التصنيفات
اسلاميات عامة

الاخلاص بركة العلم وسر التوفيق

تعليمية

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ اكتساب مادة كلّ علمٍ ينبغي أن تكون وَفق أسس يبني عليها طالب العلم مسيرته التحصيلية، والعلم الشرعيُّ لا يخرج عن هذا المعنى؛ لأنّ الأصل في الإنسان الجهل، لقوله تعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [النحل: 78]، لكنه مأمور بطلبه في قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ﴾ [محمّد: 19]، وقوله عزّ وجلّ: ﴿اعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 98]، وكلّ ما أمر اللهُ عزّ وجلّ به فهو عبادة، فيكون طلب العلم في طليعة العبادات وأجلِّها، بل جعله الله قسيمًا للجهاد في سبيل الله(١)، وهو منه قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122]، ذلك لأنّ العلمَ الشرعيَّ سببُ الهداية، وقائدٌ إلى تقوى الله، وسبيلُ النجاة والوقاية من النار، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]، ووقاية النفس والأهل من النار إنما تكون بالإيمان والعمل الصالح، ولا يتمُّ ذلك إلاّ بالعلم الشرعي الصحيح حتى يتمكّن من أدائه والقيام به على الوجه المطلوب شرعًا، لذلك كان من حَظِيَ برزقِ اللهِ له للعلم الشرعي فقد فتح الله عليه به، وأراد اللهُ به خيرًا، ومَنْ مُنِعَ فقد حُرِم الخير(٢)، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»(٣).
ولما كان العلم الشرعي عبادةً فإنه ينبغي طلبه ضمن هيئةٍ راسخةٍ في نفس الطالب ليُؤْثِرَ بها الحقّ والفضيلة، ويرغب في رفع الجهل عنه وإزالته عن غيره، وحبّ المعروف وترسيخه، تلك الهيئةُ المطلوبةُ هي النيةُ الخالصة الصادقة التي تتكيّف بها جميع الأعمال صحّةً وفسادًا تبعًا لها إذ «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(٤)، والنية في الطلب يجب فيها الإخلاص لله سبحانه فهو شرطُ العبادة وركنُ التوحيد، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: 2].
هذا، وسبيل الإخلاص في الطلب إنما يتأتى بنية التقرّب إلى الله تعالى بكلّ ما يستلزم محبّتَه ورضاه، من العلمِ به سبحانه وبصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنـزيهه من العيوب والنقائص، وبمعرفة ما يجب على المكلّف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، ومعرفة حلاله من حرامه، ساعيًا في ذلك بعزمٍ في رفع الجهل عن نفسه، وحفظ شريعة الله تعالى بالتعلّم وضبط حفظه في الصدر وتقييده بالكتابة، والعمل بما حفظه وضبطه امتثالاً لأوامر الشرع والوقوف عند حدوده؛ لأنّ ثمرة العلم العمل، وبقاءُ العلم ببقاء العمل، بل هو من لوازم الإخلاص وسببُ نمائه وزيادتِه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ العَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ»(٥)، ذلك لأنّ العمل هو شُكْرُ الله على نعمةِ العلم، وقد قال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، ومن عمل بما عَلِمَ ورَّثه اللهُ عِلمَ ما لم يعلم، ومن لم يعمل بعلمه لم يكن صادقًا في طلبه وعُوقب بنسيان العلم وضياع معارِفِه وحرمانه من الخير، واستحقّ المقتَ والآفات، قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ [المائدة: 13]، ويتبيّن من الآية أنّ ترك العمل بالعلم يورِّثُ فشلاً في الطلب ومَحْقًا للبركة ونسيانًا ذِهنيًّا وعمليًّا بترك النهوض به والقيام بلوازمه، قال الثوري: «العِلْمُ يَهْتِفُ بِالعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ»(٦)، من أجل ذلك كان الصدقُ خُلقًا مقترنًا بالإخلاص يتحلّى به الطالب قبل العلم ولا يتحقّق الارتقاء في مدارج الكمال والعلم إلاّ لصادق، قال الأوزاعي رحمه الله: «تَعَلَّمِ الصِّدْقَ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ العِلْمَ»، وقال وكيع رحمه الله: «هَذِهِ الصَّنْعَةُ لاَ يَرْتَفِعُ فِيهَا إِلاَّ صَادِقٌ»(٧).
هذا، وكما أنّ من الإخلاص أن ينوي رفعَ الجهلِ عن نفسه أن يستتبِعَه -أيضًا- بنيةِ رفعِ الجهل عن غيره، وذلك بالدعوة إلى الله تعالى بتبليغ العلم للناس وبيانِ ذكر الله وما نزل من الحقّ، ونشرِه ليحصل به النفع والهدى مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187]، ويعمل على حماية جناب التوحيد، وصيانة كمال الدين مما قد يُقحم فيه ما ليس منه، والدفاع عن شريعة الله التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وحِفظها من زيادة المبتدعين، واستدراكات المستدركين.
