التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

اختبار الفلسفة الفصل الاول سنة ثالثة ثانوي

تعليمية تعليمية
الإختبار الأول في الفلسفة

الموضوع الأول:إذا افترضنا الأطروحة القائلة(الإنسان حيوانيتنفس) أطروحة صحيحة في نظر أصحابها،وتقرر لديك تفنيدها وإبطالها ،فما عساك أن تفعل؟

الموضوع الثاني: (النص)
من أراد – مهما كان- أن يكون بالفعل فيلسوفا وجب عليه "مرة في حياته" أن ينطوي على نفسه وينسحب داخلها، ويحاول قلب كل العلوم المقلوبة حتى الآن، ساعيا إلى إعادة بنائها.إن الفلسفة أو قل الحكمة –إن شئتم ،قضية الفيلسوف الشخصية .يجب أن تتأسس باعتبارها له هو، وحكمته هو ،وعلمه هو الذي-على الرغم من نزوعه إلى العالمية –اكتسبه هو ،وهو الذي يجب أن يكون قادرا على تبريره منذ الأصل ،وكذا الأمر بالنسبة إلى كل مرحلة من مراحله،معتمدا في ذلك، على حدوسه المطلقة .وبما أنني قررت النزوع نحو هذه الغاية –وهو قرار ينفرد وحده ،بالقدرة على أن يأخذني إلى الحياة والى التطور الفلسفي – نذرت على نفسي الفقر فيما يتعلق بالمعرفة .وعندئذ،أضحى من الواضح أنه لا بد لي من أن أسأل نفسي ،كيف أستطيع أن أجد منهجا قادرا على منحي الخطة التي اتبعها للوصول إلى المعرفة الحقة؟
هســـرل

اكتب مقالا فلسفيا حول مضمون النص.

تعليمية تعليمية




شكرا جزيلا أستاذتنا الفاضلة ………ما نرجوه هو تقديم تصميم إن امكن لهذه الموضوعات حتى تعم الفائدة.




تعليمية تعليمية
أكيد ستتبع الإختبارات تصاميم أو إجابات نموذجية . لكن قبل ذلك يجب أن نترك لأبنائنا فرصة المحاولة أولا
تعليمية تعليمية




شكرا شكرا شكرا

روعة روعة روعة

نحبكم في الله




جزاك الله خيراااااا




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

مقدمة الشعور بالانا والشعور بالغير ع تجريبية للبكالوريا 2022 حصري على المنتدى

السلام عليكم

تفضلوو مقدمة خاصة بالشعور بالانا والشعور بالغير

للتحميل من الاسفل

http://www.mediafire.com/?p6vr6h2uxbgc2ue

عند النقل ارجو المصدر منتديات خنشلة التعليمية

ارجوو وضع رد لتحميل المزيد

مع تمنياتي بالتوفيق لجميع طلاب البكالوريا




ماشاء الله عليك نشاط متواصل
ربي يحفظك ويكون ماقدمتي في ميزان حسناتك
بالتوفيق بعون الله




شكرا لك اختي

ونترقب المزيد

مواضيعك كلها غاية في الروعة




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة general تعليمية
ماشاء الله عليك نشاط متواصل
ربي يحفظك ويكون ماقدمتي في ميزان حسناتك
بالتوفيق بعون الله
امين وشكرا لك كثيرا سيدي الجنرال على المرور

نورت صفحتي

جزاك الله خيرا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sasuke تعليمية
شكرا لك اختي

ونترقب المزيد

مواضيعك كلها غاية في الروعة

العفو اخي وشكرا لك على المرور

نورت صفحتي




من فضلك أختي الغزالة أعيدي رفعها أو انسخيها لأن الرابط لا يعمل رجااااااااااءا
بارك الله فيك




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

مقالات جدلية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقالة جدلية: الشعور بالأنا و الشعور بالغير.
<h5 class="uiStreamMessage user40404040404040Wrapper " data-ft="{&quot;type&quot;:1,& quot;tn&quot;:&quot;K&quo t;}">طرح الإشكال: كلما كبرالشخص اتسعت دائرة الغير لديه لان الطبيعة الانسانية تفرض عليه ذلك التعامل مع هذا الغير والغير منظم داخل مجتمع يفرض بدوره توحد الانا و الانسجام معهفي نمه وقيمه اعرافه ومعتقداته.اذ تعرف الانا بانها عين الشيئ ونفسه اما فلسفيا فتعرف بانها جوهر قائم بذاته ثابت رغم تعرضه للغير .واذ ترى المدرسة الجدلية لقابريال مارسيل انني اتعرف على ذاتي بإستقلالي وانفصالي عن الغير بينما ترى المدرسة العقلية و الوجودية ان تعرفي على ذاتي من خلال توحدي مع الغير .فهل فعلا يعتبر الغير مناقض لذاتي وعلي الحذر منه للمحافظة على استقلالي و وجودي ؟ ام ان اناي لا وجود لها الا بوجود الغير والتوحد معه ؟
محاولة حل الاشكال:أ) عرض الاطروحة : ( اتعرف على ذاتي لا يتم الا بالانفصال واستقلالي على الاخر)
يمثل الاطروحة مارسيل قابريل و هيج لاذ ترى المدرسة الجدلية ان التناقض و التنافر مع الغير هو الذي يحقق لنا القدرة على التعرف عن ذواتنا و اثباتها.
ضبط الحجة :1- يقول قابريل مارسيل تتعرف الانا على ذاتها عندما انفصل و تعزل نفسها عن الغير "أضع نفسي داخل دائرة أشكلها بنفسي لنفسي أما الغير أعامله مثل أنت ليس مثل أنا أو هو ذلك يزيدني تفردا باناي مستقلة عن الغير ومتوحدة فيما يبنها وليس مع الغير.
2-يقول هيجل في جدليته بين السيد والعبد (هناك شخصان تصارعا تغلب احدهم على الاخر و لم يشئ ان يقتله بل ابقاه و سيد نفسه عليه فإظطر العبد الى التعامل مع الطبيعة حتى يرضي السيد و ابتعد اليس عن الطبغة وبمرور الوقت اصبح السيد هو العبد و العبد و السيد لانه اتصل بالطبيعة فتحرر منها و من السيد لاكن السبد اصبح حبيسها و لولا هذا التناقض مع الغير و صراعه معهتعرف العبد على اناه.
نقد الحجة: لو لم يستعبد السيد الشخص المغلوب لما استطاع التحرر من جهله ومعرفة اناه بمعنى ان وجود الغير و توحده مع الانا هو الذي يدفع بالانا الى البحث و المعرفة و بهذا تتعرف على ذاتها و بدون ذلك تبقى الانا جاهلة لذاتها .
ب) عرض نقيض الاطروحة: ( اتعرف على ذاتي من خلال توجدي مع الغير)
يمثل الاطروحة ماكس شيلر اللمدرسة العقلية و الوجودية حيث تعتبر ان ان وجود الغير ضروري لمعرفة انا لذاتها بشرط التوحد مع الغير معتمدت على مسلماتها * الوعي ضروري لتعرف الانا عن ذاتها كما ان الغير ايضا ضروري لمعرفتي لذاتي.
ضبط الحجة :1- يرى ديكارت ان الوعي هو الذي يمكني من التعرف عن ذاتي ويؤكد ذلك من خلال ما يسمى "بالكوجيطو الديكارتي "( أنا افكر اذن انا موجود) فالفكر هو الذي يجعلنا نتعرف على ذواتنا منفصلة و مستقلة عن الغير و متوحدة معه في نفس الوقت لانها بحاجة ماسة للغير .
2- يساند سارتر زعيم الوجودية الملحدة موقف ديكارت اذ يقول "الغير هو الجحيم" لانه ضروري لمعرفة بذاتي فالحرية هي اساس شعور الانا بو جودها لكن ضد الوجود لا يتحقق الا في اطار تواجد الغير . فرغم ان هذا الغير يقلص من حريتي الا ان هذا التقليص يشعرني بالمسؤولية فعندما اختار لنفسي فانني اختار لجميع الناس لهذا فالانا في حركة تجاذب دائمة مع الغير .
3-اعتبر ماكس شيلر ان التعاطف مع الغير هو الذي يبني العلاقات الاجتماعية و الانسانبة وبالتالي تستطيع الانا التعرف على ذاتها و يسانده بر وكسون اذ يرى ان اللغة غير صالحة للتعبير عن الشعور فهي غير دقيقة في وصف مشلعرنا لهذا كثرا ما نفول انني لا اجد العبارات التي تصف مشاعر فتتجلى في الرسم والمسرح والايماء.
ج) التركيب : ( تغليب موقف على اخر )
الغير يفرض الانا اذ يرى فيها تقيدنا لحريتةه فهي تسعى للاستقلال و اثبات الذات بينما يسعى الغير الى تنظيم العلاقات وفق القوانين و صارمة فتشعر الانا بالظلم و باستغلال حقوقها فتتوحد معه فتنشأ علاقة تنافر بينهما لهذا تصف الان الغير بانه الضد لان اللاشياء تعرف باضدادها فلولا الشر ما عرفنا الخير و لولا المضرة لما عرفنا المنفعة…
حل الاشكال : اذا كانت الانا و الغيرقد شكلت اشكاليات فلسفية صعب التعامل مها فالمجتمعات الانسانية في تركيبتها الطبقية عانة الكثير من اشكالية الانا و الغير و اهم الثورات التي عبر عن هذه المعانات هي الثورة الفرنسية شعارها (الاخوة_ المساواة_ الحرية ) و رغم تطولر الطبة البائسة كما سماها فيكتور ايجو في كتابه بؤشاء الارض فقد قاد مثل هذه الثورة جون جاك روسوا لكن الاسلام قضى على ذلك الصراع بين الانا و الغير عندما حدّد حرية الانا و الطار الذي يتحرك فيه الغير و رفض ان تكون العادات و التقاليد هي الحاكم المسيطر في علاقة الانا و الغير بل التشريع الاسلام هو الذي يجب ان يحكم هذه العلاقة و بذلك انهى هيمنة المجتمع على الفرد و منح له اطارا واسعا للحرية التي تجعل منه شخصا مبدعا ( الانا توجد بوجود الغبر . و الغير لا وجود له الا بالانا ) فئنشأ بذلك أكبر امبراطورية اسلامية .و اليوم مثل’ الو .م. أ).
مقالة جدلية: الحرية و المشؤولية
طرح الاشكال: كل شخص يعبر عن نفسه بلفظ انا وهذا التعريف يحمل وعيا بعالمها الداخلي اي شعور هذه الذات بما تعمله من رغبات و ميول الى الظهور في شكل سلوك يسمى سلوك حر و ان الفرد يغيش داخل مجتكع منظم بالعرف و العادات و التقاليد بحيث يعتبر الفرد مسؤولا داخلجماعته.اذ تعرف الحرية بانها قضية ميتافيزيقية لانها مجرد شعور للفرد برغباة الذاتية و بقدرته على الاختيار في عدّة ممكنات و بقدرته على الاستقلالية في قراراته و سلوكاته في حين تعرف المسؤولية بانها الحاق الاقتضاء بصاحبه من حيث هو فاعله اي الحاق تبعية و ما ينتج عن السلوك الحر بصاحبه من حيث هو القائم بــه. اذ نلاحظ من خلال التعريفين انه هناك تعارض بينهما مما دفع بالمدارس الفلسفية وعلماء الاجرام و علماء النفس على اعتبار المسؤولية منافية للحرية الفردية بينما ترى المدرسة العقلية و الوجودية ان المسؤولية تشترط الحرية و الحرية تشترط المسؤولية فهما يتوحدان معا في سلوك الانسان. فاذاكانت المسؤولية تاخذ طابع الالزام و الالتزام و الحرية تتحرر من الالزام فهلا هذا يسمح لنا باعتبار المسؤولية تتنافى والحرية ؟ ام ان هذا التعارض بينهما غير حقيقي لايحدث تنافر بينهما و بالتالي لا يمنع توحدهما ؟
محاولة حل الأشكال:عرض الاطروحة (المسؤولية تتنافى والحرية و تتعارض معها)
يمثل الاطروحة المدرسة الاختماعية لدوركهايم و فيري و المدرسة النفسية لـ فرويده حيث ترى ان المسؤولية تتنافى و الحرية و تعيقها معتمدت على مسلماتها :
– الانسان ابن بيئته و هو خاضع لحتمية اجتماعية تفرض عليه تحمل المسؤولية
– يتعرض الطفل الى عملية كبت لرغباته الداخلية ويصéبح سلوكه نسخة عن المجنمع
ضبط الحجة: 1- يعتقد دوركهايم ان المجتمع هو الذي يحدد نمط سلوكاتنا لاننا نولد ضعفاء و نجد المجتمع منظم تنظبما صارما في قوانينه و نظمه واعرافه التي تنقل الينا عن طريق الاسرة بالتربية و التلقين و عندما نبلغ سن الرشد يكون سلوكنا مجلاد اجترار لما تلقيناه من قيم سابقا حيث نعتقد اننا ناتي سلوكاتنا بانفسنا لاكن الحقيقة تعبر ما يرغب فيه المجتمع اي الخروج عن القيم الاجتماعية يتحمل الفرد مسؤوليته عنها اذا يجب ان تكون القوانين صارمة بمعاقبة الفرد فالمسؤولية الاجتماعية تجعلنا جزء من المجتمع تعاقبنا معنويا بالعرف و ماديا بالقانون فالوسؤولية تتنافى و الحرية.
2- يقسم فرويده الجهاز النفسي الى :
1- الهو ID : اين توجد الرغبات الذاتية و الميول و كل لبدوافع النفسية التي معنا لهذا الهو مستودع الطاقة النفسية.
2- الانا Ego :هي الذات الواعية التي تشعر بعالمها الداخلي اذا كل شخص يشير الى نفسه بلفظ انا .و هي محكمــة داخلية.
3- الانا الاعلى souper ego : هي القيم الاخلاقية والمعاير الاجتماعية و المعتقدات و كل مايؤمن به المجتمع.
تسقط الرغبة الذاتية من اله والى الانا في نفس الوقت تتلقى الانا من الانا الاعى قيم اجتماعية . اذا حدث توافق بين ما يرغب فيه الفرد و مايرغب فيه المجتمع فام الانا تسمح للرغبة الذاتية بالتعبير عن نفسها بشكل سلوك اما اذا حدث تعارض بينهما يحدث الصراع داخل الانا ينتهي بحكم الانا الاعلى الاقوى( المجتع) فتعمل النا على الرغبة الذاتية الى اللاشعور حيث تكبت مما يعني ان المسؤولية الاجتماعية تتنافى و الحرية الفردية.
نقد الحجة : اعتبر دوركهايم ان خروج الفرد على قوانين الاجتماعية يعرضه للعقاب لانه يتحمل المسؤولية هذا الخروج و هذا يؤكد الحرية ولا ينفيها لانا الخروج عن القوانين هو الاختيار و لا يتم الاختيار الا بالحرية.
عرض نقيض الاطروحة 🙁 المسؤولية تشترط الحرية و تتوحد معها )
يمثل الاطروحة المدرسة العقلية لـ افلاطون و المعتزلة والمدرسة الوجودية لسارتر وكانط ترى ان المسؤولية تشترط الحرية و تتوحد معها معتمدت على مسلماتها :
– لا يكون الانسنان مسؤولا الا اذا كان حرا و اذا سقطت الحرية سقطت عنه المسؤولية.
– اذا كانت الحرية حق طبيعي يولد مع الانسان فهو يولد ايضا مسؤولا.
ضبط الحجة : 1- يقول سارتر (ان الانسان لايوجد اولا ثم يكون حرّا بل هو الكائن الوحيد الذي يولد حرّاو ذلك يضطر الى الاختيار و اثناء عملية الاختبار يكون قد حدد مسؤوليته)
2- يقول المعتزلة ( الانسان يولد حرّ و يملك القدر على التميز بين الخير والشر و عليه فاذا اختار الشر فهو ممسؤول عن اختياره).
3- يقول كانط (اذا كان يجب عليك فانت تستطيع فالاستطاعة تعني القدرة على الاختيار بين القيام بالفع و التخلي عنه مما يعني ان الواجب الاخلاقي الذي مصدره الضمير يجعلنا مسؤولين عن اختيارتنا)
4-و يعتمد افلاطون في اسطورة الجندي (آر) الذي مات في ساحة الشرف اذ يعود الى الحياة من جديد و يروي الاشياء التي تمكن من رايتها في الجحيم حيث ان الاموات يطالبون بان يختاروا بمحض ارادتهم تقمصهم القادم وبعد ان يختارو يشربوا من نهر النسيان (ليثــه) ثم يعودون الى الارض حيث قد نسوا بانهم هم الذين اختاروا مصيرهم و ياخذون باتهام القضاء والقدر في حين ان الله بريئ .
نقد الحجة : تتكلم المدرس السابقة عن حرية انسانية مسبقة لكن في الواقع الانساني يواجه حتميات و عوائق مختلفة قد يتغلب عليها مما يعني ان المسؤولية ليست مرتبطة بالحرية .فاذا كان الانسانحرا فحريته محدودة مما يسقط عليه احبانا المسؤوليةرغم ممارسته لحريته.
التركيب: تغلــيب موقف على اخر.

