التصنيفات
اسلاميات عامة

الدعوة إلى الله بالموعظة لا بالقصص

(( الدعوة إلى الله بالموعظة لا بالقصص ))

بسم الله الرحمن الرحيم

أنزل الله كل كتبه وأرسل كل رسله وشرع كل شرائع دينه موعظة لخلقه ؛ قال الله تعال عن رسوله موسى وكتابه التوراة : ) {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ }(لأعراف:145)،وقال الله تعال عن رسوله عيسى وكتابه الإنجيل : ) {وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (المائدة:46) ، وقال تعالى عن خاتم رسله وكتابه القرآن : ) {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } (البقرة:231) بعد ذكر أحكام الطلاق في سورة البقرة ؛ قال أكثر المفسرين الأوائل القدوة : الحكمة هي السنة ، وقال بعضهم : الحكمة الدين ، وقال آخرون : الحكمة الشرع والمعنى واحد .

وقال الله تعال في بيان كفارة الظهار : ){فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } (القصص:3) وقال تعالى عن قول الإفك : {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (النور:17) وقال تعالى عن كل أمره ونهيه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } إلى قوله : {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90) وقال تعالى عن موعظة لقمان لابنه : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ،(لقمان:13) {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان:17) وكان الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك بالله في عبادته أول ما دعا إليه رسل الله ( صلوات الله وسلام وبركاته عليهم أجمعين ) في مواعظهم لأقوامهم استجابة لأمراً الله تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل:36) ، ثم التزام ما أمر الله به من حقوق التوحيد ، واجتناب ما نهى الله عن مما هو دون الشرك كما قال الله تعالى : )إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (النساء:48) .

وعلى هذه السنة ثبت فقهاء القرون المفضلة لا يرون الموعظة إلا الدعوة إلى الله على بصيرة من الكتاب والسنة تذكيراً بالله وحثاً على فعل ما أمر به ، ونهياً عما نهى عنه ، وتعليماً لأحكام شريعته في الاعتقاد أولاً ثم العبادات ثم المعاملات .

ثم خلقت من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون ؛ وبخاصة بعد أن ذرّ قرن الفكر الموصوف زوراً بالإسلامي بعودة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من باريس ودعوتهما إلى (( تحرير الفكر من قيد التقليد )) ، وكانت بداية الانحراف – في هذا العصر – عن الوحي والفقه إلى الفكر والظن والعاطفة ، وهان على كثير من المسلمين – مهما كان مبلغهم من العلم وجوداً أو عدماً – القول على الله والحكم على شرعه حسب فكرهم واقتناعهم أي : حسب هواهم ، وقد حذّر الله عباده من سوء هذا المنقلب فقال تعالى { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (النجم:23) . وتبعاً لذلك تحول أكثر مشاهير شباب الدعاة عن منهاج النبوة في الدعوة إلى الله من الموعظة الحسنة بآيات الكتاب المبين والصحيح من سنة الرسول الكريم كما فهمها سلف الأمة المعتدَّ بهم (لتثبيت الاعتقاد وتعليم أحكام الإسلام ، وتحبيب الخالق إلى خلقه وترغيبهم في ثوابه وترهيبهم من عقابه )إلى ما أنتجه الفكر غير المعصوم من تلاعب بالألفاظ وتخيلات ظنّية لأخبار ظنّية عن الحوادث والطوارئ السابقة واللاحقة ، وتحولت الدعوة إلى الله موعظة شرعية للفرد أو الجماعة إلى (محاضرات)و(ندوات)و(مهرجانات) يختلط فيها الحق بالباطل والآية ( المحكمة والمتشابهة ) والحديث ( الصحيح والضعيف والموضوع ) بالقصص والشعر والأمثال والفكاهة وفنون اللغة الدّارجة ، يغلب عليها الاهتمام بالأدنى دون الأعلى وبالمهم (أو غير المهم ) قبل الأهم .

