام 1948. والقصر اليوم مملوك لصالح محافظة دمشق لأغراض ثقافية وسياحية. تبلغ مساحة القصر المؤلف من طابقين 1832 متراً مربعاً. ويقول المهندس نزار، إن العمل تم في القصر ومحيطه، بعد إزالة البناء العشوائي، وسيتم افتتاح القصر رسمياً في شهر مايو (أيار) من العام الجاري. وسيضم القصر بعد ترميمه، قاعة كبيرة خاصة بتراث الأمير عبد القادر، بالتعاون مع السفارة الجزائرية بدمشق، التي عبرت عن استعدادها بتزويد القصر بكل ما يرتبط بتراث هذا المجاهد الذي يكن له الجزائريون كما السوريون والعرب كل التقدير، ليس لكونه مجاهداً ومصلحاً وحسب، بل أيضاً لكونه عالماً وفقيهاً وشاعراً، وداعية دؤوباً للتآخي بين شعوب الشرق.

ويذكر أنه بعد استقلال الجزائر، تم نقل جثمان الأمير، من دمشق إلى الجزائر عام 1966.

وقال المهندس نزار مرادمي ان عملية الترميم، تتركز على بعدين: ثقافي وبيئي. ويراد من ترميم القصر تحويله إلى بيت للثقافة، يزوره الناس مع ما يحمله اسم صاحب القصر من دلالات، والبعد الآخر سياحي، حيث يتم إنشاء حديقة بيئية أمام القصر وفي محيطه، وهذا يندرج ضمن المساعي القائمة لتحسين مظهر المدينة وتأهيل المعالم السياحية فيها.

ويذكر بهذا الصدد أن هذا القصر لم يكن المنزل الوحيد للأمير، ولم يكن محل إقامته الدائم. فمن المعروف أن منزله هو الذي منحته إياه السلطات العثمانية في حي العمارة بدمشق القديمة، والمعروف بـ«حارة النقيب» وهو الحي الذي ضم آل الجزائري حتى اليوم.
الأمير عبد القادر في دمشقاستقر الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق من عام 1856 إلى عام وفاته عام 1883، أي 27 سنة. ومنذ قدومه إليها من اسطنبول تبوأ فيها مكانة تليق به كزعيم سياسي وديني وأديب وشاعر.. وكانت شهرته قد سبقته إلى دمشق، فأخذ مكانته بين العلماء والوجهاء، فكانت له مشاركة بارزة في الحياة السياسية والعلمية. قام بالتدريس في الجامع الأموي، وبعد أربعة أعوام من استقراره في دمشق، حدثت فتنة في الشام عام 1860 واندلعت أحداث طائفية دامية، ولعب الزعيم الجزائري دور رجل الإطفاء بجدارة، فقد فتح بيوته للاجئين إليه من المسيحيين في دمشق كخطوة رمزية وعملية على احتضانهم. وهي مأثرة لا تزال تذكر له إلى اليوم إلى جانب كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي في بلاده الجزائر.
الأمير عبد القادر أثناء حمايته للمسيحيين في دمشقولمكانة الأمير عبد القادر عند السلطان العثماني عبد المجيد، لجأ إليه فردينان دو ليسبسمن أجل إقناع العثمانيين بأهمية مشروع قناة السويس، ودعي فيما بعد لحضور تدشين القناة عام 1869.
وهو بالإضافة إلى مكانته الوجاهية في دمشق، مارس حياة الشاعر المتصوف، و ويؤكدالباحث جمال الدين فالح الكيلاني في كتابه الامام عبدالقادر الجيلاني تفسير جديد ان الامير كان من سالكي الطريقة القادرية، نسبة إلى المتصوف عبد القادر الجيلاني، وله أشعار معروفة تنم عن عمق نظرته للإسلام، وللتسامح الديني، متأثراً أيضاً بالشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي، إذ يمكن القول إن الأمير عبد القادر يشبهه في بعض الجوانب. شبه نجده لا سيما في قدومه من المغرب متجولاً في المشرق وتركيا، ثم اختياره لدمشق موطناً حتى الموت. وربما ليس من باب المصادفة أن يدفن الأمير عبد القادر بجانب ضريح الشيخ الأكبر في حضن قاسيون.
من جهة أخرى عبر الفنان السوري أسعد فضة، عن رغبته في تجسيد شخصية الأمير عبد القادر الجزائري في فيلم سينمائي ضخم، بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية. وسبق للروائي الجزائري واسيني الأعرج أن قدم رواية تاريخية بعنوان «مسالك أبواب الحديد» عن الأمير عبد القادر وسيرة كفاح الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.
عن هذا الاهتمام اللافت بالأمير، سواء في سوريا أو في الجزائر، يرى النحات آصف شاهين، رئيس تحرير مجلة أبولدور الدمشقي: إن هذا الاهتمام وإن جاء متأخراً إلا أنه ضروري لرجل يستحق، وهو، أي الأمير، صاحب سيرة حافلة بالكفاح امتدت من المغرب العربي إلى المشرق، وإن كان الأوروبيون يشاركوننا في هذا الاهتمام، فقد كان الأمير عبد القادر رجل حوار وتحرر. وإن كان كافح الاستعمار الأوروبي، فقد عرفته بعض الشخصيات الأوروبية كمحاور متميز وواحد من أعلام الإسلام في ذاك العصر.
يرى المهندس هائل هلال أن الأمير عبد القادر لم ينل حقه من الإنصاف، وقلما يذكر إلا كمجاهد قديم، جاء من الجزائر إلى الشام ليستريح في أفياء غوطتها الغناء بينما في حقيقة الأمر، يقول هلال: إن الرجل كان أحد أكبر أعلام تلك المرحلة، وأنه هو وأحفاده فيما بعد، دخلوا التاريخ السوري من بابه الواسع.
ولد في 23 رجب 1222هـ / مايو 1807م، وذلك بقرية "القيطنة" بوادي الحمام من منطقة معسكر "المغرب الأوسط" الجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران
لم يكن محيي الدين (والد الأمير عبد القادر) هملاً بين الناس، بل كان ممن لا يسكتون على الظلم، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة "وهران"، وأدى هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها في رحلة طويلة.
كان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام 1241هـ/ 1825م، فخرج الوالد واصطحب ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم العودة إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام 1828 م، فكانت رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرا في قريتهم "قيطنة"، ولم يمض وقت طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر.

المبايعة
فرّق الشقاق بين الزعماء كلمة الشعب، وبحث أهالي وعلماء "غريس" عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعون على الجهاد تحت قيادته، واستقر الرأي على "محيي الدين الحسني" وعرضوا عليه الأمر، ولكن الرجل اعتذر عن الإمارة وقبل قيادة الجهاد، فأرسلوا إلى صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقبل السلطان "عبد الرحمن بن هشام" سلطان المغرب، وأرسل ابن عمه "علي بن سليمان" ليكون أميرًا على وهران، وقبل أن تستقر الأمور تدخلت فرنسا مهددة السلطان بالحرب، فانسحب السلطان واستدعى ابن عمه ليعود الوضع إلى نقطة الصفر من جديد، ولما كان محيي الدين قد رضي بمسئولية القيادة العسكرية، فقد التفت حوله الجموع من جديد، وخاصة أنه حقق عدة انتصارات على العدو، وقد كان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه الانتصارات، فاقترح الوالد أن يتقدم "عبد القادر" لهذا المنصب، فقبل الحاضرون، وقبل الشاب تحمل هذه المسؤولية، وتمت البيعة، ولقبه والده بـ "ناصر الدين" واقترحوا عليه أن يكون "سلطان" ولكنه اختار لقب "الأمير"، وبذلك خرج إلى الوجود "الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني"، وكان ذلك في 13 رجب 1248هـ الموافق 20 نوفمبر 1832.
وحتى تكتمل صورة الأمير عبد القادر، فقد تلقى الشاب مجموعة من العلوم فقد درس الفلسفة (رسائل إخوان الصفا – أرسطوطاليس – فيثاغورس) ودرس الفقه والحديث فدرس صحيح البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو، والسنوسية، والعقائد النسفية في التوحيد، وايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان القتال، وعلى ذلك فإن الأمير الشاب تكاملت لديه مؤهلات تجعله كفؤًا لهذه المكانة، وقد وجه خطابه الأول إلى كافة العروش قائلاً: "… وقد قبلت بيعتهم (أي أهالي وهران وما حولها) وطاعتهم، كما أني قبلت هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مؤملاً أن يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورفع النزاع والخصام بينهم، وتأمين السبل، ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهرة، وحماية البلاد من العدو، وإجراء الحق والعدل نحو القوى والضعيف، واعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله الاتكال في ذلك كله
دولة الأمير عبد القادر وعاصمته المتنقلة
وقد البطولة اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية "دي ميشيل" في عام 1834، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر، وبذلك بدأ الأمير يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها، وقد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ فرنسي بقوله: «يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب، دون أن يصيبه أذى!!». وكان الأمير قد انشا عاصمة متنقلة كاي عاصمة اوربية متطورة انداك سميت الزمالة
وقبل أن يمر عام على الاتفاقية نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في هذه المرة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر، ونادى الأمير قي قومه بالجهاد ونظم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا وخاصة موقعة "المقطع" حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوتها الضاربة تحت قيادة "تريزيل" الحاكم الفرنسي. ولكن فرنسا أرادت الانتقام فأرسلت قوات جديدة وقيادة جديدة، واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير وهي مدينة "معسكر" وأحرقتها، ولولا مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقى فيها حجر على حجر، ولكن الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا لتغيير القيادة من جديد ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال "[بيجو]"؛ ولكن الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة "وادي تافنة" أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عُرفت باسم "معاهد تافنة" في عام 1837م. وعاد الأمير لإصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع وتنظيم شؤون البلاد، وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي "بيجو" يستعد بجيوش جديدة، ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام 1839م، وبدأ القائد الفرنسي يلجأ إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العزل فقتل النساء والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تساند الأمير، واستطاع القائد الفرنسي أن يحقق عدة انتصارات على الأمير عبد القادر، ويضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى، ويهدد الفرنسيون السلطان المغربي، ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكن الفرنسيين يضربون طنجة وموغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى توقيع معاهدة الحماية، التي سبقت احتلال المغرب الأقصى.