اذا كان النسان بطبيعته حرّاو في المقابل كانت هناك حتميات نفسية فيزيولوجية فيزيائية و اجتماعية فان الحرية قائمة على الارادة اي ان الانسان يملك بالفطرة القدرة على مقاومة المختميات و مواجهة الصعاب فاذا استسلم و لم يقاوم قهذا خطأ ولا يلغي عليه المسؤولية بل تبقى قائمة فالطالب الذي يعلم انه متوجه الى الامتحان دون ان يسلح نفسه بالاجتهاد و يستسلم لحتمية حب الراحة فان ذلك لا يلغي عليه مسؤوليته في الفشل
حل الاشكال:يمر الفعل الارادي الحر بمراحل هي : شعور الفرد برغبته ..المداولة الذهنية..اتخاذ القرار ..و هذا مايسمى تثبية النية او القصد الى الفعل الذي يعتبر شرط من شروط المسؤولية.
اما شروط المسؤولية: الوعي (المعرفة) .. العقل (التميز).. الحرية ..مما يعني ان الفرد لا يكون مسؤولا الا اذا سلوكه حرا فنستنتج ان الحرية تشترط المسؤولية في القصد الى الفعل و المسؤولية تشترط الحرية فهما يتوحدان رغم ان الحرية تشير الى عدم التقيد م المسؤولية تشير الى التقيد.
——————————————–

مقالة جدلية : نفي واثبا ت الحرية
طرح الاشكال: تعاني مجتمعات اليوم من انتشار ظاهرة العنف التي لم تعرفها المجتمعات القديمة و يرجع شبب ذلك الى المساس بالحريات. اذ تعرف الحرية بانها قضية ميتافيزيقي لان شعور الفرد برغباته الذاتية على الاختيار بين عدّة ممكنات و بقدرته على الاستقلالية .اذ نلاحض من خلال التعريف ان الحرية لا وجود لها على المستوى العملي (السلوك) وهذا ماجعل اراء الفلاسفة تتضارب في وجودها الحقيقي فالمدرسة الجبرية و المدافين على الحتميات يعتبرونها مجلرد شعور وهمي.و على خلاف ذلك ترى المدرسة الوجودية (دعاة العقل) ان الحرية موجودة فعلا و اذا كانت قضية ميتافيزيقية فذلك ضروري لتتجسد في السلوك لان مصدرها الفرد . فهل نحن فعلا احرار امام كل تلك الحتميات التييعجز شعورنا بالحرية على مواجهتها؟
محاولة حل الاشكال : عرض الاطروحة: (الحرية مجرد شعور وهمي)يمثل الاطروحة المدرسة الجبرية العربية ل جهم ابن ابي صفوان و الجبرية الاوروبية ل سبينوزا التي تجد دعما لدى كل الحتميات النفسية لفرويد و الفيزيولوجية والفيزيائية والاجتماعية لدوركهايم . اذ تعتبر ان الحريةلاو جود لها فهي مجرد وهم بداخلنا يعجز عن مقاومة ذلك الكم المتزايد من الحتميات و التي اهمها الميتافيزيقية فاذا كان الانسان يستطيع مواجهة الحتميات فهو عاجز عن مواجهة القضاء و القدر.
ضبط الحجة : 1- تثبت الجبرة نفي الحرية اعتمادا على التفسير الظاهري للاية القرانية في قوله تعالى:"ومارميت اذا رميت انما الله رمى".وقال ايضا"وقل كل مايصيبنا الا ماكتبه الله لنا".ومنه تاكد ان الله هو صانع افعالنا.
2- يثبت فروي دان الانسان ليس حرا لان هناك حتمية نفسية تدفعه للقيام بسلوك و هو يعتقد انه ياتي افعاله وفق ارادته الحرة لاكنا للشعور هو الذي يملي عيه سلوكاته
3-يثبت الفيزيائيون ان الطبيعة تخضع لنظام ثابت هو القنون الفيزيائي و بما ان الانسان جزء من هذه الطبيعة فهو يخضع بالضرورة الى هذا القانون الفيزيائي الثابت ولا يستطيع الخروج عليه مثل : لايستطيع العيش بمنطقة خالية من الجاذبية والاكسجين.
4-يعتقد الفيزيولوجيون اننا نعيش تحت رحمة غددنا الصماء (الغدّ الدرقة) زيادة افرازاتها تؤدي الى سرعة التهيج و القابلية الشديد للاستثارة نحو اي مثار كما يكون الشخص شره للاكل ونحيف في نفس الوقت اما نقص افرازاتها فيؤدي الى بطئ للاستجابة الانفعالية وبلادة في التفكي.
5-اما المدرسة الاجتماعية ترى ان الانسان يولد طفلا ضعيفا و يجد المجنمع منظما تنظيما صارما في قوانينه ومعتقداته وكل ذلك يلقن بالتربية واتنسأة الجتماعية و عندما يبلغ سن الرشد يعتقد انه ياتي بافعاله وفق ارادته الحرّ لاكنه في الحقيقة هو يجتر فقط ما تلقاه سابقا من قيم اجتماعية تظهر في سلوكه.
6-اما البيولوجيون فيعتقدون ان الانسان يحلم و يطمح لتحقيق طموحه لاكن جسمه يمنهه من تحقيق ذلك .
نقد الحجة :اذا كانت الحتمية ايّ كان نوعها تفق ضدّ رغبات الفرد فان ذلك ياكد الحرية و لا ينفيها لان الاشياء تعرف باضدادها فكذلك لولا الحتمية لما عرف الانسان ان له رغبات يرغب في تحقيقها فمقابل الحتمية يوجد الارادة النفسية في التحرر من هذه الحتميات.
عرض نقيض الاطروحة :(الحرية حقيقة ثابتة)
يمثل الاطروحة المعتزلة و سارتر المدرسة الوجودية و ديكارت حيث ترى ان الحرية طبيعة انسانية فوجد الانسان يعني وجود حرية و الحرية تساوي الانسان و ياكدون موقفهم من خلال مسلمات .
-الانسان هو الكائن الوحيد الواعي بوجوده
– نفي الحرية هو نفي للوجود الانساني.
ضبط الحجة: 1-تقف المعتزلة ضد الجبرية حيث تثبت حرية الانسان من خلال 3 براهين.البرهان النفسي و البرهان الاخلاقي والبرهان الميتافيزيقي.
2- اما سارتر يثبت الحرية المطلقة في ذاته و هي مواضع العلم الخارجي التي خلق الله لها وضيفتها ثم خلقها الوجود لذاته و هو الانسان حيث خلقه الله دون ان يحدد لع ماهية (الوضيفة) ثم قذب به في هذا الكون و تركه دون عون الاهي فاظطر الانسان ان يكونحرا حرية مطلقة حتي يستطيع تحديد وظيفته في الحياة و لهذا الحرية صفات الزامية فالانسان مضطر ان يكون حرّا.وذاتية منبعها الشعور.شاملة فلا يكون حرا مرّ و عبدا مرّة اخرى.مطلقةعندما اختار لنفسي اختار لجميع الناس لهذا فهي تصنع ماهية الانسان لذا يجب ان تكون مطلقة.لازمة للعمل فلا يكون حرّا الا من يعمل فالحرية تسلوي العمل و العمل يساوي الحرية.
3-ديكارت يثبت الحرية في الشعور اذ يرى ان تجربة الشعور كافية لإثبات إننا أحرار فان مرة بنا لحظات يومية شعرنا فيها برغباتنا الذاتية باننا اصحاب القرار و اصحاب السلوك
نقد الحجة : اعتمد الحجج 3 على فكرة الشعور لاثبات الحرية فالسكير و العبد كلاهما يشعر انه حر لاكن في الحقيقة كلاهما قيد للحلرية لهذا لايمكن الاعتماد على الشعور لاثبات الحرية كما انه لا توجد مطلقة اذا لو كانت كذلك يقال الانسان للشيء كن فيكون لاكنته يقاوم ويعمل و يجتهد و في النهاية قد يتغلب على الحتمية و قد تتغلب عليه.
التركيب :(التوزفيق بين الموقفين)تغير الحية من أفدم المواضيع الذي عالجها الفلاسفة فإذ كان الوصف الادبي البسيط الا انها عند الفلاسفة من اكبر المواضيع تعقيدا و ينتهي ابن رشد ذلك الصراع اذا يضع الحتمية شرط لوجود الحرية القضاء والقدر لا يعني اننا لسنا احرار فالمعرفة اللاهية مطلقة لهذا دوّن الله كل افعالنا قبل وجودنا و ذلك مايسمى بالقضء و القدر المكتوب يثبت الحرية و لاينفيها اما القدر فهو تلك الحكمة اللاهية إلي تحمينا و تختبرنا مثل: الفلاح عندما يجتهد طيلة الموسم الزراعي وعندما يقوم بجني المحصول يحدث فيضان و يتلف المحصول و تلك الخسارة ليس مسؤولا عنها وهذا مايثبت ايضا ان حريتنا محدودة.
حل الاشكال : لم تعد قضية نفي و اثبات الحرية هي الاشكاية القائمة الا ان اذا اتفق الفلاسفة على وجود الحرية كطبيعة انسانية لاكنهم يبحثون عن طرق تحقيقها و ممارستها في الواقع كممارسة شخصية اجتماعية وسياسية وحضارية.

