شكرا لك عمو حمودي على الموضوع القيم بالتاكيد سيفيد كل الناس الذين يدرسون الادب طلاب او معلمين و يحتاجون مثل هذه الكتب او المخطوطات تقبل مروري و تحيتي.
بسم الله الرحمان الرحيم |
||
مقدمة :
تطورت الكتابة عند العرب بشكل كبير بعد القرنين الثاني والثالث الهجري، قد كانت قبل ذلك متذبذبة وشقت مسار التأليف في المنتخبات وانتقاء الأشعار، لتأخذ مسار التأليف النقدي الواعي بعد ذلك مع أمثال ابن سلام الجمحي وابن قتيبة وغيرهما. وقد تناولنا في هذا العرض المحاور الآتية: – من الرواية إلى التدوين I. من الرواية إلى التدوين: كانت الرواية الشفوية هي الوسيلة الأولى لتناول وتداول الشعر في الثقافة العربية القديمة، قبل أن تظهر مرحلة التدوين وينحو العرب إلى تقييد آدابهم وأشعارهم كسائر الأمم. ولما كان الشعر أعظم علم عرفه العرب "وكان ديوان حياتهم وسجلها ومجمع أخبارهم، ومظهر قوميتهم"[1]، فإنهم اعتنوا بروايته فيما بينهم، سواء تعلق الأمر بأهالي القبائل وسكانها، وتفاخرهم برواية أشعار نبغائهم وتفضيلها والاعتزاز والفخر بها دون غيرها. أو بالشعراء أنفسهم الذين نهجوا في رواية الشعر منحيين؛ أولهما: هو رواية شعر كل شاعر فحل من طرف شاعر ناشئ "فلا تجد شاعرا مجيدا منهم إلا وقد لزم شاعرا آخر لمدة طويلة، وتعلم منه قوانين النظم، واستفاد منه الدربة في أنحاء التصاريف البلاغية"، فلزم الحطيئة زهيرا، ولزم زهير أوسا بن حجر، وكانا راويان لشعرهما. وثانيهما: هو أن يطلب الشاعر العلوم التي يحتاج إليها في قول الشعر، ويحرص في تحصيلها وأخذها، فالشاعر لا يصير فحلا في قريض الشعر حتى يروي أشعار العرب ويسمع الأخبار، ويتزود بزاد ثقافي يكون له عونا في نظم الشعر، كما يذهب إلى ذلك الأصمعي[2]. وإذا كانت رواية الشعر شفويا قد عرفت ذيوعا وانتشارا في العصر الجاهلي، فإن أمر التدوين والتقييد يبقى من الحقائق التي يصعب التكهن بطبيعتها، ذلك أن أمر بدايات الخط العربي من حيث نشأته وتاريخه ومصادره، وتظل مجهولة[3]، على الرغم من تداول وتقارب الأخبار حول موضوع الخط العربي ووصول كتابات عربية، وخاصة ما روي عن كتابة المعلقات بماء الذهب، وتعليقها على جدران الكعبة[4]. إن محاولات التقييد المنتشرة إذذاك، ظلت قاصرة على حفظ الشعر والثقافة العربية المعتمدة على الذاكرة والرواية الشفوية حتى ظهور الإسلام، ولم تبدأ "محاولات التأليف من حيث قواعده، والكتابة من حيث فضائلها وآدابها، إلا في القرن الثاني الهجري"[5]. عمل النقاد العرب على تدوين الشعر العربي والإسلامي، حفظا له من الضياع والنسيان، وعبث الدهر والأزمان، فنشأ لذلك رجال أفذاذ كان أكبر همهم التنقل عبر بقاع الدولة الإسلامية ومقابلة الحفظة من العرب الأقحاح والبدو الفصحاء، وأخذ الأشعار والأخبار عنهم وتقييدها. ووضعوا لذلك قيودا وضوابط تضمن فصاحة الأشعار المنقولة، وصحة نسبتها لأصحابها. وقد كان أول تجل لأعمال هؤلاء النقاد من خلال الدواوين الفردية وضبط أشعار كل شاعر، فقام أبو عمرو الشيباني، مثلا، بوضع دواوين امرئ القيس ولبيد، وغيرهما. كما ضبط الأصمعي شعر النابغة. وعملوا، علاوة على ذلك، على وضع المختارات الشعرية، وانتقوا أبياتا متنوعة لأرقى الأشعار وأجملها، كما فعل المفضل الضبي، والأصمعي وأبو تمام وغيرهم. أما التجلي الثاني، فقد كان في فترة متأخرة، وتبين نضجا نقديا في التأليف في الشعراء وطبقاتهم، ودراسة أشعارهم ، كما بجد لدى أبي سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء، وابن قتيبة في الشعر والشعراء، وابن طباطبا في عيار الشعر، وغيرهم من النقاد الآخرين. فما هي إذن أهم الدوافع التي كانت وراء توجه هؤلاء النقاد وغيرهم نحو تدوين الشعر العربي، والآداب بصفة عامة؟ II. أسباب التأليف والتدوين في الثقافة العربية الإسلامية: بعد أن توطدت دعائم الدين الإسلامي، وتأسست الدولة الجديدة، وتطورت العلوم وبرز العلماء الجهابذة، صار التفكير نحو تقييد الآداب العربية شعرها ونثرها، أمور دينها ودنياها، حفظا للغة القرآن المقدسة أولا، وحماية لهذه الثقافة من الضياع ثانيا. فكان أول حافز للتدوين في الثقافة العربية، هو الحافز الديني، فبالإضافة إلى أن التدوين يدعوا إلى تقييد العلم، وحفظه (كما نجد في القرآن والسنة النبوية). فإن تعظيم شأنها في القرآن ورفع قدرها، يظل من المدعمات لهذا النهج فقد نسب الله الكتابة لنفسه، في قوله تعالى: "اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم (العلق/4). كما وصف بها الحفظة من ملائكته فقال: "وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين (الانفطار/11). وأقسم كذلك بآلة الكتابة في قوله: "ن، والقلم وما يسطرون". وتظل غاية شرح القرآن وتفسيره الدافع الأسمى للتنقل في البادية العربية وأخذ أشعار حكمائها وتدوينها، "فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها نفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها وبالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة"[6]. وهذا الحافز هو الذي جعل الباحثين في علوم اللغة يسلكون مسلك أصحاب الحديث والتشريع، فتعاملوا مع الرواة بمنهج متشدد، شأنه شأن منهج رواة الحديث، وذلك لاعتقادهم أن هذه الدراسات الأدبية تفضي إلى تناول اللغة العربية المقدسة. أما الحافز الثاني فهو تعليمي؛ حيث تصبح الكتابة غاية في تقديم العلم والإفادة للآخرين. فهذا القلقشندى يذكر أن الغاية من تأليف كتابه صبح الأعشى هو أن يوصل كاتب الإنشا إلى غايته القصوى في امتلاك مواد الكتابة، ومستلزمات وظيفته الديوانية الخطرة. وكذلك فإن تدوين الأشعار كان لها الدور التعليمي من خلال اهتمام الخلفاء والولاة بتأديب أبنائهم بالشعر، فيأمرون مؤدبيهم أن يعلموا أبنائهم أشعار القدماء النبغاء حفظا للسليقة وأخذا للحكمة. والحافز الثالث هو محاربة النسيان والتزوير، فإن الوقائع والأحداث كثيرة والحياة في صيرورة وتعاقب، فماذا عسى أن يحفظه الإنسان بقلبه أو يحصله في ذهنه "وقد قال ذو الرمة لعيسى بن ي عمر : أكتب شعري فالكتاب أعجب إلي من الحفظ، إن الأعرابي لينس الكلمة قد سهرت في طلبها ليلة فيصنع موضعها كلمة في وزنها لا تساويها، والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلاما بكلام"[7]. من حوافزها كذلك أنها مدعاة لرفعة المكانة وعلو الجاه، فمن الكتاب من وصل أشرف الدرجات وأسماها بفضل الكتابة. فهذا الوزير المهلبي يذكر عنه القلقشندى أنه في أول الأمر كان في شدة عظيمة من الفقر والضائقة، ثم وصل به الأمر إلى أن وُزِّر لبويه