بداية النهاية
يبدأ الأمير سياسة جديد في حركته، إذ يسارع لتجميع مؤيديه من القبائل، ويصير ديدنه الحركة السريعة بين القبائل ولما أراد الاستعانة بشيوخ الطريقة التيجانيّة في طرد الفرنسيين، رفضوا الانخراط في جيشه، تمشيّاً مع روح صوفيّتهم التي تأبى التدخل في السياسة، فقام بعدّة حملات على مركز التيجانيّة في (عين ماضي) التي قاومت هذه الحملات .
غدر به الفرنسيّون سنة 1251/1835 وخرقوا معاهدة (دي ميشيل) وحاولوا التفريق بينه وبين رجاله، ولكنهم باؤوا بالفشل، واستخدموا أسلوب الحرب التخريبيّة، بتدمير المحاصيل الزراعيّة، وتدمير المدن الرئيسيّة، وأقصوه بعد أربع سنوات من النضال، إلا أنه لم يستسلم، والتجأ مع إخوانه إلى مراكش سنة 1259/1843 ثم عاد إلى الجزائر، وقاد حركة الأنصار.
هزم بالخيانة شأن كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي، فهاجمته العساكر المراكشيّة من خلفه، فرأى من الصواب الجنوح للسلم، وشاور أعيان المجاهدين على ذلك، وأسره المحتلون سنة 1263/1847 وأرسلوه إلى فرنسا، حيث أهداه نابليون الثالث سيفاً ورتب له في الشهر مبلغاً باهظاً من المال، وسمح له بالسفر إلى الشرق سنة 1268/1852 فتوجّه إلى الآستانة وحصل له الإكرام والاحتفال من خليفة المسلمين السلطان عبد المجيد، وأنعم عليه بدار في مدينة بروسة، ثم استوطن دمشق، بعد توالي الزلازل على بروسة، سنة 1271/1855 فكان يقضي أيامه في القراءة والصلاة وحلقات العلم، وجمع مكتبة ضخمة، واشتهر بالكرم ولطف المعشر، وحب العلم وأهله.

الأمير الأسير
ظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م ثم استدعاه نابليون الثالث بعد توليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأمير كافة الشؤون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية. توقف في إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقر به المقام في دمشق منذ عام 1856 م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في المسجد الأموي كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة الحقيقية.
وفي عام 1276 هـ/1860م تتحرك شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعال في حماية أكثر من 15 ألف من المسيحيين، إذ استضافهم في منازله. لجأ إليه فردينان دو ليسبس لإقناع العثمانيين بمشروع قناة السويس.

وفاته
وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300 هـ / 26 مايو 1883 عن عمر يناهز 76 عاما، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها. وبعد استقلال الجزائر نقل جثمانه إلى الجزائر عام 1965 ودفن في المقبرة العليا وهي المقبرة التي لا يدفن فيها الا رؤساء البلاد.

الأمير عبد القادر وتأسيس دولته
ساحة الأمير عبد القادر في الجزائر العاصمةعندما تولى عبد القادر الإمارة كانت الوضعية الاقتصادية و الإجتماعية صعبة، لم يكن له المال الكافي لإقامة دعائم الدولة إضافة، كان له معارضون لإمارته، ولكنه لم يفقد الامل إذ كان يدعو باستمرار إلى وحدة الصفوف وترك الخلافات الداخلية و نبذ الاغراض الشخصية…كان يعتبر منصبه تكليفا لا تشريفا.وفي نداء له بمسجد معسكر خطب قائلا:«اذا كت قد رضيت بالامارة، فانما ليكون لي حق السير في الطليعة و السير بكم في المعارك في سبيل ”الله“…الإمارة ليست هدفي فأنا مستعد لطاعة أيّ قائد آخر ترونه أجدر منّي وأقدر على قيادتكم شريطة أن يلتزم خدمة الدّين و تحرير الوطن»
منذ الايام الأولى لتولّيه الإمارة كتب بياناأرسله إلى مختلف القبائل التي لم تبايعه بعد، و من فقرات هذا البيان أقوال منها: «بسم الله الرحمن الرحيم:والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده… إلى القبائل…هداكم الله وأرشدكم ووجّهكم إلى سواء السبيل وبعد… إن قبائل كثيرة قد وافقت بالإجماع على تعييني، و انتخبتني لإدارة حكومة بلادنا و قد تعهدت أن تطيعني في السرّاء والضرّاء وفي الرخاء والشدّة وأن تقدّم حياتها وحياة أبنائها وأملاكها فداء للقضية المقدّسة ومن اجل ذلك تولينا هذه المسؤولية الصعبة على كره شديد آملين أن يكون ذلك وسيلة لتوحيد المسلمين ومنع الفُرقَة بينهم وتوفير الامن العام إلى كل اهلي البلاد، ووقْف كل الاعمال الغير الشرعية…ولقبول هذه المسؤولية اشترطنا على اولئك الذين منحونا السلطة المطلقة الطاعة الدائمة في كل أعمالهم إلتزاما بنصوص كتاب الله وتعاليمه ..والأخذ بسنّة نبيّه في المساواة بين القوي و الضعيف، الغنيّ و الفقير لذلك ندعوكم للمشاركة في هذا العهد والقد بيننا وبينكم…وجزاؤكم على الله ان هدفي هو الاصلاح ان ثقتي في الله ومنه ارجو التوفيق»
إن وحدة الأمة جعلها الامير هي الأساس لنهضة دولته واجتهد في تحقيق هذه الوحدة رغم عراقيل الاستعمار و الصعوبات التي تلقاها من بعض رؤساء القبائل الذين لم يكن وعيهم السياسي في مستوى عظمة المهمة وكانت طريقة الامير في تحقيق الوحدة الوحدة هي الاقناع اولا والتذكير بمتطلبات الايمان و الجهاد، لقد كلفته حملات التوعية جهودًا كبيرة لان أكثر القبائل كانت قد اعتادت حياة الاستقلال ولم تالف الخضوع لسلطة مركزية قوية. بفضل ايمانه القوي انضمت اليه قبائل كثيرة بدون ان يطلق رصاصة واحدة لاخضاعه بل كانت بلاغته وحجته كافيتين ليفهم الناس اهدافه في تحقيق الوحدة ومحاربة العدو، لكن عندملا لا ينفع أسلوب التذكير والإقناع، يشهر سيفه ضدّ من يخرج عن صفوف المسلمين أو يساعد العدوّ لتفكيك المسلمين،وقد استصدر الأمير فتوى من العلماء تساعده في محاربة اعداء الدّين و الوطن.
كان الأمير يرمي إلى هدفين:تكوين جيش منظم وتأسيس دولة موحّدة، وكان مساعدوه في هذه المهمة مخلصون..لقد بذل الأمير وأعوانه جهدًا كبيرا لاستتباب الأمن، فبفضل نظام الشرطة الذي أنشأه قُضِي على قُطّاع الطرق الذين كانوا يهجمون على المسافرين ويتعدّونعلى الحرمات، فأصبح الناس يتنقّلون في أمان وانعدمت السرقات.ولقد قام الأمير بإصلاحات إجتماعية كثيرة، فقد حارب الفساد الخلقي بشدّة، ومنع الخمر والميسر منعًا باتا و منع التدخين ليبعد المجتمع عن التبذير، كما منع استعمال الذهب والفضة للرّجال لأنّه كان يكره حياة البذح والميوعة. قسّم الأمير التراب الوطني إلى 8 وحدات:(مليانة، معسكر، تلمسان،الأغواط، المدية، برج بو عريريج، برج حمزة(البويرة)،بسكرة،سطيف) ،كما أنشأ مصانع للأسلحة وبنى الحصون و القلاع(تأقدمات، معسكر،سعيدة) لقد شكل الأمير وزارته التي كانت تتكون من5 وزارات وجعل مدينة معسكر مقرّا لها، واختار أفضل الرجال ممّن تميّزهم الكفاءة العلمية والمهارة السياسيةإلى جانب فضائلهم الخلقية، ونظّم ميزانية الدولة وفق مبدأ الزكاة لتغطية نفقات الجهاد، كما إختار رموز العلم الوطني و شعار للدولة(نصر من الله وفتح قريب).




شكرا اختي سوزي

نبذة رائعة للبطل الامير عبد القادر




بارك الله فيك على الجلب الطيب




التصنيفات
السنة الرابعة متوسط BEM 2015

حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي

بسم الله الرحمن الرحيم
(حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)

الحمد لله وحده وبعد:
من الملاحظ أنه كلما نُشِرَ موضوع يبحث في سيرة الأمير عبد القادر الجزائري ـ سواءٌ لبيان أحداث جهاده وحروبه مع الجيوش الفرنسية ، أو للردِّ على الشبهات المثارة حوله ـ تبرز أسئلةٌ من بعض الإخوة القرّاء مضمونها : [لماذا الحديث دائمًا عن جهاد الأمير عبد القادر ومَنْ تَبِعَه من أهل الغرب الجزائري ولا يُتَحدَّث عن جهاد أحمد باي وأهل الشرق الجزائري؟ ولماذا رفضَ الأمير عبد القادر التحالف مع أحمد باي للقيام بثورة شاملة على جيوش الفرنسيين الغزاة؟ ولماذا قَبِل الأمير مهادنة الفرنسيين ريثما يقضوا على ثورة أحمد باي؟ ألم يكن من الأفضل أن يتحالف الأمير مع أحمد باي؟]
ويزيد بعض الإخوة سؤالاً آخر فيقول مستفهمًا ومتعجِّبًا : [لماذا يُقال عن الأمير إنه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة مع أنه أقام دولته في بعض ولايات الغرب فقط؟!]

