الحياة الزوجية لا تعني ببساطة عيش شخصين تحت سقف واحد بل مشاركة الآخر في مشاكله الصغيرة وحتى عاداته المزعجة. يشكّل الانتقال إلى البيت الزوجي لبناء عائلة جديدة بعد سنوات من العزوبية خطوة بالغة الأهمية في حياة أيّ ثنائي. فيتشاركان الحياة في حلوها ومرّها.
حلّ اليوم السعيد! لقد تزوّجتما للتوّ وانتقلتما للعيش في منزلكما الخاص. أهلاً بكما في عالم من السعادة اليومية ومتعة التواجد معاً. لكنّ هذا العالم لا يخلو من المشقّات والتنازلات الدائمة. إنها مرحلة جديدة وحاسمة في حياة الثنائي.
مساحة خاصة
تحتاج الحياة المشتركة إلى مساحة خاصة لكلٍّ من الطرفين. في معظم الحالات، ينتقل الثنائي إلى الحياة الزوجية من منزل الأهل فيضطران إلى تقاسم مساحة مشتركة مع بعضهما. تشكل الحياة المشتركة في هذه الحالة ثورة حقيقية على مستوى السلوك. ينصح الخبراء بضرورة تحديد المجالات الخاصة بكلّ طرف. إذا كان الزوج يهتمّ بالحديقة، يجب ألا تتدخّل الزوجة في هذا المجال. كذلك، لا علاقة للزوج بأمور الطبخ، فهي من اختصاص الزوجة. قد يقود عدم احترام المجال الخاص بالآخر إلى نشوء مشاكل في العلاقة الزوجية. يقابل الخبراء بانتظام أشخاصاً يتشاجرون بسبب تغيّر نمط حياتهم وتدخّل الشريك في جميع مجالات حياة الطرف الآخر.
التفاوض مع الآخر
بعد الانتقال للعيش معاً في البيت الزوجي، على الطرفين تعلُّم التفاوض باستمرار. يحتاج البعض إلى الشعور بأنه يشكّل مع الشريك كياناً واحداً، فيجمعان النشاطات معاً ولا يفترقان أبداً. لكن لا يستطيع البعض الآخر التخلي عن نشاطاته الفردية. إذا لم يتمتّع الشريكان بالنظرة نفسها الى طبيعة العلاقة، سيضطران دوماً للتوصل إلى حلّ وسط. يشكّل التفاوض في هذا المجال أمراً أساسياً. لا بدّ من الاتفاق على هذه الأمور منذ البداية. يخلق الثنائي عادات خاصة بهما وثقافة مشتركة حين يعيشان معاً. قد تكون الأمور أسهل بالنسبة إلى الشباب اليافعين، إذ تجري الأحداث تلقائياً، لكن تكون هذه الخطوة أصعب بالنسبة إلى الأشخاص الأكبر سنّاً الذين سبق وخاضوا مغامرات عدّة قبل الاستقرار.
خطر الروتين
هل تُحدث ضجّة حين تأكل؟ هل تشخّر أثناء النوم؟ قد تقود أبسط الأمور في الحياة اليومية إلى كارثة حقيقية. عند العيش سويّاً، يتعرّف الطرفان على الأمور الخاصة
والحميمة المتعلّقة بالشريك. فيرى الرجل زوجته من دون مكياج ويتحمّل تقلّباتها المزاجية خلال دورتها الشهرية… من المخاطر الأخرى التي تواجه الزوجين: الروتين. إذ ينتهي السحر الذي كان يميّز العلاقة في بدايتها وتدخل هذه الأخيرة في عالم الواقع الذي يعجّ بالأعمال المنزلية اليومية وتتراجع الحماسة تجاه الآخر.
مشاركة الحياة اليوميّة
باختصار، الانتقال للعيش في البيت الزوجي خطوة بالغة الأهمية. إنها لحظة الحقيقة بالنسبة إلى الثنائي، لكنها طريقة لتعزيز العلاقة أيضاً. كيف يمكن التأكد من أننا مستعدّون للإقدام على هذه الخطوة؟ حين لا نعود قادرين على العيش من دون الآخر، يفرض هذا القرار نفسه تلقائياً على حياتنا. عدا عن بعض الخلافات، تشكل الحياة المشتركة مصدر سعادة حقيقية. قد يتحوّل وجود الآخر والاستيقاظ إلى جانبه أو ببساطة تحضير قالب حلوى معاً إلى لحظات سعيدة لا تُنسى. حين يكون الحبّ موجوداً، حتى شخير الشريك يبدو كأنغام موسيقية!
