التصنيفات
علم النفس التربوي

-سيكولوجية اللعب عند الأطفال .

يعد اللعب نشاطاً هاماً يمارسه الفرد ويقوم بدور رئيس في تكوين شخصيته من جهة وتأكيد تراث الجماعة أحياناً من جهة أخرى 0 واللعب ظاهرة سلوكية تسود عالم الكائنات الحية – ولاسيما الإنسان -وتمتاز بها الفقريات العليا أيضاً 0
ومن الجدير بالذكر أن اللعب – بوصفه ظاهرة سلوكية – لم ينل ما يستحقه من الدراسات الجادة والبحث المتعمق في الدراسات النفسية والسلوكية 0
ولعل السبب في قصور الدراسات عن تناول مثل هذا الموضوع يعود إلى وضوح الظاهرة وعموميتها أو صعوبة الدراسة الجادة لهذه الظاهرة السلوكية أو كل هذا معاً 0

واللعب في الطفولة وسيط تربوي هام يعمل على تكوين الطفل في هذه المرحلة الحاسمة من النمو الإنساني 0 ولا ترجع أهمية اللعب إلى الفترة الطويلة التي يقضيها الطفل في اللعب فحسب بل إلى أنه يسهم بدور هام في التكوين النفسي للطفل وتكمن فيه أسس النشاط التي تسيطر على التلميذ في حياته المدرسية 0
يبدأ الطفل بإشباع حاجاته عن طريق اللعب حيث تتفتح أمام الطفل أبعاد العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس ويدرك أن الإسهام في أي نشاط يتطلب من الشخص معرفة حقوقه وواجباته وهذا ما يعكسه في نشاط لعبه 0 ويتعلم الطفل عن طريق اللعب الجمعي الذاتي ( self – control ) والتنظيم الذاتي ( self – regulation ) تمشياً مع الجماعة وتنسيقاً لسلوكه مع الأدوار المتبادلة فيها 0 واللعب مدخل أساسي لنمو الطفل عقلياً ومعرفياً وليس لنموه اجتماعياً وانفعالياً فقط 0 ففي اللعب يبدأ الطفل في تعرف الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها ويعمم فيما بينها على أساس لغوي 0 وهنا يؤدي نشاط اللعب دوراً كبيراً في النمو اللغوي للطفل وفي تكوين مهارات الاتصال لديه 0

واللعب لا يختص بالطفولة فقط فهو يلازم أشد الناس وقاراً ويكاد يكون موجوداً في كل نشاط أو فاعلية يؤديها الفرد يقول فولكييه : (( لا يزال اللعب بزوال الطفولة فالراشد نفسه لا يمكن أن يقوم بفاعلية هائلة إلا إذا اشتغل وكأنه يلعب )) 0 فاللعب يمتاز بالحرية والمرونة بينما يتطلب العمل التفكير بالنتائج والانتباه المتواصل 0 ويحتل العمل مكانة هامة في نمو الطفل لكل دوره يختلف في حياة الطفل عنه في حياة الكبار 0

إن العمل ينطوي على إمكانات تربوية وتعليمية هائلة في عملية النمو 0 فنشاط العمل يشبع في الطفل حاجة أصيلة إلى الممارسات الشديدة والفعالة ويكون العمل جذاباً بقدر ما يبعث من مشاعر السرور لدى الطفل نتيجة لمساهمته بالنشاط مع الكبار والأطفال الآخرين 0 فالأطفال الصغار يقومون بمهام عملية منفردة توجههم إليها دوافع ضيقة تتسم بالتركيز حول الذات 0 وهم يعملون بغية الحصول على استحسان الوالدين والكبار 0 ومع تقدم المراحل العمرية تأخذ دوافع العمل في التغير عند الأطفال 0 فطفل الثالثة من العمر يكون العمل لديه أكثر اجتذاباً واستثارة وإذ يقوم بأداء ما يطلب إليه بالاشتراك مع الكبار يشعر بنفسه وكأنه شخص كبير 0
وتأخذ دوافع العمل لدى أطفال السادسة والسابعة والثامنة من العمر في اكتساب مغزى اجتماعي أكثر وضوحاً 0 وللعمل قيمة كبيرة في نمو المهارات اليدوية والقدرات العقلية 0 فالطفل عندما يقلد الكبار وينفذ تعليماتهم يمكنه استخدام ما يتوفر له من أدوات المائدة وأدوات المدرسة 0 فينبغي أن يتعلم انتقاء الأدوات والوسائل والمواد المناسبة لعمل وهدف معينين وأن يتمكن من تحديد الأداءات واستخدامها بتتابع دقيق 0
والعمل إلى جانب ذلك يعد مجالاً لتنمية الإرادة عند الأطفال حيث يقوم الطفل بتحديد مواقف العمل ويخطط لتحقيق الأهداف المرجوة ويحاول التغلب على الصعوبات والمعوقات التي تعترضه 0 ومن خلال العمل تترسخ معالم النمو الاجتماعي والعاطفي للطفل 0 وهكذا نجد أن العمل المنظم تربوياً ينطوي على إمكانات هائلة للنمو المتكامل للطفل بما في ذلك حركاته وإحساساته ذاكراته وانتباهه وتفكيره وفي نشاط العمل تتوفر إمكانات كبيرة لنمو السلوك الهادف والمثابرة والإرادة والمشاعر الإنسانية الراقية

تعريف اللعب

تعرض كثير من الباحثين لتعريف اللعب 0 وقد جاءت هذه التعريفات على اختلافها ذات سمات مشتركة تتركز في النشاط والدافعية وسنعرض جانباً كبيراً منها يكفي لإعطاء صورة واضحة عن هذا المظهر من مظاهر نشاط الطفل 0
1- سنبدأ بالتعريف الذي يعرضه قاموس التربية لمؤلفه ( Good ) يعرف جود اللعب أنه ( نشاط موجه ( directed ) أو غير موجه ( free ) يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة والتسلية ويستغله الكبار عادة ليسهم في تنمية سلوكهم وشخصياتهم بأبعادها المختلفة العقلية والجسمية والوجدانية ( Good – 1970 ) 0
2- ويكمل تعريف جود للعب تعريف شابلن له ( chaplin 1970 ) في قاموس علم النفس وهو ( نشاط يمارسه الناس أفراداً أو جماعات بقصد الاستمتاع ودون أي دافع آخر ) 0
3- يعرف عدس ومصلح ( 1980 ص68 ) اللعب في كتابهما ( رياض الأطفال ) على أنه : ( استغلال طاقة الجسم الحركية في جلب المتعة النفسية للفرد ولا يتم اللعب دون طاقة ذهنية أيضاً ) 0
4- تعرف كاترين تايلور ( 1967 ) اللعب على أنه: ( أنفاس الحياة بالنسبة للطفل أنه حياته وليس مجرد طريقة لتمضية الوقت وإشغال الذات فاللعب للطفل هو كالتربية والاستكشاف والتعبير الذاتي والترويح والعمل للكبار ) 0
5- يعرف بياجه اللعب على أنه : ( عملية تمثل ( Assimilation ) تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد 0 فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية النماء العقلي والذكاء ) 0

6- وقد أشار الكاتب الفرنسي كيلوا ( Cailois ) إلى سمات للعب في كتابه ( الألعاب والناس ) ( 1958 Cailois ) ومن هذه السمات :
آ- اللعب مستقل ( Separate ) ويجري في حدود زمان ومكان محددين ومتفق عليهما 0
ب- اللعب غير أكيد ( Uncertain ) أي لا يمكن التنبؤ بخط سيره وتقدمه أو نتائجه وتترك حرية ومدى ممارسة الحيلة والدهاء فيه لمهارة اللاعبين وخبراتهم 0
ج- يخضع لقواعد أو قوانين معينة أو إلى اتفاقات أو أعراف تتخطى القواعد المتبعة وتحل محلها بصورة مؤقتة 0
د- إيهامي ( Fictional ) أو خيالي أي أن اللاعب يدرك تماماً إن الأمر لا يعدو كونه بديلاً للواقع ومختلفاً عن الحياة اليومية الحقيقية
ولا شك أن اللعب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتربية بل هو كما قال ( روسو ) : أسلوب الطبيعة في التربية ووسيلتها لإعداد الكائن الحي للعمل الجدي في المستقبل 0

أنواع اللعب عند الأطفال

تتنوع أنشطة اللعب عند الأطفال من حيث شكلها ومضمونها وطريقتها وهذا التنوع يعود إلى الاختلاف في مستويات نمو الأطفال وخصائصها في المراحل العمرية من جهة وإلى الظروف الثقافية والاجتماعية المحيطة بالطفل من جهة أخرى وعلى هذا يمكننا أن نصنف نماذج الألعاب عند الأطفال إلى الفئات التالية :
1- الألعاب التلقائية :
هي عبارة عن شكل أولي من أشكال اللعب حيث يلعب الطفل حراً وبصورة تلقائية بعيداً عن القواعد المنظمة للعب 0 وهذا النوع من اللعب يكون في معظم الحالات إفرادياً وليس جماعياً حيث يلعب كل طفل كما يريد 0
ويميل الطفل في مرحلة اللعب التلقائي إلى التدمير وذلك بسبب نقص الاتزان الحسي الحركي إذ يجذب الدمى بعنف ويرمي بها بعيداً وعند نهاية العام الثاني من عمره يصبح هذا الشكل من اللعب أقل تلبية لحاجاته النمائية فيعرف تدريجياً ليفسح المجال أمام شكل آخر من أشكال اللعب 0

2- الألعاب التمثيلية :
يتجلى هذا النوع من اللعب في تقمص لشخصيات الكبار مقلداً سلوكهم وأساليبهم الحياتية التي يراها الطفل وينفعل بها 0
وتعتمد الألعاب التمثيلية – بالدرجة الأولى – على خيال الطفل الواسع ومقدرته الإبداعية ويطلق على هذه الألعاب ( الألعاب الإبداعية ) 0 ” تذهب البنات الصغيرات – ربات البيوت إلى المخزن ويتشاورن حول إعداد طعام الغداء فتقول إحداهن وقد بدت على وجهها علامات الجد : (( إن زوجي يحب أكل البفتيك ولكن ابنتي لا تأكل سوى الفطائر – وتقول الثانية هازة رأسها : وزوجي يحب أكل السمك لأنه كما يقول كره النقانق )) وعندما تدخل ربة البيت إلى المخزن تطوف فيه وتنتقل من قسم إلى آخر وتسأل عن الأسعار وتشم رائحة اللحم المقدد وتدفع الحساب لقاء جميع ما اشترته وتحسب الباقي 0 وهنا تتذكر أن ابنها سيعود الآن من المدرسة وأن طعام الغداء غير جاهز بعد فتمضي مسرعة إلى البيت ( لوبلينسكايا 1980 ص154 ) 0
ويتصف هذا النوع من اللعب بالإيهام أحياناً وبالواقع أحياناً أخرى إذ لا تقتصر الألعاب التمثيلية على نماذج الألعاب الخيالية الإيهامية فحسب بل تشمل ألعاباً تمثيلية واقعية أيضاً تترافق مع تطور نمو الطفل 0