;} –>
مقالة جدلية :اللغة الانسانية و الحيوان
طرح الاشكال : الطبيعة البيولوجية المشتركة بين الانسان والحيوان تجعلهما بحاجة ذائمة للتواصل و كان هذا التواصل عند الانسان ما يسمى باللغة.اذ تعرّف اللغة حسب لالاند بانها مجموعة اصوات ورموز تستخدم بهدف التواصل و يعرّفها الجرجني ما يسعتخدمه قوم لتحقيق اغراضهم .رغم بساط التعريف اللغة الا ان المدارس الليسانية اختلفت فيما اذا كان للحيوان للغة تماثل لغة الانسان .وهذا ما تؤّكده المدرسة الفيزيولويجة لـ فان فريت شاما المدرسة الليسانية المعاصرة لي ذو سوسير و ارنست كاسير المدرسة العقلية ان اللغة خاصية انسانية.فهل فعلا التواصل المشترك بين الانسان و الحيوان يسمح لنا بقول ان للحيوان لغة كما اكدّ فون فريتش؟ام ان اللغة خاصية انسانية كونها تتميز بالوعي؟
محاولة حل الاشكال:عرض الاطروحة: (للحيوان لغة تماثل لغة الانسان)يمثل الاطروحة الفيزيولوجي فون فريتش و المدرسة اللسانية القديمة لـ افلاطون و الالية للروسيى بافلوف و المدرسة السلوكية لـ ثرون دايك و واسطن . اذ ترا ان للحيوان لغة تماثل لغة الانسان فقط لا نفهمها.
ضبط الحجة: J يعتبر افلاطون ان اصل نشوء اللغة عند الانسان هو تقليدي لاصوات ورموز و الاشارت المتواجدة في الطبيعة بما فيه اصوات الحيوان وهذا التقليد هو الذي ساعده على التاصل فاكتسب لفة من الطبيعة ومن الحيوان.
J ابحاث الفيزيولوجين المعاصرين تؤكد موقف افلاطون اذ اكد عالم الحيوان كارل فون فريتش من خلال تجاربه على عالم النحل ان الحيوان يملك لغة لم نستطع بعد فكّ رموزها فاذا وجد النحل مكان الطعام فانه يقوم برقصات وحركات دائرية تفهم من خلالها العاملات مكان الطعام و بعده عن الخلية كما اكدّ ان الببغاء يملك القدر على الكلام والتخاطب.
J الاية القرانية من سورة النمل الاية 18 , قال الله تعالى : (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ). تثبت ان للنمل لغة تخاطب و بالتلي فهو يملك لغة تماثل لغة الانسان .
J اما الدراسة النفسية المعاصرة اثبت فيها الفيزيولوجيون (الالية) ان للحيوان قدرة على التعلم تماثل قدرة الانسان.
نفقد الحجة : اذا ما اعتبرنا ان للنحل لغة تماثل لغة الانسان فهي ثابتة تفتقر لكثير من الخصائص تعتمد عل الرموز و الاشارات بينما لغة الانسان تخاطبية متغيرة ومتعددة فأغراضها تتجاوز البيولوجية لا يمكن ان نعتبر ان للحيوان لغة تماثل الانسان.
عرض نقيض الاطروحة :(اللغة خاصية انسانية ) يمثل الاطروحة ديكارت واريسطو المدرسة الليسانية المعاصر ل ذي سوسير و ارنست كاسير ترى ان اللغة خاصية انسانية لها خصائص تجعلها بعيدة عن متناول الحيوان.
ضبط الحجةJ يقول اريسطو (النسان الكائن الوحيد القادر على ترجمة افكاره و مشاعره الى رموز و عبارات مفهومة له و لمجتمعه )
J و على هذا اعتبار وضع باحثي اللغة الذين سميوا قديما اللغوين و يسمون اليوم باللسانين مجوعة من الخصائص تميز اللغة النانسانية عن غيرها
-متعددة ومتنوعة لتنوع ثقافات شعوب العالم
-متجدّدة ابداعية فهي حركة في حركة ديناميكية مستمرة بدات بالحجة البيولوجية الى الحاجة النفسية الانفعالية كما تعبر عن العلوم
-اذاكانت اللغة وسيلة التواصل فهي عبارة عن ألفاظ يتم النطق بها فتتحول الى اصوات كلامية يحرف الجرجني اللغة (هي الكلمات يعبربها القوم عن اغراضهم) اما قاموس larousse الفرنسي يحدد الغة4040404040404040 المشتقة من اللاتينية langua التي تعني الكلام و الخطاب اما الكلمة اليوناية logos فهي تستخدم لعدّة معاني كاللسان الكلام الخطاب العقل لهذا اللفظ يتكون من دال و مدلول.
-نلك داخل اللغة القدرة على إظهار المعنى و إخفائه كما تستطيع كل جماعة ان تنشئ مصطلحات تفاهم خاصة بها الكلمة الواحدة تغير معناه بمجرد تغير حركتها (مُعلم/معلم…عالم/عالم)
نقد الحجة:اذا كانت اللغة خاصية انسانية تتميز كونها لفظية تنطق من خلال اصوات فالببغاء يقوم بنفس العملية واذاكانت مركبت من مجموعة فوني مات و مورفي مات فالآلة الموسيقية تصدر أيضا أصوات وفق نوطات.مما يعني ان اللغة ليست خاصية انسانية.
التركيب: (تغلبي موقف على أخر) الأصوات ليس لها أي علاقة بالغة فالآلة الموسيقية تصدر أيضا أصوات لاكن ليست لغة كما إن الإنسان الأول قبل أن ينشى لنفسه لغة اصدر أصوات للتواصل مقلدا ما في الطبيعة ولم يعرف اللغة الا عندا أنشى الأبجدية كلاميا و انشئ منها الألفاظ هي الكلمات ثم عبارات
حل الاشكال: للغة مجموعة خصائص لو بحثنا عنها في التواصل الحيواني لنجد منها :
1-تأدية وظيفة التواصل فاي تجمع يحتاج الى التواصل. 2- تستخدم تعبيرات الوجه و رموز و اشارات .
3- إصدار أصوات … وهذه الخصائص المشتركة يستطيع الإنسان الاستعاضة عنها بكلمات بسيطة او جمل اما الحيوان يبقى ثابتة الاجهزة مشتركة بينهما مما يعني ان اللغ حالة وعي يقول : (وسدروف) في تجربة العلماء على الطفل والقرد انهما يتساوى طفل مع القرد في تعبيرات لاكن بمجرد ان ينطق الطفل او كلمة يدخل عالم الانسانية ويبقى القرد حبيس حياة البيولوجية ويأكد ديكارت (الببغاء يتكلم لاكن لا يعي مايقول لانها مجرد غريزة) ومنه اللغة خاصية انسانية.

مقالة جدلية :العنف و التسامح
طرح الإشكال : تعتبر القوانين والتشريعات و حتى التشريعات السماوية .أكثر ما تلجأ اليه المجتمعات لتنظيم العلاقات بين افرادها رغم ذلك ملاحظ ان السسلوك الإجرامي الذي لم ولا يخلو منه اي مجتمع يتنافى اليوم ويأخذ أشكال متخفية فيما يسمى العنف .اذ يعرف العنف بانه كل عمل يضغط به شخص على ارادة الغير لسبب وأخر و ذلك يستوجب استخدام القوة التي تنتهي بالتسلط على الغير و تحطيمه. وهو على نوعين مادي : إلحاق الضرر بالجسد أو الممتلكات اما العنف المعنوي أو الرمزي : كالمس بكرامة الغير معتقداته و إهانته و إذلاله او ابتزازه. إلا ان الفلاسفة و علماء الاجرام وعلماء النفس و الاجتماع اختلفوا حول مشروعية العنف . فمنهم من اعتبره ظاهرة ايجابية لها مبرراتها الطبيعية . وهنال من اعتبرها ظاهرة مرضية سلبية لا يؤدي الا الى لدمار .فذا كان العنف هو الاعتداء و تجريب فهل يمكن ان يكون ظاهرة طبيعية مشروعة وهل يمكن تبريره كظاهر انسانية ؟ ام انه سلوك مرضي سلبي يفقد كل مبرراته و مشروعيته مهما كانت ؟
محاولة حل الإشكال : عرض الاطروحة (العنف ظاهرة طبيعية لها مبراتها و مشروعيتها)يمثل الاطروحة في الفلسفة اليونانية هيرقليطس كما يدافع عنها الفيزيومونولوجين امثال مارسيل غابريل و عالم الطبيعة كلكلاس و ايضا في علم النفس فرويد و في الحتمية الطبيعية انجلس زعيم مدرسة العقد الاجتماعي جون جاك روسو . الياباني يوكيو مشيما كلهما يقدم مبررات لمشروعية العنف و ضرورته التي تتطلبها الحياة معتمدين على مسلما:
– الحياة التي يعيشها الانسان ليست بالبساطة و السلامة التي تجعل من رجل مسالما و ديعا.
– منذ بدأ النسان حياته. بدأها بالصراع و سبقى كذلك مما يجعل العنف =الحياة
ضبط الحجة : J يقول هرقليطس (العنف أصل العلم ومحركه فلا شيء يأتي من اللاشيء فلكي تكون الأشياء لابد من نفي الشيء وتحطيمه.فالقتال هو ظابو سائر الأشياء وملك كل شيء والعنف خصوبة لكنه أيضا موت يتضمن الحياة . والأشياء تعرف بأضدادها آلا ترى أن الحياة تولد في رحم الموت)
J يقول كلكلاس (العنف و القوة مصدر كل سلطة اذا كان القوي في الطبيعة هو الذي يسيطر فانه من العدل ان يكون الامر كذلك في المجتمع الانساني ففي الطبيعة اللبؤة تأكل صغيرها اذا ولد بعاهة لانه مجال مفتوح على الصراع من أجل البقاء القوي آكل الضعيف وكذلك في المجتمع الانساني فمن العدل ان يكون الاقوى فيه هو المتفوق و صاحب السلطة )
J يقول قابريل مارسيل (يعود اصل العنف الى قصد عدواني متجا نحو شيء اريد نفيه نفي الاخر الذي احقد عليه وأكرهه أو اخذ في تحطيم نفسي التي اكرهها)
Jيقل الأدبي الياباني يوكو منشيما مبررا العنف (بأنه استرخاص للحياة عندما ارى ان هوية اليابان الثقافية مهددة امام الغزو الغربي ) واختار الانتحار على الطريقة اليابانية شق بطنه بنفسه قبل أن يقطع رأسه .
J اما عند المسلمين فاللجوء الى العنع يبرره الدفاع عن النفس او الوطن كوسيلة ضرورية للجهاد في سبيل الله و لبناء دولة الإسلامية ولو أن الاختلاف مازال قائما حول طريقة استخدامه .
J أما عند انجلز فالعنف هو أصل البناء :فأمام العنف الاجتماعي المقنع (اللامساواة الاجتماعية. الطبقية و اللاعدل . و الاضطهاد. الاستبداد والتعسف) يوجد عنف مضاد عادل هو العنف الايجابي البناء الذي يهدف الى تصحيح الوضع ومنع السلطة من استبعاد شعوبها . فالثورة الأصلية في أساسها أخلاقية أمام الاضطهاد و الظلم حيث تسترجع الحق المسلوب وتحق العدل .
نقد الحجة : اذا كان العنف عند الحيوانات له مبرراته ويعطيه المشروعية فان ذلك لا ينطبق على المجتمعات الانسانية فالحيوانات كائنات غير عاقلة تفتقد الى اكتساب القدرة على مقاومة العنف بطرق سلمية و اذا كان العنف في المجتمع الحيواني غريزة دفاعية للحفاظ على البقاء فهو في المجتمع الانساني اداة تدمير ان الطبيعة الانسانية تميل الى اللاعنف و السلم لهذا شرعت القوانين و تعلمت من الحروب كيف تحافظ على الامن والسلم
عرض نقيض الاطروحة: (لا يوجد في الطبيعة الإنسانية ما يبرر العنف الا في كونه ظاهرة مرضية) يمثل الاطروحة الديانات السماوية التي دعت الى السلم ونبذ العنف بمختلف أشكاله كما يدافع عنها الفيزيولوجي فروم وأيضا الزعيم الهندي غاندي و المحليلين النفسانين ظاهرة العنف انها ظاهر مرضية معتمدين عل مسلمات :
– طبيعة الكائن البشري مسالمة
-العنف يعتمد على القوة العضلية و قوة الانسان في حكمته وذكائه وليس فعضلاته فالعنف تعبير عن ضفع
ضبط الحجة :J يقول الله تعالى [وجعلناكو شعوبا وقبائل للتعارفوا] والتعارف لا يتم بالسيطرة و العنف و إنما بالعلم و المعرفة و بالبناء الحضاري.
J يقول غوسدروف (ان ازدواجية الان و الاخر تتألف في شكل صراع والحكمة مت التاليف هو امكانية التعارف و الاعترف المتبادل فيكون التوافق و الاحترام و العنف يهدم هذه العلاقة و يقطع كل التواصل بين الان والاخر و من هنا ينظر الغضب الذي يسلب الانسان توازنه و يجعله فريسة للجنون)
J يؤكد علماء الاجرام ان العنف ليس فدرا محتوما على اعتبار ان العنف يولد العنف اي انه سلوك يمكطن القضاء عليه بالقضاء على اسبابه فهو سلوك انساني
J يرفض غاندي العنف رفضا مطلقا جملة متفصيلا مهما كان شكله او غايته. اذ يعرف غاندي اللاعنف كموقف كوني اتجاه الحياة يقوله(هو الغياب التم كنية الاساءة تجاه كل مايحيا بمعنى ان اللاعنف مثل العنف لا يقع على مستوى الفعل بل ايضا على مستوى النية ايضا)
Jموقف غاندي يماثل موقف المسيح عيه السلام الذي ينصح الانسان بان يدير خده الايمن لمن يصفعه على خده الايسر.
Jالاعنف ليس اسلوب تخاذلي انام هو اسلوب الحياة البشرية في محاربة الشر دون تغذية بعنف بديل.
نقد الحجة : تاريخ البشرية هو تاريخ لسلي و اغتصاب الحقوق .لهذا من الطبيعيان يواجه ذلك بالعنف كنوع من الدفاع عن النفس و الحق كما ان تاريخ الثورات في العلم بدأت بطرق سليمة كالأحزاب السياسية لاكن هذا الأسلوب لم ينجح فلجأ الى مأخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مثل الثورة الجزائرية.
التركيب :(التوفيق) تتجاذب الإنسان نزعتان . نزعتو للخير و نوعته للشر . اذا كانت نزعته الشر تدفعه للعنف و التدمير و نزعته للخير تدفعه غير ذلك للبنا والتعمير و بما انه كائن بيولوجي يسعى للحفاظ على بقائه كدافع خريزي .
حل الاشكال : الحكمة الإلهية سبقت كذلك يحارب العنف السلبي بنقيضه الايجابي اي لا يرد العنف بالعنف بل بالحكمة و اللعنف لهذا نجد ان الاحزاب السياسية يسبق تكوينها كل ثورة و حتو و ان نجحت الثورة المسلحة في تحقيق الانتصار فإنها لا تحصل على الاستقلال الا بالمفاوضات السياسية الاسابيب عند الانسان كثيرة و متنوعة لهذا من الخطأ ان يلجا الى العنف لانه دليل فقدان الاسالبي الدفاعية الناجحة و بالتالي لا مشروعية للعنف الا اذا كان لاسترجاع حق او رد ظلم لم ينفع معه الحكمة و اللاعنف في هذه الحلة فقط يكتسب العنف مشروعيته و تكون له مبراته الدفاعية .

