التصنيفات
العلوم الانسانية والاجتماعية

طرق الاثبات في المواد المدنية

تنص التشريعات عادة على طرق الإثبات ووسائله، وفي بعض الحالات تحدد الأدلة التي يجب تقديمها للقضاء في دعاوى معينة، وبالتالي تعتبر وحدها جائزة القبول دون غيرها. وبوجه عام يمكن حصر أهم وسائل الإثبات أمام القضاء فيما يلي:
1- الكتابة .
2- شهادة الشهود
3- القرائن القانونية.
4- حجية الشيء المقضي به .
5- الإقرار الإعتراف
6- اليمين .
7- المعاينة .
8- تقارير الخبراء.
وسنتكلم بإيجاز عن كل وسيلة من وسائل الإثبات فيما يلي :
أولا: الكــتابـة :
تعتبر الكتابة من أهم طرق الإثبات في عهدها الحاضر ، و لقد مر بنا أن المادة 333 مدني جزائري تضمنت حكما مؤداه أنه في غير المسائل التجارية لا يجوز الإثبات إلا بالكتابة سواء لإثبات وجود الحق أو لإثبات الوفاء به انقضاءه لأي سبب آخر تجاوزت قيمة التعرف القانوني ألف دينار جزائري أو كانت القيمة غير محددة .
و بمفهوم المخالفة لهذا النص نستطيع القول بأنه المعاملات التجارية المدنية التي تكون قيمتها ألف دينار فأقل، و كذلك في المعاملات التجارية عامة مهما كان حجمها أو قيمتها، فالإثبات جائز و يكون مقبولا أمام القضاء بكافة و سائله بغير الكتابة، كشهادة الشهود و المحادثات الهاتفية و غيرها ومن البديهي أن الكتابة تصلح وسيلة للإثبات في المواد التجارية وفي المواد المدنية إذا كانت 1000 دينار فأقل و ذلك من باب أولى.
و الكتابة نوعان كتابة رسمية و كتابة عرفية . فالكتابة الرسمية يقصد بها ما تكون من عمل موظف رسمي مختص كما هو الحال في عقود الرهن الرسمي. أما الكتابة العرفية فهي التي يقوم بها الأفراد فيما بينهم دون تدخل موظف رسمي و لكل من النوعين حجية خاصة كدليل للإثبات بحسب نصوص القانون .
ثانيا: شهادة الشهود:
يقصد بشهادة الشهود، الأقوال التي يدلى بها الأشخاص في ساحات القضاء بشأن إثبات أو نفي واقعة قانونية أيا كان نوعها .
و لهذا نقول بأن الشهود نوعان، شهود إثبات و شهود نفي، و للمحكمة أن تستمع إلى الشهود دائما سواء كانوا للنفي أو للإثبات لكي تتجلى الحقيقية .
و تقبل شهادة الشهود كدليل إثبات في المواد التجارية عموما ، و كذلك في المواد المدنية في حدود الألف دينار لا أكثر كما عرفنا من مضمون المادة 333 مدني، ما لم يوجد نص قانوني بخلاف ذلك .
ولكن الشهادات أي البيانات أيا كان نوعها و أيا كان الأشخاص الذين يؤدون الشهادة لا تكون ملزمة للقاضي بل تخضع لتقديره. فله أن يقبل شهادة واحد من الشهود كدليل إثبات أو نفي يقنع به و يرفض شهادتين متضاربتين، في نفس الدعوى و نفس الموضوع .