ولأن النّفس أمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربي ، ولأن الشّيطان يجري من ابن أدم مجرى الدّم ، ولأن الأهواء تتجارى بالعواطف كما يتجارى الكلب بصاحبه ، ولأن أكثر الناس لا يؤمنون ولا يشكرون ولا يعلمون ولا يفقهون كما بين الخلق المعبود سبحانه وبحمده ، فإن أكثر المسلمين بعد أن غيّر الدعاة القصّاص فطرتهم – صاروا يقبلون عليهم وينفرون من الدّعوة على منهاج النبوة فازداد عدد القصّاص ونقص عدد الواعظين مما يذكّر بقول الله تعالى : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} (الجـن:6)على الرّأيين في مرجع الضّمير في قوله : { فَزَادُوهُمْ } ، فالجناية على الدّعوة والجاني القاصّ والمعجبون به معاً وقد بدأ الانحراف من الواعظ إلى القصص مبكراً ،ولكن فقهاء الصحابة رضي الله عنهم ومن تبع منهاجهم وقفوا له بالجهاد وبيّنوا ضلاله ونهوا عنه ؛ تجد ذلك مفصّلاً في:

وإليك طرفاً مما تضمّنته هذه المؤلفات تعريفاً بالقُصّاص وتحذيراً منهم ورداً إلى الله : قال محقق (تحذير الخواص):القصص في الاستعمال من مخاطبة العامة بالاعتماد على القصّة ..وقد أشار ابن الجوزي إلى هذا فقال (فالقاص هو الذي يُتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها )، فقلت : وشرٍّ منها الحكايات الجديدة والإشاعات ، وأخبار وسائل الإعلام ، والشعر والتمثيل والفكاهة .

وروى ابن ماجة بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (لم يكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر )، ورواه أحمد والطبراني عن السائب بن يزيد بنحوه ، وفي رواية عن ابن عمر : (إنما كان القصص حيث كانت الفتنة ) وروى الطبراني بسند جيد عن عمرو بن دينار أن تميماً الدّاريّ استأذن عمر في القصص فأبى أن يأذن له (مرتين )، وفي الثالثة قال له (إن شئت ) وأشار أنه الذبح .

وروى الطبراني عن خباب بن الأرت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن بني إسرائيل لمّا هلكوا قصّوا )).

وروى الطبراني عن عمر بن زرارة قال : وقف علىّ عبد الله بن مسعود وأنا أقص فقال : (يا عمرو ، لقد ابتدعت بدعة ضلالة ، أو أنك أهدى من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه )، قال عمرو : فلقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد .

وأخرج عبد بن حميد في تفسيره عن قيس بن سعد قال : جاء ابن عباس حتى قام على عبيد بن عمير وهو يقصّ ، فقال له : {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ }(مريم:41) {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ } (مريم:54) {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ } (مريم:56) ذكّر بأيام الله ، واثن على من أثنى الله عليه ).

وأخرج ابن أبي شيبة عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قوله : (القصص أمر محدث أحدثه هذا الخلق من الخوارج ).

وأخرج أحمد في (الزهد) عن أبي المليح قال ذكر ميمون القُصّاص فقال : (لا يخطئ القاصّ ثلاثاً : إما أن يسمن قوله بما يهزل دينه ، وإما أن يُعجب بنفسه ، وإما أن يأمر بما لا يفعل ).

وقال ابن الحاج في (المدخل) : (مجلس العلم الذي يُذكر فيه الحلال والحرام واتّباع السلف رضي الله عنهم ، لا مجالس القُصّاص فإن ذلك بدعة ، وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عن الجلوس إلى القُصّاص ، فقال : (ما أرى ان يجلس إليهم وإن القَصص لبدعة ) .

وروى عن يحيى بن يحيى ( عالم الأندلس في عصره ) : سمعت مالكاً يكره القَصص فقيل له : يا أبا عبد الله فإن تكره مثل هذا فعلام كان يجتمع من مضى ؟ قال : (على الفقه ).

وفي تاريخ ابن جرير في حوادث سنة 279 : نودي في بغداد : ألاّ يقعد على الطريق ولا في المسجد الجامع ينهى الناس عن الاجتماع إلى قاص ويُمنع القصاص من القعود ) اهـ .

وختم الحافظ العراقي كتابه : (الباعث على الخلاص من حوادث القصاص ) بقوله : (فيجب على ولاة أمور المسلمين منع هؤلاء من الكلام مع الناس ).