</h5>




تعليميةشكرااا ا




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

سبعة عشر مقالة فلسفية لأداب ولغات

ملاحظة : معظم المقالات منقولة ، وأغلبها للاستاذة المتألقة عيسى فاطةة اطال الله في عمرها

المقالة الاولى : هل لكل سؤال جواب بالضرورة ؟ جدلية
طرح المشكلة : إن النشاط الفكري هو حركة تبدأ بالسؤال وتنتهي بالجواب ، لكن في الكثير من الحالات عجز الانسان عن الوصول الى اجابات نهائية لأسئلة كانت تؤرقه وتشغل فكره ، مما جعل البعض يعتقد أن الجواب ليس متيسرا دائما ، وان هناك تساؤلات لا يكمن الاجابة عنها ، مما يعني انه ليس لكل سؤال جواب دائما ،فهل هناك فعلا أسئلة بدون الأجوبة ؟ ماهي الحالة التي يتعذر فيه الجواب عن بعض الأسئلة ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة : الموقف الذي يقول أن لكل سؤال جواب بالضرورة .
الحجج : لأن الأسئلة المبتذلة والمكتسبة والعملية تمتلك هذه الخصوصية أي لها اجابة ، ذكر الأمثلة (الأسئلة اليومية للإنسان ) ( كل شيء يتعلمه الإنسان من المدرسة ) ( أسئلة البيع والشراء وما تطلبه من ذكاء وشطارة ) .
النقد : لكن هناك أسئلة يتعذر و يستعصي الإجابة عنها لكونها تفلت منه .
نقيض الأطروحة : الموقف الذي يقول أنه ليس لكل سؤال جواب بالضرورة .
الحجج : لأن هناك صنف أخر من الأسئلة لا يجد لها المفكرين والعلماء و الفلاسفة حلا مقنعا ، وذلك في صنف الأسئلة الانفعالية ( الأسئلة العلمية ، الأسئلة الفلسفية ) ، التي تجعل الإنسان حائرا مندهشا أمام بحر من تساؤلات الحياة والكون ، و ما تحمله من صور الخير والشر ، ولذة و ألم ، وشقاء ، وسعادة ، ومصير … وغيرها من الأسئلة التي تنبثق من صميم وجودنا وتعبر عنه في وضعيات مستعصية حول مسألة الأخلاق فلسفيا أو حول مسألة الاستنساخ علميا أو في وضعيات متناقضة محيرة مثل مسألتي الحتمية المناقضة لمسألة الحرية أحرجت الفكر الفلسفي طويلا . كما توجد مسائل مغلقة لم تجد لها المعرفتين ( الفلسفية ، العلمية ) أي جواب ، أو الانغلاق الذي يحمله في طياته كل من مفهوم الديمقراطية و اللاديمقراطية … هذه كلها مسائل لا تزال من دون جواب رغم ما حققه العلم من تطور وما كسبه من تقنيات ووسائل ضخمة ودقيقة .. ومهما بلغت الفلسفة من إجابات جمة حول مباحثها .
النقد : لكن هذا لا يعني أن السؤال يخلوا من جواب ، فلقد استطاع الإنسان أن يجيب على العديد من الأسئلة ، لقد كان يخشى الرعد والفيضان والنار واليوم لم يصبحوا إلا ظواهر .
التركيب : من خلال هذا التناقض بين الأطروحتين ؛ نجد أنه يمكن حصر الأسئلة في صنفين فمنها بسيطة الجواب وسهلة ، أي معروفة لدى العامة من الناس فمثلا أنا كطالب كنت عاميا من قبل أخلط بين الأسئلة ؛ لكني تعلمت أنني كنت أعرف نوع واحد منها وأتعامل معها في حياتي اليومية والعملية ، كما أنني تعرفت على طبيعة الأسئلة المستعصية التي يستحيل الوصول فيها إلى جواب كاف ومقنع لها ، وهذه الأسئلة مناط اهتمام الفلاسفة بها ، لذلك يقول كارل ياسبرس : " تكمن قيمة الفلسفة من خلال طرح تساؤلاتها و ليس في الإجابة عنها " .
حل المشكلة : نستطيع القول في الأخير ، إن لكل سؤال جواب ، لكن هناك حالات يعسر فيها جواب ، أو يعلق بين الإثبات والنفي عندئذ نقول : " إن السؤال ينتظر جوابا ، بعد أن أحدث نوعا من الإحراج النفسي والعقلي معا ، وربما من باب فضول الفلاسفة والعلماء الاهتمام بالسؤال أكثر من جوابه ؛ قديما إلى يومنا هذا ، نظرا لما يصنع من حيوية واستمرارية في البحث عن الحقيقة التي لا تنهي التساؤلات فيها .

المقالة الثانية : هل تقدم العلم سيعود سلبا على الفلسفة ؟
طرح المشكلة : فهل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل وراءه ؟ أو بمعنى أخر ما الذي يبرر وجود الفلسفة بعد أن استحوذت العلوم الحديثة على مواضيعها ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة : لا جدوى من الفلسفة بعد تطور العلم ، يذهب بعض الفلاسفة من أنصار النزعة العلمية ( أوجست كونت ، غوبلو ) أنه لم يعد للمعرفة الفلسفية دور في الحياة الإنسانية بعد ظهور وتطور العلم في العصر الحديث .
الحجج :
– لأنها بحث عبثي لا يصل إلى نتائج نهائية ، تتعدد فيه الإجابات المتناقضة ، بل نظرتها الميتافيزيقية تبعدها عن الدقة الموضوعية التي يتصف بها الخطاب العلمي ، هذا الذي جعل أوجست كنت يعتبرها حالة من الحالات الثلاث التي حان للفكر البشري أن يتخلص منها حتى يترك للمرحلة الوضعية وهي المرحلة العلمية ذاتها . وهذا الذي دفع غوبلو يقول : " المعرفة التي ليست معرفة علمية معرفة بل جهلا " .
النقد : لكن طبيعة الفلسفة تختلف عن طبيعة العلم ، فلا يمكن قياس النشاط الفلسفي بمقياس علمي ، كما أن الفلسفة تقدمت بتقدم العلم ، فالإنسان لم يكف عن التفلسف بل تحول من فلسفة إلى فلسفة أخرى .
نقيض الأطروحة : هناك من يبرر وجود الفلسفة رغم تطور العلم ، يذهب بعض الفلاسفة من أنصار الاتجاه الفلسفي ( ديكارت ، برغسون ، مارتن هيدجر ، كارل ياسبرس ) أن العلم لا يمكنه أن يحل محل الفلسفة فهي ضرورية .
الحجج : لأن الفلسفة تجيب عن تساؤلات لا يجيب عنها العلم . فهاهو كارل ياسبرس ينفي أن تصبح الفلسفة علما لأنه يعتبر العلم يهتم بالدراسات المتخصصة لأجزاء محددة من الوجود مثل المادة الحية والمادة الجامدة … إلخ . بينما الفلسفة تهتم بمسألة الوجود ككل ، وهو نفس الموقف نجده عند هيدجر الذي يرى أن الفلسفة موضوع مترامي الأطراف أما برغسون أن العلوم نسبية نفعية في جوهرها بينما الفلسفة تتعدى هذه الاعتبارات الخارجية للبحث عن المعرفة المطلقة للأشياء ، أي الأشياء في حد ذاتها . وقبل هذا وذاك كان ديكارت قد أكد على هذا الدور للفلسفة بل ربط مقياس تحضر أي أمة من الأمم بقدرة أناسها على تفلسف أحسن .
النقد : لكن الفلسفة باستمرارها في طرح مسائل مجردة لا تيسر حياة الإنسان مثلما يفعل العلم فإنها تفقد قيمتها ومكانتها وضرورتها . فحاجة الإنسان إلى الفلسفة مرتبطة بمدى معالجتها لمشاكله وهمومه اليومية .
التركيب : لكل من الفلسفة والعلم خصوصيات مميزة ، لا ينبغي للإنسان أن يثق في قدرة العلم على حل كل مشاكله و الإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها و بالتالي يتخلى عن الفلسفة ، كما لا ينبغي له أن ينظر إلى العلم نظرة عجز وقصور عن فهم وتفسير الوجود الشامل ، بل ينبغي للإنسان أن يتمسك بالفلسفة والعلم معا . لأن كل منهما خصوصيات تميزه عن الأخر من حيث الموضوع والمنهج والهدف وفي هذا الصدد يقول المفكر الفرنسي لوي ألتو سير : " لكي تولد الفلسفة أو تتجدد نشأتها لا بد لها من وجود العلوم …"
حل المشكلة : وفي الأخير نخلص إلى أن الإنسان يعتمد في تكوين معرفته وتطوير حياته عن طريق الفلسفة والعلم معا فلا يوجد تعارض بينهما فإن كانت الفلسفة تطرح أسئلة فإن العلم يسعى سعيا للإجابة عنها ، ثم تقوم هي بدورها بفحص إجابات العلم و نقدها و. وهذا يدفع العلم إلى المزيد من البحث والرقي وهذا الذي دفع هيجل إلى قولته الشهيرة " إن العلوم كانت الأرضية التي قامت عليها الفلسفة ، وتجددت عبر العصور ".

المقالة الثالثة : يرى باسكال أن كل تهجم على الفلسفة هو في الحقيقة تفلسف . جدلية
طرح المشكلة : لم يكن الخلاف الفلاسفة قائما حول ضرورة الفلسفة ما دامت مرتبطة بتفكير الإنسان ، وإنما كان قائما حول قيمتها والفائدة منها . فإذا كان هذا النمط من التفكير لا يمد الإنسان بمعارف يقينية و لا يساهم في تطوره على غرار العلم فما الفائدة منه ؟ وما جدواه؟ وهل يمكن الاستغناء عنه ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة : الفلسفة بحث عقيم لا جدوى منه ، فهي لا تفيد الإنسان في شيء فلا معارف تقدمها و لا حقائق .
الحجج : لأنها مجرد تساؤلات لا تنتهي كثيرا ما تكون متناقضة وتعمل على التشكيل في بعض المعتقدات مما يفتح الباب لبروز الصراعات الفكرية كما هو الشأن في علم الكلام .
النقد : لكن هذا الموقف فيه جهل لحقيقة الفلسفة . فهي ليست علما بل وترفض أن تكون علما حتى تقدم معارف يقينية. وإنما هي تساؤل مستمر في الطبيعة وما وراءها و في الإنسان وأبعاده ، وقيمتها لا تكمن فيما تقدمه و إنما في النشاط الفكري الدؤوب الذي تتميز به ، أو ما يسمى بفعل التفلسف .
نقيض الأطروحة : الفلسفة ضرورية ورفضها يعتبر في حد ذاته فلسفة
الحجج : لأن التفلسف مرتبط بتفكير الإنسان والاستغناء عنه يعني الاستغناء عن التفكير وهذا غير ممكن .ثم إن الذين يشككون في قيمتها مطالبون بتقديم الأدلة على ذلك ، والرأي و الدليل هو التفلسف بعينه . ثم إن الذين يطعنون فيها يجهلون حقيقتها ، فالفلسفة كتفكير كثيرا ما ساهم في تغيير أوضاع الإنسان من خلال البحث عن الأفضل دائما ، فقد تغير وضع المجتمع الفرنسي مثلا بفضل أفكار جون جاك روسو عن الديمقراطية . وقامت الثورة البلشفية في روسيا على خلفية أفكار فلسفية لكارل ماركس عن الاشتراكية ، وبتن الولايات المتحدة الأمريكية سياستها كلها عن أفكار فلسفية لجون ديوي عن البراغماتية .
النقد : لكن الأبحاث الفلسفية مهما كانت فإنها تبقى نظرية بعيدة عن الواقع الملموس ولا يمكن ترجمتها إلى وسائل مادية مثل ما يعمله العلم .
التركيب : إن قيمة الفلسفة ليست في نتائجها والتي هي متجددة باستمرار لأن غايتها في الحقيقة مطلقة . وإنما تكمن في الأسئلة التي تطرحها ، و في ممارسة فعل التفلسف الذي يحرك النشاط الفكري عند الإنسان. وحتى الذين يشككون في قيمتها مضطرين لاستعمالها من حيث لا يشعرون ، فهو يرفض شيئا وفي نفس الوقت يستعمله .
حل المشكلة : نعم إن كل رفض للفلسفة هو في حد ذاته تفلسف.