فمن صاحبته هذه النية الخالصة الصادقة بالعمل الصالح كان على هُدًى وبصيرة، وخير ونعمة وتقى، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾ [محمّد: 17]، وفتح الله له أبواب الخير، وأتته الدنيا راغمة، وحصل له ثواب الآخرة، لسلامة قصده وصلاح نيّته، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ»(٨)، وقال إبراهيمُ النَّخَعِيُّ رحمه الله: «مَنِ ابْتَغَى شَيْئًا مِنَ العِلْمِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ آتَاهُ اللهُ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ»(٩).
أمّا مَن أُصيبت نيَّتُه في صميم صِدْقِ طَلَبِ العلم بِكَدَرٍ وَزَغَلٍ، وجعل تحصيلَه له مطيةً لأغراض وأعراض: مِن طلب الدنيا والمالِ والرئاسةِ والظهورِ والتفوّقِ والسمعةِ والرياء والمحمدة وغيرها من المقاصد السيّئة فإنّ إرادته تشوبها شوائبُ الفساد والبطلان، وتزول من جرائها بركة العلم وترتفع خيريته، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن تَعلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى، لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ»(١٠) يعني: ريحها. وفي حديث آخر: «مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ»(١١)، وقد ينال بعلمه ما يبتغيه بنيته الفاسدة في إحراز دنياه، ولا يحصل منها إلاّ ما كُتب له، لكنّ جزاءَه الفقرُ والتشتيتُ والغفلةُ والضياع في الدنيا، وكان عاقبة أمره خُسرًا، قال الله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾ [هود: 15]، فمن جرَّد قصده إلى الدنيا يعطه الله تعالى بعمله ثواب الدنيا إذا شاء سبحانه كما جاء تقييد الآية في قوله تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ [الإسراء: 18]، وليس له أن يطلب بالعلم الشرعي أمرًا غير ما شرع له؛ لأنه عبادة، ومن ابتغى بالعبادة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وجزاء من ناقضها بطلان العمل، وقد يعامل بنقيض مقصوده، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قَدْ قُدِّرَ لَهُ»(١٢)، قال الحسن بن أبي الحسن البصري -رحمه الله-: «مَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ هَذَا العِلْمِ فَأَرَادَ بِهِ مَا عِنْدَ اللهِ يُدْرِكْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا فَذَاكَ حَظُّهُ مِنْهُ»(١٣)، ذلك لأنه استعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله، واتخذها مطية لتحصيل غرضه، فكان ظلمًا لله في حقِّه على عباده، وتلاعبًا بالشريعة بوضع الأمور في غير مواضعها، فاستوجب أن يكون أوّلَ الناس يُقضى يوم القيامة: ثلاثة أجهدوا أنفسهم في الطاعات والعبادات ولم تنفعهم طاعتهم وعبادتهم وإنما صارت عذابًا، لأنهم لم يبتغوا بها وجه الله تعالى، فمن هؤلاء: «…وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ: قَارِئٌ، فَقَدِ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ»(١٤).
وصنف آخر تعيَّنت دوافعُ طلبه في غير المقاصد الدنيوية، وإنما قَصَرَ نِيَّةَ الطلب على تحصيل العلم في ذاته، والظفرِ بالحكمة مجرّدةً عن العمل، وهذا -أيضًا- يشوب صفاء الإخلاص بِكَدَرٍ؛ لأنه لم يخلص لله تعالى من جهة، وجعل طلبَ العلم وسيلةً لعبادة لم تُقِرَّها الشريعة، إذ لا يخفى أنّ العلم المطلوبَ الذي نحتاج إليه وأخبرنا الله تعالى به، وعلّمنا إياه، هو: ما كان وسيلةً إلى العمل به، والعملُ بما يقتضيه العلم من الإيمان به والإقبال على الطاعات والقيام بها بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وغيرها من الأعمال، فإنّ ذلك العلم مطلوبٌ لا في ذاته ولكن لثمرته وهي العملُ به، فمن عَلِمَ ولم يَعْمَلْ فقد شابَه اليهود المغضوبَ عليهم، ومن عَمِلَ بلا علم فقد شابَه النصارى الضالين، ومن جمع بين العلم النافع والعمل الصالح واتصف بهما ﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
«ونظير هذا ما يُذكر أنّ بعض الناس بَلَغَه أنه: «مَنْ أَخْلَصَ للهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ»(١٥) فأخلص في ظنِّه أربعين صباحًا لينال الحكمة فلم ينلها، فشكى ذلك بعضَ حكماء الدِّين فقال: إنك لم تخلصْ لله سبحانه وإنما أخلصتَ للحكمة، يعني أنّ الإخلاص لله سبحانه وتعالى إرادةُ وجهه، فإذا حصل ذلك حَصَلت الحكمة تبعًا، فإذا كانت الحكمةُ هي المقصودةُ ابتداءً لم يقع الإخلاص لله سبحانه وإنما وقع ما يظنّ أنه إخلاصٌ لله تعالى، وكذلك قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهَ»(١٦)، فلو تواضع ليرفعه الله سبحانه لم يكن متواضعًا فإنه يكون مقصوده الرفعة وذلك ينافي التواضع»(١٧).