وذكر الحافظ ابن الجوزي في أول (كتاب القصاص والمذكرين ) من أسباب كراهية السلف القصص :

(1) أنهم إذا رأوا ما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكروه .
(2) أن القصص لأخبار المتقدمين يندر صحته .
(3) أنه يشغل عما هو أهم من تدير القرآن ورواية الحديث والتفقه في الدين .
(4) أن في القرآن والسنة من العظة ما يغني عن غيره ممّا لا يُتيقن صحته .
(5) أن عموم القصاص لا يتحرون الصواب .
(6) اغترار العوام [وأشباههم من المثقفين والمفكرين والحركية] بما يسمعون من القصاص فلا ينكرون ما يقولون ، ويخرجون من عندهم فيقولون : قال العالم فالعالم عند العوام من صعد المنبر .
(7) أن القصاص يأخذون الحديث شبراً [بلا تمحيص] فيجعلونه ذراعاً.

قال محقق (تحذير الخواص ) – في مقدمته : (يتمثل تأثير القصاص السيئ على العامة في أن حقيقة الإسلام قد شوهت في أذهانهم فاعتقدوا البدعة سنة والسنة بدعة ، وأصبحت الأكاذيب عندهم ممزوجة بنصوص الدّين الثابتة …فكان العوام ودعاة الابتداع أبداً معارضين لكل مصلح صادق من الدعاة والعلماء …وآثر فريق من العلماء المسالة فسكتوا خوفاً من القصاص وسلطانهم [على العامة]وإيثاراً للعافية …وترى القصاص رغبة في قبول السامعين لهم يسارعون في ابتغاء مرضاة العامة أكثر من حرصهم على تقويمهم وتعليمهم وأضحى القاص كالمغني [والممثل والمهرّج ]لا همّ له إلا إطراب السامعين . إن هؤلاء القصاص قوم مهمتهم الكلام وغايتهم أن يستحوذ على إعجاب السامعين ).

والواقع أن دعاة القصص والشعر والفكاهة والتهريج والتّهييج – وهم أشهر وأكثر الدعاة اليوم عفا الله عنا وعنهم – حوّلوا الموعظة بل وخطبة الجمعة المفروضة إلى ما يشبه برامج (ما يطلبه المستمعون ) في الإذاعات العربية لرغبة الأغلبية في الهزل ورغبتهم عن الجد فقدم القصاص لعامة الناس ما يرضيهم – لا ما ينفعهم مما شُرعت الموعظة لتحقيقه في مقابل شهرتهم و إذاعة صيتهم والإقبال على مجالسهم ، مما يذكّر بقول الله تعالى عن الضالين والمضلين من الإنس والجن : {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }(الأنعام:128)جنبنا الله وإياهم مصيرهم ، وردنا وردهم إلى منهاج النبوة في الدين والدعوة – رداً جميلاً .

وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله وخاتم رسله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته .
2) عدد من مؤلفات ابن تيمية (ت 728) رحمه الله ، تصدّى للقصّاص فيها . 3) (كتاب الباعث على الخلاص من حوادث القصّاص ) للحافظ العراقي (ت806) رحمه الله 4) (كتاب تحذير الخواص من أكاذيب القصّاص ) للسيوطي (ت 911) رحمه الله .
1) (كتاب القصّاص والمذكرين )، لابن الجوزي (ت 597) رحمه الله .

وهذا كتاب مهذَّب تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، لجلال الدين السيوطي
التحميل من هنا




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا على المقال الطيب النافع

و قد كتبه الشيخ سعد الحصين حفظه الله و نفع بعلمه الإسلام و المسلمين

ويرجى التأكد من رابط الكتاب المرفق لأنه لا يعمل




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم عبيد الله تعليمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا على المقال الطيب النافع

و قد كتبه الشيخ سعد الحصين حفظه الله و نفع بعلمه الإسلام و المسلمين

ويرجى التأكد من رابط الكتاب المرفق لأنه لا يعمل

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وجزاك الله بالمثل

وبارك الله فيك على التنبيه نعم نسيت ان اذكر المصدر

المصدر

أما رابط الكتاب فهو يعمل بشكل عادي فقط ما عليك الا الانتضار لبعض الوقت لان المنتدى لا يسمح بمرور الروابط
مباشرة