المقالة الرابعة : أبطل الأطروحة القائلة : " إن تطابق الفكر مع نفسه شرط كاف لعدم وقوعه في الخطأ" الطريقة : استقصاء بالرفع
طرح الإشكالية :إن التفكير المنطقي أو السليم قديم لدى الإنسان قدم " الإنسان المفكر" l’homo-sapiens فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك شعوبا عرفت المنطق في كثير من تفاصيله كالصينيين والهنود … إلا أن صياغة شروط صحته تم وضعها وتحديدها بكيفية تقترب من التمام على يد صانعها الأول أرسطو Aristote الذي أرسى القواعد الأساسية للمنطق الصوري ؛ ونظرا للدور الهام الذي أصبحت تلعبه هذه النظرية طيلة العصور القديمة والعصور الوسطى بتأثيراتها على المعرفة الإنسانية بشكل عام وهي تؤسس لها المقياس الصحيح وتمنعها من التناقض مع نفسها فغدت بذلك أسمى أسلوب لضمان اتفاق العقول وانسجامها وتوحيد حكمها غير أن هذه النظرة التي تجعل من المنطق الصوري أكمل ما أنتجه العقل البشري ، فيها الكثير من المبالغة والخطأ ، وهذا النقص حاول أن يظهره خصوم المنطق الأرسطي من قبل فلاسفة غربيين وإسلاميين في الفترة ذاتها وفي بدايات العصر الحديث الذين وجهوا له الكثير من الانتقادات والاعتراضات وهذا ما يدفعنا إلى الشك في صدق الأطروحة القائلة " تطابق الفكر مع نفسه شرط كاف لعدم وقوعه في الخطأ " فكيف يمكن أن نرفض هذه الأطروحة ؟ أو بعبارة أخرى إلى أي حد يمكن تفنيد الرأي القائل بتأسيس التفكير السليم على المنطق الصوري ؟
محاولة حل الإشكالية :
1 – عرض منطق الأطروحة :يعتبر علم المنطق في طليعة العلوم العقلية التي أفرزتها الحضارة الإغريقية، منذ زمن بعيد ( 3000 سنة تقريبا) ، ومن ذلك الوقت و هذا العلم بقواعده ومبادئه ومباحثه يعمل على حماية الفكر البشري من الوقوع في التناقض مع نفسه وهذا ما أكد عليه مجموعة من المناطقة من العصر القديم إلى العصر الوسيط واستمرارا مع بدايات العصر الحديث ؛على رأسهم المؤسس الأول أرسطو- الذي أولى اهتماما خاصا بهذا العلم واعتبره أشرف علم وهو يقول عنه « علم السير الصحيح أو علم قوانين الفكر الذي يميز بين الصحيح والفاسد من أفعال العقل » وقال عنه بأنه آلة العلم وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه أو صورة العلم . وقد اعتمد على المسلمة القائلة بأنه ما دام التفكير الإنساني معرّض بطبيعته للخطأ و الصواب، ولأجل أن يكون التفكير سليماً و تكوننتائجه صحيحة، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيئ له مجال التفكير الصحيح وهذا سبب رئيس أن تكتشف كل تلك القواعد من قبل أرسطو أو غيره .
الحجة : لأن الإنسان كان في حاجة أن يلتفت للذاته العارفة ويتعرف عليها جيدا لا سيما أن يمحص النظر في بنية تفكيره ذاتها كتصورات ومفاهيم وأساليب ومناهج حيث كان الإنسان – قبل أرسطو وغيره – يعيش بها في حياته لا يعرف مسمياتها ولا يحسن استخدامها فهاهي مبادئ العقل( مبدأ الهوية، مبدأ عدم التناقض ، مبدأ الثالث المرفوع ، مبدأ السبب الكافي ، مبدأ الحتمية ، مبدأ الغائية) مثلا ساهم كشفها إلى تعزيز دورها التأليفي للبنية المنطقية للعقل ناهيك على أنها شرط للحوار والضامن للتوافق الممكن بين كل العقول باختلاف أعمار أصحابها وأجناسهم وسلالاتهم وثقافاتهم وهي تحدد الممكن والمستحيل في حياة الإنسان السبب الذي جعل ليبنتز يتمسك بهته الأهمية حين يقول: «إن مبادئ العقل هي روح الاستدلال وعصبه وأساس روابطه وهي ضرورية له كضرورة العضلات والأوتار العصبية للمشي». أما الحجة الثانية فتكمن في دور تلك القواعد على إدارة المعرفة الإنسانية التي ينتجها الفكر الإنساني وإقامة العلوم ( الحسية ، والعقلية )عليها . فهاهي مثلا قواعد التعريف التي تنتمي إلى مبحث التصورات والحدود ساعدت كثيرا الباحثين على ضبط مصطلحات ومفاهيم علمهم بفاعلية ووضوح وموضوعية أكبر وتزداد هذه العملية ضبطا وأهمية خاصة إذا تعلق الأمر بالتصورات الخاصة بمجال الأخلاق والسياسة و الحقوق والواجبات … كذلك أن استخدام مبحث الاستدلالات : الاستدلال المباشر (بالتقابل وبالعكس) و الاستدلال الغير مباشر خاصة إذا تعلق الأمر بالقياس الحملي و القياس الشرطي لديه فائدة كبيرة في تحقيق الإنتاج السليم للعقل من خلال تحديد الضروب المنتجة من الضروب الغير منتجة وهذا يؤدي بنا إلى الكشف السريع عن الأغاليط في شتى المعارف باختلاف مشاربها . كما أن قواعد المنطق اعتبرت من طرف العلماء الأصوليين كفرض كفاية على المسلمين للثمار العظيمة المقتطفة من روحها لأنها تسببت في نجاحات على مستوى الاجتهادات الفقهية والاجتهادات اللغوية. ومن نتائج تطبيق المنطق الصوري: تصدي اليونانيين للمغلطات التي أفرزها الفكر السفسطائي بانتشار التفكير الصحيح الدقيق في أرجاء المجتمع الثقافي اليوناني طيلة العصر القديم بعد أرسطو وهذا ما أدى أيضا إلى تربعه على عرش المعارف خاصة في العصور الوسطى ، بل تم تدريسه إجباريا من طرف المدارس المسيحية في هذه الفترة .
2 – نقد أنصار الأطروحة :
أ – موقف المناصرين : إن الأطروحة السابقة لها مناصرين ، ؛ فلو بحثنا عنهم في العصور القديمة نجدهم كثر أمثال الرواقيون الذين أبدعوا و أضافوا في المنطق الأرسطي مباحث (مثل نظرية القياس الشرطي ) وغيرهم مثل فرفوريوس الذي شرح الكليات الخمس بشجرته المعروفة. أما لو فتشنا عنهم في العصور الوسطى : نلقى الكثير منهم سواء من أتباع أرسطو في الشرق الإسلامي على يد فلاسفة و مناطقة كبار الذين تأثروا بهذا العلم جراء اتصالهم واحتكاكهم بالحضارة اليونانية ، أبرزهم وبجدارة المعلم الثاني أبو نصر الفارابي الذي اعتبره رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها أو بقوله عنه : « فصناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تقوم العقل وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق …» ، أما الشيخ الرئيس ابن سينا فكان يصفه بخادم العلوم وهو يقول عنه «المنطق هو الصناعة النظرية التي تعرفنا من أي الصور والمواد يكون الحد الصحيح الذي يسمى بالحقيقة حدا، والقياس الصحيح الذي يسمى برهانا» وبلغت قيمة المنطق ذروتها حتى مع العلماء الأصوليين بل و اعتبروه فرض كفاية على المسلمين وهذا على درب أبو حامد الغزالي الذي قال « إن من لا يحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا » وظل يحظى بهذه القيمة حتى مع الغرب المسيحي فهاهو القديس توماس الإكويني الذي كان يعتبره « الفن الذي يقودنا بنظام وسهولة وبدون خطأ في عمليات العقل الاستدلالية« .
ب – نقد أنصار الأطروحة :
حقيقة إن المنطق بإمكانه أن يقوم الفكر ويوجهه توجيها صحيحا ولكنه ليس أساس كل معرفة إنسانية بل حسب البعض قام بتعطيل الفكر العلمي لقرون ( خاصة في العصور الوسطى الغربية ) طويلة ، حيث لم يظهر العلم إلا بعدما تخلص من هيمنة المنطق الصوري . و هذا من دو شك يأخذنا للبحث عن جملة الانتقادات التي وجهت لمناصري الأطروحة لأنها تنطوي على عدة نقائص أهمها :
– هو منطق شكلي يدرس التفكير دون البحث عن طبيعة الموضوعات التي ينصب عليها بحسب الواقع
– إن قواعده ثابتة لا تقبل التطور مهما كانت المضامين
– إنه منطق عقيم لا يصل إلى نتائج جديدة وفي هذا يقول الفيلسوف ديكارت « أما عن المنطق فإن أقيسته ومعظم صوره الأخرى إنما تستخدم بالأحرى لكي تشرح للآخرين الأشياء التي يعلمونها إنها كفن Lulle نتكلم من دون حكم لأولئك الذين يجهلونها » و منه فالقياس عنده لا يسمح لنا بالاكتشاف ، أما بوانكاريه فإنه يشارك فإنه يشارك أيضا في هذه الوجهة من النظر يقول « لا يمكن أن يعلمنا القياس شيئا جوهريا جديدا …» ، أما جوبلو فمع اعترافه بقيمة القياس ، فإنه حاول أن يحدد إلى حد ما مجال تطبيقه فهو حسبه يصلح طريقا للعرض ومراقبة عمليات الاستدلال الرياضي .وقد أطلق الفقهاء المسلمين من قبلهم هذه الاعتراضات فهاهو "ابن صلاح الشهروردي" يقول:"فأبي بكر وفلان و فلان وصلوا لإلى غاية من اليقين ولم يكن أحد منهم يعرف المنطق" وفي قوله أيضا:" إن المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر" وهناك أيضا شيخ الإسلام ابن تميمة الذي عارض المنطق الأرسطي بأنه عقيم دون جدوى فهو منطق خاص بالتربية اليونانية،فالقواعد الخاصة بالفكر الإنساني كامنة في هوى الإنساني دون أن يؤسس لهذه القواعد لأنها موجودة، ولقد أعطى ابن تميمة منطقا جديدا وهو المنطق الإسلامي البديل للمنطق الأرسطي.
– إنه منطق ضيق جزئي ، لا يعبر إلا عن بعض العلاقات المنطقية ، ولا يتجاوز في أبلغ صورة علاقة التعدي.
– إنه منطق لغوي يقوم على الألفاظ وما فيها من التباس ، وغموض ، وتعدد المعاني فيؤدي إلى عدم اتفاق ، بل والخطأ في النتائج أحيانا . وهذا ما يؤكده ثابت الفندي :« ما دام المنطق يتعامل بالألفاظ لا الرموز فإنه يبقى مثار جدل حول المفاهيم و التصورات المستعملة »
3- إبطال الأطروحة :
إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلى البحث عن حجج و أدلة جديدة لتفنيد و إبطال هذه الأطروحة و هي :
– إن المنطق الأرسطي يهتم بصورة الفكر دون مادته ( الواقع ) . أي أن الفكر قد ينطبق مع نفسه من الناحية الصورية المجردة و لكنه لا ينطبق مع الواقع ، فالمنطق يتصف بالثبات و السكون قائم على مبدأ الهوية ( الذاتية ) أ هو أ و عدم التناقض أ لا يمكن أن يكون أ و لا أ في نفس الوقت بينما الواقع يتصف بالتجدد و التغيير .
لهذا فالمنطق الصوري يصلح للبحث عن الحقيقة و اكتشافها ظهر للرد على السفسطائيين و جل مغالطتهم العقلية لهذا كان الغرض منه إقحام الخصم لا اكتشاف الحقيقة الموضوعية ، فهو فلسفة للنحو من حيث أنه يعني بلغة البرهنة والتفنيد لكسب قضية لا يهتم بمضمونها بقدر ما يهتم بصورتها حتى وإن كانت كاذبة .
– و هذا أيضا ما يجعل المنطق لا يصلح لاكتشاف الحقيقة الموضوعية لأنه لا يتناسب وطبيعة الدراسات العلمية الجديدة ؛ فمعيار المعرفة عند جون ستيوارت مل هو التجربة وليس مطابقة الفكر لنفسه ، فهو غير كاف في توجيه العلوم الطبيعية ، وعلى هذا الأساس تأسس المنطق الاستقرائي الذي غير من البحث المنطقي إلى ميدان التجريب الحسي . بالإضافة إلى ظهور المنطق الرمزي ( الرياضي ) الذي عوض اللغة العادية بالرموز الرياضية بالثبات في اعتمادها كلغة دقيقة مختصرة ، يبني بها أنساقه المنطقية المختلفة ، وهذا يجعل المنطق في هذه الحالة دون غيرها أداة يتم بناؤها تبعا لتقدم الثقافة وحركة العلوم و هذا هو المعنى الذي ينطلق منه جون ديوي في تأسيسه للمنطق الأداتي أ الذي يؤمن بأنه كلما تغيرت الظروف ، يتحتم كذلك أن تتغير الصور المنطقية . كما أن المنطق أصبحح متعددا للقيم متجاوزا ثانئية ( الصدق والكذب ) و هذا يفسر لنا وجود أكثر من احتمال قد تجمع بين الاثنين ( الصدق و الكذب ) ، كتعبير عن حركة الأشياء وليس سكونهاوهذا ما عبر عنه المنطق الجدلي الذي يقوم على النظر إلى العالم الطبيعي على أنه محكوم بمبدأ التناقض و التغاير ، الذي يعبر عن الحركة والنشاط و إظهار صيرورة الحياة التي ينتقل فيها الفكر من الشيء غلى غيره طلبا للمعرفة مما يعني أن الفكر يعتمد على هوية الأشياء ، وعلى تناقضها ن غير أن التناقض أهم لأنه مجال للصراع و الحيوية والاستمرار وهذا ما عبر عنه الفيلسوف هيجل في جدليته المشهورة ( الأطروحة ، نقيض الأطروحة ، التركيب …. إلى أطروحة أخرى فهكذا .
– وإلى جانب كل هذا يعترض التفكير الإنساني وهو محتم من الأخطاء بالتحصن بقواعد المنطق مجموعة من الحتميات أهمها تأثير الحتمية النفسية والاجتماعية التي تعطي للإنسان المفكر منحى أخر قد يغير مجرى حياته لأنه نفس الفرد الذي يجب أن يرتبط بمعايير مجتمعه ، وحقائق عصره ، وأحكامه العلمية ، ومن الصعب أن يتجرد منها أو يرفضها و إلا عد شاذا ومتمردا عن الجماعة وهذا ما وقع ل " سقراط " و " غاليلي " وما تعرضا له . كما لا يمكننا أن ننسى دور الفكر الفلسفي في التأثير على الأحكام المنطقية لأن المنطق برغم تطور دراساته ، إلا أنه لا يزال شديد الارتباط بالفلسفة ، واتجاهاتها ، ومذاهبها . ومن هنا يصير المنطق وآلياته المختلفة وسيلة للتعبير عن فلسفة دون أخرى ، أو لنصرة مذهب ضد أخر وكل يدافع عن منطق يناسبه ، ويعده هو الصواب . وكل هذا يؤدي إلى الأخطاء و شيوع المغالطات ، ى حساب الإطار المنطقي الصحيح .
حل الإشكالية :إذن نستنتج أن الأطروحة القائلة :"إن تطابق الفكر مع نفسه شرط كاف لعدم وقوعه في الخطأ "غير صحيحة ، يمكننا إبطالها ورفضها وعدم قابلية الأخذ بها ، و هذا بالنظر إلى تاريخ العلم وتطور المنطق الذي بقي حبيس منهجه التقليدي القديم على غرار باقي العلوم الأخرى التي تطورت وأحرزت مرتبة مرموقة كما هو حال الرياضيات والفيزياء والكيمياء و غيرها من العلوم الدقيقة .و لذلك لا يمكن الأخد برأي مناصري الأطروحة وهي مدحوضة بحجج قوية.