هذا، ومن أقوال بعض السلف في باب العمل بالعلم وحسن النية فيه قول معاذ بن جبل رضي الله عنه: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمُوا فَلَنْ يَأْجُرَكُمُ اللهُ بِالعِلْمِ حَتَّى تَعْمَلُوا»(١٨)، وقول أبي الدرداء رضي الله عنه: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ عَالِمٌ لاَ يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ»(١٩)، وقال أيضًا: «مَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي أَنْ يُقَالَ لِي: مَا عَلِمْتَ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ يُقَالَ لِي مَاذَا عَمِلْتَ؟»(٢٠).
ومع ذلك فإنّ مبتغي العلمِ المحبَّ له الطامعَ في تحصيله قد يَرُدُّهُ العلم إلى النية الصالحة فيفتح الله تعالى عليه باب العمل والخير والنفع، فقد جاء عن مجاهدِ بنِ جَبْرٍ -رحمه الله- قوله: «طَلَبْنَا العِلْمَ وَمَا لَنَا فِيهِ كَبِيرُ نِيَّةٍ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ بَعْدُ فِيهِ نَيَّةً»(٢١)، وقال مَعْمَر بن راشد -رحمه الله-: «كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَطْلُبُ العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِ العِلْمُ حَتَّى يَكُونَ للهِ»(٢٢).
وقد ورد في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه تمثيل الانتفاع بالهدى والعلم الذي جاء عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ممَّن لا ينتفع به بما يقرب شَبَهًا بأصحاب النِّيات على اختلاف البواعث والدوافع في تحصيل العلم الشرعي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ(٢٣) لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»(٢٤).
قال ابن حجر: «قال القرطبي وغيرُه: ضَرَب النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العامّ الذي يأتي الناسَ في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أنّ الغيث يحيي البلدَ الميت فكذا علومُ الدين تُحيي القلب الميت، ثمّ شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينـزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلِّمُ فهو بمنـزلة الأرض الطيِّبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرَها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقّه فيما جمع لكنه أدّاه لغيره، فهو بِمَنْزلة الأرض التي يستقرّ فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله: «نَضَّرَ اللهُ امْرَءًَا سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا»(٢٥)، ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره، فهو ِبمَنْزلة الأرض السَّبْخَة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها»(٢٦).
هذا، ومن علامات محقِّق الإخلاص والصدق:
• حُبّه للدين والتواصي بالحقّ والصبر عليه، وإذا ما خيّر بين أمرين عُرضا عليه: أحدهما لله، والآخر للدنيا، اختار نصيبه من الله وآثره على الدنيا لفنائها وبقاء الآخرة، وهو يعلم أنّ الباقية خير من الفانية، ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى﴾ [الضحى: 4]، ﴿وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: 17]، ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [النساء: 77]، ومن علاماته:
• أن ترضيه كلمة الحقّ له أو عليه، وتغضبه كلمة الباطل له أو عليه، فهو لا يعمل لنفسه، وإنما يسعى لإرضاء ربه سبحانه، ولو أدّى ذلك إلى سخط الناس عليه وسقوط قدره في قلوبهم، وصغره في أعينهم من أجل إصلاح قلبه مع الله تعالى، «والجزاء من جنس العمل»، و«المعاملة بنقيض القصد»، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللهُ النَّاسَ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللهَ بِرِضَى النَّاسِ، وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ»(٢٧)، قال ابن القيم -رحمه الله-: «لما كان المتزين بما ليس فيه ضدّ المخلص، فإنه يظهر للناس أمرًا، وهو في الباطن بخلافه، عامله بنقيض قصده، فإن المعاقبة بنقيض القصد ثابتة شرعًا وَقَدَرًا، ولما كان المخلص يُعجّل له من ثواب إخلاصه الحلاوة والمحبّة في قلوب العباد، عُجِّل للمتزيِّن بما ليس فيه من عقوبته أن شانه اللهُ بين الناس، لأنّه شان باطنَه عند الله، وهذا مُوجِب أسماء الربِّ الحُسنى وصفاتِه العُلْيَا وحِكمته في قضائِه»(٢٨).
ومن علاماته:
• أن يكره المخلِصُ أن يطَّلعَ غيرُه على عمله أو يُنسبَ إليه، قال الشافعي -رحمه الله-: «وددت أنّ الخلق تعلّموا هذا العلم على ألاّ يُنْسَبَ إليَّ منه حرفٌ»(٢٩)
