مسرح الطفل في الوطن العربي: :_here::_ect:
ـــــــــــــــ
إن الشعوب الحضارية ومنها شعبنا العربي عرفوا أنواعا من العروض البدائية في المسرح،إذ ذكرت بعض الدراسات أن مسرح العرائس ظهرعند المصريين القدامى في عهد الفراعنة وعند الصينيين واليابانيين وبلاد ما بين النهرين وتركيا، بيد أن اليابانيين تفننوا فيه حتى أصبح مسرح العرائس إحدى أدوات التعليم والتلقين لديهم ، فهم من الأوائل الذين أتقنوا هذا النوع من المسرح حيث كان يتهافت عليه الصغار والكبار بدون استثناء،وكذلك مسرح خيال الظل الذي يعتمد آنعكاس الظل على قطعة قماش أبيض لتشخيص أشياء من خلالهاوذلك باستعمال الأيدي والأرجل وبعض الصور.
وكماعرف خيال الظل في مصر والعراق، ويذكرأن صلاح الدين الأيوبي حضر عرضا لخيال الظل مع وزيره القاضي الفاضل عام 567هـ، وقد اشتهر في هذه اللعبة ابن دانيال الموصلي والشيخ مسعود وعلي النحلة وداود العطارالزجال، وقد ارتحل خيال الظل عبر مجموعة من الدول والمناطق ليستقر في الوطن العربي بعد أن انتقل من الهند إلى الصين حيث تسلمته القبائل التركية الشرقية والتي سربته بدورها إلى فارس ثم إلى الشرق الأوسط وتلقته مصر لتنشره في شمال إفريقيا.(1)
لكن مايعنينا هو مسرح الطفل المتكامل ، حيث آستنتجنا مما تقدم في مدخل التمهيد أن أوربا وبعض دول الشرق الأقصى إعتمدت مسرح الطفل وسيلة جديدة في التربية والتعليم قبل العالم العربي الذي لم يعرفه – حسب علمنا – إلا في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كمؤلفات للقراءة وفي نشاطات إحتفالية محدودة، وإن كان الباحث المغربي مصطفى عبد السلام المهماه يرى:أن المغرب عرف مسرح الطفل منذ سنة1860 عندمااستولى الإسبان على مدينة تطوان، حيث مثلت فرقة بروتون مسرحية بعنوان: (الطفل المغربي)، وذلك على خشبة مسرح إيزابيل الثانية بتطوان، وهي – بذلك – أول خشبة مسرح طفلي في العالم العربي وفي إفريقيا، وبعدها قاعة مسرح الأزبكية 1868، والأوبرا بالقاهرة سنة 1869م بمناسبة فتح قناة السويس، وبالطبع نعتبر التاريخ أعلاه، كبداية لمسرح الطفل و للمسرح عامة.(2)
في الحقيقة أن كل ما تم تقديمه من عروض أو نصوص في هذه الحقبة الزمنية كان يعتمد الترجمة والتقليد للمسرح الغربي، فضلا عن أن مسرح الطفل العربي -حصرا- لم يحظ بما حظي به مسرح الكبار من قيمة ومكانة وانتشار وتدوين وتوثيق، بل بقي مسرحا ثانويا أوظل على هامش مسرح الكبار.
ولو آستعرضنا ماكتبه الرواد في كافة فنون أدب الأطفال ومنها: المسرحية ، لوجدنا أنهم نقلوا النصوص الأجنبية إلى العربية، فيقول محمد عثمان جلال (1838ـ 1898) في مقدمة كتابه (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ):(أخذت أترجم في الأوقات الخالية كتاب الأديب الفرنسي الكبير لافونتين، وهومن أعظم كتب الأدب الفرنسي المنظومة على لسان الحيوان ، على نسق كتب الصادح والباغم ، وفاكهة الخلفا .. وسميتها "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ).(3)
أيضا فعل الشيء نفسه إبراهيم العرب (المتوفى عام 1927) صاحب كتاب ((آداب العرب)) الذي نظم عددًا من المنظومات الشعرية المتنوعة التي سار فيها على طريقة لافونتين ، وقد تضمن كتابه مائة منظومة شعرية دارت جميعها على ألسنة الحيوان والطير بغرض العظة.(1) لكن بعد الثلاثينات برز رائدان من رواد أدب الأطفال في مصر،وهما: محمد الهراوي وكامل الكيلاني، وكانت لهم محاولات جادة في كتابة المسرحية الطفلية إلى جانب كتاباتهم في الفنون الأخرى لهذا الأدب النامي في الوطن العربي.
