من المشاكل العائلية الهامة المشاكل الخاصة بتدخل الأهل في حياة الزوجين وشئون معيشتهم وقراراتهم الخاصة وإنقياد أحد الزوجين لهذا التدخل والذي غالبا ما يكون من أحد أقاربه أو أصدقائه مع ضجر وصخب الطرف الأخر, وكما قيل في الأمثال الشعبية: الحما عمى ولو كانت نجمة من السما ", وهي مشكلة أم الزوج وأم الزوجة التي لا تنتهي ولأهمية هذه القضية أخذت حيزا وإهتماما ملحوظا لدى صناع السينما والدراما, لذا ينبغي عدم تدخل الأهل والأقارب في أي مشكلة تحدث بين الزوجين إلاّ إذا اقتضت الضرورة ذلك يجب أن يدرك الزوجان أنه لا يوجد هناك من يحل لهما خلافاتهما غيرهما.
إن أخطر ما يهدد الحياة الزوجية، ويؤثر على استقرارها هو إنتقال مشكلات الزوجين خارج أسوار المنـزل، وخاصة إلى الأهل، فكل طرف سيتحيز لابنه أو ابنته ويتحول الموضوع من خلاف بين الزوجين إلى صراع لا يمكن احتواؤه، أو السيطرة عليه.
تدخل الأهل في الحياة الزوجية
تدخل الأهل في الحياة الزوجية خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج, حيث يعدّ تدخل الأهل في الحياة الزوجية من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الطلاق في المنطقة العربية بناء على نتائج الدراسات الاجتماعية العديدة في هذا المجال.
لكن اختلفت نتائج هذه الدراسات العلمية من حيث ترتيب درجة سبب "تدخل الأهل" المؤدي إلى الطلاق. فقد اعتبر أنه المسبب الأول والرئيسي للطلاق في المملكة الهاشمية الأردنية كما جاء في التقرير الاحصائي السنوي لدائرة قاضي القضاة لعام 2001 . بينما كان في المرتبة الثانية من مسببات الطلاق وفقا لدراسة اجتماعية أعدّت في جامعة الملك سعود بالرياض .
وفي دراسة أخرى عن ( قضايا الزواج في الكويت 2022 ) بوزارة الشؤون الاجتماعية بالكويت، تبين أن "تدخل الأهل" هو في المرتبة الثالثة من مسببات الطلاق. ولقد أشارت دراسة احصائية لحالات الطلاق، قدمها صندوق الزواج عام 2000، أن 66.2% من حالات الطلاق كان بسبب "تدخل الاهل".
وذهبت بعض الدراسات التي طرحت (300 ) سؤالا على مطلق ومطلقة في منطقة الخليج حول أسباب طلاقهم فكان "تدخل الأهل" في شؤون الزوجين وقراراتهما في المرتبة الثانية بنسبة [ 22.4 %]. بينما اظهرت دراسة تحليلية أخرى لـ 440 حالة زواج من اجنبيات عام 2001 عن أسباب ارتباطهم بأجنبية فأجابت 112 حالة من الذين تزوجوا من اجنبيات أنه هروباً من تدخل الاهل في حياتهم الزوجية. ولقد أشارت نتائج الدراسة الإحصائية التي أعدت في المحكمة الشرعية السنية في بيروت – لبنان عام 2022 أن "تدخل الأهل" في الحياة الزوجية يعتبر السبب الرئيسي الثالث من الأسباب المؤدية إلى الطلاق.
وقبل دراسة هذه الظاهرة لا بد من طرح عدة أسئلة عن تدخل الأهل في الحياة الزوجية، على شكل التالي : متى يتدخل الأهل ؟ و متى يكون تدخلهم إيجابيا، ومتى يكون تدخلهم سلبيا، وكيف نحمي البيت من تدخل الأهل السلبي ؟ وكيف نوازن في العلاقة الزوجية والعلاقة مع الأهل، هذه الأسئلة سنجيب عنها في هذه الدراسة .
إبتداء لا بد من فهم النظام القرآني لهذه العلاقة انطلاقا من الآية الكريمة في سورة النسآء (34-35).قال الله تعالى تدخل الأهل الحياة الزوجية وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) .
بناء على ذلك يتبين من أنه ليس للأهل التدخل في الحياة الزوجية لأبنائهما إلا :
1-بعد أن ينتهي الزوجان من محاولة حل مشكلتهما.
