أوجاع كهل في العشرين
الشاعر المبدع عصام الغزالي
نقشٌ على الماءِ أم نزفٌ على الورقِ
يا سيدي زاد ما تلقاه في أرقي
هل في قوافيك حرفٌ لا أنينَ بهِ
أو في فؤادك نبضٌ غيرُ مُحترِقِ
أم هل أبانت لك الأيامُ حكمتَهَا
فَرُحْتَ تغزل أنواراً من الغسق
والشعرُ (سلطانُ) أحزانٍ يُعلمُنا
أن القوافيَ (تيجانٌ) من القلق
ركبتَ (خمسين) في لُج الحياةِ فهل
أنجتك بضعة أبيات من الغرق
أيّ المتاهات لم تفضض بكارتها
وأيّ دمع على خديك لم تُرِقِ
وأيّ غربة إحساس حملتَ بها
ثقلَ الحقيقة مزهواً فلم تُطِقِ
أقبلتُ ألمسُ ما تُلقِي إليّ بِهِ
فما لمستُ بهِ شيئاً سوى حُرَقِي
أجئتَ تُخبرني أن الحياةَ مُنَىً
وأن بعضَ المُنى ضَربٌ من النزقِ
وأن قلبك في أغلالِ سَكْرَتِهِ
للآنَ من غمراتِ العشقِ لم يُفِقِ
وأن تاريخكَ المجبولَ مِن أَلَمٍ
يجري وتاريخي الكابي على نَسَقِ
يا سادن الحزنِ لا تجرح براءَتَهُ
إني نثرتُ على محرابه مِزَقِيِ
أشقاكَ أنتَ هوى الخمسين، معذرة
انظر إلى ابنِ هوى العشرين كيفَ شَقِي
شَبَّتْ عن الطوقِ آهاتي وشَرَّدَنِي
قَولي لنفسيَ : من أغلالكِ انعتقي
حَامت على أُفُقِي البلوى وأَتعَبهَا
أن السموات كانت كلُّهَا أُفُقي
وعلمتني الليالي أن قافيتي
منسوجةٌ من خيوط الضيق والرهق
أسلمتُ للأرض أقدامي فما نَبَتت
أشواكُ أحقادِهَا إلا على طُرُقِيِ
ورُحتُ أستنفرُ الأيامَ مُنطَلِقَاً
بها إليها فما أحببتُ مُنطَلَقِي
وقلت : ياجمرةَ الشعرِ التي انطفأت
أتيتُ ، هيا احرقيني فيكِ واحترقي
برئتُ من طُهرِ قَلبِي واشتياقِ فَمِي
إن قيل لي مرةً ذُقهَا ولم أَذُقِ
قَدَّستُ مَعبدَ شعري أن يُلمَ بِهِ
حرفٌ أُريقُ على أقدامِهِ أَلَقِي
شعري بكاءُ الملايين التي شَقِيت
من أولِ الصُبحِ حتى آخرِ الغَسَقِ
خُذهُ عناءً فما أنهيتُ قافيةً
إلا وَجَفَّفتُ في آثارها عَرَقِي
والساجدون على الأعتابِ أَحنَقَهم
أني أُحَقِّرُ فيهم كُلَّ مُرتَزِقِ
كَرِهتُهم إذ يزيدون الحياة أسىً
وإذ يساوون خَنّاقاً بمختنِقِ
وإذ يُبيحونَ آمالَ الشعوبِ لمن
باع الشعوب وإذ يحيون بالمَلَقِ
ما ضَرّنِي وحريرُ الذُلِ مَلبسُهم
أني أُرَقِّعُ من حُرِّيَتي خِرَقِيِ
وأنني رغم إقلالي ومَسغَبَتِي
لا الزيفُ ديني ولا التطبيلُ من خُلُقِيِ
سِفرُ الوصايا الذي حُمِّلتُ عَلَّمَنِيِ
أن المُنى والمنايا دربُ كلِّ نَقِيِ
وأنَّ حريةَ الإنسانِ أَوَّلُهَا
حرفٌ وآخرُها حبلٌ على العُنق
وما الحياة سوى قيدٍ ومشنقةٍ
ومبدأٍ ، وفضولٌ بعد ذاك بقي
والثائرون ورودُ الأرض ما قُطِفُوا
إلا وفاحت تواريخٌ من العَبَقِ
خُذْنِيِ بَقَايا البقايا منهمُ فلقد
غَرستُ في كلِّ شِبرٍ جُبتُه حَنَقِيِ
والآن يا سيد (الخمسين) كيف تَرى
دمعي إذا ما جرى حبراً على الورق
هل فيَّ من نزق (العشرين) لفح هوى
أم فيّ من حكمة (الخمسين) قلب تَقِيِ
يا سيدي وكلانا فكرةٌ بَقِيت
من النبوءات لم تُرزَق بِمعتَنِقِ
ما ضَرَّنا صمتُنَا والكونُ ثرثرة
شتان ما بين خَلاٍق ومُختَلِقِ
قُم ننفض الليلَ عن أكتافنا فغداً
تتلو الروابي علينا (سورةَ الفلق)
الرياض علي فريد