وبسبب تكرار هذا الأسئلة رأيتُ من المهم أن أبيّن للإخوة القرّاء حقيقةَ الأحداث في تلك الحِقبة ، وذلك جوابًا على أسئلتهم. فأقول بدايةً :
إنني أوصي نفسي وجميعَ الإخوة بعدم التشنج على ما ترسَّب واستقرَّ في أذهاننا من معلومات قد تكون خاطئة، وأن نبدأ بقراءة تاريخنا من مصادره الصحيحة، وأن يكون هدفُنا الوصولَ إلى الحق وأخذ الدروس والعِبر من تاريخنا وماضينا، وما أجمل ما صدَّر به الدكتور محمد العربي الزبيري كتابه (الثورة الجزائرية في عامها الأول) حيث قال : حكمةُ الكتاب"إنَّ الذي لا يدرس الماضي لا يمكن أن يفهم الحاضر، ومِنْ ثمَّ فهو لا يستطيع بناء المستقبل ، لأنّ عملية البناء والتشييد تعتمد، أساسًا، على الواقع المَعِيش".انتهى
وسأذكر الآن أجوبة مختصرة على وجه السرعة، ثم أنتقل إلى التفصيل والتوثيق بعون الله تعالى.
1ـ إن الشعب الجزائري جاهد العدو الفرنسي المعتدي في جميع أنحاء الجزائر من الشرق إلى الغرب، وسطَّر بجهاده أروع الدروس للمعتبرين والذاكرين.
2ـ إنّ أهل الشرق الجزائري (قسنطينة وما حولها) كانوا معجبين بجهاد إخوتهم في الوسط والغرب الجزائري، وكذلك كان أهل الغرب والوسط معجبين بجهاد إخوتهم في الشرق الجزائري.
3ـ إنّ جهاد الشعب الجزائري ليس محصورًا أو مقيَّدًا بشخص واحد ، وإنما هو جهاد أمَّةٍ بكمالها ، وبروز اسم الأمير عبد القادر الجزائري في مقدمة الحديث عن جهاد هذه الأمّة سببه أنه هو القائد الذي توحَّدت وتجمَّعت تحت إمرته معظم قبائل ومدن الجزائر فأدَّت إليه البيعة ، وهو بدوره بذل كل وسعه في قيادتها وصيانة كرامتها ، فأجبر الدولة الفرنسية على الاعتراف بالأمّة الجزائريّة وجعلها تخضع لإمارته وتبرم معه المعاهدات الرسمية الدولية!
4ـ إنّ أهل قسنطينة وما حولها كانوا يريدون أن يبايعوا الأمير عبد القادر وهو يريد ذلك ، ولكن الحاج أحمد باي هو الذي عارض ذلك.
5ـ إنّ أحمد باي لم يسعَ إلى التحالف مع الأمير ولم يعرضه عليه مطلقًا!!
6ـ إن الأمير عبد القادر هو الذي عرض على أحمد باي أن ينضم إليه ويتحالف معه وذلك أكثر من مرّة.
7ـ إن أحمد باي هو الذي كان يرفض في كل مرّة التحالف والاتحاد مع الأمير.
8ـ إنّ أحمد باي هو الذي هاجم خلفاء الأمير في المنطقة الشرقية وقاتلهم دون أن يتعرّضوا له!
9ـ الأمير عبد القادر لم يحارب أحمد باي ولم يتآمر عليه أبدًا.
10ـ الأمير أبرم معاهدة تافنة مع دولة فرنسا لأجل تقوية جيشه وتخفيف الضغط عن الشعب الجزائري، وليس لأجل السماح لفرنسا بالاستيلاء على قسنطينة!(ولم يكن يعلم أن فرنسا تخطط لذلك)
11ـ أحمد باي لم يعلن أي ثورة ولا يوجد في التاريخ الجزائري شيء اسمه ثورة أحمد باي!!
12ـ الأمير عبد القادر بويع أميرًا على الجزائر من قبل معظم الشعب الجزائري ، وامتدّت دولته ونفوذه لتشمل معظم التراب الجزائري في الغرب والوسط والجنوب والشرق. والمدن التي لم تكن تحت إمرته هي أربع مدن ساحلية، ومدينة قسنطينة وبعض نواحيها فقط.
13ـ جميع ما ذكر هو باتفاق المؤرّخين الجزائريين والأجانب المعتَبَرين، وهو مُثْبَت في جميع المراجع المشهورة والمعروفة والمتداولة بين الناس.
14ـ على الذين ينكرون كل ما ذكر أو بعضه أن يبينوا أدلّتهم ويذكروا مراجعهم ووثائقهم.

وبعد :
فإنّه من الضروري لكل من يريد أن يتحدث في التاريخ بصدقٍ وعن عِلم ، أن يطّلع على مصادره ومراجعه المتخصصة ، وأن يكون على دراية في كيفية قراءة التاريخ وفهمه ، ومن المهم جدًّا أن يكون القارئ للتاريخ والباحث فيه حياديًا وغير منحاز لفئة أو متعصبٍ لها. وقبل كل ذلك لا بدّ أن يكون غرضه صحيحًا ويرجو فيه الخير ، ويتقي الله فيما يكتبه وينشره.
لذلك فإنني في جوابي سأعتمد المعلومات التي صدرت عن مراجع حيادية في تاريخ الجزائر، وسأترك المعلومات الواردة في الكتب والمراجع التي قد يصنّفها البعض أنها منحازة أو غير منصفة.
والذي أعتقده ـ بعد بحث وقراءة في الكثير من الكتب التي أرَّخت للجزائر ـ أنّ كُتب الأستاذ الدكتور (أبو القاسم سعد الله) مُؤرِّخ الجزائر الكبير، هي من أفضل المراجع التي يمكن الاعتماد عليها في هذا الخصوص، وخاصّة أنّ كثيرًا من الكتّاب والمؤرِّخين الجزائريين الذين هم من مشارب متعددة ومدارس مختلفة، يوافقونه فيما ذهب إليه وأثبَتَه في هذا الخصوص.

وقبل أن أسرد كلام الدكتور أبي القاسم ، أجد من المهم أن أوضّح بعض الأشياء.

أولاً؛ عندما نريد أن نعقد مقارنةً بين شخص الأمير عبد القادر وشخص الحاج أحمد باي ، علينا أن نعرف حجم الشخصيتين التاريخي ، وذلك يكون بتعرّف الآثار التي تركها كل واحد منهما ، وبتتبع صدى اسم كل منهما عبر العصور والحقب.
مثال على ذلك : إذا حاولنا جمع المصادر التاريخية التي كَتَبَت أو تَرْجَمَت لكل من الأمير عبد القادر وأحمد باي نجد أنّ حجم المصادر والكتب التي تحدثت عن الأمير أكبر بكثير من تلك التي تحدثت عن الحاج أحمد باي.
وهذا سواء في المصادر العربية أو الأجنبية! يقول لويس لاتايّادفي كتابه (الأمير عبد القادر) : ((إنَّ المراجع ذات الصلة بعبد القادر (كتب، نشرات، مقالات، وثائق أرشيف ..الخ ..) تتجاوز الألف كثيرًا)).انتهى[ص 245]
وقد بحثت عن أحمد باي في المراجع الكبيرة التي تصدَّت لترجمة الأعلام في العالم العربي والإسلامي ولو لم يكونوا من المشاهير؛ مثل (الأعلام) لخير الدين الزركلي ، وغيره؛ فلم أجده في تراجمها!
وكذلك إذا نظرنا في الآثار التي تركها الأمير وتحدّث عنها الكتّاب نجد أنّها أكثر وأعمق وأبلغ من تلك التي تركها أحمد باي وتحدَّث عنها الكتّاب.
فمثلاً : إن دولة فرنسا المعتدية على الجزائر اضطرت لعقد معاهدات مع الأمير عبد القادر واعترفت بسيادته على الكثير من أقاليمها، في حين لم تعقد أي اتفاقية أو هدنة مع الحاج أحمد باي!
ولذلك لا عجب أن يستمر الحديث والكتابة والتأليف وعقد المؤتمرات بخصوص الأمير عبد القادر الجزائري في العالم كلّه، في حين نجد أنّ الحاج أحمد باي لا يحظى بذلك الاهتمام. وهذا لا يعني التقليل من جهود أحمد باي أو التهوين من شأنه ، وإنما هي مسألة الأقدار التي كتبها الله لكل واحد من بني آدم.

ثانيًا؛ عندما نريد أن نعالج مسألة تاريخية يجب أن تكون هذه المسألة وقعت أصلاً، لا أن نفترضها أو نتخيلها! وعندما نريد أن نحكم على مواقف بعض الأشخاص يجب أن نكون على يقين من الدوافع التي كانت لديهم ، لا أن نضع لهم دوافع من عندنا ونحكم على نيّاتهم رجمًا بالغيب!

ثالثًا؛ علينا أن نفرّق ـ ونحن نقرأ التاريخ القديم وقد جُمِعت أحداثه المتفرّقة ـ بين ما نراه الحل الأفضل ونتمنى لو أنه حدث ولكنه لم يحدث، وبين أن نحمّل تَبِعات عدم حدوثه لأشخاص لم يكونوا يعلمون الغيب، وفوجئوا بالأحداث!