2-في حالة خوف الشقاق ، لا أن يتدخل الأهل في حياة الزوجين المتفاهمين فيقلبانها جحيما، ويكون تدخلهم هو سبب الشقاق .
3-أن يكون في نية الأهل المتدخلين إصلاح المشكلة، وليس إحداث مشكلة غير موجودة .
فلو كان تدخل الأهل في خصوصيات الحياة الزوجية لأبنائهم، فيجب على الزوجان منعهما من ذلك وليكن شعارهما (هذه حياتنا وليست حياتكم ). لذا نص الفقهاء على أنه لا يلزم الزوج طاعة والديه لو أمراه بتطليق زوجته أو مخاصمتهما كما هو منتشر كثيرا في مجتمعاتنا، وكثيرا ما يخاف الابن من عصيانهما خوفا من عقوقهما ، أو الفهم الخاطىء لبرهما .
قال الإمام محمد بن مفلح المقدسي تدخل الأهل الحياة الزوجية كل ما تأكد شرعا لا يجوز له منع ولده ، فلا يطيعه …… ولا يطيعهما في ترك نفل مؤكد كطلب علم لا يضرهما به وتطليق زوجة برأي مجرد لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار ) وطلاق زوجته لمجرد هوى ضرر بها) الآداب الشرعية والمنح المرعية جـ1ص437 بتصرف .
وقال الإمام محمد بن أحمد بن سالم السفاريني تأكيدا لهذا الكلام تدخل الأهل الحياة الزوجية بل عليه أن يبادر لفعل الأمر المؤكد عليه ولا يلتفت لنهيهما . –وأعقب كلامه هذا بجملة مهمة – نعم يأخذ بخاطرهما ولا يداريهما) .غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب جـ1ص383
وعليه فإن كل ما يزيد من الخلافات الزوجية أو يشعلها بسبب الوالدين فلا يجب عليه أن يلتفت إلى كلام والديه في ذلك، وليس هذا من العقوق في شيء .
قد يعترض البعض فيقول إن إبراهيم عليه السلام أمر ابنه إسماعيل عليه السلام بطلاق زوجته فطلقها برا لوالده وذلك في الحديث الذي جآء فيه : (………. فجآء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته ، فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا ، ئم سألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بشرٍّ ، نحن في ضيق وشدة ،فشكت إليه ، قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، وقولي له يغير عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا ، فقال : هل جاءكم من أحد؟ قالت :نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول : غير عتبة بابك ، قال ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ، ألحقي بأهلك ، فطلقها،وتزوج منهم أخرى…………)البخاري (3184) .
إلا أن هذا الحديث ليس فيه ما يفهمه البعض لأن زوجة إسماعيل أفشت أسرار البيت الزوجي لرجل لا تعرفه. فمثل هذه الزوجة لا تصلح لأن تكون زوجة لنبي من أنبياء الله تعالى . فكان إرشاد إبراهيم عليه السلام لابنه بطلاقها حفاظا عل بيت ابنه من الخراب، ولم يكن طلبه لطلاقها لمجرد هوى أو خلافات بين الزوجة والحماة كما هو واقعنا ، فالأمر مختلف ، والاستدلال بهذا الحديث لا يستقيم .
للإجابة على التساؤلات السابقة في "ظاهرة تدخل الأهل في الحياة الزوجية" لابد من تقديم الطروحات العلاجية والإرشادات الوقائية للمقبلين على الزواج والمتزوجين بشكل عام تفاديا لتفاقم هذه المشاكل الاجتماعية التي قد تصل في نهاية المطاف إلى التفكك الأسري.
أولاً: تصنيف الحالات الاجتماعية الأكثر عرضة لتدخل الأهل في الحياة الزوجية, حيث تعتبر كل من الحالات الاجتماعية التالية أكثر تأثراً وتفاعلاً مع تدخل الأهل في الحياة الزوجية:
– الابن الوحيد.
-اعتماد الابن على والديه اقتصادياً (العمل مشترك – ينفق الأب على أسرة ابنه.. التبعية الاقتصادية).
-السكن مع أهل الزوج (أو أهل الزوجة) في منزل واحد مشترك.
-الشخصية الضعيفة لدى كل من الزوج أو الزوجة.
-أن تكون الزوجة قريبة (بنت عم، بنت عمة، …….)
-لديه فهم خاطىء لبر الوالدين وخاصة عند الشريحة الملتزمة، وقد يكون سببه النصوص الدينية التي تفهم بطريقة خاطئة، وقد ذكرنا نموذجا من هذه النصوص سابقاً .