3- الألعاب التركيبية :
يظهر هذا الشكل من أشكال اللعب في سن الخامسة أو السادسة حيث يبدأ الطفل وضع الأشياء بجوار بعضها دون تخطيط مسبق فيكتشف مصادفة أن هذه الأشياء تمثل نموذجاً ما يعرفه فيفرح لهذا الاكتشاف ومع تطور الطفل النمائي يصبح اللعب أقل إيهامية وأكثر بنائية على الرغم من اختلاف الأطفال في قدراتهم على البناء والتركيب 0
ويعد اللعب التركيبي من المظاهر المميزة لنشاط اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة ( 10-12 ) ويتضح ذلك في الألعاب المنزلية وتشييد السدود 0 فالأطفال الكبار يضعون خطة اللعبة ومحورها ويطلقون على اللاعبين أسماء معينة ويوجهون أسئلة لكل منهم حيث يصدرون من خلال الإجابات أحكاماً على سلوك الشخصيات الأخرى ويقومونها 0
ونظراً لأهمية هذا النوع من الألعاب فقد اهتمت وسائل التكنولوجيا المعاصرة بإنتاج العديد من الألعاب التركيبية التي تتناسب مع مراحل نمو الطفل كبناء منزل أو مستشفى أو مدرسة أو نماذج للسيارات والقطارات من المعادن أو البلاستيك أو الخشب وغيرها 0

4- الألعاب الفنية :
تدخل في نطاق الألعاب التركيبية وتتميز بأنها نشاط تعبيري فني ينبع من الوجدان والتذوق الجمالي في حين تعتمد الألعاب التركيبية على شحذ الطاقات العقلية المعرفية لدى الطفل ومن ضمن الألعاب الفنية رسوم الأطفال التي تعبر عن التألق الإبداعي عند الأطفال الذي يتجلى بالخربشة أو الشخطبة scripling هذا والرسم يعبر عما يتجلى في عقل الطفل لحظة قيامه بهذا النشاط 0 ويعبر الأطفال في رسومهم عن موضوعات متنوعة تختلف باختلاف العمر 0 فبينما يعبر الصغار في رسومهم عن أشياء وأشخاص وحيوانات مألوفة في حياتهم نجد أنهم يركزون أكثر على رسوم الآلات والتعميمات ويتزايد اهتمامهم برسوم الأزهار والأشجار والمنازل مع تطور نموهم 0

وتظهر الفروق بين الجنسين في رسوم الأطفال منذ وقت مبكر فالصبيان لا يميلون إلى رسم الأشكال الإنسانية كالبنات ولكنهم يراعون النسب الجسمية أكثر منهن 0 فبينما نجد أن الأطفال جميعهم يميلون إلى رسم الأشخاص من جنسهم ما بين سن الخامسة والحادية عشرة نجد أن البنات يبدأن في رسم أشكال تعبر أكثر عن الجنس الآخر بعد الحادية عشرة 0 وتشتمل رسوم الأولاد على الطائرات والدبابات والمعارك في حين تندر مثل هذه الرسوم عند البنات ويمكن أن نرجع ذلك إلى أسلوب التربية والتفريق بين الصبيان والبنات من حيث الأنشطة التي يمارسونها والألعاب التي يقومون بها 0 ومما يؤثر في نوعية الرسوم أيضاً المستويات الاقتصادية والاجتماعية للأسر إلى جانب مستوى ذكاء الأطفال 0





5- الألعاب الترويحية والرياضية :
يعيش الأطفال أنشطة أخرى من الألعاب الترويحية والبدنية التي تنعكس بإيجابية عليهم 0 فمنذ النصف الثاني من العام الأول من حياة الطفل يشد إلى بعض الألعاب البسيطة التي يشار إليها غالباً على أنها (( ألعاب الأم mother games لأن الطفل يلعبها غالباً مع أمه 0 وتعرف الطفولة انتقال أنواع من الألعاب من جيل لآخر مثل (( لعبة الاستغماية )) و ((السوق )) (( والثعلب فات )) و (( رن رن يا جرس )) وغير ذلك من الألعاب التي تتواتر عبر الأجيال 0
وفي سنوات ما قبل المدرسة يهتم الطفل باللعب مع الجيران حيث يتم اللعب ضمن جماعة غير محددة من الأطفال حيث يقلد بعضهم بعضاً وينفذون أوامر قائد اللعبة وتعليماته 0 وألعاب هذه السن بسيطة وكثيراً ما تنشأ في الحال دون تخطيط مسبق وتخضع هذه الألعاب للتعديل في أثناء الممارسة 0 وفي حوالي الخامسة يحاول الطفل أن يختبر مهاراته بلعبة السير على الحواجز أو الحجل على قدم واحدة أو ( نط الحبل ) وهذه الألعاب تتخذ طابعاً فردياً أكثر منه جماعياً لأنها تفتقر إلى التنافس بينما يتخلى الأطفال عن هذه الألعاب في سنوات ما قبل المراهقة ويصبح الطابع التنافسي مميزاً للألعاب حيث يصبح اهتمام لا متمركزاً على التفوق والمهارة 0
والألعاب الترويحية والرياضية لا تبعث على البهجة في نفس الطفل فحسب بل إنها ذات قيمة كبيرة في التنشئة الاجتماعية 0 فمن خلالها يتعلم الطفل الانسجام مع الآخرين وكيفية التعاون معهم في الأنشطة المختلفة 0

ويؤكد ( دي بوا 1952 ص370 – 371 ) على قيمة هذه الأنشطة في تنشئة الطفل وفقاً لمعايير الصحة النفسية تعليمية( فهذه الأنشطة تتحدى الطفل لكي ينمي مهارة أو يكون عادة وفي سياقها يستثار بالنصر ويبذل جهداً أكبر 0 وحينما لا يشترك الناس في صباهم في ألعاب رياضية فإنهم يحصلون على تقديرات منخفضة وفقاً لمقاييس التكيف الاجتماعي والانفعالي للناجحين 0 فمثل هؤلاء الأشخاص كثيراً ما يتزعمون الشغب ويثيرون المتاعب لأنه لم تكن لديهم الفرصة لأن يتعلموا كيف يكسبون بتواضع أو يخسرون بشرف وبروح طيبة أو يتحملون التعب الجسمي في سيبل تحقيق الهدف وباختصار فإن أشخاصاً كهؤلاء لا يحظون بميزة تعلم نظام الروح الرياضية الطيبة وهي لازمة للغاية لحياة سعيدة عند الكبار )) 0
والواقع أن الألعاب الرياضية تحقق فوائد ملموسة فيما يتعلق بتعلم المهارات الحركية والاتزان الحركي والفاعلية الجسمية لا تقتصر على مظاهر النمو الجسمي السليم فقط بل تنعكس أيضاً على تنشيط الأداء العقلي وعلى الشخصية بمجملها 0
فقد بينت بعض الدراسات وجود علاقة إيجابية بين ارتفاع الذكاء والنمو الجسمي السليم لدى الأطفال منذ الطفولة المبكرة وحتى نهاية المراهقة 0

6- الألعاب الثقافية :
هي أساليب فعالة في تثقيف الطفل حيث يكتسب من خلالها معلومات وخبرات 0
ومن الألعاب الثقافية القراءة والبرامج الموجهة للأطفال عبر الإذاعة والتلفزيون والسينما ومسرح الأطفال وسنقتصر في مقامنا هذا على القراءة 0
إن الطفل الرضيع في العام الأول يجب أن يسمع غناء الكبار الذي يجلب له البهجة وفي العام الثاني يحب الطفل أن ينظر إلى الكتب المصورة بألوان زاهية ويستمتع بالقصص التي تحكي عن هذه الصور هذا إلى جانب ذلك تعد القراءة خبرة سارة للطفل الصغير وخاصة إذا كان جالساً في حضن أمه أو شخص عزيز عليه كما يقول جيرسيلد 0 ويمكن تبين الميل نحو القراءة عند الأطفال في سن مبكرة حيث تجذبهم الكتب المصورة والقصص التي يقرؤها الكبار لهم ويحب الطفل في هذه السن الكتب الصغيرة ليسهل عليه الإمساك بها 0
وغالباً ما يميل الأطفال الصغار إلى القصص الواقعية بينما أن اتجاه الأم نحو الخيال له تأثير هام في تفضيل الطفل للقصص الواقعية أو الخيالية 0 ويفضل معظم الصغار القصص التي تدور حول الأشخاص والحيوانات المألوفة في حياتهم ويميلون إلى القصص الكلاسيكية مثل ( سندريلا – وعلي بابا والأربعين حرامي ) كما يميلون إلى القصص العصرية التي تدور حول الفضاء والقصص الفكاهية والدرامية 0 ويميلون أيضاً في سنوات ما قبل المدرسة بسبب ما يتصفون به من إحيائية animism إلى القصص التي تدور حول حيوانات تسلك سلوك الكائنات الإنسانية ( ويلسون 1943 ) 0
ومع تطور النمو يتغير تذوق الطفل للقراءة إذ أن ما كان يستثيره في الماضي لم يعد يجذب انتباهه الآن 0 ومع نموه العقلي وازدياد خبراته يصبح أكثر واقعية 0 إن القدرة القرائية لدى الطفل تحدد ما يحب ويفضل من القصص 0 والاهتمام الزائد بالوصف والحشد الزائد مما هو غريب على الطفل يجعل الكتاب غريباً عنه وغير مألوف لديه 0
وتكشف الدراسات أن الميل نحو القراءة عند الطفل تختلف من مرحلة ( عمرية ) لأخرى في سنوات المدرسة حيث يتحدد بموجبها أنماط الكتب التي يستخدمها 0

ففي حوالي السادسة أو السابعة يميل الطفل إلى قراءة القصص التي تدور حول الطبيعة والرياح والأشجار والطيور كما أنه يهتم بحكايات الجن أو الشخصيات الخرافية التي تكون قصيرة وبسيطة 0
وفي حوالي التاسعة والعاشرة من عمر الطفل يضعف اهتمامه بالحكايات السابقة ويميل إلى قصص المغامرة والكوميديا والرعب وقصص الأشباح 0 ومع نهاية مرحلة الطفولة تتعزز مكانة القراءة في نفوس الأطفال وخاصة لدى البنات 0 أما في مرحلة المراهقة تصبح الميول القرائية لدى المراهقين أكثر صقلاً وأكثر إمتاعاً من الناحية العقلية 0 فبينما يهتم الأولاد بالموضوعات التي تتعلق بالعلم والاختراع تهتم البنات بالشؤون المنزلية والحياة المدرسية 0 وفي المراهقة يصل الولع بالقراءة إلى ذروته 0 نتيجة للعزلة التي يعاني منها المراهقون 0 حيث ينهمكون في القراءة بغية الهروب من المشكلات التي تعترضهم من جهة وإلى زيادة نموهم العقلي والمعرفي من جهة أخرى 0
ويظهر اهتمام المراهقين بالكتب التي تتحدث عن الأبطال التاريخيين والخرافيين 0 فبينما يهتم الأولاد في هذه السن بالاختراعات والمغامرات تهتم البنات بالكتب المتعلقة بالمنزل والحياة المدرسية والجامعية 0
والواقع أن حب الكتاب والقراءة تمثل أحد المقومات الأساسية التي تقوم عليها فاعلية النشاط العقلي 0 لذا يتطلب ذلك تكوين عادات قرائية منذ الطفولة وأن تتأصل عند الأطفال مع انتقالهم من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى 0