وقبل أن أَشْرَع في بيان الحالة التي كانت بين الحاج أحمد باي والأمير عبد القادر ، أجد من الضروري التعريف بشخصية الحاج أحمد باي وسيرةِ حياته .
عرّف الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله بشخصية أحمد باي وبيّن الأوضاع التي كانت تحيط به فقال : ((.. إن حياته غنية وخصبة وجديرة بالاعتبار.
ولِدَ قرابة سنة 1786م لأبيه محمد الشريف ابن الباي أحمد القليي ، الذي حكم قسنطينة نحوًا من خمسة عشر عامًا. وأمّه رقية ابنة الحاج ابن قانة ، رأس إحدى العائلات الصحراوية الكبيرة ، وشيخ من أبرز شيوخها (شيخ العرب). وتثقَّف أحمد بن محمد ثقافة عصره، فأخذ من العربية الأدبَ واللسان ، ومن التركية الحُكم والسلطان، وتربى مع لِدَاتِه أبناء الأُسر الجزائرية، واندمج في حياة المدينة والريف، وتمرَّن على الصيد والفروسية، ومارس الحكم وهو ابن 18سنة إذ عيَّنه أحد البايات قائدًا على قبائل العواسي، وكان إذا عزل من منصبه يذهب نحو الغرب (مليانة، العاصمة، البليدة، الخ.) بعيدًا عن المؤامرات حتى يصفو الجو ويأتي من يقرِّبه إليه. وعندما تولَّى حسين باشا الحكم سنة 1818م قرَّبه إليه واعتبره أحد المخلصين له وعيّنه نائبًا لباي قسنطينة عندئذ، وهو أحمد المملوك، ولم تأت سنة 1826م حتى أصبح هو باي الإقليم كله.
وتمكن أحمد بن محمد من أداء الحج قبل توليه وظيفة الباي.
ومع أنّ الحاج أحمد كان أقرب العناصر التركية في الجزائر إلى الشعب فإنّه ظلَّ وفيًا للخلافة والسلطان العثماني. فلم يفكر في إعلان الاستقلال وتوحيد البلاد تحت شعار الوطنية، أو على الأقل لم يستقل استقلالاً في درجة محمد علي والي مصر نحو السلطان. لقد كان الوحيد الذي يملك التجربة والنظام والقوة سنة 1830م. أمّا من ظهروا بعد هذا التاريخ فقد كان عليهم أن يبدؤوا من الصفر، أو كانوا لا يملكون إلا الطموح مثل بعض البايات الذين نافسوه…. وكان ما قام به من إجراءٍ نحو الأتراك الذين تآمروا عليه أثناء غيابه في الجزائر، كان إجراءً انتقاميًا لا سياسيًا.
وقد ظهر حزبان على الأقل في قسنطينة منذ 1830 : حزبٌ ينادي باستمرار النظام التركي العثماني ، تزعَّمه المتآمرون على الباي الغائب، ولا شك أنّ هؤلاء وعلى رأسهم حمود بن شاكر، كانوا يعتقدون أنّ الحاج أحمد ليس منهم وأنه وطني بالأمومة والعاطفة والتكوين ، وأنهم خافوا منه ليس على مصيرهم فقط ولكن على مصير النظام كاملاً، أي الولاء لاسطنبول. أمَّا الحزب الثاني فقد تزعّمه أعيان قسنطينة وعلى رأسهم الشيخ محمد بن الفكون، شيخ الإسلام، الذي كانت كلمته مستجابة، يُضاف إلى هذا أنّ الحاج ابن قانة خال الحاج أحمد، قد لعب دورًا في إقناع الأعيان المذكورين بجزائريّة الحاج أحمد وعروبته.
إنّ تاريخ عودة الحاج أحمد إلى قسنطينة وتخلّصه من الأتراك المتآمرين عليه بالقتل وغيره ، واعتماده على جيش جديد من الشعب واستيلائه من جديد على مقاليد السلطة، هذا تاريخ معروف عند الدارسين…
اعتمد الحاج أحمد إذن على العنصر الوطني أكثر من ذي قبل. فقد سقط النظام المركزي بالعاصمة الذي كان يمكن أن يمدَّه بالدعم العسكري، وبَعُدَت الشُقَّة بينه وبين الباب العالي، وكثر خصومه المنادون برأسه والساعون إلى منصبه. وهاهم الفرنسيون أيضًا يهاجمون عنابة وبجاية، ويبثون عيونهم ومناشيرهم، وهاهو باي تونس يتآمر عليه مع الفرنسيين. إذن لا مناص للحاج أحمد من الاعتماد على العنصر الوطني : جيشًا وإدارة ومالاً. فأمّا شيخ الإسلام فقد جلب إليه ولاء الحضر، وأمَّا زواجُه السياسي فقد جلب إليه ولاء القيّاد ورجال الصف : أهل الحرب والفروسية من أمثال أولاد مقران (مجانة) وأولاد ابن قانة (الزيبان)، وأولاد عز الدين (زواغة)، وأولاد عاشور (فرجيوة). كما أنّ ولاء ابن عيسى وأضرابه جلب إليه أهل زواوة الصغرى والكبرى بجيشهم القوي وصمودهم المثالي، وقد أعاد الحاج أحمد على ضوء ذلك تنظيم الإدارة والجيش والمالية والنواحي، ولقَّب نفسه بلقب الباشا، وأرسل إلى السلطان يُعلن له الولاء ويطلب التأييد المعنوي والمادي، وراسل أهل إقليم الوسط يطلب منهم البيعة له، ولكننا لا نعرف أنه طمح إلى طلب البيعة له من الإقليم الغربي. ومن أجل هذا التنظيم الجديد وتخلصه من المتآمرين عليه، اتُّهِم الحاج أحمد بالقسوة والطغيان وحب المال، كما اتهم بالجبن. ولكن تلك أحكام ما تزال في حاجة إلى تأكيد أو نفي لأنها أحكام صادرة عن أعدائه الفرنسيين وحزبهم من الجزائريين المعاصرين له.
وإذا كان الأمير (عبد القادر) قد اعتمد في إدارته على رجال الدين فإن الحاج أحمد قد اعتمد على رجال السيف. فالأسماء اللامعة في إدارة الأمير هي : البركاني والسعدي وابن التهامي وابن علال الخ. وكلهم من أهل العلم والدين والزوايا. أمّا الأسماء اللامعة في إدارة الحاج أحمد فهي : ابن عيسى وابن الحملاوي وابن قانة والمقراني الخ. وكلهم من رجال السيف والحرب. تلك إدارة الإقطاع الديني وهذه إدارة الإقطاع الاقتصادي. تلك إدارة المثقفين ، وهذه إدارة الحاكمين.
وكما كان للحاج أحمد أنصار وأصدقاء كان له أيضًا خصوم وأعداء.وقد كثر أعداؤه بالخصوص بعد فرض الغزو الفرنسي على مدينة الجزائر ، إذ تحرّك أصحاب النوايا الخاصة ، وطمع الطامعون في حكم قسنطينة بمساعدة العدو الفرنسي. ولم يكن يجمع هؤلاء الأعداء جامعٌ سوى السخط على الحاج أحمد والإطاحة به ، ولم يقدِّروا أنَّ المستفيد من تناحرهم هو عدوّ الجميع.
وهؤلاء الأعداء هم: 1ـ فرحات بن سعيد، 2ـ إبراهيم الكريتلي، 3ـ ومحمد الصغير بن نعمون، 4ـوأحمد الشريف الريغي، 5ـ وعبد الرحمن سلطان تقرت، وغيرهم. يضاف إلى ذلك عداوة الفرنسيين الذين ناصبوه العداء من أوّل وهلة وعينوا له اللقيط يوسف بايًا منافسًا له في عنّابة، 7ـ كما أنّ باي تونس كان عدوًا له يكيد له مع السلطان ومع رعيته، ويتحالف عليه مع الفرنسيين.
ومما لا شك فيه أن الأمير عبد القادر كان أيضًا من خصوم الحاج أحمد ، ولكنه لم يحاربه في الميدان أو يكيد له مع الفرنسيين ، وإنما بدأ يهتم بقسنطينة بعد توقيع معاهدة التافنة ، وأخذ يسعى بالمراسلة ونحوها إلى الاعتراف به سلطانًا وأميرًا للمؤمنين على الجزائر العثمانية كلها)).انتهى[(الحركة الوطنية الجزائرية) لسعد الله من ص140 إلى 145 باختصار]