نسال الله ان ينفع به اخواننا وأخواتنا




بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله كل خير اسال الله ان يكون كل الموضيع الهادفة في ميزان حسناتكم وحسناتنا جميعا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المهندس تعليمية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله كل خير اسال الله ان يكون كل الموضيع الهادفة في ميزان حسناتكم وحسناتنا جميعا

وجزاك الله بالمثل اخي
اللهم أمين
ومرحبا بك معنا باذن الله تستفيد وتفيد




التصنيفات
الخواطر

فرع الخواطر والقصص// نجاح غير متوقع

تعليمية تعليمية
🙁
نجاح ….غير متوقــــع

في الثامنة عشر ربيعا ، سارت *آمال * وعنفوان الشباب يلاحقها ، تارة تسبقه بأفكارها ، بأحلامها ، بطيشها مع صديقة الأيام * منى * ، وتارة تفكر ، تتئد، تتراجع أنا خائفة ….

على بعد خطوات هناك تتراءى الثانوية ، ضجيج ، ضحكات متعالية ، أساتذة ، طلبة ، عمال الكل في زحمة التوافد …إنه يوم القلق ، يوم الحصيلة لسنوات خلت .

دخلت * آمال * والبطاقات ترصد ، وبعض أعوان الشرطة يلتقط الضجيج بأعين الرضا ، وفي تمدد غير طبيعي تصحو ذاكرة البعض منهم على ماض ِ ِمضت معه أحلام الشباب ، دخلت آمال بقدٌها المترنح وبلمسات خفيفة تضبط خمارها ، والتساؤلات تداعب ُ قلبها النابض بحركات غير عادية :أتعادُ أسئلة العام اوالذي قبله؟ وهل هي صعبة أم سهلة ؟..أحس أني فقدت كل شئ…زال كل شئ ، إلهي رحماك…ويزداد الخفقان ، وتمتد أسناها إلى قضم أظافرها ، إنها ساعات حرجة ،كلٌ ُ طالبِ ِ رافق بطاقته الملصقة على الطاولة ، وانهمك في ملء الإستمارة الموزعة ِ، وساد الصمت نادرا ما يتعالى صوت في أدبِ ِ : لم أفهم ؟ تعالى يا أستاذ .

كانت *آمال* قد ملأت الإستمارة على عجالة ثم سرحت إلى البعيد ، إلى السنة الماضيةِ ، كان الاستعداد مكتملا َ َ، والرغبة جامحة ، والتطلع إلى عالم الجامعة يُراقِص ُ الإحساس ، ويستيقظ والدي تقول آمال على غير عادته بصوت مرتفع كنت ساعتها أستعد للباكالوريا التي لم يبق لها إلا أياما معدودة ، أحمد، أحمد أسرع والدتك في خطر ،أسرع وأحضر السيارة ، تعاونا على حمل أمي المريضة بالربو ، وإلى قسم الإستعجالات مباشرة ، حزن عميق احتضن خوفنا ،
ووجوم لم أعهده خيم علينا كان مآلنا الله لم نفتر بالدعاء إلا حين يتضاعف بكاء أختي الصغيرة .
كنا جميعا حيرى ،نظرات أمي لا تفارقنا ، كانت حادة وكأن الوداع يلازمها ، بوجه مزرق ،وأعين جاحظة ،منظر رهيب وهي تصارع الإختناق وضيق التنفس

بأيدِ ِ النجدة…النجدة

ساعات تمرٌ ُحتى طلع النهار ونحن ننتظر، فاجأتنا رنٌات الهاتف بجرس اهتزت له المسامع والقلوب ، وقفزنا مرة واحدة لاستلام المكالمة ويا ليتنا لم نسرع ……

ليتنا لم نسمع : …الله أكبر إنٌا لله وإنٌاإليه راجعون .