أهمية اللعب في حياة الأطفال وفوائده

اهتم العلماء كثيراً في بيان آثار اللعب في حياة الأطفال 0 فهذا عالم النفس الألماني ( كارل بيولر ) يؤكد أهمية اللعب في النمو العقلي للطفل وهذا العالمالروسي ( ماكارينكو ) يؤكد التأثير البالغ للعب في تكوين شخصية الطفل ومن المؤكد أن للعب فوائده من نواح عديدة 0 وسنوضح فيما يلي فوائد اللعب من النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والخلقية والتربوية 0
1- من الناحية الجسمية :
اللعب نشاط حركي ضروري في حياة الطفل لأنه ينمي العضلات ويقوي الجسم ويصرف الطاقة الزائدة عند الطفل AURPLUS energy outlet 0 ويرى بعض العلماء أن هبوط مستوى اللياقة البدنية وهزال الجسم وتشوهاته هي بعض نتائج تقييد الحركة عند الطفل لأن البيوت الحالية المؤلفة من عدة طوابق قد حدت من نشاط الطفل وحركته فهو يحتاج إلى الركض والقفز والتسلق وهذا غير متوافر في الطوابق الضيقة المساحة فمن خلال اللعب يحقق الطفل التكامل بين وظائف الجسم الحركية والانفعالية والعقلية التي تتضمن التفكير والمحاكمات ويتدرب على تذوق الأشياء ويتعرف على لونها وحجمها وكيفية استخدامها 0

2- من الناحية العقلية :
اللعب يساعد الطفل على أن يدرك عالمه الخارجي وكلما تقدم الطفل في العمر استطاع أن ينمي كثيراً من المهارات في أثناء ممارسته لألعاب وأنشطة معينة 0 ويلاحظ أن الألعاب التي يقوم فيها الطفل بالاستكشاف والتجميع وغيرها من أشكال اللعب الذي يميز مرحلة الطفولة المتأخرة تثري حياته العقلية بمعارف كثيرة عن العالم الذي يحيط به 0 يضاف إلى هذا ما تقدمه القراءة والرحلات والموسيقى والأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية من معارف جديدة 0 وفي إحدى الدراسات التي أجريت على أطفال الرياض والمدارس الابتدائية في بريطانيا في سن (4-7 ) سنوات لوحظ أن الأطفال الذين أبدوا اهتماماً خاصاً باللعب بالسفن وبنائها ونظام العمل فيها ازدادت حصيلتهم اللغوية 0
وخلاصة الأمر يجب تنظيم نشاط اللعب على أساس مبادئ التعلم القائم على حل المشكلات وتنمية روح الابتكار والإبداع عند الأطفال 0

3- من الناحية الاجتماعية :
إن اللعب يساعد على نمو الطفل من الناحية الاجتماعية ففي الألعاب الجماعية يتعلم الطفل النظام ويؤمن بروح الجماعة واحترامها ويدرك قيمة العمل الجماعي والمصلحة العامة 0 وإذا لم يمارس الطفل اللعب مع الأطفال الآخرين فإنه يصبح أنانياً ويميل إلى العدوان ويكره الآخرين لكنه بوساطة اللعب يستطيع أن يقيم علاقات جيدة ومتوازنة معهم وأن يحل ما يعترضه من مشكلات ( ضمن الإطار الجماعي ) وأن يتحرر من نزعة التمركز حول الذات 0

4- من الناحية الخلقية :
يسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي المعنوي لشخصية الطفل 0 فمن خلال اللعب يتعلم الطفل من الكبار معايير السلوك الخلقية كالعدل والصدق والأمانة وضبط النفس والصبر 0 كما أن القدرة على الإحساس بشعور الآخرين ” empathic ability ” تنمو وتتطور من خلال العلاقات الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من حياته 0
وإذا كان الطفل يتعلم في اللعب أن يميز بين الواقع والخيال فإن الطفل من خلال اللعب وفي سنوات الطفولة الأولى يظهر الإحساس بذاته كفرد مميز فيبدأ في تكوين صورة عن هذه الذات وإدراكها على نحو متميز عن ذوات الآخرين رغم اشتراكه معهم بعدة صفات 0

5- من الناحية التربوية :
لا يكتسب اللعب قيمة تربوية إلا إذا استطعنا توجيهه على هذا الأساس لأنه لا يمكننا أن نترك عملية نمو الأطفال للمصادفة 0 فالتربية العفوية Laissez Faire التي اعتمدها روسو لا تضمن تحقيق القيمة البنائية للعب وإنما يتحقق النمو السليم للطفل بالتربية الواعية التي تضع خصائص نمو الطفل ومقومات تكوين شخصيته في نطاق نشاط تربوي هادف 0 وقد أجريت دراسات تجريبية على أطفال من سن 5-8 سنوات في ( 18 ) مدرسة ابتدائية وروضة أطفال منها (6) مدارس تجريبية تقوم على استخدام نشاط اللعب أساساً وطريقة للتعليم وقد تراوح وقت هذا النشاط ما بين ساعة إلى ساعة ونصف الساعة يومياً و(12) مدرسة تؤلف المجموعة الضابطة التي لم يكن فيها تقريباً توظيف للعب نشاطاً للتعلم 0

وكشفت نتائج مجموعة المدارس التجريبية عن مستويات متقدمة للنمو في جوانب شخصية الطفل كلها مقارنة بالمستويات الأقل التي ظهرت لدى المجموعة الضابطة ويمكننا تلخيصها فيما يلي :
1- نمو مهارة جمع المواد بحرص ودأب ( عند الطفل ) لكي يجعل منها شيئاً تعبيرياً يثير اهتمامه وشغفه 0
2- الرسم الحر بالأقلام والتعبير الحر عما يراود ( الطفل ) من أفكار في رسومه 0
3- نمو مهارة الإجابة عن الأسئلة الموجهة إلى الأطفال وتكوين الجمل المفيدة والتعبير الحر المباشر عن أفكارهم 0
4- نمو مهارة عقد علاقات قائمة على الصداقة والود مع الأطفال والكبار ممن لا يعرفونهم 0
5- سلوك اجتماعي ناضج في علاقاتهم مع الأطفال الآخرين 0
6- التمكن من مهارات الكتابة بسرعة ونظافة وإتقان 0
7- القدرة على تركيز الانتباه على الأعمال المطلوب القيام بها من قبل الأطفال 0
8- اكتساب مهارات جسمية حركية والإفادة من تدريبات الألعاب الرياضية 0
9- الانتظام في إنجاز الأعمال والواجبات المطلوبة منهم بدقة وفي المواعيد المحددة 0
10 – زيادة الحصيلة اللغوية والقدرة على التعبير عن موضوعات معينة 0

وقد اهتمت الدراسات التربوية في الاتحاد السوفياتي بلعب الأطفال فقد قامت ( جوكوفسكايا ) بتجارب هامة كان هدفها أن الأطفال يعكسون الظاهرات والأحداث والشخصيات في لعبهم وقد قدمت للأطفال قصة تتحدث عن طفل محب للاستطلاع وطائر طيب نشط في عمله 0
وكان الهدف من ذلك أن يتبنى الطفل في لعبه دور الطفل البطل في القصة وأن يعكس مضمون القصة في لعبه 0
وكانت النتيجة أن الأطفال من سن ( 5-6 ) سنوات ويبلغ عددهم (90) طفلاً استطاع (46) منهم أن ينقلوا مضمون القصة إلى لعبهم وأن (15) من الأطفال استطاعوا أن ينقلوا إلى حد ما مضمون القصة في لعبهم وأن (15) من الأطفال استطاعوا أن ينقلوا إلى حد ما مضمون القصة في لعبهم 0 في حين أن (29) من الأطفال لم يستخدموا إطلاقاً مضمون القصة في لعبهم 0
وهكذا نرى أن اللعب يصبح وسيطاً تربوياً إذا خضع لأهداف تربوية محددة تحقق في إطار خبرات تربوية منظمة وفي هذه الحال يصبح للعب مدخل وظيفي لتعلم الأطفال تعلماً فعالاً
-يتبع-





الخصائص المميزة للعب الأطفال

يتميز لعب الأطفال عن لعب الكبار بعدة مميزات :
1- اللعب عملية نمو :
ويظهر ذلك في تتبعنا لنمو الطفل منذ ميلاده فإننا نلاحظ أن شكل النشاط بتغير بازدياد نضج الطفل 0
ويلاحظ أن لعب الطفل في بداية حياته يكون بسيطاً لا تعقيد فيه يتألف من حركات عشوائية ومن استثارة لأعضاء الحس 0 وكلما تطور نمو ذكاء الطفل يصبح لعبه معقداً فاللعب بالدمى يجتذب الطفل من سن مبكرة حيث يصل إلى ذروته في العام السابع أو الثامن من عمره 0 ولهذا أطلق على هذه الفترة اسم ( سن اللعب بالدمى ) toy age ويلاحظ أيضاً أن اهتمام الطفل باللعب يبدأ في التغير ويظهر ذلك خلال العام الأول والثاني في حياته المدرسية 0
ففي البداية يكون الطفل مهتماً بألعاب الجري ثم تصبح الألعاب الرياضية القائمة على نظم محددة هي تسليته المفضلة هذا إضافة إلى اهتمامه باتجاهات أخرى كالقراءة أو جمع الأشياء كالطوابع أو الأفلام والصور 0 ويظهر هذا جلياً في مرحلة الطفولة المتأخرة ( 11-12 سنة ) وهي مرحلة الاتزان الحسي الحركي التي تتميز بالرشاقة والقوة والحيوية وسهولة انتقال الحركة وسرعة تعلم المهارات الحركية 0
2- ارتباط اللعب بعمر الطفل ( كماً ) :
يقضي الأطفال أكثر أوقاتهم في اللعب ويتطابق هذا اللعب مع طبيعة النمو في السنوات الأولى لأنها مرحلة نشاط حركي ثم يزداد عدد أنواع اللعب بالتقدم في السن حتى البلوغ 0 ويلاحظ أن ألعاب الحضانة ورياض الأطفال متنوعة كالألعاب التمثيلية واللعب بالمكعبات والماء والطين والرسم والموسيقى 0 أما في مرحلة المدرسة الابتدائية فإن الأطفال يهتمون بالألعاب ذات النشاط الجسمي أكثر من اهتمامهم بالألعاب ذات النمط العقلي أو الجمالي 0