الدليمي[8]. فلا يكاد يمتهن أحد الكتابة إلا وعلا كعبه وعظم شأنه، وفتحت عليه بركات السماء. ومن بين الحوافز المرتبطة بالتأليف ما للكتابة من أهمية لدى السلاطين، فالقلقشندى يذكر أن من بين الأمور التي لا ينتظم لملك إلا بها، فيجب على السلطان أن يرسم لكل من العمال والمكاتبين عن السلطان، ومخاطبتهم بما تقتضيه السياسة من أمر ونهي وترغيب، هذا بالإضافة إلى استخراج الأموال والحقوق السلطانية وتفريقها على مستحقيها من أعوان الدولة وأوليائها[9]. أضف إلى ذلك أن الكتابة هي " أشرف مناصب الدنيا بعد الخلافة إليها ينتهي الفضل وعندها تقف الرغبة"[10]. فكان تصور هؤلاء للكتابة، جعل أهمية الكتاب والمؤلفين تسمو إلى أعلى الدرجات، فحققت بذلك حركة التدوين والتأليف غية عظمى، فقد قيل " لولا ما عقدته الكتب من تجارب الأولين لانحل من النسيان عقود الآخرين"[11]. III. بعض المصنفات في الشعر والشعراء
1.المفضليات: تنسب إلى المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم الضبي، وقد اختلف في وفاته (178أو 168). وهو من جيل الرواة العلماء الأوائل. يرجع نسب تأليف المفضليات، إلى أن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن يبن الحسن بن علي بن أبي طالب، خرج على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وخرج معه كثير من العلماء، ومنهم المفضل، ولكن المنصور نكل به وبأهله، فكان إبراهيم يتخفى ذات مرة عند المفضل، وكان المفضل يتركه ويخرج، وفي إحدى المرات كان عليه أن يخرج لبضعة أيام لضيعة له، فقال له: إذا خرجت ضاق صدري. فأخرج له كتابا في الشعر والأخبار، فلما عاد وجده علم على سبعين قصيدة اختارها. والمفضل زاد عليها عشرا، فصارت ثمانين. وبعد ذلك نسبت إليه وعرفت باسمه. وجل شعراء المجموعة جاهليون وبعضهم مخضرم وقليل منهم إسلاميون. وتناولت المجموعة الشعراء كما يلي: – 26 شاعرا أورد لهم قصيدة واحدة. – 28 شاعرا أورد لهم قصيدتين اثنتين. – 9 شعراء أورد ثلاث قصائد لكل واحد منهم. – شاعر واحد أورد له أربع قصائد وهو ربيعة بن مقزوم الضبي. – شاعر واحد أورد له خمس قصائد وهو المرقش الأصغر. – شاعر واحد أورد له اثنتا عشرة قصيدة وهو المرقش الأكبر. وتضم المجموعة أربعين قصيدة لا يزيد عدد أبياتها عن عشرة، والبقية بين أحد عشر بيتا و بين مائة وثمانية أبيات، وهي كالآتي: – ثلاثة وأربعون قصيدة تتراوح بين 11 و20 بيتا. – عشرون قصيدة تتراوح بين 21 و30 بيت. – عشر قصائد تتراوح بين 31 و40 بيت. – سبع قصائد تتراوح بين 41 50 بيتا. – ثمان قصائد تتراوح بين 51 و108 بيتا. وأطول قصيدة عنده هي لسويد بن أبي كاهل وتقع في 108 بيتا. تكمن أهمية المفضليات تاريخيا من حيث كونها أول كتاب كبير يضم مختارات من عيون الشعر العربي القديم. أما من الناحية الأدبية، فتتضمن قصائد كاملة تعد أروع ما في الشعر القديم، وتعكس المثل الشعري الأعلى، ونظرا لأهميتها ظهرت لها شروح كثيرة؛ أولها شرح أبو محمد القاسم بن بشار الأنباري والمرزوقي، وغيرهما. 2.