• وَيَوَدُّ -في ميدان تعليم الناس الخير وإفتائهم بالحقّ- أن يكفيَه غيرُه مؤونةَ الفتوى والبيانِ، وإذا استوجبَ المقامُ تصدِّيه للفتوى والتوجيه حرص على تجرّده للحقّ بسلوك سبيلِهِ، مُعْرِضًا عن حظوظ النفس والاعتزاز بها، مترفّعًا عن الهوى وشِرَاكِهِ.
• وإن خاصم غيرَهُ فلا يعملُ على غَلَبة خصمه بالشبهات والباطل؛ لأنه يعلم أنه ليس من التقوى والإخلاص، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم: «مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ -وَهُوَ يَعْلَمُهُ- لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ»(٣٠)، وإنما يتمنَّى أن يُظهِرَ اللهُ الحقَّ على لسان مُنَاظِرِهِ، قال الشافعيُّ -رحمه الله-: «ما ناظرتُ أحدًا قطُّ إلاَّ أحببتُ أن يُوفَّقَ ويُسدَّدَ ويُعانَ، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا إلاَّ ولم أُبَالِ بَيَّنَ اللهُ الحقَّ على لساني أو لسانِهِ»(٣١)
وذكر أبو حامد الغزالي علاماتٍ أخرى للصادق المخلصِ حيث قال: «فاعلم أنّ لذلك علامات:
– إحداها: إنه لو ظَهَرَ من هو أحسن منه وَعْظًا أو أَغْزَرُ منه عِلْمًا، والناس له أشدُّ قبولاً، فرح به ولم يحسده…
– والأخرى: إن الأكابر إذا حضروا مجلسَهُ لم يتغيّر كلامه بل بقي كما كان عليه، فينظر إلى الخلق بعين واحدة.
– والأخرى: أن لا يحبَّ اتباعَ الناس له في الطريق، والمشيَ خلفه في الأسواق، ولذلك علامات كثيرة يطول إحصاؤها»(٣٢).
إنّ الصدقَ في الإخلاصِ أشقُّ الأعمال صعوبةً على النفس وأشدُّها على القلب لاستبقائه سالِمًا من المقاصد السيّئة، بعيدًا عن أغراض الدنيا وشهواتها؛ ذلك لأنّ القلوبَ كثيرةُ التقلُّبِ والتحوُّل في نواياها وقصودها فلا تثبتُ على حالٍ، لذلك بيَّن النبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم حقيقةَ تحوُّلِ القلبِ في وجهته وقصدِه، فكثيرًا ما كان يدعو بالتثبيت على الدِّينِ حيثُ قال: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ وَهُوَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ، وَالِمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أَقْوَامًا، وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(٣٣)، وكان يقول في دعائه: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»(٣٤)، ويكثر في قَسَمِهِ عبارةَ: «لاَ، وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ»(٣٥).
فالإخلاصُ شديدٌ، وقد لاقى كثيرٌ من العلماء والصالحين معاناةً لعلاج نيّتهم به، فيُؤْثَرُ عن سفيانَ الثوريِّ -رحمه الله- أنه قال: «مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي، إِنَّهَا تَتَقَلَّبُ عَلَيَّ»(٣٦)، وسأل الفضلُ بنُ زيادٍ -رحمه الله- الإمامَ أحمد -رحمه الله- فقال: «كيف النية؟ قال أحمد: يُعَالِجُ نَفْسَهُ إِذَا أَرَادَ عَمَلاً يُرِيدُ بِهِ النَّاسَ»(٣٧).
ولَمَّا كانت النفسُ بِطَبْعِهَا تميلُ إلى الشرِّ، وتفر من الخير، وتأمر بالسوء، وتنجرف مع الهوى، وتركن إلى الشهوات، والعبدُ قد يُؤْتَى من جهله أو من قِلَّةِ حَذَرِهِ كان لزامًا عليه معرفة ما يضادّ الإخلاص وينافيه ليتحرّز منه، ويعمل على أن يأخذ نفسَهُ بمراقبة الله تعالى حتى يتيقَّن أنه سبحانه عالِمٌ بِسِرّهِ، رقيبٌ على أعماله، شاعر بالراحة في الاستعانة به وعلى طاعته، مُحِسٌّ بالأُنْسِ في ذِكْرِهِ والتعوّذِ به من كلِّ قَبيحة ورذيلة، ويعمل على محاسبة نفسه على عمل يومه، فإن رأى ظلمًا ندم عليه واستغفر وأناب وعمل من الخير ما يراه مصلحًا لِمَا أفسدَ، في تواصل وصَبْرٍ -جهادًا في ذات الله سبحانه- لتطهُرَ نفسُه وتَزْكُوَ حتى يصبحَ أهلاً لكرامة الله ورضاه و يسلكَ بها سبيل المؤمنين المخلصين الصادقين من أهل الصبر واليقين مقتديًا بهم ومقتفيًا آثارَهم.
نسألُ اللهَ تعالى أن يَهَبَنَا العلمَ والإيمانَ، وهما أسمى هِبَاتِ الرحمن، وأهلهما هم خُلاصةُ الوجود ولُـبُّه، وأهل التأهيل للمراتب العُلْيَا والدرجات الرفيعة، قال ابن القيم -رحمه الله-: «أفضلُ ما اكتسبته النفوسُ، وحصَّلَتْهُ القلوبُ، ونال به العبدُ الرِّفعةَ في الدنيا والآخرة هو العلمُ والإيمانُ، ولهذا قَرَنَ بينهما سبحانه في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ﴾[الروم: 56]، وقوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 11](٣٨)
نسألُ اللهَ تعالى أن يَعْصِمَنَا من الخطأ والزَّلَلِ، وأن يوفِّقَنَا إلى حقِّ العلم وخير العلم وأكمل العمل، إنه وَلِيُّ ذلك والقادرُ عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليما.