العوامل المؤدية للتناقص الكمي في أنشطة اللعب :
ويمكننا أن نرجع التناقص الكمي في أنشطة اللعب عند الأطفال إلى العوامل الآتية :
1- تضاؤل مقدار الوقت المتاح للعب بسبب الواجبات الجديدة المفروضة عليه وبسبب الوقت الذي يقضيه في المدرسة وما يتبع ذلك من التزامات خارج المدرسة 0
2- مسايرة الطفل للضغوط الأسرية والمدرسية والاجتماعية وما يتبع ذلك من التنسيق بين عمله ولعبه 0
3- تزايد وعي الأطفال بميولهم وقدراتهم والتركيز على نمط واحد من اللعب لفترة طويلة والاستمتاع به 0
3- ارتباط اللعب بعمر الطفل ( كيفاً ) :
في السنة الأولى يغلب على الطفل ألا يطيل في تركيز انتباهه على مؤشر ما فهو ينتقل من لعبة إلى أخرى أو من نشاط إلى آخر 0
ولذلك يجب أن نوفر له عدداً كبيراً من الألعاب ففي السنة الثانية يستطيع الطفل أن يركز انتباهه في نشاط لعب معين لمدة ( 7 ) دقائق في المتوسط تقريباً 0 ويزداد هذا المعدل فيصل إلى ( 12,6 ) دقيقة في الخامسة من عمره 0
ومع تطور نمو الطفل وقدراته واهتماماته فإنه يأخذ في انتقاء ألعاب معينة من هذا العدد الكبير من الألعاب 0
وهكذا نرى أن هذا التحول من ( الكم ) إلى ( الكيف ) في نشاط اللعب عند الطفل يدل على تغيرات كيفية في بنية الشخصية 0
ففي اللعب الاجتماعي مثلاً نلاحظ أن الطفل في المراحل الأولى يلعب مع كثير من الأطفال دون تمييز فهو يلعب معهم أحياناً ويتعارك معهم أحياناً أخرى ثم يصالحهم بعد ذلك وكلما كبر الطفل مال إلى اصطفاء مجموعة معينة من الأصدقاء يعيش معها ويرتبط بها 0
ومن مظاهر ( التحول الكيفي ) في نشاط اللعب عند الأطفال أن النشاط الجسمي يتناقص كلما كبر الطفل على حين نلاحظ ازدياد الميل إلى أنشطة اللعب ذات الطابع العقلي 0

ومما يلاحظ أن لعب الأطفال ولا سيما الصغار منهم يتسم بالتلقائية واللاشكلية فالطفل الصغير يلعب بالكيفية التي يريدها مهما كانت مواد لعبه فهو سعيد مثلاً وهو يلعب بأشياء تخص والديه أو إخوته 0 ولا يراعي في لعبه مواعيد خاصة أو مكاناً معيناً للعب 0
ويلاحظ أنه في مرحلة المراهقة تختفي الكثير من تلقائية اللعب فالمراهق يزهو بارتدائه لزي مميز لبعض الألعاب ويشعر بحاجته إلى أدوات خاصة للعب كمضارب التنس مثلاً ويخضع نشاطه لنظام معين فهو يتفق على مواعيد محددة للقاء رفاقه واللعب معهم في وقت محدد 0

العوامل المؤثرة في لعب الأطفال

يتخذ لعب الأطفال أشكالاً وأنماطاً متباينة 0 فالأطفال لا يلعبون بدرجة واحدة من الحيوية والنشاط كما لا يلعب الطفل نفسه في كل وقت بشكل أو نمط واحد لا يتغير وإذا عددنا أن اهتمامات الأطفال باللعب لها خط نمائي فليس من الضروري أن نعد لعب الأطفال يجري بصورة مطلقة إذ تتحكم فيه عوامل كثيرة متباينة ومختلفة منها ما يلي :

العامل الجسدي :
من المسلم به أن الطفل الصحيح جسدياً يلعب أكثر من الطفل المعتل الجسد كما أنه يبذل جهداً ونشاطاً يفرغ من خلالهما أعظم ما لديه من طاقة 0 وتدل ملاحظات المعلمين في المدارس الابتدائية والمشرفين على دور الحضانة ورياض الأطفال إن الأطفال الذين تكون تغذيتهم ورعايتهم الصحية ناقصة هم أقل لعباً واهتماماً بالألعاب والدمى التي تقدم إليهم 0
ولا شك أن مستوى النمو الحسي – الحركي في سن معينة عند الطفل يلعب دوراً هاماً في تحديد أبعاد نشاط اللعب عنده فقد تبين أن الطفل الذي لا يملك القدرة على قذف الكرة والتقاطها لا يشارك أقرانه في الكثير من ألعاب الكرة كما أن النقص في التناسق الحركي عند الطفل ينتهي به إلى صده وإعاقته عن ممارسة الألعاب التي تعتمد بصورة أساسية على التقطيع والتركيب والرسم والزخرفة والعزف 0 وقد كشفت الدراسات التي أجريت على استخدام مواد من لعب الأطفال أن اللعب يتوقف إلى حد كبير على مستوى الاتساق العصبي العضلي الذي بلغه الطفل 0

العامل العقلي :
يرتبط لعب الطفل منذ ولادته بمستوى ذكائه فالأطفال الذين يتصفون بالنباهة والذكاء هم أكثر لعباً وأكثر نشاطاً في لعبهم من الأطفال الأقل مستوى من الذكاء والنباهة 0 كما يدل لعبهم على تفوق وإبداع أعظم 0 وتبدو الفروق الفردية بين هذين النموذجين من الأطفال واضحة في نشاط لعبهم منذ العام الثاني فسرعان ما ينتقل الطفل الأكثر ذكاء من اللعب الحسي إلى اللعب الذي يبرز فيه عنصر الخيال والمحاكاة جلياً واضحاً عنده ولا يتضح هذا التطور في لعب الأطفال الأقل ذكاء 0 إذ أن لعبهم يأخذ مع انقضاء الشهور والسنوات شكلاً نمطياً لا يبرز من خلاله مظهر أساسي للتغير فيبدو تخلفهم عن أقرانهم من السن نفسها في نشاط لعبهم وأنواعه وأساليب ممارستهم فيه 0
أما بالنسبة لاختيار مواد اللعب وانتقائها فإن الأطفال العاديين أو ذوي المستويات الأعلى في الذكاء يظهرون تفضيلاً لمواد اللعب التي تعتمد إلى حد كبير على النشاط التركيبي البنائي بنسبة أعلى من الأطفال ذوي العقول الضعيفة كما يهتم الأطفال العاديون والأذكياء بمواد لعبهم التي يختارونها فترة أطول وأكثر ثباتاً من أولئك ضعاف العقول 0
وقد دلت بعض الدراسات أن الأطفال الذين كانت نسب ذكائهم عالية في مرحلة ما قبل المدرسة قد أبدوا اهتماماً واضحاً بالأجهزة والمواد التي تستخدم في الألعاب التمثيلية والفعاليات التي تتطلب الابتكار 0 وتصبح هذه الفروق بين الأطفال من النموذجين أكثر وضوحاً كلما تقدمت بهم السن 0 ويبدي الأطفال المرتفعو الذكاء اهتماماً بمجموعة كبيرة من نشاطات اللعب ويقضون في ذلك وقتاً أطول 0 ويكونون أكثر ميلاً إلى الألعاب الفردية من ميلهم إلى الألعاب الجماعية 0 وهم أقل اشتراكاً في الألعاب التي تحتاج إلى نشاط جسمي قوي على عكس الأطفال ذوي الذكاء المتوسط كما أن النابهين يميلون إلى الألعاب الرياضية ويكون ميلهم أكثر إلى الألعاب العقلية وهم يستمتعون بالأشياء جميعها وتتكون لديهم هوايات مختلفة أكثر من الأطفال الآخرين 0
ويبدو عامل الذكاء عند الأطفال في القراءة خاصة 0 فالميل المبكر إلى القراءة والقدرة على القراءة يتجليان عند الأطفال ذوي النسب العالية من الذكاء 0 فيقضي الأطفال المرتفعو الذكاء في كل مرحلة عمرية وقتاً أكبر في القراءة كما تنصب اهتماماتهم القرائية على أنواع معينة فيستمتع الأطفال الموهوبون بقراءة القواميس والموسوعات والعلم والتاريخ والأدب ولا يبدون اهتماماً بالحكايات الخرافية مع أنهم يفضلون الروايات البوليسية على قصص المغامرات العنيفة 0

عامل الجنس :
تقوم في معظم المجتمعات فروق بين لعب الصبيان ولعب البنات وهذه الفروق تلقى التشجيع الإيجابي من الكبار 0 ففي مجتمعنا يسمح لصغار الصبيان باللعب بعرائس أخواتهم دون سخرية أو اعتراض وقلما تقدم لهم عرائس خاصة بهم وإن كان يسمح لهم بدمى من الدببة والحيوانات المحنطة 0 فالصبي في سن السابعة يحتمل أن يكون موضع سخرية إذا أكثر من اللعب بالدببة المحشوة ووضعها في مهد صغير خاصة إذا كرر ذلك مرات عدة وكذلك البنات يجدن المتعة بدمى السيارات والقطارات مع أن هذه الدمى قلما تقدم لهن هدايا 0 والبنات الأكبر سناً لا يشجعن على القيام بالألعاب الخشنة التي يوصفن بسببها بأنهن ( مسترجلات ) كما أن الصبيان الذين يهربون من الألعاب الخشنة أو يفضلون القراءة أو العزف على البيانو يتعرضون لتسميتهم بالمخنثين 0 وتختلف في المجتمع الغربي تنشئة الصبيان عن البنات اختلافاً كبيراً فالأطفال بصفتهم أفراداً معرضون للمواقف المناسبة والوسائل التدريبية على اختلاف درجاتها فالصبيان في سن الثالثة بأميركا الشمالية أظهروا فروقاً جنسية في الروح العدوانية وذلك من خلال لعبهم بالعرائس الصغيرة أما الصبيان في سن الرابعة فقد كان أكثر انشغالهم بالتهريج والأنشطة التي تعتمد على العضلات القوية بينما لجأت البنات إلى لعبة البيوت أو الرسم 0 وقد أجريت دراسة أخلاقية حديثة على أطفال من الإنكليز في سن الثالثة فكانت نتيجتها أن الصبيان يمارسون لعبة الحرب أكثر من البنات وأن الضحك والقفز علامات تدل على أن مشاجرتهم ودية 0
كما أجريت دراسة قديمة على أطفال أكبر سناً فوجد أن معظم ألعاب الأطفال يؤديها الجنسان من الصبيان والبنات كما وجد أن الاختلاف الأكبر ينحصر في طبيعة اللعب 0

