السـؤال:
انتشر على ألسنةِ كثيرٍ من الناسِ عبارة «مَاكَتْبَتْشْ»، أي: لم يُكتب هذا الأمرُ عنده سبحانه، فهل هذه العبارة صحيحة؟ أم أنَّها مُناقِضة لعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر؟ وجزاكم اللهُ خيرًا. الجواب : الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد: فاعلم أنَّ عِلْمَ اللهِ بكلِّ شيءٍ قبل وجوده أَزَلِيٌّ، ويعلم بأعمال العِباد قبل أن يعملوها، وقدَّرها لكلِّ كائنٍ تقديرًا عامًّا شاملاً، وهو المكتوبُ في اللوح المحفوظ، لذلك يجب الاعتقاد الجازم بأنَّ الله تعالى قد كتب في اللوح المحفوظ مقاديرَ كلِّ شيءٍ إلى أن تقوم الساعة، وليس فيه شيء غير مكتوب، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: 70]، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أَوَّل مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، قَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»(١- أخرجه أبو داود في «السنة»، باب في القدر: (4700)، والترمذي في «القدر»: (2155)، وأحمد في «مسنده»: (22197)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (21475)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (2018)). وللتقدير العامِّ تقديرٌ مُفصَّلٌ كالتقدير العُمُري أو الكتابة العُمُرية: التي تكون للجنين في بطن أُمِّهِ يُكتب له أجلُه ورزقُه وعملُه وشقاوتُه أو سعادتُه كما ثبت ذلك من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، والتقديرُ الحوليُّ: وهو ما يقدَّر في ليلة القدر من حوادث السَّنَة ووقائع العام، قال تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [الدخان: 4-5]، والتقدير اليومي: وهو ما يقدَّر من وقائع اليوم من مرض ومعافاةٍ وموتٍ وحياةٍ، وعزٍّ وذُلٍّ ونحو ذلك، قال تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29]، وتفريعًا عليه، فالواجب على المسلم الإيمان الجازم بما قَدَّره اللهُ على جهة العموم وعلى جهة التفصيل، فمن أنكر شيئًا من ذلك لم يكن مؤمنًا لاختلال ركن من الإيمان الخاصِّ، ومَن آمن ولم يجحد وجب عليه تصحيح الخطأ في العبارة بما يتماشى وإيمانه بالقدر جُملة وتفصيلاً، فلا يجوز له أن يتلفَّظ بهذه العبارة «ماكتبتش» لما فيها من مساسٍ بعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر. والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الشيخ محمد علي فركوس الجزائر في: 30 من ذي القعدة 1443ﻫ الموافق ﻟ: 10 ديسمبر 2022م |
||
لا تبخلوا علينا بمثل هذه المشاركات
اختكم المعلمة هناء