السلام عليكم أبنائي كيف أحوالكم ؟ إستفقتُ على إثرها و عدت للإمتحان ، كان القادم ممثل عن مديرية التربية والوفد المرافق له ، يحمل ُ ظرفا كبيرا ، إشرأبت الأعناق إليه ، وسادت تمتمات غريبة داخل القسم ، وأرادت *آمال * أن تسافر ثانية بذاكرتها إلى الماضي لكن استعجلها الممثلُ : أنت ِ بنيتي تعالي ، وأنت
يا ولدي تفضل أشرفنا على مسك الظرف وفتحه أمام زملائنا وأيدينا ترتعش لكن أحسست بنشوة فاترة ، وبعدها شعرت باستقرار نفسي ٌ غريب وعدت إلى مكاني في شوق إلى ما وراء هذه الأوراق التي أدار الأستاذ ظهرها إلينا ،وبين الحين والآخر يسرق ُبصرهُ مضمونها حتى يأذَِنَ الجرس بالبدإ .

وُزِعتْ حبات الحلوى علينا كنت أمقتها،لا حلاوة فيها ، لن أكلها هذا العام ، لن أتجرع مرارتك ،أفهمتِ ؟ …هكذا كانت تقول* آمال * .

وفي عفويةِ ِ عابرة ِ ِدق الجرسُ ، ووُزعتِ أوراق الأسئلة، تصلبت الأبصارُ عليها ،ساد الصمتُ ،التزم الأساتذة مناطق الحراسة بكل هدوء ، ولم يبق على الساحةِ سوى صوت القلوب في دقات متفاوتة ، وشفاه متمتمة ، وصرير أقلام تحركها الأنامل في تواثب متتال ِ ِ.
تجاوبت * آمال *مع الأسئلة ….كم بدت لي سهلة تقول ، ورحتُ في تسارع

أبُطٌنُ الورقة بمعلومات وأنا في غاية التمكن من صحتها ، حبستُ نفسي على الإلتفات ،لا يمنة ولا يسرى ، وأنا أحلٌلُ النص استوقفتني :
-الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددتَ شعبا طيب الأعراق

أُصيبتُ حينها بدوار إلى ضربات قلبِ ِ سريعة ولم استفق إلا وأنا ممدة على سرير

ماهذا أين أنا ؟..أين الورقة؟ ضاعت الباكالوريا ، ماهذا يا رب؟ …

لا تخافي يا آمال إنه مجرد إغماء وزال بسبب التعب وطالما أجبت نصف الإجابة

لن يكون إقصاء فأحسستُ بشيئ من الإنفراج تقول آمال .

عادت إلى المنزل تجرٌ ُ أذيالَ الخيبةِ ، وشريط الماضي يلازمها وهي تحاول رميه في سلة النسيان ، وبوجه مكفهرِ تستقبل إخوتها ، وتحكي لهم الحكاية في مرارةِ اليائسين ، ساعتها يدخل الأب مزودا بسُعالِِ ِ متكرر وحمى حُمرتها تجلت على صحن وجهه المستدير ، وتنسى آمال الإحباط ، وتنسى الوهن ، أبي ،أبي

لاشيئ بنيتي مجرد زكام بسيط ، بالمناسبة كيف حالك مع الإمتحان اليوم ؟ أخبريني ..وبشفقةِ ِ مصطنعة ترد : الحمد لله يا أبي ، ربي يوفقنا ، إن شاء الله

بنيتي ، ثم يدخل إلى غرفته ليستريح قليلا .

كانت *آمال * تكابد ما حدث لها بصبر غير معهود وتبني الأمل من جديد ، وتقول

: أمي لن أخذل أمنيتك ، سأكمل ، وسأنجح بإذن الله .

جاء الصباح الموالي ، وجاءت صديقتها *منى * ، كيف الحال اليوم ؟ الحمد لله
ترد آمال ، وبهمة ِ ِ عالية سلما الأمر لله وواصلا السير على درجة كبيرة من الإستقرار النفسي والتطلع لغد أفضل ، حتى فجأة مرت سيارة في عجالة خارقة
جرفت ولدا كان يحمل خبزا ، صرخت آمال ، صرخت منى ، يا إلهي ماذا نفعل

هل معك الهاتف النقال يا منى ؟ نعم أعطيني إياه؟ ألو أحمد ، نعم ، أسرع نحن في طريقنا إلى الثانوية ، حادث، نعم حادث…ماذا وقع؟ ألو…انقطعت المكالمة .

