العناية بالقرآن الكريم في العهد النبوي الشريف إعداد
يوسف بن عبد الله الحاطي
الباحث بمركز البحوث والدراسات الإسلامية بالرياض
ملخص البحث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
فهذا بحث موجز حاولت أن أُبيِّن فيه
باختصار العناية التي كان يلقاها القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم من النبي صلى الله عليه وسلم ومن صحابته الكرام رضي الله عنهم
أجمعين ، وقد جعلت هذا البحث في مقدمة وفصلين ، الفصل الأول جعلته بعنوان
: حول القرآن الكريم ، وتحدثت فيه عن مباحث عامة حول القرآن الكريم كتعريف
القرآن الكريم والفرق بينه وبين الحديث القدسي والحديث النبوي ، ثم ذكرت
طرفًا من فضائل القرآن الكريم عمومًا وفضائل بعض السور خصوصًا ، وأثر
تلاوة القرآن الكريم على الفرد والجماعة ، وتحدثت فيه كذلك عن كتّاب
القرآن الكريم وقرائه من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
أما الفصل الثاني فقد جعلته عن
عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم فبينت فيه شدة اهتمامه صلى
الله عليه وسلم بالقرآن ، ومن ذلك مثلًا حرصه على تلقي القرآن من الوحي ،
وأمره بحفظ القرآن والمحافظة عليه من النسيان ، وأمره بتحسين الصوت بقراءة
القرآن ، وغير ذلك من المباحث التي تدل على عنايته صلى الله عليه وسلم .
المقدّمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
فالقرآن كلام الله سبحانه وتعالى
الذي تكلم به وأوحاه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك جبريل
عليه السلام ، فهو الهدى والنور وهو الشفاء ، وهو الذكر الذي به تطمئن
القلوب ، من حكم به عدل ، ومن استهدى به هدي ، ومن استشفى به شفي بإذن
الله ، عزَّ به أول هذه الأمة ، ولا يعز آخرها إلا به ، قال صلى الله عليه
وسلم : تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض وعن علي رضي الله عنه قال :
أما إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ألا إنها ستكون
فتنة" فقلت : فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : "كتاب الله فيه نبأ ما
كان قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من
تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل
الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ
به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن
كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا
: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هَدَى إلى صراط مستقيم" . .
ولقد اهتم السلف والخلف من هذه
الأمة بكتاب ربها ، فتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي ، وتلقفه
الصحابة رضي الله عنهم فحفظوه وفهموه وعملوا به ، ثم جاءت من بعدهم
الأجيال المتعاقبة ، جيل من بعد جيل ، فألفت فيه التآليف الكثيرة ، فكتب
في أول ما نزل وآخر ما نزل ، وأخرى في ناسخه ومنسوخه وأخرى في محكمه
ومتشابهه ، وكتبٌ في التفسير بأنواعه ، بالإضافة إلى كتب في فضائله ، ولو
رجعنا إلى محتوى أي كتاب من هذه الكتب لوجدنا الأبواب والفصول الكثيرة
التي لا تكاد تحصى ، حتى إنه لم يترك شيئا يتعلق بالقرآن الكريم إلا دُرس
وألِّف فيه ، وما ذلك الحفظ إلا لحفظ الله له الذي ذكره بقوله : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر : 9) .
وإني في هذا البحث الموجز – الذي
أقدمه لهذه الندوة المباركة : "عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن
الكريم وعلومه" التي يعقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة
المنورة – حاولت جمع ما تيسر لي من الآيات والأحاديث التي تبين العناية
بالقرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، سواءً كانت تلك العناية
منه صلى الله عليه وسلم أو من صحابته رضوان الله عليهم أجمعين ، ولم يكن
هدفي استقصاء جميع طرق الحديث ورواياته ، بل الاستدلال للمسألة التي أنا
بصدد الحديث عنها ، فإذا وجدت حديثًا في صحيح البخاري مثلًا
اكتفيت به ولم أبحث عن بقية طرقه ، ولقد بذلت وسعي لئلا أستدل في أصل هذا
البحث إلا بحديث صحيح قدر المستطاع ، وقد تم لي ذلك ولله الحمد والمنة ،
غير أحاديث في آخر مبحث منه رأيت أنها في مجموع طرقها لا تنزل عن درجة
الحسن أي أنها ليست ضعيفة .