فالصبيان بصورة عامة أكثر خشونة ونشاطاً من البنات على الرغم من وجود فروق بين الصبيان والبنات غير الناضجين جنسياً من حيث الوزن والطول والسرعة 0 وربما كان للتساهل الشديد مع سلوك الصبيان العدائي الخشن والذي يفوق التساهل مع البنات تأثير في نوع اللعب الذي يبرز بوضوح في كثير من مجتمعاتنا لكن الاختلاف في اختيار الألعاب عند الجنسين يتوقف على مقدار النشاط حتى في مرحلة قبل البلوغ واحتمال تشكله وتضاعفه أقرب من احتمال تكونه عن طريق التربية الاجتماعية 0
ويظهر التنافس أكثر شيوعاً بين ألعاب الصبيان منه عند البنات في سن العشرين ولا سيما الألعاب التي تتطلب المهارة العضلية والرشاقة والقوة ككرة القدم والمصارعة والملاكمة بينما كانت الزيارة والقراءة والكتابة والمكايدة وغيرها من الألعاب التي تتضمن لغة أكثر شيوعاً بين البنات منها بين الصبيان فيما بين سن الثامنة والخامسة عشرة 0 كذلك تبدو البنات أكثر مهارة لغوية في مقتبل العمر من الصبيان بينما يكن في حالة العدوان أكثر جنوحاً إلى استعمال ألسنتهن من استعمال أيديهن 0 ولعل الحرية التي يتمتع بها الصبيان في الخروج بعيداً عن البيت والإشراف الصارم على البنات هي التي تدفعهم إلى المجتمع وتجعل البنات أقل اعتماداً على أندادهن 0 ففي دراسة أجريت في جنوب غربي المحيط الهادي دلت على أن معاملة الصبيان تختلف اختلافاً كبيراً عن معاملة البنات بدءاً من فترة الفطام 0 فلقد كان الصبيان يبتعدون عن القرية ويلعبون في مجموعات تحت رقابة شاملة من الأفراد الكبار في القرية بينما تبقى البنات في البيت بالقرب من إحدى النساء الطاعنات في السن أما في أوروبا وأميركا فيسمح للبنات بقدر أقل من حرية الحركة ويكون الإشراف عليهن أكثر دقة ويغلب أن يحتفظ بهن قريباً من البيت أكثر من الصبيان 0 وقد أظهرت دراسة حديثة عن الألعاب التي يمارسها الجنسان في أميركا أنه في الوقت الذي تؤدي فيه البنات الألعاب التي تعد ( أنثوية ) من الناحية التقليدية فإن ألعاباً أخرى ( رجولية ) لم يبق فيها اختلاف بين الجنسين مثل كرة السلة وهناك دراسات أقدم من هذه كشفت عن اختلاف أكبر في لعب الصبيان إذا قورن بلعب البنات كما تغيرت الفروق في لعب الصبيان والبنات إلى حد ما خلال السنوات الأربعين الأخيرة 0

عامل البيئة :
يتأثر الأطفال في لعبهم بعامل المكان ففي السنوات الأولى يلعب معظمهم مع الأطفال الذين يجاورونهم في المسكن وبعد فترة يلعبون في الشوارع أو الساحات أو الأماكن الخالية القريبة من مسكنهم وبذلك يكون للبيئة التي يعيشون فيها تأثير واضح في الطريقة التي يلعبون بها وفي نوعية الألعاب أيضاً 0 وإذا لم تتهيأ لهم أماكن ملائمة وقريبة من منازلهم للعب أو إذا لم تتوفر مواد اللعب المستخدمة في لعبهم فإنهم ينفقون وقتهم في التسكع أو يصبحون مصدراً للإزعاج وقد أوضحت بعض الدراسات ( مثل دراسات ليهمان 1926 ميري وميري 1950 ) أن الأطفال الفقراء يلعبون أقل من الأطفال الأغنياء وربما يرجع السبب ولو جزئياً إلى الاختلاف في الحالات الصحية ولكنه يرجع بصورة أساسية إلى أن البيئات الفقيرة فيها لعب أقل ووقت أقل ومكان أضيق للعب من البيئات الغنية 0 وفي مناطق الريف والصحراء تقل الألعاب بسبب انعزالها ولصعوبة تنظيم جماعات الأطفال كما تقل فيها أيضاً أوقات اللعب وأدواته لأن الأطفال ينصرفون إلى مساعدة الوالدين في أعمالهم 0
وللبيئة أثر واضح في نوعية اللعب فطبيعة المناخ وتوزعه على فصول السنة تؤثر في نشاط اللعب عند الأطفال فيخرج الأطفال للعب في الحدائق شتاء وذلك في المناطق المعتدلة بينما يقومون بالتزحلق على الجليد واللعب في الثلج في المناطق الباردة كما يتحدد الإطار الذي يلعب فيه الأطفال في الأماكن المغلقة في المناطق التي تشتد فيها الحرارة صيفاً في حين ينتقل الأطفال إلى شواطئ البحر وحمامات السباحة في المناطق ذات الحرارة المعتدلة صيفاً 0 ومن الألعاب ما يختص بفصل معين من فصول السنة فلعبة كرة القدم تعد لعبة شتوية بينما السباحة تعد لعبة صيفية 0 وقد تختلف اهتمامات الأطفال باللعب ومواده باختلاف البيئة 0 فالأطفال في المناطق الساحلية تختلف اهتماماتهم عن الأطفال في المناطق الداخلية أو الصحراوية كما أن الأطفال في البيئات الصناعية يهتمون بألعاب تختلف عن ألعابهم في البيئات الريفية 0

العامل الاجتماعي والثقافي :
وكما يتأثر لعب الأطفال بالبيئة والجنس والحالة الجسمية والمستوى العقلي كذلك يتأثر أيضا بثقافة المجتمع وبما يسوده من عادات وقيم وتقاليد كما ترث أجيال الأطفال عن الأجيال السابقة أنواعاً من الألعاب تنتشر في المجتمع وتشيع فيه وهي ألعاب كثيرة لا نجد ضرورة لذكرها في هذا المقام 0 ويكشف تقرير الأمم المتحدة الذي أعد عام 1953 عن ألعاب تقليدية تتكرر بين الأطفال في كثير من الشعوب فقد نجد على سبيل المثال أن لعبة الاختفاء تنتشر لدى الأطفال في كثير من البلدان الأسيوية والأوروبية والعربية 0
وللمستوى الاقتصادي دور رئيس في لعب الأطفال فالمستوى الاجتماعي والاقتصادي يؤثر في نشاطات اللعب كماً وكيفاً على السواء وإذا كانت هذه الفروق لا تتضح خلال سنوات الطفولة الأولى فإنها تظهر واضحة كلما تقدم الأطفال في السن 0 فالأطفال الذين تكون أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية أعلى يكونون أكثر تفضيلاً لنشاطات اللعب التي تكلف بعض الأموال كالتنس مثلاً في حين أن الأطفال الذين تكون أوضاعهم الاقتصادية الاجتماعية أقل مستوى فإنهم يميلون إلى الألعاب الأقل تكلفة كألعاب كرة القدم ( ونط الحبل ) كما يتأثر الوقت المخصص للعب بالطبقة الاجتماعية فوقت اللعب المتاح للأطفال من السر الفقيرة هو أقل من الوقت المتاح للأطفال من السر الغنية ذلك لأن الأسر الفقيرة تشرك أبناءها في أداء بعض الأعمال والأعباء الاقتصادية 0
وقد ظهر أن للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطفل أثراً في نوع الكتب التي يقرؤها وفي الأفلام التي يراها والنوادي التي يرتادها فالأطفال الأغنياء يمارسون ألعاباً ذات طابع حضاري كالموسيقى والفن والرحلات والمعسكرات في حين نجد أن الأطفال الفقراء ينفقون وقتاً أعظم في مشاهدة برامج التلفزيون أو اللعب خارج المنزل كما أن للوجتيه القومي أثراً واضحاً في نشاط اللعب وفي توجيه غاياته 0
-يتبع-





النظريات المختلفة في تفسير اللعب

لقد شغلت ظاهرة اللعب عند الأطفال العلماء والباحثين في مختلف العصور وعلى مر الأزمنة فتأملوا هذه الظاهرة عند الإنسان والحيوان وحاولوا أن يفسروها فوضعوا نظريات عدة في ذلك ومن أهم هذه النظريات :
1- نظرية الطاقة الزائدة :
ظهرت في أواخر القرن الماضي هذه النظرية ووضع أساسها ( شيلر ) الشاعر الألماني ثم الفيلسوف هربرت سبنسر وخلاصتها : أن اللعب مهمته التخلص من الطاقة الزائدة 0 فالحيوان مثلاً إذا توافرت لديه طاقة تزيد عما يحتاجه منها للعمل فإنه يصرف هذه الطاقة في اللعب 0 وإذا طبقنا ذلك على الأطفال نرى أن الأطفال يحاطون بعناية أوليائهم ورعايتهم فهؤلاء الأولياء يقدمون لهم الغذاء ويعنون بنظافتهم وصحتهم دون أن يقوم الأطفال بعمل ما فتتولد لديهم طاقة زائدة يصرفونها في اللعب 0 إن هذا التفسير معقول إلى حد ما لكنه لا يفسر حقائق اللعب كلها فالقول به تسليم بأن اللعب مقتصر على الطفولة وهذا لا ينطبق على الواقع إذ عند الكبير أيضاً ميل إلى اللعب بل ويمارسه في الواقع 0 فإذا كان اللعب مرتبطاً بوجود فضل الطاقة فكيف يمكن شرح كيفية لعب الحيوان الصغير أو الطفل إلى درجة تنهك فيها قواه كما نشاهد ذلك غالباً في الحياة العادية 0
لاشك أننا في هذا الموقف نجد اتجاهاً يحرم اللعب من دوره النشط المؤثر في عملية النمو كما يحذف دور الظروف الاجتماعية والاقتصادية وإمكانية تأثير المحيط الإنساني في إثارة هذه الطاقة وتوظيفها وتوجيهها لصالح الإنسان 0

2- النظرية الإعدادية أو نظرية الإعداد للحياة المستقبلية :
يرى واضع هذه النظرية كارل غروس ( Karl Groos ) أن اللعب للكائن الحي هو عبارة عن وظيفة بيولوجية هامة 0 فاللعب يمرن الأعضاء وبذلك يستطيع الطفل أن يسيطر سيطرة تامة عليها وأن يستعملها استعمالاً حراً في المستقبل 0
فاللعب إذاً إعداد للكائن الحي كي يعمل في المستقبل الأعمال الجادة المفيدة 0 ومثالنا على ذلك تناطح الحملان في لعبها إنما هو تمرين على القيام بالتناطح الجدي في المستقبل والدفاع عن النفس وتراكض الجراء وعض بعضها بعضاً كأنها تتدرب على القتال وصغار الطير تضرب بأجنحتها بما يشبه حركات الطيران وكذلك القطط التي يطارد بعضها بعضاً في أثناء اللعب فهي تقوم بحركات تشبه الحركات التي تقوم بها في المستقبل بقصد الحصول على الطعام ومطاردة الفريسة 0 والطفلة في عامها الثالث تستعد بشكل لا شعوري لتقوم بدور الأم حين تضع لعبتها وتهدهدها كي تنام 0 وهكذا فإن مصدر اللعب هو الغرائز أي الآليات البيولوجية ولقد أكد وجهة النظر البيولوجية هذه كثير من العلماء مع إجراء تعديلات طفيفة عليها 0 ومما يثبت صحة هذه النظرية من الأدلة أن اللعب يأخذ شكلاً خاصاً عند كل نوع من أنواع الحيوانات 0 ولو أن اللعب كان مجرد تخلص من الطاقة الزائدة لجاءت الحركات بصورة عشوائية عند الحيوانات جميعها ولما اختلفت من كائن إلى آخر 0 وترى هذه النظرية أن الإنسان يحتاج أكثر من غيره إلى اللعب لأن تركيبه الجسمي أكثر تعقيداً وأعماله في المستقبل أكثر أهمية واتساعاً ومن هنا كانت فترة طفولته أطول ليزداد لعبه وتتمرن أعضاؤه كما ترى أن اللعب من خصائص الحيوان الراقي بينما الكائنات الحية غير الراقية تولد غير مكتملة النمو وغير قادرة على مواجهة صعوبات الحياة بنفسها من دون مساعدة كبارها بينما الكائنات الحية غير الراقية تولد بالغة مكتملة النمو تقريباً وتكون مستقلة عن كبارها وهذا يغنيها عن اللعب 0 وهكذا نرى أن نظرية جروس هذه يصح تطبيقها على الحيوان مع احتفاظنا بالفارق بين حياتي الإنسان والحيوان 0 فيحاة الإنسان غنية بعناصرها وتفاعلاتها وحاجاتها المختلفة إذا ما قورنت بحياة الحيوان البسيطة والمحدودة 0

