إن الحمد لله أحمده وأشكره وأتوب أليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فإن الله تعالى شرع بحكمته ورحمته شرع لعباده الذين لم يحجوا أن يتقربوا إليه بذبح الأضاحي عنهم وعن أهليهم فضحى النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بأضحيتين إحداهما عنه وعن أهله والثانية عن أمته ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فإنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئا حتى يضحي وهذه الأضاحي إنما تشرع للناس في بلادهم ليعظموا شعائر الله في بلادهم كما عظم الحجاج شعائر الله عند المسجد الحرام قال الله عز وجل)وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) وقال تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) وقال تعالى ( فصلي لربك وانحر ) وقال تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين َ) وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأضحية شيء واللحم شيء آخر فقال (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم) فقال رجل يا رسول الله نسكت قبل أن اخرج إلى الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (شاتك شاة لحم) وفي هذه النصوص القرآنية والسنة النبوية دليل واضح على أنه ليس المقصود من الأضاحي مجرد الانتفاع باللحم ولكن المقصود الأعظم شيء وراء ذلك وهو تعظيم شعائر الله والتقرب إليه بالذبح وذكر اسم الله تعالى عليها وهذا لا يحصل إلا إذا أقيمت هذه الشعيرة في البلاد ورآها الصغير والكبير وذكر اسم الله عليها وبهذا نعلم أن الأولى والأكمل والأفضل والأقوم لشعائر الله أن يضحي الناس في بلادهم وأن لا يخرجوا أضاحيهم عن بلادهم وبيوتهم لأن إخراجها عن البلاد يفوت به مصالح كثيرة ويحصل به شيء من المفاسد فمن ما يفوت به من المصالح إظهار شعيرة من شعائر الله في البلاد لأنه إذا لم يضحى في البلاد فإن البيوت تتعطل أو بعضها أو كثير منها عن هذه الشعيرة ولاسيما إذا تتابع الناس فيها فتتايعوا ومما يفوت به مباشرة ذبح المضحي لأضحيته فالسنة أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه ويسمي الله عليها ويكبره تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثالا لقوله تعالى ( فصلي لربك وانحر ) وقوله ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ) قال العلماء وإذا كان المضحي لا يحسن الذبح وكل مسلما وحضرها ومما يفوت به من المصالح شعور الإنسان بالتعبد لله تعالى بالذبح نفسه فإن الذبح لله من أجل العبادات وأفضلها ولهذا قرن الله الذبح بالصلاة في قوله ( فصلي لربك وانحر ) واسأل من بعث بقيمة أضحيته خارج البلاد هل يشعر بهذه العبادة العظيمة هل يشعر بالتقرب إلى الله بها بالذبح إنه لن يشعر بذلك أبدا لأنه لم يذبحها ولم تذبح أمامه ومما يفوت به ذكر الله تعالى على الذبيحة وتكبيره وقد أمر الله تعالى بذكر اسمه عليها فقال جل وعلا (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) وقال تعالى (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) وفي هذا دليل على أن ذبح الأضحية وذكر اسم الله عليها عبادة مقصودة لذلك ومن المعلوم أن نقلها إلى خارج البلد يفوت به هذا المقصود العظيم بل هذا المقصود الأعظم فإن ذلك أعني التقرب إلى الله تعالى بذبحها وذكر اسم الله عليها اعظم من مجرد الانتفاع بلحمها والتصدق به لقوله تعالى ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ) ومما يفوت به الأكل من الأضحية فإن المضحي مأمور بالأكل من أضحيته إما وجوبا أو استحبابا على خلاف في ذلك بين العلماء بل إن الله قدم الأمر بالأكل منها على إطعام الفقير فقال تعالى ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) فأكل المضحي من أضحيته عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل ويثاب عليها لامتثاله لأمر الله ومن المعلوم أن بعثها إلى خارج البلاد يمنع الأكل منها لأنه لا يمكنه فيكون بذلك مفرطا في أمر الله عز وجل وآثما على قول بعض العلماء لما يفوت به من المصالح أن الإنسان يبقى معلقا هل يقص شاربه و يقلم أظفاره لأنه أذبحت أضحيته أم لا وهل ذبحت يوم العيد أو في الأيام التي تليه وقد ذكر بعض العلماء أنه يستحب للمضحي أن يأخذ من ذلك بعد ذبح أضحيته لحديث ورد في ذلك وفيه مقال فهذه ست مصالح تفوت بنقل الأضاحي إلى بلاد أخري ومن المعلوم أن المؤمن يطلب المصالح أينما كانت أما المفاسد فمنها أن الناس ينظرون إلى الأضحية وهي هذه العبادة العظيمة نظرة اقتصادية مالية محضة وهي مصلحة الفقير دون أن يشعروا بأنها عبادة يتقربون بها إلى الله وربما يشعر أن فيها الإحسان إلى الفقراء وهذا خير وعبادة لأن الله يحب المحسنين ولكنه دون شعور العبد بالتقرب إلى الله بالذبح فإن في الذبح من تعظيم الله ما تربو مصلحته على مجرد الإحسان إلى الفقراء ثم إن الفقراء يمكن أن ننفعهم بإرسال الدراهم أو الأطعمة أو الفرش أو الملابس أو غيرها دون أن نقتطع لهم جزء من عباداتنا المهمة ومن المفاسد تعطيل شعائر الله تعالى أو تقليلها في البلاد التي نقلت منها ومن المفاسد تفويت مقاصد الموصين الأموات إذا كانت الأضاحي وصايا لأن الظاهر من حال الموصين أنهم يريدون مع التقرب إلى الله منفعة ذويهم وتمتعهم بهذه الأضاحي ولم يكن يخطر ببالهم أن تنقل إلى بلاد أخرى قريبة أو بعيدة فيكون في نقلها مخالفة لما يظهر من مقصود الموصين ثم إننا أيها الإخوة لا ندري من الذي يتولى ذبحها في البلاد الأخرى هل هو على علم بأوصاف الأضحية المطلوبة أم سيذبح ما حصل بيده على أي حال كانت ولا ندري هل سيتمكن من ذبح هذه الأضاحي في وقتها أو لا يتمكن قد تكون الأضاحي التي دفعت قيمتها كثيرة جدا فيعوز الحصول عليها في أيام الذبح فتؤخر إلى ما بعد أيام الذبح لأن أيام الذبح محصورة أربعة أيام فقط ثم أننا لا ندري أيضا هل ستذبح كل أضحية باسم صاحبها أو ستجمع الكمية فيقال مثلا هذه مائة رأس عن مائة شخص بدون أن يعين الشخص وفي إجزاء ذلك نظر . أيها الإخوة إننا أطلنا في هذه المسألة لدعاء الحاجة بل الضرورة إليها لأن من الناس من ينساب وراء العاطفة دون بصيرة من الأمر وهذا لاشك لاشك أنه من الجهل فلا تضيعوا هذه الشعيرة بإرسال قيمتها إلى خارج البلاد لتذبح هناك وانفعوا إخوانكم بما شاء الله من دراهم أو ألبسة أو فرش أو أطعمة أو غيرها أما الأضحية فإنها عبادة لا تفرطوا فيها اذبحوا ضحاياكم على مشهد من أهليكم وأولادكم حتى يعرفوا تلك الشعيرة العظيمة أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا ممن يعبد الله على بصيرة وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا وأن يرزقنا البر والتقوى وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
لفظيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
و بارك الله فيك على الجلب الطيب
و نطلب الله ان يبارك لنا في اضحيات عيدنا
اللهم تقبل مني اعمالنا
ان شاء الله تعم الفائدة للجميع