المقالة الخامسة : قارن بين عناصر الأطروحة التالية : " بالاستدلال الصوري والاستقرائي يتوصل إلى معرفة الحقائق " مقارنة
1 – طرح المشكلة : يسلك العقل الإنساني عمليات فكرية مختلفة في البحث عن المعرفة وفي طلب الحقيقة ومن بينها طريقة الاستدلال أهمها استخداما الاستدلال الصوري والاستدلال الاستقرائي.فأما الاستدلال الصوري (الاستنتاج) فيعتبر من أشيع صور الاستدلال وأكملها إنه في عرف المناطقة القدماء ينطلق من المبدأ إلى النتائج أو هو البرهان على " القضايا الجزئية بواسطة القضايا الكلية العامة ، باستخلاص الحقيقة الجزئية من الحقيقة الكلية العامة " ويدخل في هذا التعريف شكلا الاستنتاج الصوري أو الاستنتاج التحليلي والاستنتاج أو الرياضي ، أما الاستدلال الاستقرائي كما عرفه القدماء ، منهم أرسطو : " إقامة قضية عامة ليس عن طريق الاستنباط ، وإنما بالالتجاء إلى الأمثلة الجزئية التي يمكن فيها صدق تلك القضية العامة …" أما المحدثون فقد عرفوه " استنتاج قضية كلية من أكثر من قضيتين ، وبعبارة أخرى هو استخلاص القواعد العامة من الأحكام الجزئية ". فإذا كان العقل في بحثه يعتمد على هذين الاستدلالين فما علاقة كل منهما بالآخر في مساندة العقل على بلوغ الحقيقة ؟
2 – محاولة حل المشكلة : ( التشابه ، الاختلاف ، التداخل )
كل من الاستدلال الصوري والاستقرائي منهجان عقليان يهدفان إلى بلوغ الحقيقة والوقوف على النتيجة بعد حركة فكرية هادفة ، كما أنهما نوعان من الاستدلال ينتقلا سويا من مقدمات وصولا إلى نتائج ، كما أن العقل في بنائه للقوانين العامة أو في استنباطه لما يترتب عنها من نتائج يتبع أساليب محددة في التفكير ويستند إلى مبادئ العقل .
ولكن هل وجود نقاط تشابه بينهما يمنع وجود اختلاف بينهما.
من خلال الوقوف على حقيقة كل من الاستدلال الصوري والاستدلال الاستقرائي سنجد أهم فرق بينهما في كون أن الاستدلال الاستقرائي ينطلق من أحكام كلية باتجاه أحكام جزئية ويتدرج نحو قوانينها العامة ، أما الاستدلال الصوري فينطلق من أحكام كلية باتجاه أحكام جزئية . فعملية الاستقراء تقوم على استنباط القوانين من استنطاق الوقائع ، أما عملية الاستنتاج فتقوم على انتقال الفكر من المبادئ إلى نتائجها بصورة عقلية بحتة . وقد بين ذلك برتراند راسل في قوله " يعرف الاستقراء بأنه سلوك فكري يسير من الخاص إلى العام ، في حين أن الاستنتاج هو السلوك الفكري العكسي الذي يذهب من العام إلى الخاص " هذا بالإضافة إلى كون نتائج الاستدلال الاستقرائي تستمد يقينها من الرجوع إلى التجربة أي تتطلب العودة إلى المدرك الحسي من أجل التحقق ، بينما نتائج الاستنتاج تستمد يقينها من علاقاتها بالمقدمات أي تفترض عدم التناقض بين النتائج والمقدمات .بالإضافة إلى ذلك نجد أن النتيجة في الاستدلال الصوري متضمنة منطقيا في المقدمات ، وأننا قد نصل إلى نتيجة كاذبة على الرغم من صدق المقدمات ، نجد على العكس من ذلك أن الاستدلال الاستقرائي يستهدف إلى الكشف عما هو جديد ، لأنه ليس مجرد تلخيص للملاحظات السابقة فقط ، بل إنه يمنحنا القدرة على التنبؤ.
لكن هل وجود نقاط الاختلاف هذه تمنع من وجود نقاط تداخل بينهما ؟
إن عملية الفصل بين الاستدلال الصوري والاستدلال الاستقرائي تبدو صعبة خاصة في الممارسة العملية ، فبالرغم من أننا ننساق عادة مع النظرة التي تميز بينهما باعتبارهما أسلوبين من الاستدلال .إلا أن هناك نظرة تبسيطية مثل الفيلسوف كارل بوبر الذي يرى إن العمل الاستقرائي العلمي يحتاج إلى استنباط منطقي ، يمكن من البحث عن الصورة المنطقية للنظرية ، ومقارنة نتائجها بالاتساق الداخلي وبغيرها من النظريات الأخرى .يقول بترا ند راسل: " إذا كان تفكير المجرب يتصرف عادة منطلقا من ملاحظة خاصة ، ليصعد شيئا فشيئا نحو مبادئ وقوانين عامة ، فهو يتصرف كذلك حتما منطلقا من نفس تلك القوانين العامة ، أو المبادئ ليتوجه نحو أحداث خاصة يستنتجها منطقيا من تلك المبادئ " وهذا يثبت التداخل الكبير بينهما باعتبار أن المقدمات هي في الأغلب أحكام استقرائية ويتجلى دور الاستدلال الصوري في عملية الاستدلال الاستقرائي في مرحلة وضع الفروض فبالاستدلال الصوري يكمل الاستدلال الاستقرائي في المراحل المتقدمة من عملية بناء المعرفة العلمية .
3 – حل المشكلة : إن العلاقة بين الاستدلال الصوري والاستقرائي هي علاقة تكامل إذ لا يمكن الفصل بينهما أو عزلهما عن بعضهما فالذهن ينتقل من الاستدلال الاستقرائي إلى الاستدلال الصوري و يرتد من الاستدلال الصوري إلى الاستدلال الاستقرائي بحثا عن المعرفة ويقو ل الدكتور محمود قاسم : " وهكذا يتبين لنا أن التفرقة بين هذين الأسلوبين من التفكير مصطنعة "ويقول بترا ند راسل " ويصعب كذلك الفصل بين الاستنتاج والاستقراء" و بناء على هذا فالفكر الاستدلالي يستند في طلبه للمعرفة إلى هذين الطريقين المتكاملين وبدونهما يتعذر بناء استدلال صحيح .