الأصمعيات: يعد الأصمعي (ت216 هـ) من الرواة العلماء الأوائل. وهو غزير الحفظ والرواية وعالم بالشعر وسمع من أبي عمرو بن العلاء وحماد الراوية، وغيرهما من الرواة. له مؤلفات كثيرة منها كتاب خلق الإنسان، وخلق الإبل…إلخ. وكتابه هذا الأصمعيات شبيه بنظيره المفضليات ويضم مختارات من الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلامي. وتبلغ قصائده 92 قصيدة لواحد وسبعين شاعرا، أربعة وأربعون منهم جاهليون، وأربع عشرة منهم مخضرمون، وستة منهم إسلاميون، وسبعة مجهولون. أما بالنسبة للقصائد التي أوردها للشعراء فهي كالآتي: – أربعة وخمسون شاعرا قدم لهم نموذجا واحدا لكل شاعر. – أربعة عشر شاعرا قدم لهم نموذجين لكل. – شاعران أورد لكل منهما ثلاث قصائد. – شاعر واحد أورد له أربع قصائد. أما عدد الأبيات في المقطوعات الاثنتين والستين فهي كالآتي: – اثنان وأربعون مقطعة تتراوح الأبيات فيها بين بيتين وعشرة أبيات. – عشرون قصيدة تتراوح بين أحدى عشر وعشرين بيتا. – ثماني عشرة قصيدة، تتراوح بين واحد وعشرين وثلاثين بيتا. – عشر قصائد، تتراوح بين واحد وثلاثين وأربعين بيتا. – قصيدتان اثنتان، إحداهما ثلاثة وأربعون بيتا، والأخرى أربعة وأربعون بيتا. وقد صار الأصمعي على نهج المفضل الضبي فصب كثرا اهتمامه على الشعر الجاهلي. 3. حماسة أبي تمام: أبو تمام من أبرز الشعراء العباسيين، وحامل لواء التجديد في زمانه(109هـ، 231هـ). ترك ثروة شعرية عظيمة. يرجع سبب التأليف عنده، حسب التبريزي، إلى أن أبا تمام قصد عبد الله بن طاهر في خراسان فمدحه، ولكن عبد الله لم يكن يمنح شاعرا حتى يقرر أبو العميد وأبو سعيد العَمَيْثَل رضاهما عنه. ومن ثم قصدهما، فأنشدهما قصيدة له واستحسناها. ولما قفل عائد من خراسان يريد العراق، فلما كان في همذان استضافه أبو الوفاء بن سلمة وأكرمه، وقبل أن يشد الرحال، نزل ثلجٌ غزير حال بينه وبين السفر، فبقي عند أبي الوفاء، وأتاه هذا الأخير بخزانة الكتب حتى لا يحس بالضجر، وأخذ أبو تمام ينتخب منها ما يروقه ويختاره. فأورد في مصنفه مقطعات، ولم يورد قصائد كاملة كما كان عند سابقيه، اعتمد في تصنيفها على الموضوع، وبوبها في أحد عشر بابا، وهي: باب الحماسة، باب المراثي، باب الأدب، باب النسيب، باب الهجاء، باب الأضياف، باب المديح، باب الصفات، باب السير والنعاس، باب الملح، باب مذمة النساء. وهي مسماة بالحماسة باسم الباب الأول، وتدخل في إطار تسمية الشيء بأوله. كسر أبو تمام التقليد السائد قبله بالاكتفاء بالعصرين الجاهلي والإسلامي، فوسع اختياره لشعراء مغمورين وأمويين ثم عباسيين. إلا أنه رغم ذلك آخذه إحسان عباس لكونه تعصب للقديم أكثر. ومنهجه في التبويب سيجذب إليه الشعراء وعلماء اللغة والأدب. وقد تعدد شراح حماسة أبي تمام، ضمنهم أبو بكر الصولي، والآمدي، وأبو الفتح بن جني، وأبو هلال العسكري، وغيرهم كثير كما أوردهم محقق شرح التبريزي. خاتمة لقد استطاع العرب كغيرهم من الأمم أن يدونوا تراثهم الأدبي والفكري، وقد عرف هذا التدوين مجموعة من التطورات قبل أن يصل إلى مرحلة الازدهار في التأليف العربي الإسلامي، وتحقيق الازدهار والنماء في مجالات مختلفة. وإذا كان التأليف في الثقافة العربية الإسلامية قد ارتبط فبي مراحله الأولى بالقرآن الكريم والحديث، فإنه استفاد من علماء اللغة الغيورين على لغة القرآن والمتشددين في تحري الدقة والصدق، فجاءت أعمالهم فصيحة ورصينة ونبراسا مضيئا للتراث العربي الإسلامي. المصادر والمراجع:
|