إذن : هذه نُبذة سريعة من حياة الحاج أحمد باي ، وإذا أخذنا الجانب المتعلق بالعلاقة بينه وبين الأمير ، فإننا نجد أنّ الأستاذ أبا القاسم قد وصف العلاقة بينهما بالخصومة! فقال:"والأمير من خصوم الحاج أحمد"؛ في حين نجده قد وصف الآخرين بأنهم أعداء للحاج أحمد ؛ والذي أراه أنّ الأستاذ أبا القاسم قد تعمّد ذلك ولم يستعمل لفظ العداء وإنما عَدَلَ إلى لفظ الخصومة وزاده توضيحًا فقال :"ولكنه لم يحاربه في الميدان أو يكيد له مع الفرنسيين" والفرق واضح بين قولنا فلان عدو فلان ، وبين قولنا فلان خصم فلان. لأنّ الخصومة هي خلاف في الرأي وليس معها عداوة.
وإذا رجعنا إلى العبارة الأولى لسعد الله نجده قال : (وكما كان للحاج أحمد أنصار وأصدقاء كان له أيضًا خصوم وأعداء) . فجعل كلمة الخصوم في مقابلة الأنصار ، وكلمة الأعداء في مقابلة الأصدقاء.
ومع ذلك فإنّ كلام الأستاذ سعد الله ـ على إنصافه واحتياطه ـ بحاجة إلى توضيح من كان يخاصم الآخر؟ هل الأمير هو الذي خاصم أم أحمد باي هو المخاصم؟ وفي النقول التي سأعرضها عليكم من كتب الأستاذ سعد الله ، نجد دون أدنى شك أنَّ الحاج أحمد باي هو المخاصم .
وأستطيع القول إنّ الأمير لم يكن يحمل أي عداء أو كره لأحمد باي ، بدليل أنّنا إذا رجعنا إلى كتاب (تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر) نجد أنّ الكاتب عندما يتحدّث عن أحمد باي لا يصفه بأي وصف يشعر بوجود أي بغضاء أو حتى خصومة. ومؤلّف هذا الكتاب هو محمد باشا الابن الأكبر للأمير، وبدأ بكتابته في حياة الأمير ، فلو كان هناك أي عداوة أو خصومة لظهرت في كلامه لكننا لا نجد أثرًا لذلك.
وكذلك إذا رجعنا إلى كتاب (نخبة ما تسر به النواظر) وهو من تأليف الأخ الأصغر للأمير، السيد أحمد بن محيي الدين الحسني ، لا نجد أي كلمة أو عبارة تشعر بوجود عداوة بين الأمير وأحمد باي. بل على العكس، نجده لا يذكره باسمه فحسب بل يضيف إليه لقب الحاج فيقول الحاج أحمد باي! وفي هذا دليل على احترام الرجل.
والذي وجدته في كلام شقيق الأمير أنه عندما تحدَّث على سقوط قسنطينة في أيدي الفرنسيين ذكر أخطاء أحمد باي التي تسببت في سقوط تلك المدينة العظيمة، دون التعرض لشخص الرجل أو التشهير به.
والأمر الذي اتفق عليه المؤلِّفان هو الإشادة بأهل قسنطينة وبعلمائها ، والإعجاب ببسالة وشجاعة المجاهدين من أهل قسنطينة ، والتأسف على سقوط المدينة بأيدي الفرنسيين . فأورد محمد باشا ابن الأمير نصَّ الجواب الذي أرسله أعيان قسنطينة ردًّا على طلب الفرنسيين ـ المحاصرين لقسنطينة ـ تسليم المدينة ، ونَصُّه : ((من الأمّة المحافظة على شرفها وبلدها إلى العسكر الفرنساوي المعتدي على حقوق غيره : قد وصلتنا رسالتكم وفهمنا ما ذكرتموه فيها ، نعم إنّ مركزنا أمسى في خطر عظيم، ولكنْ استيلاؤكم على قسنطينة المحمية بالأبطال العربية الذين لا يهابون الموت ، موقوفٌ على قتل آخر واحد منهم. واعلموا أنَّ الموت عندنا تحت أسوار بلدتنا أحسن من حياتنا تحت سلطة فرنسا)).انتهى
ثمّ تحدَّث عن الهجوم الفرنسي على قسنطينة وكيف استطاع أهلها الأبطال المدافعون عنها أن يقتلوا 1ـالحاكم الفرنسي الجنرال دومريمون، 2ـ والجنرال بريكو، 3ـ والكمندان كومب، 4ـ والقائد فمبه دمبريني، 5ـ وجرحوا القائد الشهير لامورسيير جرحًا بليغًا أعجزه عن القيام ، 6ـ ووقع الألوف من العسكر الفرنسي قتلى وصرعى في أسوأ معارك الفرنسيين مع الجزائريين.
وأمّا السيد أحمد بن محيي الدين الأخ الأصغر للأمير، فعندما تحدَّث عن هجوم الفرنسيين على قسنطينة فإنه ذكر تفاصيل دقيقة لمِا حدث، ثمّ بيَّن أنَّ الذي كان له الفضل في حثِّ أهالي قسنطينة على الدفاع عن أنفسهم وحريمهم وأولادهم ويحرِّضهم على الجهاد والذب عن البلاد إنما هو شيخ البلدة وقائدها ابن البجاوي وليس الحاج أحمد باي، إلى أن مات ابن البجاوي في المحاصرة الثانية واستولت فرنسا على المدينة، وأحمد باي متربصٌ خارجها ينظر ما يؤول إليه أمرها!!

إذن من أين جاء الحديث عن الخصومة أو التنافر بين الأمير والحاج أحمد باي؟
الذي وجدته أنّ هذا الكلام لم يكن له وجود قديمًا وإنما الذي أشاعه وروَّج له هو الدكتور عبد الجليل التميمي التونسي! وتَبِعَةُ ذلك تقع عليه ، ووِزْرُ ذلك يلحق به ، وعند الله تلتقي الخصوم!
فالقارئ لأبحاث التميمي الخاصة بالتاريخ الجزائري يجد أنّ الرجل يبغض الأمير عبد القادر الجزائري بغضًا شديدًا ، وينسب إليه الأباطيل ، ويصوّره في أبشع صورة ، معتمدًا على خياله ومكنونات نفسه!! وقضية الخصومة بين الأمير وأحمد باي إنما هي نموذج من أعماله المسيئة للأمير ولتاريخ الجزائر.
وما يتقوّى به من عرض ما يسميه بالوثائق! لا يقوم به أي دليل علمي. فإنّ تلك الوثائق المزعومة في معظمها تفتقر إلى توثيق ثبوتها أولاً قبل النظر فيها، وقد ثبت بطلان معظمها ، ولكن الدكتور التميمي الذي يفتخر بأستاذه الفرنسي "روبار منتران" ويعتمد منهج المدرسة الفرنسية في معالجة التاريخ ، يأبى القبول بذلك ، ويكتفي بأي ورقة تُلقى إليه من الأرشيفات وفيها اسم الأمير حتى يعتمدها ويبني عليها!!
وأعجب من ذلك أنه حتى إذا تجاوزنا هذا الخلل العلمي الفظيع (وهو مسألة التحقق من الوثائق) ونظرنا في تلك الوثائق فإننا لن نجد المعاني التي استنتجها التميمي وبنى عليها أبحاثه! بل سنجد بكل وضوح أنّ الرجل لا يقرأ ما كُتب في تلك الوثائق وإنما يقرأ ما في ذهنه فحسب!!
الخطير في المسألة أنّ الدكتور التميمي الحائز للوسامِ الثقافي الفرنسي!!! Chevalier de l’Ordre des Arts et des Lettres من وزير الثقافة الفرنسي(J. Lang)سنة 1984م ـ قام بخلق فتنة فظيعة بين أبناء القطر الجزائري ، وراح يشككهم برجالاتهم : برفعه من يحب وخفضه من يبغض! وقَلَبَ حقائق تاريخ النضال الجزائري ، وقد تصدى له بعض علماء الجزائر وردّوا عليه ، ولكن ما كُتب قد كُتب ، وما قيل قد قيل!!
ومن الأمثلة التي تظهر بوضوح تحامل التميمي على الأمير إلى درجة أنه لم يعد يميز ما يقرأ : أنه في بحثه الذي قدّمه عن الأمير عبد القادر في المؤتمر الدولي الثاني لتاريخ بلاد الشام (1978) ـ أوردَ كلامًا على لسان الأمير زعم أنه في رسالة وجهها الأمير من (إمبواز) إلى صاحبه (محمد البوحميدي) "يشرح له فيها عن مدى إعجابه بالفرنسيين لشدة إكرامهم له واحترامهم له إلى درجة لم يكن يتصورها!!" واستنتج بعدها التميمي أن الأمير قد انقلبت مشاعره تجاه فرنسا وأنه أصبح بعد وصوله إليها معجبًا بها وبحضارتها …الخ
والمضحك المبكي في الموضوع أنّ هذه الرسالة كما أرّخ لها التميمي أرسلها الأمير من إمبواز!!!والمعروف أنّ الأمير كان سجينًا هناك هو وأمّه وإخوته وعائلاتهم، وكانوا يعيشون ظروفًا صعبة وأوضاعًا سيئة تسببت في موت بعض أولاد الأمير وبعض أقاربه وأصحابه!!! فكيف تقبّل التميمي أن يكتب الأمير رسالة يُثني فيها على الحكومة الفرنسية التي غدرت به وزجَّت به في السجن خمس سنين؟!!
ولكن المضحك فعلاً أنّ الرسالة موجهة إلى البوحميدي!!
والصغير قبل الكبير ـ فضلاً عن المؤرخين وأهل العلم ـ يعلم أنّ البوحميدي لقي حتفه على يد سلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام الذي غدر به وقتله سنة 1847م مع أنه كان في مهمة سفارة بين الأمير والسلطان ، وذلك قبل وصول الأمير إلى أمبواز!!!
أرأيتم إلى هذا التحقيق الفريد من نوعه الذي قام به الدكتور التميمي!! الأميرُ السجين يشكر السجَّان الفرنسي ويثني عليه! والأمير يُراسل صديقه الميت ليخبره أنه مسرورٌ في سجنه فرحٌ بموت أطفاله وأقاربه ، والرسالة تصل إلى قبر البوحميدي فيقرؤها ثم يرقد في قبره مطمئنًّا ، ويبعث بنسخة من الرسالة إلى التميمي!!
إنّ الذين يقبلون مثل هذا الكلام الذي هو أشبه بالهذيان ، عليهم ألاّ يتوقعوا أن يقبله أهل العلم وأهل الفطنة ، وقبل ذلك أصحاب السرائر الطيبة والسويَّة ، وعليهم أن يعلموا أنّ التاريخ لن يذكرهم إلاّ بسيئ أعمالهم .
لا أريد الإطالة الآن في الحديث عن الآثار السيئة لكتابات د. التميمي في التاريخ الجزائري ، ولكن الذي أريد التنبيه عليه هو عدم الركون إلى كتاباته وعدم الاعتماد على آرائه وقراءته الخاصة!