المقالة السادسة : " ينبغي أن تكون الحتمية المطلقة أساسا للقوانين التي يتوصل إليها العلم " ما رأيك ؟ جدلية
طرح المشكلةإن الغاية من العلم هو الوصول إلى تفسير الظواهر تفسيرا صحيحا ، أي معرفة الأسباب القريبة التي تتحكم في الظواهر و أنه إذا تكرر نفس السبب فإنه سيؤدي حتما إلى نفس النتائج وقد اصطلح على تسميته من طرف العلماء بمبدأ الحتمية ؛ إلا أنه شكل محل خلاف بين الفلاسفة القرن 19 وفلاسفة القرن 20 فقد كان نظاما ثابتا يحكم كل الظواهر عند الفريق الأول ثم أفلتت بعض الظواهر عنه حسب الفريق الثاني بظهور مجال جديد سمي باللاحتمية فأي الفريقين على صواب أو بمعنى أخر :هل يمكن الاعتقاد بأن الحوادث الطبيعية تجري حسب نظام كلي دائم ؟ أم يمكن تجاوزه ؟
محاولة حل المشكلة
الأطروحة يرى علماء ( الفيزياء الحديثة) وفلاسفة القرن التاسع عشر ( نيوتن ، كلود برنار ، لابلاس ، غوبلو ، بوانكاريه ) أن الحتمية مبدأ مطلق . فجميع ظواهر الكون سواء المادية منها أو البيولوجية تخضع لمبدأ إمكانية التنبؤ بها . ولقد أشار نيوتن في القاعدة الثانية من أسس تقدم البحث العلمي و الفلسفي : " يجب أن نعين قدر المستطاع لنفس الآثار الطبيعية نفس العلل " كما اعتبر بوانكاريه الحتمية مبدأ لا يمكن الاستغناء عنه في أي تفكير علمي أو غيره فهو يشبه إلى حد كبير البديهيات إذ يقول " إن العلم حتمي و ذلك بالبداهة " كما عبر عنها لابلاس عن مبدأ الحتمية أصدق تعبير عندما قال " يجب علينا أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة "" وكلود برنار يضيف أن الحتمية ليس خاصة بالعلوم الفيزيائية وحدها فقط بل هي سارية المفعول حتى على علوم الإحياء . وأخيرا يذهب غوبلو إلى القول : بأن العالم متسق ، تجري حوادثه على نظام ثابت وأن نظام العالم كلي وعام فلا يشذ عنه في المكان حادث أو ظاهرة فالقانون العلمي هو إذن العلاقة الضرورية بين الظواهر الطبيعية "
الحجج إن الطبيعة تخضع لنظام ثابت لا يقبل الشك أو الاحتمال لأنها غير مضطرة و معقدة وبالتالي فمبدأ الحتمية هو أساس بناء أي قانون علمي ورفضه هو إلغاء للعقل وللعلم معا .
النقد لكن مع اقتراب القرن 19 من نهايته اصطدم التفسير الميكانيكي ببعض الصعوبات لم يتمكن من إيجاد حل لها مثلا : افتراض فيزياء نيوتن أن الظواهر الطبيعية مترابطة و متشابكة مما يقلل من فعالية ووسائل القياس عن تجزئتها إلى فرديات يمكن الحكم على كل واحد منها بمعزل عن الأخرى . ولن يكون صورة كاملة عن هذا العالم إلا إذا وصلت درجة القياس الذي حواسنا إلى درجة النهاية وهذا مستحيل .
نقيض الأطروحة يرى علماء ( الفيزياء المعاصرة ) و فلاسفة القرن العشرين ( بلانك ، ادينجتون ، ديراك ، هيزنبرغ ) أن مبدأ الحتمية غير مطلق فهو لا يسود جميع الظواهر الطبيعية .
الحجج لقد أدت الأبحاث التي قام بها علماء الفيزياء و الكيمياء على الأجسام الدقيقة ، الأجسام الميكروفيزيائية إلى نتائج غيرت الاعتقاد تغييرا جذريا . حيث ظهر ما يسمى باللاحتمية أو حساب الاحتمال وبذلك ظهر ما يسمى بأزمة الفيزياء المعاصرة و المقصود بهذه الأزمة ، أن العلماء الذين درسوا مجال العالم الأصغر أي الظواهر المتناهية في الصغر ، توصلوا إلى أن هذه الظواهر تخضع لللاحتمية وليس للحتمية ورأى كل من ادينجتون و ديراك أن الدفاع عن مبدأ الحتمية بات مستحيلا ، وكلاهما يرى أن العالم المتناهي في الصغر عالم الميكروفيزياء خاضع لمبدأ الإمكان و الحرية و الاختيار . ومعنى هذا أنه لا يمكن التنبؤ بهذه الظواهر ونفس الشيء بالنسبة لبعض ظواهر العالم الأكبر (الماكروفيزياء ) مثل الزلازل . وقد توصل هايزنبرغ عام 1926 إلى أن قياس حركة الإلكترون أمر صعب للغاية ، واكتفى فقط بحساب احتمالات الخطأ المرتكب في التوقع أو ما يسمى بعلائق الارتياب حيث وضع القوانين التالية : -كلما دق قياس موقع الجسم غيرت هذه الدقة كمية حركته و كلما دق قياس حركته التبس موقعه .
– يمتنع أن يقاس موقع الجسم وكمية حركته معا قياسا دقيقا ، أي يصعب معرفة موقعه وسرعته في زمن لاحق .
إذا هذه الحقائق غيرت المفهوم التوليدي حيث أصبح العلماء الفيزيائيون يتكلمون بلغة الاحتمال و عندئذ أصبحت الحتمية فرضية علمية ، ولم تعد مبدأ علميا مطلقا يفسر جميع الظواهر .
نقد لكن رغم أن النتائج و البحوث العلمية أثبتت أن عالم الميكروفيزياء يخضع لللاحتمية وحساب الاحتمال فإن ذلك مرتبط بمستوى التقنية المستعملة لحد الآن . فقد تتطور التقنية و عندئذ في الإمكان تحديد موقع وسرعة الجسم في آن واحد .
التركيب ذهب بعض العلماء أصحاب الرأي المعتدل على أن مبدأ الحتمية نسبي و يبقى قاعدة أساسية للعلم ، فقد طبق الاحتمال في العلوم الطبيعية و البيولوجية وتمكن العلماء من ضبط ظواهر متناهية في الصغر واستخرجوا قوانين حتمية في مجال الذرة و الوراثة ، ولقد ذهب لانجفان إلى القول " و إنما تهدم فكرة القوانين الصارمة الأكيدة أي تهدم المذهب التقليدي "
حل المشكلة ومنه يمكن القول أن كل من الحتمية المطلقة والحتمية النسبية يهدفان إلى تحقيق نتائج علمية كما أن المبدأين يمثلان روح الثورة العلمية المعاصرة ، كما يتناسب هذا مع الفطرة الإنسانية التي تتطلع إلى المزيد من المعرفة ، وواضح أن مبدأ الحتمية المطلق يقودنا على الصرامة وغلق الباب الشك و التأويل لأن هذه العناصر مضرة للعلم ، وفي الجهة المقابلة نجد مبدأ الحتمية النسبي يحث على الحذر و الابتعاد عن الثقة المفرطة في ثباتها ، لكن من جهة المبدأ العام فإنه يجب علينا أن نعتبر كل نشاط علمي هو سعي نحو الحتمية فباشلار مثلا يعتبر بأن مبدأ اللاتعيين في الفيزياء المجهرية ليس نفيا للحتمية ، وفي هذا الصدد نرى بضرورة بقاء مبدأ الحتمية المطلق قائم في العقلية العلمية حتى وإن كانت بعض النتائج المتحصل عليها أحيانا تخضع لمبدأ حساب الاحتمالات .

المقالة السابعة : هل الشعور بالأنا يتوقف على الغير ؟ جدلية
01 مقدمة : طرح المشكلة
من المشاكل النفسية التي ظلت تؤرق الإنسان هي محاولة التعرف على الذات في مختلف الصفات التي تخصها ؛ بحيث اتجه محور الاهتمام إلى تشكيل بنية الأنا عبر الغير الذي بإمكانه مساعدته إلا أن ذلك لم يكن في حال من الاتفاق بين الفلاسفة الذين انقسموا إلى نزعتين الأولى تعتقد أن مشاركة الأخر أي الغير أضحت أمرا ضروريا والنزعة الثانية تؤكد على وجوب أن يتشكل الأنا بمفرده عبر الشعور وأمام هذا الاختلاف في الطرح نقف عند المشكلة التالية : هل الشعور بالأنا يتوقف على الغير ؟ وبعبارة أوضح وأحسن هل الشعور بالأنا مرتبط بالأخر أم انه لا يتعدى الشخص؟
02 ومحاولة حل المشكلة
أ -الأطروحة : الشعور بالأنا مرتبط بالغير ؛ يرى البعض أن الشعور بالأنا يرتبط بالغير فلا وجود لفردية متميزة بل هناك شعور جماعي موحد ويقتضي ذلك وجود الأخر والوعي به .
البرهنة : يقدم أنصار الأطروحة مجموعة من البراهين تقوية لموقفهم الداعي إلى القول بان الشعور بالأنا يكون بالغير هو انه لا مجال للحديث عن الأنا خارج الأخر
الذي يقبل الأنا عبر التناقض والمغايرة ومن هنا يتكون شعور أساسه الأخر عبر ما يسميه ديكارت بالعقل الذي بواسطته نستطيع التأليف بين دوافع الذات وطريقة تحديد كيفيات الأشياء والأشخاص وفي هذا السياق يعتقد الفيلسوف الألماني "هيغل " أن وجود الغير ضروري لوجود الوعي بالذات فعندما أناقض غيري أتعرف على أناي وهذا عن طريق الاتصال به وهنا يحصل وعي الذات وذات الغير في إطار من المخاطرة والصراع ومن هنا تتضح الصورة وهي أن الشعور بالأنا يقوم مقابله شعور بالغير كما انه لابد للانا أن يعي الأخر إلا أن الأخر ليس خصما ولا يتحول إلى شيء لابد من تدميره كما يعتقد البعض بل إلى مجال ضروري الاهتداء إليه لبناء ذات قوية فقد تختلف الذوات وتتنوع رؤى فكرية كثيرة ولكن لا يفسد ذلك ودا جماعيا وحتى وان استنطق الإنسان في نفسه غرائز الموت والتدمير الطبيعية فان مفهوم الصراع يناسب مملكة الحيوانات ومنطق قانون الغاب وهذا الأمر لا ينطبق على من خلقوا من اجل التعارف وليس بعيدا عن الصواب القول بان وعي الذات لا يصبح قابلا للمعرفة إلا بفعل وجود الأخر والتواصل معه في جو من التنافس والبروز ومن هنا يمكن التواصل مع الغير ولقد كتب المفكر المغربي محمد عزيز لحبابي " إن معرفة الذات تكمن في أن يرضى الشخص بذاته كما هو ضمن هذه العلاقة : "الأنا جزء من النحن في العالم "
وبالتالي فالمغايرة تولد التقارب والتفاهم ويقول تعالى : " ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين.
وهكذا فالشعور بالأخر تسمح لنا بالمتوقع داخل شخصية الأخر والاتصال الحقيقي بالأخر كما يرى ماكس شيلر يتمثل في التعاطف ومنه لا غنى للانا عن الغير .
النقد : يمكن الرد على هذه الأطروحة بالانتقادات التالية
إن الشعور بالأنا يتأسس على الغير لكن الواقع يؤكد بأنه قد يكون عائقا وليس محفزا لتكون ذات قوية فكل" أنا" يعيش مجالا خاصا وفي ذلك رغبة فردية وشخصية .
ب – نقيض الأطروحة " الشعور بالأنا شخصي ، يرى البعض الآخر أن الأنا يعيش مع ذاته ويحيا مشاريعه بنفسه وبطريقة حرة أي كفرد حر وهذا الامتلاك يكون بمقدوره التعامل مع الواقع بشكل منسجم .
البرهنة : يقدم أنصار هذا النقيض جملة من البراهين في تأكيدهم على الشعور بالأنا على انه شخصي ولا مجال لتدخل الغير الذي يعتبره أنصار النقيض بأنه عقبة لا بد من تجاوزها ؛
ومن هذا المنطلق يؤكد الفيلسوف الفرنسي ماي دوبيران على أن الشعور بالواقع ذاتي وكتب يقول : " قبل أي شعور بالشيء فلابد من أن الذات وجود " ومن مقولة الفيلسوف يتبين أن الوعي والشك والتأمل عوامل أساسية في التعامل مع الذات ووعيها ولقد كان سارتر اصدق تعبيرا عندما قال " الشعور هو دائما شعور بشيء
ولا يمكنه إلا أن يكون واعيا لذاته " ومن هنا يتقدم الشعور كأساس للتعرف على الذات كقلعة داخلية حيث يعيش الأنا داخل عالم شبيه بخشبة المسرح وتعي الذات ذاتها
عن طري ما يعرف بالاستبطان فالشعور مؤسس للانا والذات الواعية بدورها تعرف أنها موجودة عن طريق الحدس ويسمح لها ذلك بتمثيل ذاتها عقليا ويكون الحذر من وقوف الآخرين وراء الأخطاء التي نقع فيها ولقد تساءل" أفلاطون"
قديما حول هذه الحقيقة في أسطورة الكهف المعروفة أن ما يقدمه لنا وعينا ما هو إلا ظلال وخلفها نختبئ حقيقتنا كموجودات " كما يحذر سبينوزا من الوهم الذي يغالط الشعور الذي لابد أن يكون واضحا خاصة على مستوى سلطان الرغبات والشهوات ومن هنا فقد الجحيم هم الآخرون على حد تعبير أنصار النقيض فيريد الأنا فرض وجوده وإثباته
ويدعو فرويد إلى التحرر الشخصي من إكراهات المجتمع للتعرف على قدرة الأنا في إتباع رغباته رغم أنها لا شعورية وهكذا فألانا لا يكون أنا إلا إذا كان حاضرا إزاء ذاته أي ذات عارفة .
النقد: إن هذا النقيض ينطلق من تصور يؤكد دور الأنا في تأسيس ذاته ولكن من زاوية أخرى نلاحظه قاصرا في إدراكها والتعرف عليها فليس في مقدور الأنا التحكم في ذاته وتسييرها في جميع الأحوال ففي ذلك قصور.
التركيب : من خلال لعرض الأطروحتين يتبين أن الأنا تكوين من الأخر كما انه شخصي هذا التأليف يؤكد عليه الفيلسوف الفرنسي غابريال مارسيل عن طريق التواصل أي رسم دائرة الانفراد دون العزلة عن الغير أي تشكيل للانا جماعي وفردي أي تنظيم ثنائي يكون ذات شاعرة ومفكرة في نفس الوقت .
03 – حل المشكلة:يمكن القول في الختام أن الشعور بالأنا يكون جماعيا عبر الأخر كما انه يرتبط بالأنا انفراديا ومهما يكن فالتواصل الحقيقي بين الأنا والأخر يكون عن طريق الإعجاب بالذات والعمل على تقويتها بإنتاج مشترك مع الغير الذي يمنحها التحفيز والتواصل الأصيل وتجاوز المآسي والكوارث . داخل مجال من الاحترام والتقدير والمحبة .

