منقول
مقالة حول الحقيقة العلمية والفلسفية بطريقة الاستقصاء بالوضع
السؤال بصيغة النظام القديم :اثبت الاطروحة التالية (ان الفكرة تكون صحيحة اذا ثبت نجاحها على ارض الواقع)
السؤال بطريقة النظام الجديد ): السؤال المشكل(
إذا افترضنا فساد الأطروحة القائلة :" إن الفكرة تكون صحيحة إذا ثبت نجاحها على أرض الواقع ".وتقرر لديك الدفاع عنها و تبينها ، فما عساك أن تفعل ؟
طرح الإشكالية :
إذا كانت بعض الفلسفات ترفض الطرح البراغماتي القائل بأن مقياس الحقيقة هو " النجاح و المنفعة " – باعتباره قتل لفكرة الحقيقة – فكيف يمكن الردّ على هذه الادعاءات ،و بالتالي البرهنة على صحة الأطروحة البرغماتية ؟ و ما هي المبررات التي يمكن أن نعتمد عليها للدفاع عن صدق القول : " إن الفكرة لا تكون صحيحة إلاّ إذا ثبت نجاحها على أرض الواقع؟ "
الجزء الأول : عرض منطق الأطروحة :
ضبط الموقف من حيث أنه فكرة:
يقوم المذهب البراغماتي " وليام جيمس" على ركيزتين أساسيتين و هما :
أ – رفض الفلسفات التقليدية المجردة التي ليست في خدمة الحياة ؛
ب- تأسيس فلسفة عملية قوامها ، أن المعرفة ذات علاقة كبيرة بالتجربة الإنسانية و ما هي إلا وسيلة للعمل و النشاط و بالتالي، فإنّ أية فكرة لا تكون صحيحة إلا إذا نجحت عمليا، وأراحت صاحبها عمليا كذلك.
عرض مسلماتها وما تستوجبه من برهنة ونتائج:
– يرتبط التفكير دائما بالسلوك و العمل , فهو يتجه إلى فهم الأوضاع المحيطة بنا ، لاتخاذ موقف مناسب يسعفنا في حياتنا .- كل موضوع هو مجرد وسيلة لتحقيق أغراض الإنسان النظرية منها و العملية .
– الحياة كلها عند " جون ديوي "، " توافق بين الفرد و البيئة " يقول وليم جيمس(.أية الحق النجاح وأية الباطل الإخفاق)والفكرة تكون صادقة متى دلت التجربة على أنها مفيدة نظريا وعمليا .وبذلك تعتبر المنفعة هي المحك الوحيد لتمييز صدق الأحكام من باطلها .يقول بيرس(إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج )وحسب وليم جيمس ( إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي )ومنه فان كل فكرة او بحث لا تحمل في طياتها مشروعا قابلا لإنتاج أثار عملية نفعية تعتبر خرافة شأنها شأن الكلام الفارغ .
الجزء الثاني : الدفاع عن منطق الأطروحة بحجج شخصية جديدة:
– الفكر المجرد الذي لا يقدّم حلا ملموسا لصاحبه لا جدوى منه ، فالمشاكل اليومية ستدعي حلا، ولا يعقل أن تعيش الإنسانية أزمات أخلاقية و ثقافية و اقتصادية و سياسية و ايكولوجية و نرى الفكر يتجه إلى التأمل النظري المجرد … نتائج العلم تفسر ارتباط الفكر بالعمل ..
على ضوء مذاهب فلسفية مؤسسة:
* مذهب اللذة : " آرستيب " و " آبيقور " حيث يرى الاول ان اللذة القصوى هي الغاية الوحيدة للحياة .اما ابيقور فيرى ان الناس ينشدون في حياتهم اللذة بدافع فطري لا اثر فيه للتفكير ولهذا اعتبر اللذة هي الخير الاسمى والالم هو الشر الاقصى
* مذهب المنفعة : " جيريمي بنتام " و " جون ستيوارت ميل "
وليس بعيدا عن المذهب البراغماتي تؤسس الاتجاهات النفعية القيم [ الخلقية ] على اللذة و المنفعة باعتبار ، أنّ الفعل الخلقي إرضاء للطبيعة البشرية من منطلق أن اللذة و الألم هما الكيفيتان اللّتان تتحدّد وفقهما القيمة الخلقية ، فالسعادة في التصور النفعي في اللذة و الخير في تعدّد المنافع .
الجزء الثالث : الرد على الخصوم :
عرض منطق الخصوم : الفلسفات التقليدية : المذهب العقلي و المذهب الواقعي أو أحدهما: رأت الفلسفات التقليدية – الاتجاه العقلي – أنّ مقاس المعرفة هو انطباق الفكر مع ذاته، و يعتقد ديكارت : أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه ، و هو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء . و يتجلى هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية واضحة بذاتها ،كقولنا الكل اكبر من جزئه .وكان ديكارت لا يتقبل شيئا ما لم يتبين بالبداهة انه واضح .حتى لا يعود مجال للشك فيه .وقد انتهى إلى قضيته المشهورة أنا أفكر إذن أنا موجود فوجدها واضحة أمام الافتراضات .صحيحة كل الصحة بالضرورة .وفي هذا يقول إني اشك ولكن ما لا استطيع الشك فيه ,هو أني اشك وان الشك تفكير . وقد ذهب الهولندي سبينوزا إلى نفس الرأي الذي ذهب إليه ديكارت ورأى انه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة .ويقول أيضا (من يملك الحقيقة لا يمكنه أن يشك فيها) " و عليه ، تكون الفكرة صحيحة بمقدار ما تكون واضحة من جهة ، و بمقدار انطباق النتائج مع المقدمات من جهة اخرى..
الردّ على الخصوم:
لكن ، قد يقع انطباق الفكر مع ذاته دون أن تكون الفكرة [ النتيجة ] صحيحة على الأقل من الوجهة الصورية . كما قد تكون الفكرة واضحة دون أن تكون صحيحة .. ، ثم نقول للعقليين لا يمكن بناء الحقيقة على معيار الثبات ، فنحن نعلم أنّ العالم متغير . ,وكلمة الوضوح في حد ذاتها غير واضحة .لانه ما يكون واضحا لي قد يكون غامضا لدى غيري,وما يمثل الحقيقة عندي قد يمثل الباطل عند الاخر.قفد اعتبر انا الافكار المسيحية باطلة وقد ينظر اليها غيري على انها هي عين الحقيقة .
حل الإشكالية :
و نقول في الأخير أن النّسق البراغماتي واضح المعالم ؛ فهو ينطلق من الواقع و متطلباته الآنية ؛ و الإنسان من وجهة النظر هذه إن هو انطلق من أي فكرة ، فليس بغرض اتخاذها كمبدأ مطلق في حياته و إنما من أجل التحقق من مدى استجابتها مع حاجاتنا الطارئة و توافقها مع حياتنا المعيشة . و في حدود هذا المنطق تعدّ الأطروحة البرغماتية أطروحة صحيحة ، و لا سبيل إلى وصفها بالفساد .