والآن سأشرع بعرض كلام الأستاذ الدكتور سعد الله :

يقول د.أبو القاسم سعد الله : ((وكان على رأس الإقليم سنة الاحتلال الحاج أحمد بن محمد الشريف ، وتحته عدد من الشيوخ والآغوات والقيّاد ، يحكمون باسمه الأجزاء الأخرى من الإقليم . ورغم حضوره لنزول قوات الغزو بسيدي فرج ومشاركته في معركة اسطاويلي وغيرها ، إلاّ أنه عاد إلى إقليمه عندما تأكّد من سقوط نظام حسين باشا ورأى ضعف وانهيار قيادة الآغا إبراهيم . وللمرء أن يتساءل : لماذا فضل الحاج أحمد الرجوع إلى قسنطينة ولم يحاول انقلابًا في العاصمة ، خصوصًا وهو جزائري المولد والأم والعاطفة ، وهو أيضًا يعرف مدى سخط الناس عن (تتريك) النظام القائم؟ هل أن صداقته مع حسين باشا منعته من ذلك؟ هل أن الحزب الوطني كان يعتبره (تركيًا) أيضًا؟)).انتهى[(الحركة الوطنية الجزائرية)الجزء الأول ص140]
وقال ص141 : ((ورغم أن الحاج أحمد كان أقرب العناصر التركية في الجزائر إلى الشعب فإنه ظلَّ وفيًا للخلافة والسلطان العثماني)).انتهى

وأثناء حديثه عن بداية ضعف أحمد باي قال د.سعد الله : ((..وهكذا لم تأت سنة 1837م حتى كانت قوة الحاج أحمد في الحقيقة قد اعتراها الضعف والوهن، وأضرّت بها الفرقة والطمع وقِصَرُ النظر عند البعض ، واشتغال الباي نفسه بإطفاء حرائق بيته قبل الاشتغال بالتحضير ومواجهة العدو. كما أنَّ الرجل قد حكم حوالي اثني عشر سنة واستَنْفَدَ كل طاقاته الإدارية والعسكرية ، وكاد يصبح سجين عاصمته لا يخرج منها إلاّ خائفًا يترقّب ، فقد عزل نفسه قبل أن تعزله الحملة الفرنسية . وكان بعيدًا كل البعد عمّا نسميه اليوم بالقاعدة الشعبية ، لا يختلط بها ولا يشاورها ولا يعيّن الرجال منها ، ولا يستثيرها بعاطفة جديدة كالجهاد والوطنية([1]) . كان يكرر شعارات قديمة أكل عليها الدهر ، وهو أنه رعيّة من رعايا السلطان العثماني ، وهي دعوة تنفع في القرن السادس عشر ، ولكنها لم تعد تجدي نفعًا سنة 1837م . لقد ملَّ كثيرٌ من الناس ظلمَ الأتراك (العثمانيين) وجمودهم على حالة واحدة ، ونظرتهم الارستقراطية ـ الدكتاتورية ، وابتزازهم للمال دون تقديم بديله من علم وفكر وتقنيات ، مع أنهم في قرارة قلوبهم يعرفون أنهم يشتركون معهم في الدين ، ولو لم يبق من هذا الدين المشترك إلا القشور . وهكذا فإن الحاج أحمد في نظرنا قد سقط قبل 1837 ، أسقطه الجزائريون لا الفرنسيون …. أسقطه الجزائريون لأنه لم يقدم لهم بديلاً عن النظام القديم .. فها هي عاصمة الجزائر لم تعد كما كانت في عهد حسين باشا ، وها هي الناحية الغربية والوسطى أصبحت تحكمها معاهدة التافنةوظهر على مسرحها بطلٌ جديد كلّ الجدّة في شخصه وفي أفكاره وفي تنظيماته ، بطلٌ ليس كأبطال الأمس الذين كانوا يُغيرون على سفن القرصنة الأوربيّة فيصبحون بعدها ريّاسًا ودايات وباشوات، إنه بطلٌ كأبطال اليوم يَرْجعُ إلى الشعب ويحسّ بنبضاته ، ويتقمّص آماله ، ويحتكم إلى القرآن والسنة وآثار السلف ، وينفتح على الحضارة والعلم والعقل ، ويستمد طموحه من الشرف والجهاد والوطنية. ولذلك شهدت سنة 1837 طلوع نجم وأفول نجم ، أحدهما يمثّل المستقبل والثاني يمثل الماضي . ولقد صدق (فاليه) عندما حذّر حكومته من الخطر الذي يمثله عبد القادر ولا يمثله الحاج أحمد، عندما كتب من الجزائر إلى وزيره للحربية يقول له:إنَّ الباي ليس له سوى قوة غير دائمة، وهو ليس باعثًا للقومية العربية، كالأمير عبد القادر، "وهي القومية التي ستقلب أوضاعنا ظهرًا على عقب، وتجعلنا نرى مؤسساتنا مهددة بهذه القوة الجديدة مستقبلاً، بل وتجعلنا نعبر البحر من جديد عندما تتطور وتتقدم نحو الحضارة")).انتهى[ص156ـ 157]

ويتابع د. سعد الله فيقول: ((وذلك ما تحقق فعلاً سنة 1962 ، فقد نمت فكرة الأمير القومية حتى أصبحت عملاقًا ضخمًا، واعتنقت مبادئ الحضارة ، وأجبرت الفرنسيين فعلاً على عبور البحر من جديد! ولكن ما الفكرة الجديدة أو البديل الذي قدّمه الحاج أحمد للأجيال الجزائرية التي ولدت وتعاقبت بعد 1837؟
لقد كان الأولى بالحاج أحمد ، على الأقل بعد سقوطه ، أن ينضم تحت لواء الأمير ، أو يوصي من بقي له من أتباع بالانضواء تحت لوائه ، إذا كان هو لا يستطيع ذلك . ولكننا وجدناه قد أخذته العزّة بالإثم ، فاستمرّ على ركوب رأسه في عدم الخضوع لابن محيي الدين (كما كان يُسمّي هو الأمير) حتى سنة 1838. فها هو يخبر وزيره السابق، علي بن عيسى ، الذي عاونه على الدفاع عن قسنطينة ، يخبره أن الأمير قد وجّه الرسائل إلى أعيان قسنطينة يطلب منهم الدخول في طاعته بعد احتلالها من الفرنسيين ، وأن إحدى هذه الرسائل قد وصلته هو (الحاج أحمد) شخصيًا . ومما قاله لابن عيسى أنه لن يخضع للأمير لأنه لن يستطيع ، في نظره ، أن يصبح (أميرًا) بالفعل ولو وصل إلى السماء ، لماذا؟ لأن عبد القادر في نظر الحاج أحمد ليس من سلالةٍ تلد الأمراء! وقد وعد صاحبه بأنه إذا نشبت الحرب (وهو يتكلّم أثناء سنة الهدنة ـ معاهدة تافنة) فسيختار جانب الفرنسيين على جانب ابن محيي الدين!)).انتهى[ ص157ـ 158]

ويقول د. سعد الله: ((وفي الوقت الذي كان الحاج أحمد يطلب فيه المعونة من جيرانه من السلطان العثماني كان يرفض التعاون مع الأمير وخلفائه في الأوراس! . فقد عرفنا أنه اتصل سنة 1838م برسالة شخصية من الأمير ورسالتين أخريين لأصحابه الذين كانوا معه ، وهي جزء من حوالي مئتي رسالة كان الأمير قد وجهها إلى أعيان الناحية الشرقية يطلب منهم فيها التعاون وتوحيد الجهاد ضد العدو المشترك . ولكن الحاج أحمد رأى في ذلك حطًّا من قيمته (في موقف شبيه بموقف مصطفى بن إسماعيل آغا الدواير والزمالة) وتعهد لصديقه علي بن عيسى بأن لا يفعل ذلك مطلقًا . ولم يكتف الحاج أحمد برفض التعاون مع الأمير والوقوف على الحياد ، بل إنه حارب خلفاء الأمير في المنطقة)).انتهى[ ص224 ؛وانظر تتمة الكلام في الصفحة ذاتها!]
قال د.أبو القاسم : ((كان دفاع المدينة مسنودًا إلى القائد ابن عيسى الذي طالما حارب الفرنسيين في عنابة والذي أظهر حنكة ومقدرة فائقة أثناء الحملة الفرنسية الأولى على قسنطينة ، أمّا الحاج أحمد فقد كان يراقب سير المعركة مِنْ على ربوة خارج المدينة . ويُقال أنه كان متهيّئًا للهروب إذا نجحت الحملة ، وأنه لم يقم بأي دور في الدفاع عن المدينة ، معنويًا كان أو عسكريًا، كما يُقال أنه اصطحب معه عائلته وما هو عزيز عليه من مالٍ ومتاع قبل بدء القتال)).انتهى[ ص59]

7ـ وقال د.سعد الله في الحاشية (50) ص196 : ((يذكر أحد الفرنسيين أن الباي الحاج أحمد اعترف لهم بأنه قطع اثني عشر ألف رأس أثناء حكمه (طبعًا من الجزائريين!) ، انظر (مذكرات شانقرنييه) ، تعليق في هامش منها . ويقول عنه سيروكا في المجلة الإفريقية 1912 ،ص379 أنه كان يقتل الأتراك الذين تآمروا ضده خمسة خمسة أو ستة ستة حتى تخلص من جميعهم بطريقة سرية . وكان عددهم حوالي 1,200)).انتهى