بعد الانتهاء من هذا العرض السريع لهذه التصنيفات الاجتماعية لا بدّ لنا من التحدث عن الإرشادات الوقائية العامة لمنع تدخل الأهل في الحياة الزوجية وحدوث المشاكل الأسرية.
ثانياً: الإرشادات الوقائية.
نتوجه بهذه الإرشادات الوقائية إلى المقبلين على الزواج والمتزوجين الجدد بشكل عام:
الاتفاق المسبق بين الزوجين على سياسة التعامل العامة مع الأهل (أهل الزوج والزوجة). ونقصد بهذه السياسة رسم حدود العلاقة بين كل من الزوجين وأهلهما من جهة، والاتفاق على الأمور أو المشاكل التي لا يجب على أحد أن يتدخل بها وتعدّ من الأسرار الزوجية، مثال (العلاقة الحميمة، اختلاف طباع أو آراء، أخطاء سلوكية، مطالب خصوصية أو منزلية،…) وعدم إدخال الأهل في تفاصيل الحياة الزوجية اليومية. كما الاتفاق على المشاكل التي يمكن أن يتدخل فيها الأهل في مرحلة معينة على أن يحددان من هو الطرف الذي يدخلانه من الأهل في مشاكلهم. وتتضمن هذه السياسة أساليب التعامل مع الأهل أي فن التقرّب والتودد للأهل وتحديد الزيارات وافتعال المناسبات التي تؤلّف بين قلوب الأهل والأزواج وتعطي لهم الفرصة لمزيد من التواصل الإيجابي.
مراعاة الحقوق والواجبات: يتعيّن على الطرفين معرفة الحقوق والواجبات الأسرية والعمل على مرعاتها تفاديا لأي خلل في الحياة الأسرية.
التوازن: عدم شعور الأهل أن الابن قد استحوذت عليه الزوجة أو العكس. فإن توازن الابن في التعبير عن مشاعره من خلال تصرفاته وسلوكياته وطريقة تعامله مع أهله يحمي العلاقة الزوجية من تدخل أهل الزوج وكذلك بالنسبة للزوجة، وذلك من خلال قاعدة أن أحسس أمي أنها رقم واحد وزوجتي رقم واحد ، هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشعر كل واحد من أصحابه أنه أحب الناس إليه .
ألا يذكر كل طرف لأهله إلا محاسن الطرف الآخر وألا يتحدث معهم عن عيوبه أو سيئاته، ويدافع عن الطرف المتهم أمام أهله في حال وجد أي انتقاد منهم.
محاربة الأفكار السلبية الشائعة: إن من الأفكار السلبية الشائعة في المجتمع "كراهية الحماة والكنّة" وأصبحت عادة مكتسبة وذلك لأن بعض الحماوات يكرهن زوجة الابن فقط لأنها كنّة إذ كره الكنة شائعة اجتماعياً. لذلك يستحسن على الزوجة أن تحارب هذه الأفكار وأن تبادر إلى كسب ودّ الحماة من خلال الاحترام والتقدير المتبادل، التهادي بالمناسبات وغير المناسبات، المدح والشكر لكل ما تقدمه، الكلمة الطيبة، مقابلة الإساءة بالإحسان، عدم توجيه الانتقادات أو الأوامر والملاحظات المباشرة… وباختصار أن يشعر الأهل أن الزوج أو الزوجة أي الطرف الجديد(الدخيل) في كل من العائلتين إنما هو مثل الابن الحقيقي في العائلة الواحدة.
يتفق الزوجان أن يعاملا أهلهما بدوبلوماسية ويدعم كل واحد منهما الآخر.
قاعدة هامة: نحن من ندخل الأهل في مشاكلنا الزوجية ونحن من نضع حدود لهذا التدخل، فعلينا كأزواج أن نحافظ على خصوصية العلاقة الزوجية والعمل على حل مشاكلنا بأنفسنا.
أن يتفق الزوج على هرم الطاعة أو سلم الأولويات مع زوجته في حالة العجز عن التوفيق بين الطرفين. فمثلا بالنسبة للزوج أمه هي رقم واحد في حياته وأبوه رقم اثنين وزوجته رقم ثلاث، أما بالنسبة للزوجة فزوجها رقم واحد وأمها رقم اثنين وأبوها رقم ثلاث، ففي هذه الحالة تكون الأمور واضحة بين الطرفين في حالة التصادم .