۱- قد يفضّل طلب العلم على الجهاد أفضلية مطلقة لا بالنسبة للأشخاص لحاجة الناس كلّهم إليه في كلّ وقت بينما يفضّل الجهاد في القوي وكذا الأحوال والأزمنة والأمكنة، لذلك نقل عن الإمام أحمد أنّ: «العلم لا يعدله شيء لمن صحّت نيته»، وعنه قال: «الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء؛ لأنّ العلم يحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كلّ يوم مرة أو مرتين».

۲- قال ابن حجر في الفتح (1/165): «ومفهوم الحديث أنّ من لم يتفقّه في الدين -أي بتعلّم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع- فقد حرم الخير».

٣- أخرجه البخاري في «العلم» (1/164) باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ومسلم في «الزكاة» (7/128) باب النهي عن المسألة، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.

٤- متفق عليه: أخرجه البخاري في «بدء الوحي»: (1/9) باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومسلم في «الإمارة»: (13/35) باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما الأعمال بالنيات، وأبو داود في «الطلاق»: (2/651) باب فيما عني به الطلاق والنيات، والترمذي في «الجهاد» (4/179) باب ما جاء فيمن يقاتل رياءً وللدنيا، والنسائي في «الطهارة»: (1/58) باب النية في الوضوء، وابن ماجه في «الزهد» (2/1413) باب النية، وأحمد: (1/25، 43) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

٥- أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»: (2/165، 167)، وابن أبي شيبة في «المصنف»: (7/182)، والشيباني في «الآحاد والمثاني»: (4/293 من حديث جندب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب»: (2/289) برقم: (2328).