إذ كتب محمد الهراوي (1885-1939م) للأطفال بكل وعي وفهم لمتطلبات الطفل فأصدر عام 1924 أربعة أجزاء من ((أغاني الأطفال)) مراعياً أن يكون كل جزء مناسباً لفترة من فترات الطفولة، وبذلك يكون أول من انتبه إلى المراحل العمرية للطفل ومخاطبته ضمن هذه المراحل بكلمات خاصة بها، كما يعد أول شاعر عربي نذر نفسه للكتابة للأطفال شعراً و(مسرحاً شعريا) وقد حرص على مخاطبة الطفل في كل ما يهمه ويشغل باله فنراه يكتب في كل المواضيع التي وجدها ضرورية للطفل منها:الوطنية، والدينية والاجتماعية ،والألعاب، والأعيان المختلفة، والمخترعات.(2)
وأما كامل كيلاني(القاهرة 20 أكتوبر1897-10يناير1959) فقد وجه اهتمامه عام 1927 إلى فن أدب الأطفال ودأب على تحقيق الفكرة التي آمن بها وهى إنشاء مكتبة الأطفال،فألّف وترجم(250) قصة للأطفال منها: "مصباح علاء الدين" و"روبنسون كروزو" و"حي بن يقظان" و"نوادر جحا" و "شهرزاد" و"ألف ليلة" وغيرها كثير، وتم مسرحة قسم من قصصه في عروض خاصة الى الأطفال.(3)
وبدأ المصريون بالإهتمام الواضح في مجال الكتابة والعرض منذ نهايات الستينات من القرن الماضي، حيث أنشىء أول مسرح للأطفال سنة (1964م) وقدمت عليه مسرحية (الحذاء الأحمر) لهانزان رسون، ولكن جاء العرض ناقصا وفي ظروف آتسمت بعدم الثبات وغياب التخطيط، وكانت العروض – فيما بعد- تقدم في مناسبات متفاوتة غير منتظمة!؟، ويمكن أن نعد عام (1968م) البداية الرسمية الحقيقية لمسرح الأطفال في مصر، تلاها إنشاء (مركزثقافة الطفل-1969م)، وكان من أهم أنشطته تقديم عروض مسرحية للأطفال، وظهر
عدد من الفرق الخاصة بذلك لكن لم يكتب لها النجاح سوى مسرح العرائس بالقاهرة.
واليوم توجد في مصرعدة مسارح وعديد من الكتاب والأدباء في أنحاء مختلفة من مدنها،نتيجة آنتشارمعاهد وكليات الفنون الجميلة والمراكزالثقافية والدراسات المتخصصة بمسرح الطفل(1) وفي بلاد الشام (سوريا ولبنان والاردن) ظهرنشاط مسرحي مبكر، وعرف من أعلامها: مارون النقاش(1817-1855م)، وأبو خليل القباني(1833 – 1903م)- مؤسس المسرح الشعبي(2)، وجاء بعدهم عبد الوهاب أبو السعود(1897 ـ 1951) – فهو المؤسس الرائد للمسرح المدرسي في سوريا، وكانت آنطلاقته الفنية بعد أن تحررت البلاد من حكم الإمبراطورية العثمانية، واستعد لعمل كبير، فالتقى بالكاتب معروف الأرناؤوط الذي كتب مسرحية (جمال باشا السفاح) عام 1919، مع قدوم الملك فيصل إيماناً منه بأن الفن يجب أن يكون في خدمة القضايا الوطنية والقومية والإنسانية، ثم صارت مدرسة(الملك ظاهر) ساحته التي يمكن أن يتحرك فيها بحرية، ليمارس نشاطاته الفنية،وقدم عروضاً طيلة فترة تدريسه في مدارس دمشق ، وسافر إلى باريس على نفقته الخاصة،فسجل ملاحظاته متحمساً للعودة إلى الوطن، ليمارس نشاطه الفني، ولشدة تعلقه بالمسرح كان يصرف الأزياء والديكور من جيبه، ويختار مجموعة من الطلاب الموهوبين للتمثيل في محاولة جادة لزرع الفن المسرحي في نفوس طلابه، مقتنعاً أن القاعدة الجماهيرية لهذا الفن تبدأ من طلاب المدارس كونهم صغاراً، ومؤكداً المثل القائل،(العلم في الصغر كالنقش على الحجر).(3)
وبرز في سوريا بعد هؤلاء الرواد الشاعرسليمان العيسى(1921-) الذي عرف بكتاباته الشعرية في كافة فنون أدب الطفل ،منها:ديوان الأطفال -1969، والمستقبل -مسرحية شعرية للأطفال-1969،والنهر- مسرحية شعرية للأطفال-1969،ومسرحيات غنائية للأطفال- 1969،و القطارالأخضر- مسلسل شعري للأطفال – بغداد 1976، وغنوا أيها الصغار- شعر للأطفال- 1977،وميسون وقصائد أخرى -مسرحية وقصائد-1973.(4)
ويحظى أدب الأطفال في سوريا حاليا بإهتمام متقدم من لدن الكتاب والأدباء والمؤسسات الحكومية والدوريات الأدبية والدراسات الأكاديمية ، وقد برز لديهم آسماء لامعة في هذا المجال الأدبي،مثل: الكاتب الأديب زكريا تامر،والناقد الدكتورعبدالله أبوهيف.