وعند حديثه عن أسباب هزيمة فرنسة في قسنطينة قال د.سعد الله: ((.. وليست العبرة هنا بقائد معيّن ، فالحاج أحمد لم يلعب أي دور فعّال في هذا الجهاد ، وسواء كان حاضرًا أو غائبًا فإن روح المقاومة كانت متأجِّجة . ولا نعرف أن الحاج أحمد عندئذ قاد معركة بنفسه أو أطلق ضربة مدفع، أو حتى خطب في الناس خطبة تحميس أو تشجيع ، ومن ثمَّة فالمقاومة تبدو تلقائية منطلقة من رصيد أهل قسنطينة ، حضرًا وريفيين ، في حب الحرية والجهاد والوطنية)).انتهى[ص160]

يقول د. أبو القاسم سعد الله : ((وسقطَ الحاج محمد بن البجاوي ، قائد الدار ، شهيدًا أثناء الدفاع عن المدينة، واختفى الحاج أحمد ووزيره علي بن عيسى ومعهما ما يستطيعان حمله من متاع!!)).انتهى[ص162]

10 ـ ويتابع د.أبو القاسم فيقول : ((لقد كشفت الحملة الثانية على قسنطينة إذن عن أمور :
أولها ؛ عناد المقاومة واستماتة الناس في الدفاع عن مدينتهم ورمزهم . ولم يبالوا بمدد السلطان ، ولا ببقاء الحاج أحمد أو انسحابه. فقد قاوموا العدو بحضور الباي وفي غيابه.
وثانيها ؛ أن مقاومة الحاج أحمد كانت معتمدة على لقبه وعلى بعض الحصون والأسوار والأحكام الإدارية وليس على القلوب والولاء والمبادئ ، ذلك أن خروجه من قسنطينة كان يعني نهايته ، ولو كان يقود مقاومة شعبية تعتمد على المواطنين لقادهم بعد سقوطه في الأرياف ولكوّن عاصمة جديدة أو حتى عاصمة متنقلة ، كما فعل الأمير بعد سقوط "مْعسكر" ، ولأصبح رمزًا لحركة جهاد شاملة لا تعرف مدينة ولا تؤمن بباي أو باشا أو سلطان ، ولكن بالدين والوطن والشرف)).انتهى[ص162]

11ـ قال د. أبو القاسم : ((وأما الحاج أحمد فقد كاد يختفي أثره بعد خروجه من قسنطينة سنة 1837م ، ولم يقم خلال عشر سنوات بقيها في جبال الأوراس والصحراء بأي عمل يهدد العدو أو بأية محاولة جادة في نصرة الأمير، أو بتنظيم المقاومة الوطنية في أسلوب جديد تحت قيادته، ولذلك قلنا إن جهود الحاج أحمد قد انتهت باستيلاء العدو على قسنطينة)).انتهى[الحركة الوطنية الجزائرية لأبي القاسم سعد الله ص210]

ـ وأمّا السؤال الثاني فهو : لماذا يُقال عن الأمير إنه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة مع أنه أقام دولته في بعض ولايات الغرب فقط؟!
والعجيب في هذا السؤال كيف غاب عن الإخوة الذين يسألونه بَدَهيات التاريخ الجزائري الحديث!
ومع ذلك أقول في الجواب (مختَصِرًا من مجموعة من كتب التاريخ الجزائري القديمة والمعاصرة) :
بعد سقوط الحكم التركي في الجزائر ـ إبَّان الغزو الفرنسي ـ وخروج الداي حسين والباي حسن وعودتهم إلى اسطنبول صارت الجزائر دون حاكم يحكمها ، فالتفَّت القبائل حول السيد محيي الدين بن مصطفى الحسني المقيم في (القيطنة) وذلك لأنه سليل أشهر أُسر الأشراف الأدارسة في الجزائر (المغرب الأوسط) إضافةً إلى منزلته الرفيعة ومكانته العظيمة في نفوس الأهالي ، وذلك لوفور فضله وحسن خلقه ولسَعة علمه وشدة تديُّنه، فقادها في جهادها للعدو الفرنسي المعتدي ، ثمّ اتجهت الأنظار نحو ابنه الشاب عبد القادر فبايعه مجلسُ علماء مدينة (معسكر) في الثالث من رجب 1248هـ /1832م ، ثمّ بايعه الناس بيعةً عامّة في 13رمضان من السنة نفسها ، وكان ممن بايع القبائلُ الشرقية والأحياء الغربية ، ثمّ أجمعت الجهات الغربية والجنوبية على إمارته وبيعته .
فأقام الأمير عبد القادر الإمارة على الفضل والعدل والنظام وباشر الأعمال ، ورِكِب الأخطار ، وضَرَب النقود من الفضة والنحاس ، وأنشأ معامل الأسلحة واللِّباس ، وجعل مدينة (معسكر) حاضرة إمارته . ووضع للدولة الفتيّة دستورًا تضمّن مجموعة القوانين التي نظمت الدولة وقد طُبِع باسم (وشاح الكتائب وزينة الجندي المحمدي الغالب).
وعبّأ الأمير جيوشه بنظام كامل ، وعيّن رجال الدولة ، ورتّب مجلسًا للشورى من أحدَ عَشَر عضوًا ، ورئيسهم القاضي أحمد بن الهاشمي .
فلمّا رأت فرنسة ذلك وقيامه بأمر الدين والجهاد هابته وحسبت له حسابًا .
وفي 25رمضان 1249هـ /1834م عَقَدَ مع فرنسة معاهدة (دي ميشيل) اعترفت له فيها بمقاطعة وهران ما عدا المدينة وهران ومستغانم والجزائر ، وأن يستورد السلاح من أي جهة أراد وأن يُعيّن معتَمَدين (قناصل) في وهران ومستغانم والجزائر وغيرها . فعَظُمَ شأنهُ وقوي سلطانه وأصبح أمير الجزائر الشرعي .
وامتدّ سلطان الأمير على بعض البلاد التي لم تكن داخلة ضمن حدوده وقت معاهدة دي ميشيل مثل (المديّة)، و(مليانة) ورتّب فيها المسالح بالرغم من احتجاج الحاكم الفرنسي للجزائر.
وفي معاهدة (تافنه) 30/5/1837م اعترفت له فرنسا بموجبها بجميع مقاطعة وهران ، وقسم كبير من مقاطعة الجزائر . فشَرَع الأمير بعد ذلك بتوجيه سلطته على تلك البلاد التي دخلت حديثًا تحت سلطانه وكانت الأطراف جميعًا راضية به ما عدا الخونة والمتَنَصِّرين!
نظَّم الأمير جيشَه وفق نُظُم الجيوش الحديثة ، وقسّمه إلى مشاة وفرسان ومدفعيّة ، كما اختصّ بنظام في اللباس والمأكل والرواتب والتعليم والترقية ، وأعدّ معامل السلاح ومخازن الذخيرة والمؤن ، ورمَّم القلاع ولم يغفل عن شيء مما يلزم لتأسيس الحكومات .
وفي 11رمضان 1255هـ /1839م نادى الأمير بالجهاد ، وقامت الحرب أربع سنين بعدها ثبت فيها الأمير الثبات الذي خلَّد له الذكر . وكان سبب استئناف القتال هو أن الفرنسيين نقضوا المعاهدة متعللين بتفسيرات لها .
وباختصار فإن المدن والنواحي التي بايعه أهلها وجاهدوا تحت إمرته هي:
سهل غريس ، معسكر ، تلمسان ، المدية ، مليانة ، محيط وهران ، وأرزيو ، ومستغانم ، برج حمزة (البويرة) الجلفة، وبلاد القبائل الكبرى (زواوة) ، شرشال ، تقادمت ,… سهول متيجة (لقد عيّن الأمير عبد القادر الحاج السعدي خليفة له في المنطقة الممتدة من سهل متيجة إلى ناحية الشرق لتشمل كل النواحي غير الخاضعة للحاج أحمد باي قسنطينة) ، الحجوط ، شرق وغرب الصحراء ، مجانة ، سطيف، والأغواط، عين ماضي، وبسكرة…،الخ
وبكلام جامع أقول لقد كانت دولة الأمير تشمل عشرة أقاليم هي :
1ـ إقليم الغرب أو تلمسان.
2ـ إقليم معسكر .
3ـ إقليم مليانة الذي يشمل شرشال وتنس.
4ـ إقليم المدية أو التيطري سابقًا.
5ـ الجلفة.
6ـ إقليم برج حمزة ؛البويرة (سباو الشرق) [الذي كان من قبل تحت نفوذ الحاج السعدي كممثل للأمير]
7ـ إقليم مجانة [الذي هدف الأمير من وراء إنشائه إلى إثبات شرعية نفوذه على إقليم قسنطينة القديم]

8ـ إقليم الأغواط والصحراء الغربية.
9ـ إقليم الزيبان والصحراء الشرقية (بسكرة).
10ـ إقليم الحضنة ؛ بوسعادة.