3- النظرية التلخيصية :
صاحب هذه النظرية هو ستانلي هول وخلاصتها : إن اللعب هو تلخيص لضروب النشاطات المختلفة التي مر بها الجنس البشري عبر القرون والأجيال وليس إعداداً للتدريب على نشاط مقبل ومواجهة صعاب الحياة 0
فألعاب القفز والتسلق والصيد وجمع الأشياء المختلفة هي ألعاب فردية أو جماعية غير منظمة ولعل هذا يشير إلى حياة الإنسان الأول عندما كان يصطاد الحيوانات ويسخرها لمصلحته فالطفل حينما يجمع حوله جماعات الرفاق ليلعب معهم إنما يمثل في عمله نشأة الجماعات الأولى في حياة الإنسان كما أنه إذا قدمنا له عدداً من المكعبات فإنه يشرع في بناء منزل أو ما يشبهه وهذه تمثل مرحلة من مراحل التقدم في الحياة فالإنسان يلخص في لعبه إذاً أدوار المدنية التي مرت عليه كما يلخص الممثل على المسرح تماماً تاريخ أمة من الأمم في ساعات قليلة 0 وقد وجهت إلى هذه النظرية اعتراضات كثيرة منها : إن هذه النظرية بنيت على افتراض أن المهارات التي تعلمها جيل من الأجيال والخبرات التي حصل عليها يمكن أن يرثها الجيل الذي يليه غير أن هذه النظرية القائلة بتوريت الصفات المكتسبة والتي يعد ( لامارك ) مؤسساً لها لم يعثر على ما يؤيدها في دراسة الوراثة كما يرفض معظم علماء الوراثة في الغرب الرأي القائل بإمكان توريث الصفات المكتسبة وهذا كله أدى إلى إلغاء هذه النظرية إضافة إلى أن الصغار ليسوا صوراً مصغرة عن الكبار فركوب الدراجات واستعمال الهواتف مثلاً ليس تكراراً لتجارب قديمة وإنما هو من معطيات الجيل نفسه الذي يستخدمها 0

4- النظرية التنفسية :
وهي نظرية مدرسة التحليل النفسي الفرويدية وتركز على ألعاب الأطفال بخاصة إذ ترى أن اللعب يساعد الطفل على التخفيف مما يعانيه من القلق الذي يحاول كل إنسان التخلص منه بأية طريقة 0 واللعب إحدى هذه الطرق وتشبه هذه النظرية إلى حد ما نظرية الطاقة الزائدة 0
واللعب عند مدرسة التحليل النفسي تعبير رمزي عن رغبات محبطة أو متاعب لا شعورية وهو تعبير يساعد على خفض مستوى التوتر والقلق عند الطفل 0 فالطفل الذي يكره أباه كراهية لا شعورية قد يختار دمية من الدمى التي يعدها الأب فيفقأ عينيها أو يدفنها في الأرض وهو بهذه الحالة يعبر عن مشاعره الدفينة بوساطة اللعب 0 وترى الولد الذي يغار من أخته التي تقاسمه محبة والديه يضمر لها عداء يعبر عنه دون قصد بالقسوة على دميته التي يتوهم فيها شخص أخته 0 لذا فالأم تستطيع أن تعرف شيئاً عن حالة طفلها النفسية من الطريقة التي يعامل بها دميته 0 فهو يضرب دميته أو يأمرها بعدم الكلام أو يقذفها من الباب وهذه كلها رموز تدل على أشياء تسبب له القلق 0 وعن طريق اللعب يصحح الطفل الواقع ويطوعه لرغباته ( إن دميتي تنام متى تشاء ) وبوساطته يخفف من أثر التجارب المؤلمة ( عوقبت الدمية إذ أجريت لها عملية اللوزتين ) وبه يكتشف حوادث المستقبل ويتنبأ بها ( ستعاقبين يا دميتي لأنك لم تسمعي كلمة ماما ) 0
ورسوم الأطفال الحرة هي عبارة عن نوع من اللعب وتؤدي وظيفة اللعب نفسها 0 فالطفل قد يرسم عقرباً ويقول هذه ( زوجة أبي ) والطفل الذي يشعر بالوحدة قد يرسم أفراد العائلة كلهم داخل المنزل باستثناء طفل متروك خارجه 0
ولاشك أن الطفل يتغلب على مخاوفه عن طريق اللعب فالطفل الذي يخاف أطباء الأسنان يكثر من الألعاب التي يمثل فيها دور طبيب أسنان إذ أن تكرار الموقف الذي يسبب الخوف من شأنه أن يجعل الفرد يألفه 0 والمألوف لا يخيفنا لأننا نتصرف حياله التصرف المناسب ولدينا متسع من الوقت لهذا التصرف بخلاف غير المألوف والأطفال الذين يخافون من الأطباء يعطون لعبة تمثل المريض وسماعة ليفحصوا بها وليمثلوا دور الطبيب بأنفسهم وبذلك يستطيعون التغلب على مخاوفهم من الأطباء بوساطة ألعابهم 0
ولنذكر على سبيل المثال حالة تظهر كيف يكون اللعب مسرحاً يمثل عليه الطفل متاعبه النفسية رمزياً : طفل في منتصف الثانية من عمره كانت أمه تتركه وحده فترات طويلة فكانت لعبته المحببة هي أن يمسك ببكرة يوجد عليها خيط فيرمي بها تحت السرير حتى تختفي هنا وهنا يصيح منزعجاً ثم يجذبها فيفرح بعودتها مرحباً بظهورها 0 فالطفل في لعبته المذكورة يمثل رمزياً المأساة والأحزان التي يعاني منها 0 ويصور بسلوكه هذا خبرة مؤلمة يكابدها هي مأساة اختفاء أمه وعودتها وبذلك كان يخفف من القلق الذي ينتابه 0
وترجع نظرية مدرسة التحليل النفسي إلى عهد الفيلسوف اليوناني المشهور أرسطو الذي كان يرى أن وظيفة التمثيليات المحزنة هي مساعدة المشاهدين على تفريغ أحزانهم من خلال مشاهدة ما فيها من أحداث ووقائع 0 ومن الواضح أن النظرية المذكورة لا تكفي لتفسير اللعب فليس مقبولاً أن تكون وظيفة اللعب مقصورة على مجرد التنفيس 0

5- نظرية النمو الجسمي :
يرى العالم كارت ( Cart ) الذي تنسب إليه هذه النظرية إن اللعب يساعد على نمو الأعضاء ولا سيما المخ والجهاز العصبي 0 فالطفل عندما يولد لا يكون مخه في حالة متكاملة أو استعداد تام للعمل لأن معظم أليافه العصبية لا تكون مكسوة بالغشاء الدهني الذي يفصل ألياف المخ العصبية بعضها عن بعض وبما أن اللعب يشتمل على حركات تسيطر على تنفيذها كثير من المراكز المخية فمن شاء هذا أن يثير تلك المراكز إثارة يتكون بفضلها تدريجياً ما تحتاج إليه الألياف العصبية من هذه الأغشية الدهنية 0

6- نظرية الاستجمام :
وخلاصة هذه النظرية أن الإنسان يلعب كي يريح عضلاته المتعبة وأعصابه المرهقة التي أضناها التعب ذلك لأن الإنسان عندما يستخدم عضلاته وأعصابه بصورة غير الصورة التي كان يستخدمها فيها في أثناء العمل فإنه يعطي بذلك لعضلاته المجهدة وأعصابه المتعبة فرصة كي نستريح وقد وجهت لهذه النظرية الاعتراضات التالية :
1- لو كانت الغاية من العب هي راحة الأعصاب المجهدة والعضلات المتعبة فإن أحسن طريقة لذلك هي الاستلقاء في الفراش والاسترخاء في الجلوس من غير عمل ما لأن هذه الطريقة تجلب الراحة في وقت أقصر 0
2- لو كان الهدف من اللعب الراحة فقط لكان من الأفضل للكبار أن يلعبوا أكثر مما يلعب الصغار لأن عمل الكبار وجهدهم المبذول ادعى للتعب من لعب الصغار ومع ذلك فإننا نرى أن الصغار أكثر لعباً من الكبار 0
3- لا يكون لعب الإنسان دائماً بطاقات عضلية وجهد عصبي غير التي يستعملها في أثناء العمل بل إن الإنسان يلعب بالعضلات التي يعمل بها والأعصاب التي يفكر بها 0
4- تبين لعلماء النفس أن الجهد المبذول لا يتعب العضلة وحدها بل يتعب الجسم ذلك لأن أي عمل من الأعمال يستلزم استعداد عضلات الجسم كلها وتأهبها للعمل 0
وهكذا نرى أن في نظرية الاستجمام انتقاصاً واضحاً وصريحاً لوظيفة اللعب وتضييقاً لها عند حصرها بإراحة العضلات والأعصاب وبإعادة ما استنفذه الكائن الحي من طاقات حيوية في سبيل أعماله وإهمالاً للدور الفعال للعب كنشاط إنساني أصيل موجه ومؤثر في عملية النمو 0
-يتبع-




اللعب عند فيجوتسكي ( Vygotsky )

يرى فيجوتسكي أن الطفل الصغير يميل إلى إشباع حاجاته بصورة فورية ويصعب عليه تأجيل هذا الإشباع لفترة طويلة 0 ولكن مع تقدم الطفل في العمر ودخوله في سن ما قبل المدرسة فإن كثيراً من رغباته تظهر تلقائياً ويعبر عنها من خلال اللعب 0 وإن لعب الطفل في هذه المرحلة هو دوماً التحقيق التخيلي والوهمي للرغبات التي لا يمكن تحقيقها 0 فالمخيلة في هذه الحال تشكيل جديد ليس له وجود في وعي الطفل الصغير جداً وإنما يمثل نموذجاً إنسانياً خاصاً للنشاط الواعي 0 فاللعب التخيلي إذا لا يعد نمطاً من أنماط اللعب وإنما هو اللعب ذاته حيث يبدع الطفل فيه موقفاً تخيلياً من ذخيرته الفكرية 0
ويرى فيجزتسكي أن للعب دوراً رئيساً في نمو الطفل 0 فالنشاط التخيلي وإبداع الأهداف وصوغ الدوافع الاختيارية كل ذلك يظهر من خلال اللعب ويجعله في أعلى مراحل نمو ما قبل المدرسة 0