وأما لبنان فإنها ساهمت مع شقيقتها سوريا قبل الإنفصال في إرساء المسرح الطفلي في أحضان المدارس والنوادي الإجتماعية ،ولعلها كانت المنفذ النشيط لآستقبال النتاجات الفنية والأدبية الوافدة في مختلف الفنون والآداب وترجمتهاالى العربية، لكن مسرح الطفل مازال ينشط بين حين وآخر في ظل مسرح الكبار لأسباب مادية وظروف سياسية خاصة، ففي عام (1968م) أنشئت فرقة(محترف بيروت للمسرح)، ثم ظهرت فرقة (المسرح الإختباري)،وفي عام (1970م) أسست فرقة( مدرسة بيروت للمسرح المعاصر) التي إزدهر في ظلها الفرق المدرسية التي تقدم مسرح الدمى وخيال الظل.(1)
وفي المملكة الأردنية تلعب دائرة الثقافة والفنون التابعة لوزارة الثقافة والشباب دورا نشيطا في مجال مسرح الطفل حيث تقدم الدعم للكاتب المحلي والفرق المدرسية مما أدى إلى بروز أعمال عديدة تم عرضها في مهرجانات خاصة بالأطفال ،وفي نشاطات الجمعيات والنوادي الثقافية- الإجتماعية مثل: (جمعية أصدقاء الطفل)،و(مركزهيا الثقافي للأطفال) فضلا عن الأعمال المسرحية المقدمة في مواسم ومناسبات خاصة بوزارة التربية والتعليم الأردنية.(2)
وفي دول الخليج العربي برزت السعودية والبحرين والكويت في مقدمة هذه الدول،والواقع أن السعودية هي رائدة مسرح الطفل في الخليج بلا منازع، في عام 1960م بدأت أولى محاولات المسرح العربي في السعودية ، على يد الشيخ أحمد السباعي ، حيث قام بتأسيس فرقة مسرحية في مكة، وأنشأ معها مدرسة للتمثيل، غيرأن الظروف حالت دون ذلك وأغلقت دار العرض، فظل المسرح العربي في السعودية ذا طابع مدرسي ، حيث أن كثيرا من العروض المسرحية كانت تقدم على مسارح المدارس ، وكان أول مسرحية للطفل عُرضت في الأحساء في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وكان عنوانها «ليلة النافلة» وكتبها رائد مسرح الطفل في الخليج عبد الرحمن المريخي الذي توفي في أواخر العام الماضي، ومن رواد مسرح الأطفال حاليا الدكتورعبدالله حسن منصور من أولئك الذين ابدعوا في هذا المجال من الأدب، وقد كانت ولادته في جزيرة تاروت بالمنطقة الشرقية عام 1373هـ.(3)
وأما في البحرين فقد بدأ الإهتمام متأخرا تقريبا نهاية السبعينات لكنه بدا جادا ومتصاعدا حيث ظهرمجموعة ممن أبدعوا في مجال الكتابة لمسرح الطفل، أمثال:إبراهيم شمسي، وخلف حمد خلف، والشاعرالكاتب علي الشرقاوي ولكل واحد منهم نصوص عديدة.(1)
وتعد المغرب في مقدمة الدول العربية والأفريقية في مجال المسرح الطفلي ، ويرجح أن تكون سنة 1923م أو سنة 1924م بداية انطلاق المسرح المدرسي في بداياته التكوينية حيث عرضت في هذه السنة مسرحية “صلاح الدين الأيوبي” من قبل قدماء تلاميذ مولاي إدريس الإسلامية بفاس، وقد كون هؤلاء التلاميذ بعد ذلك فرقا وجمعيات ثقافية في العديد من المدن المغربية كفاس وسلا والرباط والدار البيضاء ومراكش وتطوان وطنجة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور حسن المنيعي:” في البداية، نلاحظ أن أول فرقة مسرحية كانت قد تشكلت بفاس على يد جماعة من طلبة المدارس الثانوية، وذلك سنة 1924م، إذ هناك من يؤكد أن بعض العرب المشارقة، الذين استوطنوا العاصمة، كانوا يشجعون الطلاب على تنظيم الجمعيات.