إنّ الذي يوحِّد كل تلك الأقاليم والمدن ويحصل على تأييدها وبيعتها وينشئ لها جيشًا ودواوين ومحاكم ومعامل أسلحة ويضرب لها نقودها الخاصة، ويعيّن لها خلفاء ونواب ، وقضاة ، ويقودها في جهادها ، ويجبر الحكومة الفرنسية على الاعتراف به وبسيطرته على كل تلك الأقاليم ، وتوقيع المعاهدات معه ، وتعيين سفراء بينها وبينه ، ويجري تبادل الرسائل بينه وبين الدول الأوربية كبريطانيا وإسبانيا وأمريكا وغيرها ، ثم بعد ذلك كله يبقى قدوةً لكل من تابع الجهاد بعده ، فيقتفون أثره ويجيِّشون المشاعر ويلهبون الحماس بذكر حروبه وأخبار انتصاراته على الفرنسيين ، ثم يبقى يتابع أخبار الجهاد في بلاده بعد أن أُبعد عنها مكرهًا ، ويحاول تحسين الأوضاع هناك من خلال السياسة الخارجية، ويدعم جهاد المجاهدين بكل ما أوتي من مال أو اتصالات أو صلات ، ويؤوي إليه كل مَنْ لجأ إليه من الجزائريين أو من قادة المجاهدين الذين حلَّ بهم مثل ما حلَّ به كالمقراني وابن شهرة وغيرهما…
إنَّ الذي يفعل كل ما ذكرنا لا شكّ أنه مؤسس دولة الجزائر ، وهذا ما قرَّره علماء الجزائر ومؤرِّخوها ، وشهدت به فرنسا الدولة المعادية للأمير، واعترف به كتَّاب ومؤرِّخو العالم العربي والغربي.
وأعتقد أن الفرق صار واضحًا الآن بين الأمير وبين الحاج أحمد باي! فأحمد باي كان واليًا على قسنطينة أيّام الحكم العثماني ، عيّنه داي الجزائر تعيينًا رسميًّا ، لم يكن لأهل قسنطينة أي رأي في ذلك ولا توجد بيعة، ونفوذه كان منحصرًا في ناحية قسنطينة فحسب!
أمّا الأمير عبد القادر فهو شاب لا علاقة له بالسلطة ولا بالحكم ولم يكن أحدٌ من آبائه بايًا أو واليًا ، ولم يُعيَّن من قِبل الداي أو السلطان، وإنما التفَّ حوله الناس طواعيةً وبايعوه في ساعة العسرة دون إجبار أو إكراه من أحد وإنما محبَّة له ، وقناعةً بقدرته على النهوض بالمسؤولية وقد كان ذلك ، فقاد الجهاد في معظم التراب الجزائري واستطاع بسط نفوذه عليه.

والحمد لله ربِّ العالمين




ان شاء الله ينال اعجابكم




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

حُكم سب الأمير أو السلطان أو الحاكم

حُكم سب الأمير أو السلطان أو الحاكم


للشيخ عبد المالك رمضاني -حفظه الله-

قال ابن أبي عاصم في كتاب السنة : " باب كيف نصيحة الرعية للولاة "، وأسند فيه عن شريح بن عبيد الحضرمي وغيره قال: جلد عياض بن غنم صاحبَ دار حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي -صلى الله عليه وسلم – يقول: إن مِن أشد الناس عذابا أشدهم عذابا في الدنيا للناس ، فقال عياض بن غنم: " يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعتَ ورأينا ما رأيتَ، أو لم تسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول: مَن أراد أن يَنصح لسلطان بأمر فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيَخْلُو به، فإن قَبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه له ، وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجتريء على سلطان الله، فهلاّ خشيتَ أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى؟!"([1]).

وحتى لا يَعظم عليك أن نسبتُ مخالفي هذا المنهج إلى مسلك الخوارج، فإنني أورد هنا ما رواه الترمذي وغيره عن زياد بن كُسيب العدوي قال: كنتُ مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر، وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبوبكرة: اسكت؛ سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول: من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله ([2]).

قال الذهبي: " أبو بلال هذا هو مرداس بن أُدَيّة، خارجيّ، ومن جهله عدَّ ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق! "([3]).

ومثله ما رواه سعيد بن جُمْهان قال: أتيتُ عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- وهو محجوب البصر، فسلّمت عليه، قال لي: مَن أنت؟ فقلت: أنا سعيد ابن جمهان، قال: فما فعل والدك؟ قلت: قتلَتْه الأزارقة([4])، قال -رضي الله عنه- : " لعن الله الأزارقة! لعن الله الأزارقة! حدَّثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم – أنهم كلاب النار، قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال -رضي الله عنه- : بلى الخوارج كلها، قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناسَ ويفعل بهم، قال -رضي الله عنه- : فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال: " ويحك يا ابن جمهان! عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فأْتِهِ في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قَبِل منك وإلا فدَعْهُ؛ فإنك لست بأعلم منه "([5]).

فائدة:روى عبدالله بن أحمد بإسناده الصحيح إلى سعيد بن جمهان أنه قال: " كانت الخوارج تدعوني حتى كدتُ أن أدخل معهم، فرأت أخت أبي بلال في النوم أن أبا بلال كلب أهلب أسود، عيناه تذرفان، قال: فقالت: بأبي أنت يا أبا بلال! ما شأنك أراك هكذا؟ قال: جُعِلْنا بعدكم كلاب النار، وكان أبو بلال من رؤوس الخوارج "([6]).

وعلى كل حال فإن مجرَّد التحريض على السلطان المسلم ـ وإن كان
فاسقا ـ صنعة الخوارج، قال ابن حجر في وصف بعض أنواع الخوارج:
" والقَعَدية الذين يُزَيِّنون الخروجَ على الأئمة ولا يباشِرون ذلك "([7])
، وقال عبد الله بن محمد الضعيف: " قَعَدُ الخوارج هم أخبث الخوارج "([8]).

قلت: فأيّ الخطباء اليوم سَلِم من هذه اللوثة؟! ولاسيما منهم الذين يخطبون من الناس جمهرتهم والشهرة عندهم! فاللهم سلِّم!!
ولذلك قال الشيخ صالح السدلان فيهم: " .. فالبعض من الإخوان قد يفعل هذا بحسن نية معتقدا أن الخروج إنما يكون بالسلاح فقط، والحقيقة أن الخروج لا يقتصر على الخروج بقوة السلاح، أو التمرد بالأساليب المعروفة فقط، بل إن الخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح؛ لأن الخروج بالسلاح والعنف لا يُرَبِّيه إلا الكلمة فنقول للأخوة الذين يأخذهم الحماس، ونظن منهم الصلاح إن شاء الله تعالى عليهم أن يتريثوا، وأن نقول لهم رويدا فإن صلفكم وشدتكم تربي شيئا في القلوب، تربي القلوب الطرية التي لا تعرف إلا الاندفاع، كما أنها تفتح أمام أصحاب الأغراض أبوابا ليتكلموا وليقولوا ما في أنفسهم إن حقا وإن باطلا.

_____________________________ _____________________ ___________________
([1]) انظر ظلال الجنة في تخريج السنة للألباني رقم (1096) وقد رواه أحمد واللفظ له والحاكم وهو صحيح.
([2]) صحيح سنن الترمذي للألباني رقم (1812).
([3]) السير (14/508)، وكذا في (3/20). قلت: وهكذا سمة الخوارج: جمعوا بين سوء الإنكار، والجهل بالمنكَر نفسه؛ أي فساد العلم والعمل.

([4]) وهم أتباع نافع بن الأزرق الخارجي ..
([5]) رواه أحمد (4/382ـ 383) وحسنه الألباني في المصدر السابق ص (508).
([6]) كتاب السنة رقم (1509)، وقد انقلب اسم أبي سعيد ( جمهان ) على محقق الكتاب محمد سعيد القحطاني إلى ( جهمان )، والصواب ما أثبتُّه أعلاه، فليُتنبَّه!
([7]) هدي الساري ص (483)وانظر (( الإصابة ))عند ترجمة عمران بن حطّان، و(( غراس الأساس )) ص (372)، ثلاثتها لابن حجر؛ فإنك واجد في كل منها فائدة زائدة.
([8]) رواه أبو داود في (( مسائل أحمد )) ص (271) بسند صحيح، قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: " رجلان نبيلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضالّ؛ وإنما ضلَّ في طريق مكة، وعبد الله بن محمد؛ وإنما كان ضعيفاً في جسمه لا في حديثه "، كما في (( تهذيب الكمال )) للمزِّي (16/99)، وقال النسائي: " شيخ صالح ثقة، والضعيف لقب لكثرة عبادته ".


من الصفحة 265 الى 268 –
من كتاب مدارك النظر في السياسة




قال الحسن البصري: " والله! لو أنّ الناس إذا ابتُلُوا مِن قِبَل سلطانهم صبروا، ما لبِثوا أن يرفع اللهُ ذلك عنهم؛ وذلك أنهم يَفزَعون إلى السيف فيوكَلُوا إليه! ووالله! ما جاؤوا بيوم خير قطّ!"، ثم تلا:{وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ودَمَّرْنا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون}

و للاستزادة هذا هو الكتاب: مدارك النظر في السياسة

و كتبه : الشيخ عبد المالك بن أحمد بن المبارك رمضاني الجزائري حفظه الله

قرأه وقرّظه:

العلاّمة الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني

والعلاّمة الشيخ: عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر

تحميل الكتاب:

تعليمية




بارك الله فيك اختنا ام عبيد الله الاثرية على هاته الاصافة العطرة وعلى رفعك للكتاب جعله الله في ميزان حسناتك




جزام الله خيرا وحفظ الله حكامنا وان يهديهم الى سراط المستقيم




شكرا وبارك الله فيك على الموضوع القيم
جزاك الله كل خير




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[كتاب مصور] تطهير الإعتقاد عن أدران الإلحاد تأليف الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنع

تعليمية تعليمية
[كتاب مصور] تطهير الإعتقاد عن أدران الإلحاد تأليف الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني-رحمه الله- نقديم وشرح الشيخ العلامة علي بن محمد بن سنان آل سنان -رحمه الله-

تعليمية
تعليمية


تطهير الإعتقاد عن أدران الإلحاد
تأليف الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني-رحمه الله-
نقديم وشرح الشيخ العلامة علي بن محمد بن سنان آل سنان -رحمه الله-
تحقيق ناصر بن علي بن عائض بن حسن الشيخ

تعليمية

تعليمية

تعليمية


تعليمية