ولد الاصمعي سنة (123 هـ) وعاش في اسرة متعلمة وطلب العلم في الكتاتيب التي كانت شائعة ومنتشرة في عصره لا سيما في احياء البصرة وحفظ اثنتي عشرة ارجوزة قبل ان يبلغ الحلم وعاصر الدولة الاموية التي كانت الثورات تكاد تمزق اقاليمها فينتهي امرها بالسقوط في سنة (132 هـ) امام الثورة العباسية وتسقط البصرة مدينة الاصمعي وهو في عامه التاسع وبهذا عاش الاصمعي الدولتين الاموية والعباسية والتحولات المفاجئة في مختلف نواحي الحياة يوم كانت البصرة تعيش جواً محموماً تتضارب فيه الاعتقادات المذهبية والمبادئ السياسية وتشتد الخلافات العنصرية. لقد دفع تمازج الثقافات وتشجيع الخلفاء الحركة العلمية عقد مجالس المناظرة في قصور الخلفاء وكان هذا حافزا للعلماء على البحث والنظر واسهم الاصمعي فيها الى جانب من اسهم من علماء عصره فقد كان متديناً صادقا في معتقده اتصل بفقهاء الحجاز وأخذ عنهم وقد اثنى عليه علماء الدين ورجال الحديث ولم ينحرف نحو الخلاعة والمجون او يتأثر بالتيارات الاجنبية في مجتمعه واتخذ موقفاً من الفرق الدينية التي ظهرت في عصره وبدا ذلك واضحا ازاء المعتزلة وموقفه من القياس الذي استند المعتزلة فيه الى اجتهاداتهم وتأويلاتهم وكانت لثقافته روافد عديدة اهمها علوم القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي والاخبار وقصص الاعراب الى غير ذلك من الوان الثقافات التي كانت سائدة في عصره وقد تنقل منذ صباه في الكتاتيب وحلقات الدرس ومن مجلس في المسجد الجامع الى اخر ومن المربد الى البادية كما استزاد من الاعراب ونقل من كلامهم الشيء الكثير شعرا وطرفا واخبارا ولم يقف عند حدوده الاقليمية في طلب العلم فقد كان لاقامته في مكة والمدينة وبغداد وخراسان اثر واضح في ثقافته التي ظهرت في اللغة والادب.
وتشير المصادر الى ان حلقة الاصمعي في المسجد كانت من اكبر الحلقات العلمية في البصرة فسادت الحياة العقلية في هذه المدينة حين امتزجت الثقافات فيها متأثرة بالثقافة الاجنبية وقد ألم باللغة الفارسية الماما واسعا وكذلك اللغة العبرية والرومية لان المجتمع البصري كان مزيجاً من عناصر عربية واجنبية ومع هذا فقد كان الاصمعي رث الثياب والهيئة وانكرته جارية اهداه اياها جعفر بن يحيى وكان الرشيد ينادمه ويقربه منه في مجلسه وسفره ولم يكن البخل كل هم الاصمعي على الرغم من نقله اخبار البخلاء وملحهم وكان بخله في ان مروءة الرجل ان يصون ماله ويبتعد عن التبذير.
ويروى ان الاصمعي كان في حلقة بالبصرة اذ وقف اعرابي يسأل فقال ايها الناس ان الفقر يهتك الحجاب ويبرز الكعاب وقد حملنا سنو المصائب ونكات الدهور على مركبها الوعر فواسوا أبا ايتام ونضو زمان وطريد فاقة وطريح هلكة رحمكم الله.
ويقول الاصمعي خرجت من الكوفة الى البصرة فدخلت المسجد الجامع فاذا انا برجل يدور بين الصفوف ببنتين له احداهما عن يمينه والاخرى عن شماله وهو يقول:
يا ابنتي صابرا اباكما
ابكيتما اعين من يراكما
وهو الذي بفضله يرعاكما
ولو شاء بفضله اغناكما
فلم يبق احد في المسجد الابكى رحمة له وأومأوا اليه بالجلوس حتى انصرف الناس من الصلاة وبسطوا ثوبا وطرحوا عليه فضة وذهبا حتى امتلأ الثوب فاشتروا له منزلاً بالبصرة.
وبلغ من شهرته ان قام بعضهم برواية اخباره كما نسب اليه الكثير من القصص والاساطير الشعبية واصبح بذلك بطل حكايات ورواية ونوادر وهو اول من نسج البداية الحقيقية للمقامة ودخل قصة الف ليلة وليلة وصار مضرب المثل في الفصاحة وسعة الرواية وقد طلب منه المأمون مغادرة البصرة لكنه توفي فيها في صُفر سنة (216 هـ) وتذكر المصادر انه عمّر نيفا وتسعين سنة.