٦- الموافقات للشاطبي: (1/75).

٧- المجموعة العلمية لبكر: (182).

٨- أخرجه الترمذي في «صفة القيامة»: (4/642) باب (30)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأخرجه ابن ماجه في «الزهد»: (2/1375) باب الهمّ بالدنيا من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2/670)، رقم (949، 950).

٩- سنن الدارمي: (1/82).
١٠- أخرجه أبو داود في «العلم» (4/71) باب طلب العلم لغير الله تعالى، وابن ماجه في «المقدمة»: (1/92) باب الانتفاع بالعلم والعمل به، وابن حبان: (1/279 (78))، والحاكم: (1/160 (279)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث صحّحه الألباني في صحيح «الترغيب والترهيب»: (1/153) برقم: (105).

١١- أخرجه الترمذي في «العلم» (5/32)، باب ما جاء فيمن يطلب بعلمه الدنيا، وابن أبي الدنيا في «كتاب الصمت»: (1/105 (141)) و«كتاب الغيبة والنميمة»: (1/15 (3)) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب»: (1/153) برقم: (106).

١٢- تقدم تخريجه.

١٣- «سنن الدارمي»: (1/80).

١٤- أخرجه مسلم في الإمارة: (13/50) باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، والنسائي في «الجهاد»: (6/32) باب من قاتل ليقال فلان جريء، والحاكم: (1/107، 2/110)، والبيهقي: (9/168) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

١٥- أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب»: (1/285) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وأبو نعيم في «الحلية»: (5/189) من حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعًا. والحديث ضعّفه الألباني في «الجامع الصغير وزيادته»: (5/155 (5375)) وفي «ضعيف الترغيب والترهيب»: (1/20) برقم: (6)، وفي «السلسلة الضعيفة» (1/55) برقم: (38).

١٦- أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب»: (16/141) باب استحباب العفو والتواضع، والترمذي في «البر والصلة» (4/376)، باب ما جاء في التواضع، وابن خزيمة في «صحيحه»: (4/97)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (4/187) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

١٧- الفتاوى الكبرى لابن تيمية: (6/272).

١٨- أخرجه الدارمي في «سننه»: (1/81)، باب العمل بالعلم وحسن النية فيه.

١٩- المصدر السابق الجزء نفسه (ص: 82).

٢٠- المصدر السابق الجزء والصفحة نفسها، وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» بهذا المعنى في باب العلم: (10/238) عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
۲۱-أخرجه الدارمي في «سننه»: (1/101) باب من طلب العلم بغير نية فرده العلم إلى النية.

٢٢- أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه»: (10/239) باب العلم برقم: (20642).

٢٣- جمع قاع، وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت. (النهاية لابن الأثير: 4/133 لسان اللسان لابن منظور: 2/429).

٢٤- أخرجه البخاري في «العلم»: (1/175)، باب فضل من عَلِمَ وَعَلَّمَ، ومسلم في «الفضائل»: (15/45-46) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الهدى والعلم، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

٢٥- أخرجه أبو داود في «العلم»: (4/64) باب فضل نشر العلم، والترمذي في «العلم»: (5/33) باب ما جاء في الحثّ عن تبليغ السَّماع، وابن ماجه في «المقدّمة»: (1/84) باب من بلغ علمًا من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» برقم: (3660) وفي «صحيح الترغيب» برقم: (90).

٢٦- انظر «فتح الباري» لابن حجر: (1/177).

٢٧- أخرجه ابن حبان في «الإمارة» برقم: (1541) باب فيمن يرضي الله بسخط الناس، والبغوي في «شرح السنة» في «الرقاق»: (14/412) باب: قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ من حديث عائشة رضي الله عنها والحديث صحّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (5/392) برقم: (2311).

٢٨- «أعلام الموقّعين» لابن القيم: (2/180).
٢٩- انظر: «حلية الأولياء» للأصفهاني: (9/88)، و«الإحياء» للغزالي: (1/26)، و«صفة الصفوة» لابن الجوزي: (2/251)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب: (1/23).