فيجوتسكي يرى أن اللعب يحتوي على الميول النمائية كلها ويسهم في تحقيق ما يلي :
1- التفكير المجرد :
إذ يعد اللعب مرحلة ممهدة لا بد منها لتنمية التفكير المجرد وعندما يكبر الطفل فإن الفرصة تصبح متاحة أمامه لاستخدام اللعب دون وعي وفي مرحلة ما قبل المدرسة ينقلب اللعب إلى عمليات داخلية وفكر مجرد 0
2- ضبط الذات :
إن التزام الطفل بقواعد اللعب وأنظمته يوفر له متعة قصوى حيث يحول الالتزام دون تحقيق رغباته المباشرة وبذلك يتعلم الطفل أن يسيطر على حوافزه ويضبطها 0
3- اللعب نشاط رائد لا مجرد نشاط سائد :
إذ بفضل هذه القوة النمائية يتجاوز الطفل من خلال اللعب عمره الواقعي ولهذا يعد اللعب أفضل مجال نمائي حيوي للطفل 0 إنه بهذا حقل النمو ومختبره الأمثل 0 وهكذا نرى أنه في الوقت الذي يرفض فيه فيجوتسكي عد المتعة أساساً لتعريف اللعب فإنه يرفض بالمقابل عد اللعب نشاطاً غير هادف إذ يرى أن الطفل يشبع من خلال اللعب حاجات وحوافز معينة تتغير من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى 0
إن العلماء الروس قبل الثورة والسوفييت بعدها يفسرون اللعب بصورة أخرى 0 ( فقد أيد كل من أ0ي سيكورسكي وب0ف كابتيروف و ب0ف ليفافت و ك0د أوشينسكي تفرد اللعب كنشاط إنساني أصيل ) ( لوبلينسكايا 1980 ص 153 ) 0

نظرية جان بياجه في اللعب

إن نظرية جان بياجه في اللعب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتفسيره لنمو الذكاء ويعتقد بياجه أن وجود عمليتي التمثل والمطابقة ضروريتان لنمو كل كائن عضوي وأبسط مثل للتمثل هو الأكل فالطعام بعد ابتلاعه يصبح جزءاً من الكائن الحي بينما تعني المطابقة توافق الكائن الحي مع العالم الخارجي كتغيير خط السير مثلاً لتجنب عقبة من العقبات أو انقباض أعصاب العين في الضوء الباهر 0 فالعمليتان متكاملتان إذ تتمم الواحدة الأخرى كما يستعمل بياجيه عبارتي التمثل والمطابقة في معنى أعم لينطبقا على العمليات العقلية 0 فالمطابقة تعديل يقوم به الكائن الحي إزاء العالم الخارجي لتمثل المعلومات كما يرجع النمو العقلي إلى التبادل المستمر والنشط بين التمثل والمطابقة ويحدث التكيف الذكي عندما تتعادل العمليتان أو تكونان في حالة توازن وعندما لا يحدث هذا التوازن بين العمليتين فإن المطابقة مع الغاية قد تكون لها الغلبة على التمثل وهذا يؤدي إلى نشوء المحاكاة وقد تكون الغلبة على التعاقب للتمثل الذي يوائم بين الانطباع والتجربة السابقة ويطابق بينها وبين حاجات الفرد وهذا هو اللعب فاللعب والتمثل جزء مكمل لنمو الذكاء ويسيران في المراحل نفسها 0

ويميز بياجيه أربع فترات كبرى في النمو العقلي :
1. فالطفل حتى الشهر الثامن عشر يعيش مرحلة حسية حركية إذ يبدأ الطفل في هذه المرحلة بانطباعات غير متناسقة عن طريق حواسه المختلفة 0 وذلك لعدم قدرته على تمييز هذه الانطباعات من استجاباته المنعكسة لها 0 ويحصل التناسق الحركي والتوافق تدريجياً في هذه المرحلة حيث تصبح هذه الأمور ضرورية لإدراك الأشياء ومعالجتها يدوياً في المكان والزمان 0
2. وفي المرحلة التالية الواقعة بين عامين وسبعة أو ثمانية أعوام – وهي المرحلة التشخيصية تنمو حصيلة الطفل الرمزية واللفظية فيصبح قادراً على تصور الأشياء في غيابها ويرمز إلى عالم الأشياء بكامله مع ما بينها من علاقات وهذا يتم من خلال وجهة نظره الخاصة ولا يستطيع الطفل في هذه المرحلة تجميع الأشياء وفق خصائصها المشتركة بل يصنفها تصنيفاً توفيقياً إذ استرعى انتباهه شيء ما مشترك بين مجموعة أشياء 0
3. وفي المرحلة الثالثة في الحادية عشرة أو الثانية عشرة يصبح الطفل قادراً على إعادة النظر في العمليات عقلياً بالنسبة للحالات المادية فقط 0 ومع تقدم النمو يتوزع الانتباه وتصبح العمليات القابلة لإعادة النظر ممكنة عقلياً في بادئ الأمر ثم تنسق مع بعضها حتى ينظر إلى العلاقة المعينة كحالة عامة لكل فئة 0
4. وفي المرحلة الرابعة – مرحلة المراهقة – تصبح العمليات العقلية عمليات مجردة تجريداً تاماً من الحالات المحسوسة جميعها وفي كل مرحلة من هذه المراحل تنمو مدارك الطفل بالتجربة من خلال التفاعل والتوازن بين مناشط التمثل والمطابقة لأن التجربة وحدها لا تكفي وترجع الحدود الفطرية في النمو لكل مرحلة إلى نضج الجهاز العصبي المركزي من جهة وإلى خبرة الفرد عن البيئة المحيطة من جهة أخرى 0

ويبدأ اللعب في المرحلة الحسية الحركية إذ يرى ( بياجيه ) أن الطفل حديث الولادة لا يدرك العالم في حدود الأشياء الموجودة في الزمان والمكان فإذا بنينا حكمنا على اختلاف ردود الأفعال عند الطفل فإن الزجاجة الغائبة عن نظره هي زجاجة مفقودة إلى الأبد وحين يأخذ الطفل في الامتصاص لا يستجيب لتنبيه فمه وحسب بل يقوم بعملية المص وقت خلوه من الطعام ولا يعد هذا لعباً حتى ذلك الوقت لأنه يواصل لذة الطعم 0 وينتقل سلوك الطفل الآن إلى ما وراء مرحلة الانعكاس حيث تنضم عناصر جديدة إلى رد الفعل الدوري بين المثيرات والاستجابات ويقلل نشاط الطفل تكراراً لما فعله سابقاً وهذا ما يطلق عليه بياجيه التمثل الاسترجاعي ومثل هذا التكرار من أجل التكرار هو في حد ذاته طليعة اللعب 0

وليس هناك ما يلزم بياجيه بافتراض وجود خاص للعب طالما يرى فيه مظهر من مظاهر التمثل الذي يعني تكراراً لعمل ما بقصد التلاؤم معه وتقويته 0 وفي الشهر الرابع يتناسق النظر واللمس عند الطفل ويتعلم أن دفع الدمية المعلقة في سريره يجعلها تتأرجح وإذا ما تعلم الطفل عمل شيء ما فإنه يعيد هذا العمل مراراً وهذا هو اللعب ابتهاج ( وظيفي ) وابتهاج لأنه سبب نابع من تكرار الأفعال التي يتم التحكم بها فإذا ما تعلم الطفل كشف الأغطية بغية البحث عن الدمى والأشياء الأخرى يصبح هذا الكشف في حد ذاته لعبة ممتعة لدى الطفل من الشهر السابع وحتى الثاني عشر من عمره 0 فاللعب لم يعد تكراراً لشيء ناجح بل أصبح تكراراً فيه تغيير وفي أواخر المرحلة الحسية الحركية يصبح العمل ممكناً في حال غياب الأشياء أو وجودها مع الإدعاء والإيهام 0 فاللعب الرمزي أو الإيهام يميز مرحلة الذكاء التشخيصي الممتدة من السنة الثانية إلى السابعة من العمر فالتفكير الأولي يتخذ شكل الأفعال البديلة التي لا تزال منتمية إلى آخر تصورات الحركة الحسية 0

أما اللعب الرمزي الإيهامي فله الوظيفة نفسها في نمو التفكير التشخيصي كالوظيفة التي كان يقوم بها التدريب على اللعب في المرحلة الحسية الحركية إذ أنه تمثل خالص وبالتالي يعمل على إعادة التفكير وترتيبه على أساس الصور والرموز التي يكون قد أتقنها 0 كذلك يؤدي اللعب الرمزي إلى تمثل الطفل لتجاربه الانفعالية وتقويتها 0 ومع ذلك فالصفة الخاصة للعب الإيهامي تستمد من الصفة الخاصة لعمليات الطفل العقلية في هذه المرحلة 0 ويصبح اللعب الإيهامي في المرحلة التشخيصية أكثر تنظيماً وإحكاماً ومع نمو خبرات الطفل يحدث انتقال كبير إلى التشخيص الصحيح للحقيقة 0 وهذا ما يتضمن المزيد من الحركات الحسية والتدريبات الفعلية بحيث يصبح اللعب ملائماً بشكل تقريبي للحقيقة 0 ويصبح الطفل في الوقت نفسه أكثر مطابقة للمجتمع 0 وينتقل الطفل في الفترة الواقعة بين الثامنة والحادية عشرة إلى اللعب المحكوم بالنظم الجماعية الذي يحل محل ألعاب الإيهام الرمزية السابقة وعلى الرغم من أن هذه الألعاب التي تحكمها القواعد تتكيف اجتماعياً وتستمر حتى مرحلة البلوغ فإنها تظل وكأنها تمثل أكثر منها مواءمة للحقيقة 0

وتضفي نظرية بياجيه على اللعب وظيفة بيولوجية واضحة بوصفه تكراراً نشطاً وتدريباً يتمثل المواقف والخبرات الجديدة تمثلاً عقلياً وتقدم الوصف الملائم لنمو المناشط المتتابعة 0
مما تقدم نستخلص أن نظرية بياجيه في اللعب تقوم على ثلاثة افتراضات رئيسة :
1- إن النمو العقلي يسير في تسلسل محدد من الممكن تسريعه أو تأخيره ولكن التجربة لا يمكن أن تغيره وحدها 0
2- إن هذا التسلسل لا يكون مستمراً بل يتألف من مراحل يجب أن تتم كل مرحلة منها قبل أن تبدأ المرحلة المعرفية التالية 0
3- إن هذا التسلسل في النمو العقلي يمكن تفسيره اعتماداً على نوع العمليات المنطقية التي يشتمل عليها 0

التوفيق بين نظريات اللعب

إذا ما ألقينا نظرة فاحصة وجادة على النظريات السابقة فإننا نرى أن هذه النظريات في معظمها تكمل بعضها بعضاً 0 فنظرية الطاقة الزائدة ترى أن اللعب ليس مجرد تخلص من طاقة موجودة إنما يستفاد من هذه الطاقة في إعداد الكائن الحي للمستقبل 0
وفيما يتعلق بالنظرية التلخيصية فإن الفرد عندما يلعب يعبر عن دوافعه التي يشترك فيها مع من سبقوه في سلم التطور وبهذا يبدو كأنه يلخص نشاط الماضي ولكن هذا لا يدفعنا إلى الأخذ بالنظرية التلخيصية بعدها شرطاً من شروط النمو فالنمو يخضع لقوانين عامة تشترك فيها الأفراد والجماعات 0
والنظريتان التنفسية والتحليلية تشتركان مع بعض النظريات السابقة 0 فهناك تشابه كبير بين النظرية التنفيسية ونظرية الطاقة الزائدة غير أن الأمر ليس مجرد تنفيس عن انفعالات مكبوتة وإنما هو نشاط يؤدي إلى إعادة الاتزان في حياة الطفل 0
ويمكننا أن نرى أن الوظيفة الأساسية للعب هي الوظيفة الإعدادية أما الوظائف الأخرى فيمكن أن نعدها وظائف ثانوية 0 وعلى الرغم من أن هذه التفسيرات التي ذكرناها في بعض نظريات اللعب تظهر وكأنها مختلفة فإن معظم هؤلاء العلماء يؤكدون حقيقة واحدة تتمثل في أن اللعب يقوم في أساسه على الحاجات الغريزية البيولوجية أما رغبات الطفل وأهواؤه – حسب رأيهم – فتنشأ بصورة عفوية وتنضج مع نموه وتظهر في ألعابه بغض النظر عن الطريقة التي يربى وفقها وعن مكان عيشه ومن يقوم بهذه التربية
-انتهى-(منقول لعموم الفائدة )




تعليمية




[b][size=6]مواضيع متكاملة للاستفادة يجب قرائتها كلها وبتمعن …جزاك الله عنا خير الجزاء…
[/size][/b]




التصنيفات
علم النفس التربوي

– المراهقون و تحقيق الذات.


