الفن
الحركي
مازالت الحركة هي هاجس
الفنان التشكيلي، منذ أن أمسك بالحجر الصوان ليرسم، على جدران
الكهوف، وان ظلت في إطار حركة الخط، في سعيه لتخليد اللحظة شكليا في العمل الفني،
لكن مع ولوج القرن العشرين وتحت التأثير الطاغي للاكتشافات العلمية، ساهمت الدادية
في هذا التوجه، على يد (مرسيل دوشامب) 1887 – 1968) و(فرنسيس بيكابيا)،
وتوجهات المستقبلية الإيطالية، كما تجسدت الرغبة في الحركة من خلال البيان الواقعي
العام 1920، عندما أعلن (جابو): (أننا قادرون اليوم على إظهار القوى الخفية للطبيعة)،
ومحاولات مدرسة الباوهاوس، والبنائية الروسية بأبطالها (تاسكين، جابو، بنسز).
ويرجع الفضل في البدايات
الأولى للفن الحركي، إلى فناني
الأدب آرت، ومن أبرز فناني هذا الاتجاه (فيكتور فازاريلي) 1908، وان كان الفن الحركي اتجه إلى نمطين في
التعبير تربط بينهما منهجية واحدة.. هما: (البنية المبرمجة) أو الصورة
المتبدلة حركيا، وهي التوجهات التي دفعت الفن إلى منطقة فاصلة على حدود القيم الجمالية
للفن المتعارف عليها منذ آلاف السنين.
وكان بينالي القاهرة في دورته
الأخيرة، شهد بروز هذا ااتجاه بقوة خاصة في الجناح الأمريكي الذي قدم حجرتين لعرض الفيديو يفصل
بينهما جدار، ويمكن للمشاهد أن ينتقل بين الحجرتين بيسر عبر فتحة في الجدار،
كما قدم الألماني (برونودانك) تجسيدا لرؤية تعكس عصر التناقضات، حيث قدم جهاز
كمبيوتر ولوحة المفاتيح، بعد أن تفحما، في الوقت الذي قدم فيه على الطاولة الأخرى،
خنزيرا وتمساحا على هيئة لعب أطفال، بعد أن قام بتوصيلها بمصدر كهربائي، فدبت فيهم
الحركة الآلية، في رسالة إلى عالم اليوم هو التناقض الصارخ في كل مناخ الحياة.
ويشترك في السعي للحركة
الفعلية أيضا الفنان الدنماركي
(لون هدير هالسين) عندما جسد رأسا عبارة عن أسلاك متشابكة، في دلالة على خلو الرأس من الروح
والمعنى، وفي إشارة إلى أن رأس إنسان العصر، قد تحول إلى شبكة من الأسلاك الجافة
الخالية من العاطفة.
وفي
واحدة من أهم المعارض التي عنيت بالحركة
جاء معرض الفنان (إيهاب شاكر) بجاليري خان المغربي بوسط جزيرة الزمالك، تلك المجموعة الفنية التي عبر
فيها عن غرامه وعشقه وحبه للحركة في العمل الفني، على الرغم من ارتباطه الأزلي
بالأدوات البسيطة في معالجة أعماله، التي لا تخرج عن الأقلام الملونة والورق.
اعتمد إيهاب شاكر في حلمه
لاحداث حركة في أعماله على
الخط، وليس على التكنولوجيا على طريق اتجاهات الفن الحديث، أو ما بعد الحداثة..حيث يقول :
(شغلتني الحركة منذ طفولتي، حتى كهولتي إلى اليوم، وهي (الحركة).. الحركة التي
نراها في الطبيعة.. فقد كانت هوايتي أن
أجلس بالساعات أمام حركة الأسد
في حديقة الحيوان التي كنت أزورها مئات المرات أعيش في موسوعة للحركة. أسجل في
خيالي كل حيوان أو طائر. مضيفا أنه في ذلك الحين لم أكتشف بعد أني عاشق للحركة. وأن
جاذبية حديقة الحيوان الممتعة لي لم تكن في أشكال الحيوانات بل حركاتها.