وقد يلحظ القارئ الكريم تكرار
الأدلة في مباحث هذا البحث وما ذلك إلا لأن بعض الأدلة فيه دلالة على عدة
مسائل ، وهذا ما يجعلني أكرر الدليل أو بعضه عند كل مسالة ، وقد يكون ذلك
أدى إلى بعض الطول في البحث ، ولكن هذا الطول غير ممل ، إذ القارئ لن يجد
في هذا البحث – غالبًا – إلا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ،
وقد حاولت أن لا أكثر من الشرح خشية الإطالة والملل ، وما أدليت بدلوي إلا
بتقديم بين يدي الدليل أو إشارة إلى بعض ما يحتويه من المعاني .
أما من ترجمت لهم من الصحابة فقد
نقلت تراجمهم من سير أعلام النبلاء للذهبي والإصابة لابن حجر كما هي ، مع
الإشارة إلى ذلك في الحاشية ، وقد اعتمدت في هذا البحث على عدد من المراجع
أثبتها في آخره .
وإني أقدم إليك أخي الكريم عذري عن
كل سهو أو تقصير وقع في هذا البحث ، فالنقص والنسيان صفتان ملازمتان
للإنسان ، ولو أعدت النظر في هذا البحث مرات ومرات لعدلت وبدلت وقدمت
وأخّرت في كل مرة .
فسبحان الله المنزّه عن النقص
والعيب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
الفصل الأول : حول القرآن
[size=9][size=16]وفيه مباحث :
1- تعريف القرآن الكريم .
2- الفرق بينه وبين الحديث القدسي والحديث النبوي .
3- فضل القرآن الكريم وفضل تلاوته وأثر ذلك في حياة الناس .
4- ذكر فضائل بعض السور والآيات .
5- فضل تعلم القرآن وتعليمه .
6- فضل حفظ القرآن غيبًا .
7- إثم من راءى بالقرآن أو تأكَّل به .
8- كُتَّاب القرآن الكريم .
9- وسائل الكتابة .
10- القرَّاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
[size=16]لقد
بذل العلماء قديمًا وحديثًا كل وسعهم لإيجاد تعريف للفظة القرآن فتناولوها
من الجانبين اللغوي والاصطلاحي كما هو معهود عند كل تعريف ، وأوردوا في
ذلك أقوالًا وآراء يكاد يكون كل واحد منها تكرارًا للآخر ، غير أن كل واحد
من أولئك العلماء الأجلاء رجح رأيًا استحسنه ومال إليه ، ومن هنا رأيت في
بحثي هذا المتواضع أن أضرب عن التعريف اللغوي صفحًا ، إذ لا حاجة ولا
فائدة من ذكره هنا ، أما التعريف الاصطلاحي فسأذكره لأنني فيما بعد سأتعرض
للجانب الآخر من الوحي ألا وهو الحديث بقسميه : القدسي والنبوي وذلك عند
ذكر الفرق بينهما وبين القرآن الكريم .
وسبب تناولي لهذه التعريفات أن
الرسول صلى الله عليه وسلم – كما سيأتي- نهى عن كتابة شيء عنه غير القرآن
وذلك زيادة اهتمام منه صلى الله عليه وسلم بالقرآن حتى لا يختلط به غيره
من الحديث بنوعيه ، ويعلم من ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفرقون
بين ما هو قرآن يجب عليهم كتابته وتدوينه ، وما هو غير قرآن نهوا عن
كتابته .