في حال جاءت هذه الإرشادات متأخرة والمشكلة الزوجية تضخمت بسبب تدخل الأهل السلبي في الحياة الزوجية فإليكم بعض النصائح العلاجية لهذه المشكلة.
ثالثاً: الإرشادات العلاجية.
تختلف معالجة تدخل الأهل في الحياة الزوجية من حالة زوجية إلى أخرى وفقاً لعدّة اعتبارات منها: المدة الزمنية لهذا التدخل، نوعية المشاكل التي يتدخلون فيها، آثار هذا التدخل على العلاقة الزوجية، ومن الطرف المتدخل. بشكل عام ينصح باستشارة المتخصصين في القضايا الأسرية في حال كان هذا التدخل نشأ عنه شرخ عائلي أو نزاع بين العائلتين انعكس سلباً على العلاقة الزوجية ويهدد استمرار هذه العلاقة.
سيتم عرض بعض النصائح العامة التي يمكن للقارىء أن يختار ما يناسبه لمعالحة مشكلته أو حدّها:
الاجتماع العام: هذا الإجراء يوجّه لمن يعاني من تدخل الأهل منذ فترة زمنية ونتج عن هذا التدخل أضرار نفسية ومعنوية بين كل من الطرفين أو طرف والأهل. ونقصد بالاجتماع العام أي ان يتم جمع الأطراف المتنازعة كل من الزوج والزوجة والطرف المتدخل من الأهل على أن يتم في هذا الاجتماع المصارحة وتوضيح الأفكار ووضع حد لهذا التدخل كما تحديد العلاقات والأدوار بين كل الأطراف. وينصح في هذه الجلسة أن يوجد طرف ثالث محايد من أهل الخبرة إن كانت المشكلة متأزمة أو مخافة من تصاعد الخلاف بين الأطراف (ولا يشترط أن يكون اجتماع واحد إنما يمكن أن يسبقه اجتماعات تحضيرية عديدة وفقاً للحاجة) .
الاتفاق بين الزوجين على اعتماد سياسة جديدة للتعامل مع الأهل وذلك بعد مراجعة السلوكيات الخاطئة التي وقع فيها كل من الزوجين والتي دفعت الأهل للتدخل.
أن يعمل الزوجين على حلّ مشاكلهما الحالية التي استدعت تدخل الأهل.
ترضية الخواطر: تخصيص وقت معيّن للحوار مع الأهل وترضية خواطرهم بالكلمة الطيبة واللمسة الحنونة وأخذ الرضا منهم .. بهدف تحقيق رغبة الأهل في إسداء النصح لأولادهم ورعايتهم حتى بعد الزواج دون التسبب بضرر التدخل في شؤون الحياة الزوجية الخاصة على أن يتم التغاضي عن تدخلهم الحالي الغير مؤذي ومعالجته تدريجيا ، وهذا ما ذكرناه سابقا عن الإمام السفريني حيث قال تدخل الأهل الحياة الزوجيةنعم يأخذ بخاطرهما ولا يداريهما) أي ترضية الخواطر.
يعمل كل طرف على تحسين صورة الطرف الآخر عند أهله، وتحسين علاقة كل من الزوجين مع الأهل من خلال المصالحة والتسامح والتغاضي عن الأخطاء والمعاملة الحسنة وغيرها من فن العلاقات الانسانية.
دبلوماسية العائلة: وأكثر من يحتاجها الابن الذي يسكن مع أهله في منزل واحد. فالابن يحتاج هنا إلى الموازنة في تعامله بين الزوجة وأهله من جهة، وأن تشعر الزوجة بالخصوصية والاستقلالية في هذا المنزل المشترك من جهة أخرى. فيستحسن أن يقتني الزوج غرفة مستقلة وأن يخصص للزوجة أغراض خاصة أو أشياء يمكنها التصرف بها لكي تشعر ببعض الخصوصية. كما أن التفاهم والاتفاق بين الزوجين في هذه الحالة مهم جدا، فيتفقان مثلا على مناقشة أمورهم الخاصة في الغرفة المخصصة لهم، وأن يتفقان على المواضيع التي يمكن المناقشة بها أمام الأهل. إضافة إلى توطيد العلاقة بين الزوجة وأهل الزوج وتوزيع الأدوار بينهم .. ويقع على الزوج، في هذه الحالة، العبء الكبير للحد من تدخل الأهل وفي المحافظة على الخصوصية في العلاقة الزوجية.
(رَبَي اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)
المقال للأستاذ أحمد السيد كردي