ثالثا: القرائن القانونية والقضائية : القرينة القانونية التي ينص المشرع عليها كدليل إثبات تعفي من تقررت صالحه من عبء الإثبات، ومن أمثلتها قرينة الوفاء بالأقساط السابقة عند ثبوت الوفاء بقسط الأجرة اللاحق وعلى ذلك نصت المادة 449 مدني بقولها:
" الوفاء بقسط من الاجرة يعتبر قرينة الوفاء بالاقساط السابقة حتى يقوم الدليل على عكس ذلك" . وتفسير ذلك أنه في دعوى المطالبة بإيجار المعين إذا قدم المستأجر ما يفيد قيامه بسداد الإيجار عن الشهر الرابع من العام الحالي مثلا يعتبر ذلك قرينة على سداد جميع الأقساط السابقة على ذلك التاريخ، وعلى المؤجر ان يثبت العكس إذا أراد أي أنه يصبح الملزم بالإثبات. أما القرائن القضائية فيقصد بها كل ما يستخلصه القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول فهي أدلة استنتاجية، ولهذا يجوز للطرف الآخر أن يثبت العكس إذا مكنه من ذلك . وجرى العرف القانوني على أن القرينة أي كان نوعها فهي أدنى من مستوى الدليل في مجال الإثبات أي لا ترقى إلى قيمته في نطاق الإثبات القضائي ومعنى ذلك أن القرينة تحتاج إلى قرينة أخرى تسندها كدليل إثبات، بينما الدليل يكون بمرده كافيا لإثبات الواقعة القانونية أو نفيها .
رابعا: حجية الشيء المقضي به : الحكم النهائي الفاصل في موضوع الدعوى يعتبر عنوانا للحقيقة والعدالة في نفس الوقت. ولذلك تكون له حجيته في مواجهة الكافة أي بالنسبة لأطراف الخصومة ولغيرهم من الناس ولهذا يعبر عن الحكم النهائي في الدعوى بأنه حجة قضائية وأن له قوة الشيء المقضي. لذلك يعتبر الحكم النهائي سببا من أسباب انقضاء الدعوى، بل هو السبب الطبيعي والعادي لانتهاء الدعاوى، فهو خاتمة مراحل الدعوى وهو الذي يحسم المنازعات القضائية أيا كان نوعها. ويصدر الحكم النهائي لا يجوز إعادة رفع النزاع إلى أي جهة قضائية أخرى طالما لم يتغير أطراف الدعوى ومحلها وسببها. ويمكن الاحتجاج بالحكم القضائي النهائي كدليل على صحة ما جاء فيه واستخدام هذا الحكم كدليل للإثبات في دعوى قضائية أخرى لحسم نزاع يتصل بالنزاع الذي فصل فيه نهائيا .

خامسا: الإقرار القضائي : من المبادئ المقررة في الفقه القانوني ان الإقرار القضائي يعتبر سيد الأدلة في الإثبات أمام الجهات القضائية، والإقرار القضائي بقصد به اعتراف المدعي عليه بصحة الواقعة القانونية المدعي بها. ولهذا نقول إذا أقر المدعي عليه امام المحكمة بمديونيته بالحق المدعي به عليه، كان هذا الإقرار من جانبه دليلا على ثبوت حق المدعي. ولا تجوز تجزئة الإقرار بل يتوجب على القاضي في هذه الحالة الحكم لصالح المدعي، والإقرار دليل قاطع في الإثبات، اما في المواد الجنائية فقد نصت المادة 213 إجراءات جزائية على ما يأتي " الاعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الإثبات يترك لحرية تقدير القاضي" . ولاشك ان المشرع يقصد بهذا النص الواضح ان يخول القاضي حق تحري الحقيقة لتحقيق العدالة فله ان يلتفت عن الاعتراف القضائي إذا كان غير صحيح أو كان نتيجة إكراه مادي او معنوي. اما إذا كان الاعتراف لا يشوبه عيب فإنه يعتبر دليلا متميزا في الإثبات القضائي .
سادسا: الـيمـيـن : يقصد باليمين أداء القسم، أي يحلف الشخص بالله العظيم أن يقول الحق ولا شيء غير الحق، وإلا تعتبر شهادته باطلة قانونا، وجرى العمل ان يؤدى الشهود اليمين القانونية قبل إبداء أقوالهم أمام المحكمة، كما يقسم أيضا المترجمون والخبراء وغيرهم ممن يبدون أراءهم في حالات انتداب الخبراء، وذلك للتأكيد من أنهم سيؤدون شهاداتهم بالحق والصدق. والخصوم أيضا قد يؤدون اليمين كوسيلة من وسائل الإثبات مع ملاحظة أن اليمين نوعان: اليمين المتممة ، واليمين الحاسمة .