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المراهقون و تحقيق الذات

يتساءل الكبار عن ميول أبنائهم الاجتماعية بعد سن الطفولة ومقاربتهم
للبلوغ: لماذا يزهد المراهقون في التأسي بالكبار؟ ويرفضون سلطتهم ظاهرا
وباطنا؟ ولماذا يلجأ إلى جماعة الرفاق في تحديد ميوله وهواياته؟ وفي تحديد
شكل ملابسه وهندامه؟ وفي كيفية قضاء وقت فراغه؟
هل يحتاج المراهقون ـ فعلا ـ إلى الرفقة أو الجماعة، بحيث لا يمكن
الاستغناء عنهم، كضرورة صحية وتربوية؟ وما دور الرفقة في نمو شخصية
المراهق؟ ولماذا يغترب مع رفقته وينزوي عن المجتمع وتظهر عليه علامات
الجنوح أحيانا؟ ولماذا يمقت بعض المراهقين مجتمع الكبار ويثورون عليه،
ويخرجون على أعرافه ويوجدون أعرافا خاصة بهم في التعامل والتخاطب، وأنماط
اللباس وفي الاهتمامات والهوايات؟
هذه الأسئلة الكثيرة تكمن الإجابة عليها بمعرفة حالات النمو عند المراهقين وظروف هذا النمو الاجتماعية، والتي تتمثل في:
حالة المراهق وموقف الكبار:
يعيش المراهقون في حالة تبدل عضوي ومعرفي وانفعالي سريع ومتتابع، وهو تغير
بلا شك يقرب الإنسان من الرجولة أو الأنوثة، أي من مجتمع الكبار، ويبعد به
عن الطفولة، وهذا واضح في التحولات التي تطرأ على القدرات العقلية التي
تؤهله للفهم، والمحاكمة العقلية، وتساعده في القدرة على البحث والنقاش،
وإدراك وجهات نظر الآخرين. كما أنه واضح أيضا في التغيرات العضوية من
الزيادة في الطول والوزن وظهور الشعر ونمو الأعضاء التناسلية.
كل ذلك يؤذن ببداية رجولته واكتماله، ولكن كثيرا من الكبار يرفضون ذلك ،
أو لا يأبهون به، أو يصادمونه أحيانا. وهذا التصرف من الكبار يسئ إلى
المراهق ويؤدي به إلى خيبة أمل، وشك، أو يؤدي به إلى معاندة الكبار، ونبذ
سلطتهم، والارتماء في أحضان الرفقة، ويؤدي به أيضا إلى لضعف الارتباط أو
عدم الاعتراف بأعراف الكبار، ونظمهم، بل وإلى الثورة عليها ومحاربتها
باطنا أو ظاهرا.
المشاعر الجماعية:
حيث يحس المراهق بالحاجة إلى الانتماء إلى رفقة أو صحبة أو مجموعة تشاركه
مشاعره، وتعيش مرحلته، يبث إليهم آماله وآلامه، وأفراحه وأتراحه، ويبثون
إليه ذلك أيضا.. هذه الرفقة أو المجموعة تعنى بأحاسيسه ومطالبه، وتعمل
لإشباعها، وقد تنجح وقد تخفق.. لكن هذه الرفقة ـ أحياناـ تخلص لبعضها، ولو
في سبيل الشر، وتقوم على التعاون والتكامل فيما بينها. ولا يستغني معظم
المراهقين عن هذه الرفقة، لأنها مطلب حيوي، وحاجة نفسية ملحة تقتضيها
التغيرات الفجائية، والتحولات الجديدة والتي لا يجد المراهق الجواب عليها
في حال عزلته وانزوائه، ولا يحسن التعامل معها بمفرده؛ فيلجأ إلى رفاقه أو
أصحابه في مرحلته ومن أبناء سنه.
خصوصيات المراهق:
فهو يرى أنه ليس كالكبار، وخصوصا والديه الذين يفترقان عنه في السن
افتراقا كبيرا. ويتجه المراهق إلى أساليب مختلفة في نمط هندامه وأسلوب
حياته، وموضوعات اهتماماته، وفي أنواع الهوايات، وكيفيات قضاء وقت
الفراغ.. وهو حساس لمقارنته بكبار السن ـ في هذا الجانب، وله منظار خاص لا
ينتبه إليه كثير من الكبار.
تحقيق الذات:
إن محاولة تحقيق الذات وظيفة يمارسها الإنسان في شتى المراحل العمرية، كل
مرحلة بما يناسبها، وتجتمع كلها في مفهوم واحد هو: أن الإنسان يقوم
بالوظائف الملائمة لقدراته واستعداداته، ويمارس الأدوار المناسبة له،
والمتوقعة منه، وينتج عن ذلك الشعور بالقيمة والأهمية والإحساس بجدية
الحياة وغاياتها، أو ما يسمى تحقيق الذات.
والمراهق شاب يعيش مرحلة انتقال من الصبا إلى الرجولة مما يقتضي تغير
موقعه ووظيفته الأسرية والاجتماعية: من حيث طبيعتها ومستواها ومقدارها.
والمراهق يبتغي تحقيق ذاته واختبار قدراته وتفريغ طاقاته، وهو يريد أن
يبلو نفسه بممارسة الدور الاجتماعي، والقيام بالمسؤولية.. ومرحلته ومستوى
نضجه يقتضيان رفض البطالة، ونبذ الهامشية الاجتماعية التي يفرضها الكبار
عليه أحيانا. بل إن كثيرا من المراهقين يمقتون التبعية ويكرهون أن يكونوا
عالة على غيرهم، إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهم يسخرون داخل أنفسهم من
هذا التعامل، كما أن مشاعر اللوم ومقت النفس تراودهم وهم يرون أنفسهم تبعا
للكبار وعالة عليهم، وقد يموت هذا الإحساس أو يضعف إذا م يستغل في حينه،
بتوجيهه الوجهة الصحيحة واستثماره في تربية المراهق وتهذيبه.
إن الحاجة إلى تحقيق الذات مطلب نفسي مهم للمراهق، ينبع من داخل نفسه، من
أحاسيسه وهواجسه، ومشاعره المدعومة بالتحولات العضوية والمعرفية
والانفعالية التي يمر بها جسده وعقله وانفعالاته. وهو لا يحس بالتنفيس
عنها إلا إذا قام بالدور الاجتماعي المناسب، وتحمل المسؤولية، حسب مؤهلاته
وقدراته وطاقاته.
لكن المجتمع الحديث غالبا ما يواجهه بنكران شديد، وإهمال بالغ. وغالبا ما
تكون مشاعر ومواقف الكبارـ كالآباء والأمهات والمدرسين والأخوة الكبارـ
مخيبة لآمال المراهقين قولا وعملا؛ فهم لا يأبهون بأن يحقق المراهق ذاته،
من خلال استغلال طاقاته ومنحة للمسؤولية وعزو الوظائف المناسبة إليه.
بل إن الكبار ـ أحيانا ـ يسخرون من المراهقين، ويحتقرونهم أن يقوموا بمثل
ذلك، ويتجه بعض الكبار إلى عدم الثقة بالمراهقين والمراهقات، وعدم
الاطمئنان إلى ما يتولونه من أعمال، ويشعرونهم بذلك بطرق مباشرة أو غير
مباشرة من خلال عزلهم عن ممارسة الأدوار المناسبة ومنعهم من تحمل
المسؤولية، وصرف أعمال هامشية أو تكميلية إليهم أو أنشطة ترفيهية .
ويقوم الأعم الأغلب من الآباء بتوجيه أبنائهم إلى الدراسة وتفريغهم لذلك
تماما، والاستغناء بذلك عن تكليفهم بأي أعمال أو مهمات تحقق ذاتيتهم،
وتشعرهم بشيء من الاستقلالية وتبرز شخصياتهم، وتصقل قدراتهم الاجتماعية.
ويقوم النظام الاجتماعي والتربوي الحديث بتطويل فترة الطفولة والاعتماد
على الغير حيث لا ينتهي الفرد من التعليم العام إلا في سن الثامنة عشر، ثم
عليه أن يستمر في الجامعة إلى سن الثالثة والعشرين، وهو في كل ذلك تابع
وعالة على المجتمع ماليا، واجتماعيا لا عمل له سوى الاستقبال فقط.
إن المجتمع بذلك يصادم متطلبات تلك المرحلة وحاجاتها الطبيعية مما يؤدي
أحيانا إلى انحراف المراهق أو ضياعه أو سلبيته، أو إخفاقه في حياته، وفي
أقل الحالات يؤدي إلى إهدار طاقاته وتعطيل قدراته .
وهكذا كلما اصطدمنا بالفطرة وبطبيعة النفس البشرية ارتفع معدل الوقوع في الانحراف.
إن هذا الكلام السابق يجعلنا نعترف بعظمة الإسلام حين اهتم بتحقيق ذاتية
المسلم المراهق حين أمر بتعويد الطفل منذ صغره على العبادات والتأكيد على
ذلك خصوصا حين اقتراب مرحلة المراهقة، ثم عند البلوغ يكلف الإنسان
بالتكاليف الشرعية ويحمل مسؤولية نفسه في عباداته ومعاملاته وتصرفاته
المختلفة.. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأذن بالجهاد في سبيل الله

وهو من أشق المهام وأصعبها لمن بلغ الحلم من الفتيان.. وهو ما يقودنا إلى
الحديث عن أهمية العبادات في حياة المراهقين وهذا ما نعالجه في مقال آخر
إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقول




شكر جزيلا على معلومات




ممكن المساعدة في الحصول على مصادر تنظيم الذات




شكرا رغم اني لم افهم جيدا




أعيدي قراءة الموضوع بتمعن وستفهمين.