٣٠- أخرجه أبو داود في «الأقضية»: (4/23) باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها، والحاكم في «المستدرك»: (2/27)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (6/82) وفي «شعب الإيمان»: (5/304)، وأحمد في «مسنده»: (2/70) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، والحديث صحّحه الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة»: (1/2/178) برقم: (438) وفي «صحيح سنن أبي داود»: (2/396 (3597)).

٣١- «حلية الأولياء» للأصفهاني: (9/88)، و«الإحياء» للغزالي: (1/26)، و«صفة الصفوة» لابن الجوزي: (2/51)، و«فيض القدير» للمناوي: (3/90).

٣٢- «إحياء علوم الدين» للغزالي: (3/329).

٣٣- أخرجه ابن ماجه في «المقدمة»: (1/72) باب فيما أنكرت الجهمية، وابن حبان في «صحيحه»: (3/222)، والحاكم في «مستدركه»: (1/706، 4/357)، وأحمد في «مسنده»: (4/182) من حديث النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه، والحديث صحّحه الألباني في «ظلال الجنة»: (1/98 (219))، وفي «صحيح ابن ماجه»: (1/86 (166).

٣٤- جزء من حديث نواس بن سمعان السابق (انظر المصادر الحديثية السابقة).

٣٥- أخرجه البخاري في «الأيمان والنذور»: (11/532) باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو داود في «الأيمان والنذور»: (3/577) باب ما جاء في يمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت؟ والترمذي في «الأيمان والنذور»: (4/113) باب ما جاء كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنسائي في «الأيمان والنذور»: (7/2)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

٣٦- «حلية الأولياء» للأصفهاني: (7/5، 62)، «الجامع لأخلاق الراوي» للبغدادي: (1/317)، «جامع العلوم والحكم» لابن رجب: (1/13).

٣٧- «جامع العلوم والحكم» لابن رجب: (1/10).

٣٨- «الفوائد» لابن القيم: (103)

المصدر




بارك الله فيك و نفع بك

و حفظ الله الشيخ أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس و نفعنا بعلمه




موضوع قيم ومفيد

بارك الله فيكم

وجزاكم الخير المديد




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

التوحيد سبب من أسباب التوفيق لحسن تعامل العبد مع نفسه، ومع الخلق، ومع ربه جل وعلا

تعليمية تعليمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاو والسلام على الرسول الأمين

هذا جزء من شريط فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب
للشيخ

صالح بن عبد العزيزآل الشيخ

الفضل السابع

( أما السابع فمن فضل التوحيد أنّ التوحيد إذا قوي وإذا أحبّ العبد توحيد ربه وعلِمه وتعلمه، فإنه يوفق لكل قول وعمل صالح، سواءٌ أكان هذا القول والعمل ظاهرا أم باطنا، في نفسه أو في غيره، وهذه من أعظم المهمات؛ لأن العبد لا يخلو:
* إما أن يتعامل مع نفسه.

* أو أن يتعامل مع غيره.

* أو أن يتعامل مع ربه جل وعلا، وتعامله مع الله جل وعلا عبادة؛ يعني بالعبادات.

وتعامله مع نفسه، في شأن هوى نفسه، وما يَرغَب فيه وما لا يرغب وكيف يمتثل الشرع في نفسه.

ومع غيره في تأديته لحقوق الناس والعباد، ابتداء بحق والديه، وحق زوجه، وحق أولاده، وحق جيرانه، وحق زملائه، ومن يخالطه، وحق العلماء، وحق ولاة الأمر، وحق الصحابة رضوان الله عليهم، وحق أهل الإيمان بعامة، وهكذا في هذا الشأن.