كان الوقت يمر بسرعة ، وباب الثانوية قَرُبَ على الغلق ، وأحمد تأخر ، آمال ومنى تنتظران ، الناس تجمهروا :لمن هذا الولد ؟ مسكين ، أمات ؟ غوغاء وغوغاء تشق الشارع ..لم يأت أحمد..الوقت هيا بنا .

كان أحمد قد عمل مخالفة في الطريق ، ضبطه الشرطي وأمره بالمرور على مركز الشرطة لإجراء المحضر ، رفض أحمد لأنه في عجلة من أمره وجرت بينهما مشاداة ألزمته الحجز لمدة نصف يوم مع غرامة ماليةِ ِ.

آمال اعتورها خوف ، توتر ، ثم تشرع في قراءةالأسئلة والإجابة ، إنها في المستوى .

انتهت أيام الباكالوريا ، ولم ينته القلق ، إلا أن آمال تحاول أن تتناسى وهي في زحمة الشغل المنزلي ..

وفي أحد الليالي عاد الأب كعادته متأخرا وقد تعود الجلوس مع جاره *سي الطاهر* الوقت صيفا والحرارة لا تطاق ، اختناق ، ضجيج الأبناء الأفضل البقاءإلى ساعات متأخرة في فضاء أرحب وحكايات عن الماضي.

رنٌَ َ جرس الهاتف، أبت آمال أن تجيب …وفي كبرياء اليائسين استسلمت لنومها

غير مبالية بالرد ، اتجه الأب إلى السماعة وعرف أنها *منى* ، اقترب من آمال
وبلطف ناداها : آمال ، آمال المكالمة لك ، إنها من *منى*..أوه منى دعيني قلت لايكلمني أحد..أرجوك دعيني أنام ،منى: أوجاءك النوم ؟ غريب أمرك ، إن الباكالوريا قد..باي قالت آمال وأغلقت عاودت الكرة *منى* ألو ، ألو ، آمال : ماذا؟ لقد نجحت ِ والله نجحتِ ، نجحت مستحيل نجحت وتستفيق من النوم فتجدها الساعة الواحدة ليلا .
ذهب النوم عنها وبدأت تفكر وهاجس الباكالوريا يُراودها وإذا بها تسمع الزغاريد
فأخذت تجري من هنا ، إلى هنالك ، لقد خرجت النتائج ، وراحت في بكاء متواصل وضاع الأمل …ويرن الهاتف النقال حقيقة إنه زميلها عماد لقد نجحت يا آمال وبمعدل جيد قبل قليل على الموبيليس
. ______________

تعليمية تعليمية

🙂




قصة رائعة جعلتني اتاثر واتشوق لاكمل كل القصة

حقا ان النجاح ليس مرتبط بالازمات بل يمكن ان تكون الازمة هي سبيل الخلاص والخروج من عنق الزجاجة

احي الروح البطولية والقلب الطيب والرقيق لـــ امل الغالية علينا جميعا

واهنئها بالنجاح واهديها هذه الهدية لا تفتحيها امام الاعضاء

:_here:

تعليميةتعليمية

قصة رائعة ومقاربة للحقيقة ابدعتي يا استاذتنا في طرحها ومزجها مع واقع معاش ومطروح وجلعتني احس اني اعرف امل من سنين




تعليمية تعليمية
قصة رائعة باسلوبها المشوق .ويبقى النجاح امل كل طالب رغم الصعاب والشدائد .

تعليمية تعليمية

تعليمية تعليمية




تعليمية تعليمية
شكــرا لك اختي الكريمة على هــذه القصة الرائعة والمشوقة

جزاك الله خيــــرا

مـزيد من الا بـــداع
تعليمية

تعليمية تعليمية




بسم الله الرحمان الرحيم
سعدت للمرور الكريم وللمعايشة
المتأنية للقصة ، فطوبى للتذوق
…تقديري ، واحترامي




بسم الله الرحمان الرحيم
سعدت بقراءة القصة فهي روعة
…تقديري ، واحترامي




سم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مشكوووووورة والله يعطيك الف عافيه