وردت
عن العلماء تعريفات كثيرة للقرآن الكريم وهذه التعريفات تتفاوت من ناحية
الشمول ، فبعضها أشمل من بعض ، وتتفاوت كذلك من ناحية الألفاظ ، وإني –
وإن قل الاعتداد بكثرة ألفاظ التعريف أو قلتها – أقر بأن التعريف ينبغي أن
يكون دالًّا على جميع أجزاء المعرف بأقل لفظ ممكن ، مهما كثرت ألفاظه .
وعند الرجوع إلى كتب علوم القرآن
لمعرفة التعريف الاصطلاحي وجدت كما أشرت سابقًا عدة تعريفات فالشيخ مناع
القطان رحمه الله قال نقلًا عن العلماء – كما يقول- : (كلام الله المنزل
على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته) .
وقال الشيخ صبحي الصالح رحمه الله :
(هو الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في
المصاحف المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته) .
ثم قال بعد ذلك : وتعريف القرآن على هذا الوجه متفق عليه بين الأصوليين والفقهاء وعلماء العربية" .
وأما الشيخ محمد سالم محيسن فعرفه
نقلًا عن إرشاد الفحول قائلًا : (هو كلام الله تعالى المنزل على نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلًا متواترًا
المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة منه) .
أما الشيخ الصابوني فقد عرفه بأنه :
(كلام الله المعجز المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين بواسطة الأمين
جبريل عليه السلام المكتوب في المصاحف المنقول إلينا بالتواتر المتعبد
بتلاوته المبدوء بسورة الفاتحة المختتم بسورة الناس) .
وقد خرجت من مجموع هذه التعريفات
بتعريف أرى أنه أجمع من غيره وهو : "القرآن كلام الله الذي أوحاه إلى
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقظة بلفظه ومعناه ، المعجز والمتعبد بهما
والمنقول إلينا تواترًا والمحفوظ بين دفتي المصحف" .
وهذه العبارات التي يحتوي عليها التعريف منتقاة من مجموع التعريفات .
[size=16]لقد نطق الرسول صلى الله عليه وسلم
بالقرآن الكريم كما نطق بالحديث القدسي والحديث النبوي وكان الصحابة رضي
الله عنهم حريصين على تسجيل كل ذلك وتدوينه ، إذ إن كل ذلك دين ينبغي
الحرص عليه ، ولكن لما كان من الممكن أن يختلط القرآن بغيره نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن كتابة أي شيء عنه غير القرآن وقد أوردت مبحثًا خاصًّا
حول هذا النهي .
وعلى هذا رأيت أن أذكر -باختصار- الفرق بين القرآن وغيره مما كان ينطق به الرسول صلى الله عليه وسلم .
قلت : والمقصود هنا ذكر فروق القرآن
عن نوعي الحديث دون حاجة إلى ذكر الفروق بين هذين النوعين ، ومن تعريف
القرآن الكريم وتعريف نوعي الحديث تتضح لنا فروق القرآن عنها ، وهي :
1 . القرآن الكريم نزل بلفظه ومعناه أما الحديث فنزل بمعناه دون لفظه على الصحيح .
2 . القرآن الكريم معجز بلفظه ومعناه ، بخلاف الحديث فليس فيه صفة الإعجاز والتحدي .
3 . القرآن الكريم جميعه منقول بالتواتر وهو قطعي الدلالة ، أما الحديث ففيه المتواتر والآحاد .
4 . القرآن الكريم تصح به الصلاة ولا تصح بغيره .
5 . القرآن الكريم متعبد بلفظه
ومعناه فمجرد تلاوته عليها أجر عظيم منصوص عليه في الحديث الصحيح ، ولا
يجري هذا الأجر على الحديث بنوعيه ، وإن كانت قراءته عليها أجر عام غير
محدد .
وبه نستعين وعليه التكلان من الخذلان
اللهم صلي على المبعوث رحمة للعالمين
وآله وصحبه أجمعين ومن دعا بعوته إلى يوم الدين