عمر الـ20
كمال (27 عاماً) وهناء (24 عاماً):
«بعد علاقة دامت تسع سنوات، قررنا أخيراً الإقدام على الزواج. إنها المرة الأولى التي نضطرّ فيها إلى إدارة منزلنا الخاص، بما أنّ كلاًّ منا كان يعيش في منزل أهله. بدأنا نعتاد تدريجياً على عادات الآخر. كمال شخص فوضوي، لا يرتّب أغراضه أبداً. يستاء دائماً حين أطلب منه أن يرتّب أشياءه. نحن نعرف بعضنا جيداً ولم يتغيّر أي شيء في شخصيّاتنا بعد العيش معاً. هو يعمل في الشرطة، ونظراً إلى أوقات عمله المتغيرة، لا خطر في أن نقع في دوّامة الروتين. نظراً إلى السعادة التي نعيشها حين نكون معاً، لا نتشاجر على أسخف الأمور. تشكل الأمور البسيطة مثل الاستيقاظ إلى جانبه ومشاركة الفطور لحظات سعيدة لا غنى عنها. يحبّ أن يحضّر لي المفاجآت من وقتٍ لآخر. حين كنّا نختار ديكور الشقّة مثلاً، أعجبني مصباح كهربائي، لكن اعتبره كمال غالي الثمن فلم نشتره. في اليوم التالي تحديداً، قدّمه إليّ! من خلال هذه التجربة الجديدة، تعلّمت السعادة وواجهت المصاعب التي تحصل في أي بيت زوجي. بعد أن كنتُ مدللة لدى أهلي، تعلّمت الطهي وحدي واستعمال الغسّالة بمفردي! اكتشفتُ أنّ الأعمال المنزلية لا تنتهي وهي تستهلك وقتاً طويلاً!».
في عمر الـ 30
عمر (32 عاماً) ورنا (30 عاماً):
«كانت لعمر ابنة صغيرة حين تزوجنا. لم تكن تعيش معنا بانتظام بل في نهاية الأسبوع والعطلات. لا أعتبر نفسي في مكانة أمها مع أنني أعتني بها طوال الوقت. أكنّ لها مشاعر جميلة، لكنها مختلفة عن الأحاسيس التي أشعر بها تجاه الطفل الذي أنجبناه. لا يكون الزواج سهلاً حين يكون لأحد الطرفين طفل من زواج سابق. عند أقلّ مشكلة، كانت الصغيرة تقول لي «أنتِ لستِ أمّي». لحسن الحظ، لطالما دافع عنّي عمر، فكان يشرح لها ضرورة أن تحترم نصائحنا وطريقة عيشنا. كانت المشاكل كبيرة، تحديداً بسبب قلة التواصل بين عمر وزوجته السابقة. كانت الصغيرة في البداية ترفض المجيء إلى منزلنا لشدّة تعلّقها بأمها. أعترف أنني وجدت صعوبة في التكيّف مع هذه الحياة الجديدة. لم أختر عمداً شخصاً له ابنة من زواج سابق وقد تحوّلتُ إلى زوجة أم منذ بداية زواجنا! كانت الأمور صعبة في البداية فكان عمر يضطرّ أحياناً للذهاب إلى زوجته السابقة لرؤية ابنته. لكن منذ رُزقنا بابننا، صرتُ أتقبّل الأمور بشكل أفضل. فهمتُ أن
الطفل يأتي قبل الجميع».
في عمر الـ 40
كريم (47 عاماً) وسلمى (46 عاماً):
«تطلّقتُ في سن الرابعة والثلاثين وعشتُ منذ ذلك الحين مع ابني لأكثر من عشر سنوات. بعد الانفصال، لم أشأ الخوض في علاقة جديدة ولم يرغب ابني في رجل آخر في حياتي. حين قابلتُ كريم، قررنا الزواج خلال فترة قصيرة. كان أرمل منذ مدة قصيرة ولم يشأ البقاء وحيداً. كانت هذه الحياة المشتركة صعبة لا سيّما في الأسابيع الأولى. شعرتُ بالاختناق! كان الالتزام تجاه شخص آخر أمراً جديداً عليّ. في الفترة الأولى، عشتُ في صراع تامّ بين الرغبة في العيش وحيدة والرغبة في الرفقة. تعلّمت الاعتياد على مشاركة كلّ شيء مع زوجي. في عمرنا، يكون لكلٍّ منا هوسه وعقده، ولا بدّ من التفاوض وتقديم التنازلات. كان علينا الانتظار لفترة أطول قبل الإقدام على الزواج إلى أن نعتاد على بعضنا. لكني لا أندم على شيء! أحبّ المشاركة وأستمتع بوجوده الدائم في حياتي. من المدهش أن نجد شخصاً إلى جانبنا بعد أن عشنا في وحدة لفترة طويلة!».
رأي علماء النفس
ما النصائح التي يجب اتباعها للنجاح في الحياة المشتركة؟
لا بدّ أولاً من تحديد المجالات والأدوار الخاصة بكلّ طرف واحترامها. ثم، يجب القبول بتقديم التنازلات وتعلّم المسامحة واحتمال الآخر على الرغم من صعوبة الأمر في الحياة اليومية.
يختار بعض الثنائيات عدم تقاسم أمور الحياة اليومية والاكتفاء بمشاركة اللحظات السعيدة. هل هو مؤشر على درجة أقلّ من الحبّ؟
ينجح هذا الأمر في عدد كبير من العلاقات. نشهد اليوم تغيراً ثقافياً ملحوظاً، إذ لم تعد العلاقة ترتكز على مشاركة كل شيء. قد تنفع هذه الطريقة شرط أن يتفق عليها الطرفان.
هل يمكن أن يشكل الزواج قراراً خطيراً؟
إذا لم يكن الطرفان مستعدّين لهذه الخطوة، قد تتدهور علاقة الثنائي. فقد يقود ذلك في بعض الحالات إلى الطلاق سريعاً من دون إنذار مسبق. يتزوج البعض لمعالجة مشاكل العلاقة. لكنّ الزواج وإنجاب الأطفال بهدف إنقاذ العلاقة قد ينتهيان بتحطيمها.