التوحيد سبب من أسباب التوفيق لحسن تعامل العبد مع نفسه، ومع الخلق، ومع ربه جل وعلا.
أمّا مع الله جل وعلا: فأهل التوحيد يحبون عبادة الله جل وعلا، يحبون الإخلاص، أيضا يحبون أنواع العبادات؛ تجد الموحّد الحق يصلي، تجد الموحّد يعطي الزكاة، تجد الموحّد يصوم رغبة واختيارا، تجده يحجّ رغبة، كلما قوي التوحيد قوي تعلق العبد في الصلاة؛ تعلقه بالصلاة الفرض وبالنوافل، تعلقه بصيام الفرض وبالنوافل، وهكذا ففي تعامله وعبادته لربه بحسَب توحيده وقوته يُقبل على ذلك ويوفَّق لهذا الأمر، لهذا فانظروا إلى نفسك في أيّ من المجالات، إذا أحسست في نفسك تقصيرا في الفرائض أو حتى في النوافل، ففتِّش فستجد أن بعض الدنيا والخلق زاحموا محبة الله جل وعلا في القلب ولا بد، يجتمع في القلب واردان؛ وارد محبة الله جل وعلا وتوحيده، ووارد محبة الدنيا والخلق والرغبة فيها، فيتزاحمان، فإذا قوي التوحيد أضعف الشيء الآخر، وإذا قوي الآخر أضعف التوحيد بحسبه، ولهذا العلم بالتوحيد وتعليم التوحيد وإرشاد الناس إليه هو أعظم البر والإحسان إلى الخلق؛ لأنه به ينفتح ذلك إذا أُحسن تقريره وشرحه للناس وترغيب الناس فيه.

أمّا تعامل العبد مع نفسه: فإن العبد له هوى وله رغبة؛ له هوى في بعض المحرمات، لا أحد يسلم من ذلك، له هوى ورغبة في ترك بعض الفرائض؛ تتثاقل عليه، ذلك تعامله مع نفسه فيما يأتي وفيها يذر، كلّما قوي توحيد الله في القلب، وعِلْم العبد بربه، بربوبيته وأنّه سبحانه هذه الأرض جميعا، والقلوب جميعا بين أصبع من أصابعه، الأرض قبضته يوم القيامة، وأنّ هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنه سبحانه هو الذي يدبر هذا الملكوت، وأنه هو الذي يعطي ويمنع، وينفع ويضر سبحانه وتعالى، ويخفض ويرفع، ويقبض ويبسط، ويخلق سبحانه، ويحيي ويميت، ويصح ويمرض، ويغني ويفقر، وأنَّه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فحينئذ يقوى في قلبه العلم بالله جل وعلا، يقوى في قلبه التوكل على الله جل وعلا، يقوى في قلبه محبة الله جل وعلا، كذلك العلم بأنّه هو المستحق للعبادة وحده، هو المستحق للطاعة سبحانه وتعالى طاعة العبادة وحده، هو المستحق لكذا، وكذا، وكذا من أنواع العبادات، فإنّه حينئذ يعظُم في قلبه محبة الله وتوحيده، وتضعف نوازع الشر في نفسه.

أما تعامله مع الخلق: فإنّ الموحّد لا يغيب عن باله إذا قوي توحيده، أنّ أنسه بالله فوق كل أنس، وأنّ رضا الله جل وعلا عنه فوق كل رضا، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، من التمس رضا الناس مهما كانوا؛ كبارا أو صغارا، رعاة أو رعية، ملوكا أو مملوكين، ومن كانوا، من التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن التمس رضا الله ولم ينظر إلى الناس أن يسخطون أم يرضون رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. وهذه مجربة فيمن سار على شرع الله بالحكمة والموعظة الحسنة في هذا الأمر.

فالتعامل مع الناس إذا تعلق القلب بالله فإنه سيعاملهم والله جل وعلا بين عينه، يرجوه ويخافه ويتّقيه ويحبه، يخشى أن يتغير قلبه عليه بظلم عبد من العباد، فلهذا يصلح علمه في نفسه ومع الخلق.

فإذن أهل التوحيد يوفَّقون للأعمال الظاهرة والباطنة المتنوعة، وللأقوال الظاهرة والباطنة في تعامل العبد مع نفسه ومع الخلق وفي عبادة الله الواحد الأحد.

والله الموفق

تعليمية تعليمية




اقتباس:
فإنّ الموحّد لا يغيب عن باله إذا قوي توحيده، أنّ أنسه بالله فوق كل أنس، وأنّ رضا الله جل وعلا عنه فوق كل رضا

جزاكم الله خيرا
نسأل المولى عز وجل أن يهدينا التوحيد الخالص ويثبتنا عليه




و خيرا جزاكم ،،
اللهم آمـــين




لَكَ مِنَّيْ وُرُوْدٌ يَكْسُوْهَا الْبَيَاضَ

أُحِتِّرَامِيَ لِشَخْصِكَ




تعليمية




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك على الموضوع و جزاك خير الجزاء