واليمين المتممة هي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي أطراف الخصومة في الدعوى بغرض اتمام اقتناعه بقرينة معينة، وهذه اليمين المتممة لا أثر لها، لأن القاضي له أن يأخذ بها وله ان يلتفت عنها حتى بعد قيام الخصم بحلف اليمين. ومن المعلوم ان للخصم ان يحلف اليمين المتممة إذا طلبها القاضي وله أن يمتنع عن أداء اليمين، حيث لا يتقرر حتما بأدائها أو النكول عنها حسم النزاع إيجابيا أو سلبيا.
أمت اليمين الحاسمة فهي التي يوجهها الخصم المدعي للمدعي عليه، عندما يعجز عن إثبات حقه الذي يدعيه، ويطلب منه ان يقسم على صحة ما يدعي به عليه أو عدم صحته، وبحسب نص القانون تحسم هذه اليمين النزاع. بحيث لو أداها المدعي عليه وقرر عدم صحة الإدعاء المقام ضده فإن المدعي يخسر دعواه، أما إذا امتنع المدعي عليه من حلف اليمين الحاسمة فإن المدعي يربح دعواه، حيث يعتبر ذلك دليل إثبات على صحة ما ادعاه.وفي المواد الجنائية لا يحلف المدعي المدني اليمين، ولا يعتبر شاهدا لأنه يعتبر خصما حتى ولو كان هو المجني عليه، مع أنه في حالة عدم ادعائه مدنيا يعتبر شاهد الإثبات الأول في الدعوى العمومية ويحلف اليمين باعتباره شاهدا .
سابعا: المعـايـنة : يقصد بالمعاينة الانتقال إلى مكان النزاع لمشاهدته على الطبيعة بقصد التوصل إلى معرفة الحقيقة والفصل في الدعوى على ضوء نتيجة المعاينة. وقد تنتقل المحكمة بهيئتها القضائية لإجراء المعاينة إذا كانت هناك مبررات وذلك لاستجلاء الملابسات الغامضة في موضوع النزاع، وللمعاينة أثر بالغ في استظهار الحقائق. وقد تضمن قانون الإجراءات المدنية الجزائري النص على أنه يجوز لقاضي المحكمة أن يأمر من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم بالانتقال للمعاينة. وأنه يجوز للقاضي ان يستصحب من يختاره من أهل الخبرة للاستعانة به عند إجراء المعاينة والاسترشاد بخبرته الفنية في موضوع النزاع. كما أجاز المشرع للقاضي أثناء إجراء المعاينة ان يسمع الشهود الذين يرى لزوما لسماع شهاداتهم بعين المكان. ويجب أن يحرر محضر بالمعاينة ويوقع عليه القاضي ومن كاتب الجلسة وتثبت فيه إجراءات المعاينة وما يثبت منها، على ان يودع هذا المحضر بملف الدعوى.كما نص المشرع على أن مصروفات الانتقال للمعاينة تضاف إلى مصروفات الدعوى .
ثامنا: تقارير الخبراء : كثيرا ما يلجأ القضاة إلى الاستعانة بأهل الخبرة من أطباء أو مهندسين او فنيين، لإجراء الفحص والبحث والتحليل في الدعاوى التي تثار فيها مشاكل تقنية مثل مضاهاة الخطوط عند الادعاء بتزوير المحررات وتكون لتقارير أولئك الخبراء أهمية قانونية كقرائن او أدلة في الإثبات القضائي. وقد نظم المشرع في قانون الإجراءات المدنية قواعد الاستعانة بالخبراء أمام المحاكم وأجاز للقاضي أن يستعين بخبير أو بعدد من الخبراء لاجراء أعمال الخبرة في الدعوى المطروحة عليه، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم. وللقاضي أن يختار هؤلاء الخبراء من بين المقيدين بجدول الخبراء بالمجلس القضائي أو من غيرهم بشرط ان يحلفوا اليمين القانونية. ويلتزم الخبراء بتقديم تقاريرهم عن المهام التي كلفوا بها من قبل المحكمة في الآجال التي يحددها لهم القاضي الذي انتدبهمن ويجوز للقاضي مناقشتهم في المحكمة لاستجلاء ما كان غامضا في تلك التقارير.