وهكذا نستنتج أن المسرح المدرسي في المغرب قديم في تكونه وتطوره، بل قد يكون أقدم من القرن السابع عشر الميلادي إذا راجعنا بكل نزاهة وموضوعية علمية صفحات تاريخ المسرح المغربي القديم إبان المرحلة اللاتينية، لكن الانطلاقة الفعلية للمسرح المدرسي المغربي كانت سنة 1987م، وذلك عندما قررالإصلاح التربوي إدخال مادة المسرح في المنهاج الدراسي وتدريسها ضمن وحدة التربية والتفتح التكنولوجي في السنوات الثلاث الأولى من السلك الأول للتعليم الابتدائي ضمن الموسم الدراسي1987-1988م. وأقيم في هذا الموسم بالذات تدريب وطني في المسرح المدرسي تحت إشراف وزارة التربية الوطنية وتحت مسؤولية جمعية التعاون المدرسي وبتنسيق مع جمعية نادي كوميديا الفن بمراكش، وفي سنة1991م ستتأسس اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي باعتبارها إطارا وطنيا سيهتم بتطوير المسرح المدرسي وتفعيله وترجمته نظريا واقعيا داخل فضاء المؤسسة التربوية المغربية. (2)
وفي الجزائرعرف الشكل التقليدي من المسرح منذ بداية سنة 1921 عندما زارت الجزائر فرقة(جورج أبيض)، وقدمت مسرحيتين باللغة العربية هما:( ثارات العرب) و( صلاح الدين الأيوبي)، لكن الجزائر بقيت تعاني من الإحتلال الفرنسي العسكري الدموي، إذ لم يسمح
لأبنائها ببناء ثقافتها وإحياء تراثها، وفي مجال المسرح فلقد كانت فكرة الحكواتي وبعض
العروض الإرتجالية في المناسبات (عروض إحتفالية شعبية) هي السائدة، ولم يبدأ النشاط المسرحي العربي والطفلي إلا بعد الآستقلال ،إذ استطاع المسرح الوطني الجزائري استنادا الى مبادئ التاميم ليفتح فضاء الى كل الطاقات الفنية لابراز مواهبها .
حيث أستطاع ان ينتج بوسائل ضئيلة عشرين عرضا في أقل من أربع سنوات ( 1963- 1966)، محققا في هذه السنوات الأولى مجموعة من الانجازات الهامة منها: دورات لتكوين الممثلين، وإنشاء مدرسة لتكوين الممثلين والراقصين، وتنظيم مهرجانا ت للفنون الشعبية ، واصدارمجلة خاصة بالفن المسرحي،ومازالت الجزائرمتأخرة في هذا المجال الأدبي- الفني عن المغرب.(1)
المصادر🙂
ـــــ
– نقلا عن مصطفى عبد السلام:تاريخ مسرح الطفل فيالمغرب، مطبعة فضالة، المحمدية، ط 1، 1986، ص 10
– د.عبالعزيز المقالح :(الطفل في الأدب العربي)، مجلة الكتاب،السنة9/ ع6(عدد خاص- مؤتمرالأدباء العرب العاشر-الجزائر/1975م)، ص286-287.
– ( أغاني الأطفال):تقديم وجمع عبدالتواب يوسف،القاهرة،ط1(1985)، المقدمة،ص3-4.
– د. طارق البكري: كامل كيلاني رائدالأدب الطفل العربي، دراسة في المنهج واللغة والاسلوب، دار الرقي، القاهرة (2008م).
– أسما الياس:المسرح الطفل ودوره التربوي، مجلة بناة المستقبل،ع53-54،ص57.
– دمشق نزار قباني, نزار قباني, منشورات نزار قباني, بيروت طبعة آولى,1999, ص30-32.
– د.أحمد جاسم الحسين (حركة المسرح العربي:منمنمة تاريخية)،مجلة الموقف الأدبي، دمشق، العددان (435-436)، تموز-آب 2022،
– عبد الناصر حسو: (مؤسس قواعد الفن المسرحي العربي – المسرحي الفلسطيني عبد الوهاب أبو السعود: سيرة رجل قاوم التخلف بفنه الأصيل)، موقع مجلة الحرية على النت،22-10-2005 .
:rolleyes::(:_ect::(
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بارك الله فيك اخي الكريم على النظرة المسرحية
دمت لنا وللمنتدى مفيدا ومستفيدا
نترقب المزيد
بالتوفيق