وما كان فن (والت ديزني) إلا التعبير عن الحركة في أجمل صورها فانجذبت للرسوم
المتحركة وأخذت من عمري سنوات طويلة.. أحرك رسومي.. ثلاث سنوات أدرس حركة أقدام
الحصان حتى يراها المشاهد في فيلمي (رقصة الحصان).
اتخذ إيهاب شاكر – أحد
فرسان الرسم الصحفي – اسما فانتازيا لمعرضه، الذي ضم (30) لوحة، تحمل قدرا كبيرا من
السخرية، سواء من الواقع المعاش، أو تلك الكامنة خلف سياج من القوة والصلابة،
فقد جمعت
الأعمال بين ابتكار
معالجات جديدة للشكل والخط
وطرافة المعنى، وهو الأسلوب الذي يبدو أنه استمده من طبيعة الطباعة الفنية في المجلات السيارة، ذلك
الأسلوب امتزج فيه الواقع بالخيال، المعقول باللامعقول، عالم فيه البطل الإنسان،
والطيور، لكنه الإنسان الذي عبر عنه الفنان بصيغ تتسم بالمبالغة، والتضخيم بهدف
إبراز معنى ودلالة ورمز.. حيث يقول إيهاب شاكر : (الحركة تأتي من العمق النفسي،
وهو الذي يحدد مواصفات شكلها والحركة المعبرة عنها، فقد تغيرت حركة الحصان
(في رقصة الحب) التي تعبر عن حبه للفرسة. وإذا كنت عانيت طويلا حتى أصل إلى التعبير عن
حركاته فالأصعب منها هو التعبير عن الحركة التي تنبع من النفس في لوحات ثابتة لا
تتحرك.
التقط الفنان لحظات من
المشاعر الإنسانية
الدافئة، من حب، وسلام، ومودة، عبر عنها كما نراها في لوحة (طيور من عالم آخر) والتي تصور
الملاغاة، والوشوشة وهديل الطيور، في الوقت الذي اتخذت فيه الطيور هيئة جمعت بين شكل الطيور
وحركة الإنسان، في دلالة بليغة على القواسم المشتركة بين الكائنات.
ابن البلد هو بطل لوحات
(إيهاب شاكر)، لكنه تحول بفعل بحث الفنان
الدائم عن الحركة إلى النماذج النمطية للفن الشعبي، التي استمدت وجودها من الضمير الجمعي للأمة،
فأصبحت رمزا للبطولة المطلقة، حتى لو كانت استعراضية، أو رمزا للقوة حتى لو كانت وهمية
وكأننا نقف أمام عروض صندوق الدنيا العجيبة، أو أمام عرض من عروض الأراجوز، حيث
نرى الساحر العربي يلهو بامرأة داخل صندوقه الصغير، وسنان السكين الذي تحول إلى
لاعب اكروبات يسن سكينه لمن ؟! لا ندري، فيما ظهرت المرأة في الأعمال بدينة، وكأنها
جاءت في زمن الراحة والدعة والرخاوة، في دلالة على حالة الكسل التي انتابت
الشخصية العربية.
يكاد يكون ايهاب شاكر
الفنان الوحيد
حتى الآن الذي عبر عن مأساة حريق قطار الصعيد الذي راح ضحيته المئات، حيث صور في معرضه الإنسان
الصعيدي بزيه الأثير الجلباب وغطاء الرأس الشهير، وهو جالس القرفصاء، في حركة عنيفة،
بعد أن دفن رأسه في جسده، وكأنه يدفن أحزانه في كبرياء بينما جاءت خطوط الرسم
تتشابه مع النحت الفرعوني، سواء من حيث الكتلة أو الخطوط التي حولت جلباب الرجل
إلى قلعة أو سجن، أما تضخم النسب فعكست الموقف المأزوم الذي يعيشه ويعانيه.
يبقى
أن المجموعة ككل تعيد إلينا نماذج من الفن الذي يرتبط ارتباط مباشرا
بقضايا الإنسان المعاصر، ويعبر عنها بسبل وطرق معالجة بسيطة، يتواصل معها الجميع مهما
كانت درجة ثقافته الفنية
منقول