المقالة الثامنة :
الموضوع : قيل إن الحتمية أساس الحرية أثبت بالبرهان صحة هذه الأطروحة ؟ استقصاء بالوضع
طرح المشكلة: يقول أحد الفلاسفة " أعطيني حلا لمشكلة الحرية أعطيك حلا لكل المشاكل الفلسفية " إذا فربما هذه المقولة أكبر دليل يدفعنا إلى القول بأن الحرية من أعقد و أقدم المشكلات الفلسفية فهي لها صلة مباشرة بما وراء الطبيعة ولقد شاع بين بعض الفلاسفة من أنصار الحتمية أنه لا مجال للحديث عن الحرية في عالم تحكمه مجموعة من الحتميات الصارمة إلا أن هناك من يعتقد عكس ذلك وهم فريق أنصار التحرر الذين يروا أن التسليم بوجود الحتميات و إدراكها شرط لممارسة الحرية فإلى أي مدى يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة ؟ وهل يمكن إثباتها بحجج ؟ وبالتالي الأخذ برأي مناصريها ؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة : هذا الموقف الفلسفي يرفض الطرح الميتافيزيقي لمشكلة الحرية باعتبارها مشكلة الإنسان الذي يعيش في الواقع ويواجه جملة من الحتميات . وأول من ابتدأ الطرح الواقعي لها الفيلسوف المسلم "ابن رشد " ( 1126 – 1198) ونزع التعارض القائم بين الحرية والحتمية ؛ حيث قدم وجهة نظر جديرة بالاهتمام . فالإنسان عنده حر حرية محدودة في حدود قدرته وعلمه ووعيه حيث يقول في هذا الصدد " … أن الله تبارك و تعالى قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي أضداد . لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء ليس يتم لنا إلا بمواتاة الأسباب التي سخرها الله من خارج وزوال العوائق عنها ، كانت الأفعال المنسوبة إلينا تتم بالأمرين جميعا …" ونفس الموقف نجده يتكرر مع الفيلسوف الفرنسي بول فولكي عندما يقر أن الحرية والحتمية في واقع الأمر متكاملتان والتحرر حسبه يقتضي معرفة القيود و الموانع و الحتميات التي تعترضه .
المسلمات : وقد اعتمد هذا الموقف على المسلمة التالية : أن الحتمية والحرية مفهومان غير متناقضين – حسب الطرح الميتافيزيقي – وإنما الحتمية شرط ضروري لقيام الحرية .
الحجج: المعتمدة في هذا الطرح : نذكر منها الحجة الواقعية التي استخدمها بول فولكي في إثبات علاقة التكامل بين الحتمية والحرية بل رأى أنه انعدام الحتمية يؤدي إلى انعدام الحرية ؛ فعدم وجود قوانين تنظم السلوك الإنساني وتوجهه يؤدي إلى الفوضى في السلوك يفقد من خلالها الإنسان حريته وقد قوى حجته بمثال رائع حينما قال " إنه من السهل علينا أن نذهب حيث شئنا بسيارة لأن حركتها مضبوطة ومدروسة بدقة سلفا ، ولكنه من الصعب أن نستعمل الحصان لأن حركاته كثيرا ما تكون عفوية . وهناك حجة تاريخية تؤكد هذا الطرح : و هو أن الإنسان عندما تعرف كيف يقرأ مجهولات الطبيعة عن طريق العلوم الطبيعية خاصة استطاع بها الكائن البشري أن يتحرر من مجموعة من القيود هذا الذي جعل "مونيي " ( 1905 – 1950) يقول : " إن كل حتمية جديدة يكتشفها العالم تعد نوطة تضاف إلى سلم أنغام حريتنا " .
خصوم الأطروحة ونقدهم : يرى هذا الاتجاه أنه من التناقض الجمع بين الحرية والحتمية في آن واحد . فحسب هذا الموقف إما أن تكون الحرية كمفهوم مطلق موجودة [من دون أي إكراه خارجي أو داخلي وبما الإنسان كائن عقلاني كما يؤكد أهل إثبات الحرية بدلالة شهادة الشعور تارة حسب "ديكارت " ( 1596 – 1650) " مين يبيران " ( 1766 – 1824 ) و برغسون ( 1859 – 1941 ) حيث يعتبرها هذا الأخير إحدى مسلمات الشعور والتي ندركها بالحدس ، إنها حسبه ذلك الفعل الذي يتبع من الديمومة أو الأنا العميق أما سارتر ( 1905 – 1980 ) أن الحرية هي جوهر الوجود الإنساني وتارة أخرى يعتمد هذا الاتجاه باسم الحجة الأخلاقية بدعوى مشروعية التكليف ففريق المعتزلة يرى أنه يطلب من المكلف إما الترك أو الفعل و يؤكد على نفس الموقف الفيلسوف الألماني " إيمانويل كانط "( 1724 – 1804 ) حيث يقول " إذا كان يجب عليك فإنك تستطيع " بالإضافة إلى ذلك الحجة الاجتماعية والحجة الميتافيزيقية التي تثبت وجود الحرية ] وإما أن تكون الحرية غير موجودة بمفهوم مطلق أي توجد الحتمية التي تنفيها و يمثل هذه الفكرة " أهل النفي " وهم أنصار الميتافيزيقا الإسلامية ( يمثلها جهم بن صفوان المتوفي سنة 128 ه الذي يرى أن الإنسان مسير بإرادة الله ) في العصور الوسطى وامتداداتها إلى العصر الحديث مع موقف سبينوزا (1632 – 1677) الذي يقول بموقف الضرورة الإلهية. وكذلك نجد أنصار النزعة العلمية الحديثة الذين يقرون بأن الإنسان محفوف بمجموعة من الحتميات تمنعه أن يكون حرا حرية مطلقة وقد عددوها بين حتميات ؛ فيزيائية ( أفعال وأفكار الإنسان تنطبق عليها قوانين الحتمية مثل انطباقها على الظواهر الفيزيائية والكيميائية ) و حتمية بيولوجية ( يرتبط سلوك الإنسان بمكوناته البيولوجية التي تفرض عليه السلوكات التي يفعلها لهذا فهو يتصرف إلا في حدود هذه المكونات يقو العالم الإيطالي لومبرزو " أن المجرمين ليسوا مجرمين بإرادتهم وإنما الطبيعة البيولوجية هي التي أجبرتهم على ذلك " ) وحتمية نفسية ( ترى أن السلوك الإنساني مرتبط بالمجريات النفسية تأتي إما في شكل منبهات طبيعية واصطناعية حسب واطسن ( 1856 – 1939 ) أو تأتي على شكل مكبوتات لاشعورية يستطاع أن يتنبأ بها حسب فرويد و في كلتا الموقفين الإنسان هو محتم أن يعمل وفق هذه الضغوطات كلها وهذا يأخذنا إلى نوع أخير من الحتميات وهو الحتمية الاجتماعية ( ترى أن أفعال الإنسان الفردية إذا لم تلتزم بقواعد المجتمع التي تسير حياته مهما بلغت طموحاته فلا يجب على الإنسان أن يتجاوزها مثل ما يؤكد عليها دوركايم ( 1858 – 1917 ) ) وبعد أن عرضنا كل موقف الخصوم ورغم حججه الدامغة نجد أنه يتعرض إلى عدة انتقادات نكرها فيما يلي :
– نفي الحرية بحجة وجود الحتميات الداخلية و الخارجية ، دعوة إلى السلبية والخضوع والاستسلام وهذا الذي كان حاصلا فعلا في العالمين سواء الإسلامي في أواخر سقوط نهضته عندما لم يستمع لأفكار ابن رشد وانصاع لفكرة الحتمية ، أما العالم الغربي فقد نام طيلة العصور الوسطى بفكرة الحتمية المسيحية التي شللت عقول وجهود الإنسان الغربي .
– الإنسان يملك قوى كالعقل و الإرادة و الشعور تمكنه من إدراك الحتميات وتسخيرها لخدمة مصالحه
– الحرية ليست مشكلة للتأمل الميتافيزيقي بقدر ما هي مشكلة الإنسان وسلاحه لمواجهة كل أشكال الضغط . فعلى الفلسفة أن تواكب طموحات الإنسان لا أن تسكنه في معراج الأحلام الوهمية البعيدة عن التصور ولو تجسد للحظة وهم الحرية المطلقة.
– و ابرز من جسد الفعل النقدي للطرح الميتافيزيقي الفيلسوف كارل ماركس ( 1811 – 1883 ) الذي فضل تغيير العالم بدعوته إلى التحرر أحسن من تفسير العالم كما تعكف الفلسفة على فعله الآن . ولذلك أدرج التيار التقليدي الذي يطرح الحرية طرحا ميتافيزيقيا ضمن التيارات الرجعية الرافضة للتقدم الأمر الذي ساعد على تأسيس فكرا جديدا يمثله التيار التقدمي التنموي في مواجهة الثابت والستاتيكي .
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية شكلا ومضمونا :
إن الأطروحة القائلة بأن الحتمية أساس الحرية نستطيع الدفاع عنها و إثباتها بحجج و أدلة جديدة تتمثل فيما يلي :
أما الحجة الأولى تقول أنه كل دعوة إلى ممارسة الحرية خارج إطار القوانين دعوة إلى الفوضى و التمرد واللامبالاة فلو تركت الأجرام السماوية من دون نظام وقوانين لاختلطت وتصادمت يبعضها البعض ونفس المقياس نقيس به الإنسان فبقدر بحثه عن الحرية بقدر حاجته إلى قوانين تنظم حياته فها هانا حقا سيحصل التوازن لا محالة . أما الحجة الثانية فتقول أن الكائن البشري يسري في طريق تحرر كلما بذل من جهد عن طريق العمل مثل ما أكده الفيلسوف هيجل ( 1770 – 1831) واعتبره منبع للحرية كما بينه في جدليته الشهيرة " جدلية السيد والعبد " حيث تحول العبد بفضل العمل إلى سيد على الطبيعة و سيد سيده ، أما السيد فهو عبد للطبيعة وعبد لعبده لارتباطه بعبده في تلبية حاجياته . أما الحجة الثالثة قائمة على دور العلم في كشف القوانين التي تعتبر قيود تنتظر الفك نحو تحرر الإنسان منها . فقد سجل الإنسان حسب الاستقراءات التاريخية قفزات هائلة في حلقات الانتصار على الطبيعة وظواهرها ( الفيضانات ، البراكين ، الأمراض …) أنظروا معي في المقابل (أنشئت السدود ، أخليت المناطق البركانية ، اكتشفت كل أنواع المضادات ضد أفتك الأمراض مثل داء الكلب كان يشكل حتمية مخيفة على الإنسانية في فترة من الفترات إلى أن جاءت مضادات باستور وحررت الإنسان من قيد الموت المؤكد…) و نفس الحال يتكرر كلما اشتدت الحمية خناقا على الإنسان جاء العلم ليحل ويطلق سراح الإنسان من خوفه وحيرته . كما أننا يجب أن ننتبه أن إنسان اليوم صار أكثر حرية من إنسان الماضي لأنه أكثر اكتشافا للحتميات فبفضل قوانين الأثير أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة على حد قول عالم الاجتماع الكندي ماك لوهان وصولا إلى فضاء الانترنت و إلى كل أنواع التقدم الحاصل إلى حد كتابة هذه المقالة ، ضف إلى ما توصل إليه الإنسان في معرفة القوانين النفسية التي مكنت الإنسان من التحرر من نقائص الطبع ومختلف الميول والرغبات والعقد النفسية المختلفة ، أما في الجانب الاجتماعي فلقد استطاع علماء الاجتماع أن يحصوا الظواهر التي تؤذي المجتمعات الإنسانية فقاموا بتقليص كل المشاكل التي تهدد انهياراتها مثال حي أنظر سياسة تعامل المجتمعات الغربية مع ظاهرة التدخين أو ظاهرة المخدرات من أجل تقليص أعدادهم وتضمن السلامة الكافية لراسمي مستقبلها . وقس على ذلك كل الممارسات السياسية و الاقتصادية في ظل عملية التأثر والتأثير بين الفرد ومجتمعه في مسائل الالتزام بالقوانين والشعور بالتكليف والمسؤولية وفي نفس الوقت المطالبة بكل أنواع الحقوق و في جميع المجالات .
حل المشكلة : وبعد أن صلنا وجلنا في غمار هذه الأطروحة نؤكد على مشروعية الدفاع و الإثبات لأنه يظهر لنا أن القول بأن الحتمية أساس الحرية أمر أكده العلم وأثبت تاريخ العلوم و الاكتشافات و كل الاختراعات ذلك ومنه نخلص إلى أنه كلما زادت وتطورت معارف الإنسان كلما اتسعت دائرة الحرية . وعليه نكثر من تكرار قول لا بد من معرفة الحتميات و القوانين شرط لممارسة الحرية و التأكيد على الطابع العملي لمشكلة الحرية لا يستبعد الجانب الفكري الذي يتمثل في الوعي بالأهداف و الغايات و الأبعاد لفعل التحرر . فنحن نعيش في وقتنا الحاضر لحظة رعب من إفلونزا الخنازير جعل من منظمة الصحة العالمية أن تدق ناقوس الخطر بل جعلت المرض في الدرجة الخامسة لكننا متأكدين أن العلم لن يقبع متفرجا أمام هذا المرض لأن الإنسان مرتبط دائما بآية قرآنية "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " وهي كونية بالنسبة لأي إنسان شد الرحال إلى أن يكتشف ألغاز الطبيعة وهذا ما يؤكد فعلا صحة أطروحتنا .

المقالة التاسعة : إذا كان العقليون يرجعون المفاهيم الرياضية إلى العقل و التجريبيون إلى التجربة . فكيف يمكن تهذيب هذا التناقض ؟ جدلية
1- طرح المشكلة: لقد أولع الإنسان منذ الزمن الغابر على طلب الحقيقة بكل أصنافها ؛ منها النمط الفلسفي و النمط العلمي و أعظمها شأنا النمط الرياضي ، الذي واكب كل تطورات الإنسان عبر العصور و ميز أعظم الحضارات بقوتها المادية ، لكن التفكير الفلسفي – سيد المعارف في العصور القديمة و العصور الوسطى – اهتم بالمعرفة الرياضية اهتماما تعلق بمناهجها ، بمنطلقاتها ، و قبله تساءل حول نشأتها ؛ فانقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ، نزعة عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل دون التجربة ، ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية مهما بلغت من التجريد العقلي ، فإنها ليست من العقل في شيء ، بل يكتسبها الإنسان عن طريق تجاربه الحسية . فما حقيقة الأمر؟ فهل المفاهيم الرياضية في نموها انبثقت من التجربة أم من العقل ؟ أي الفريقين على صواب ؟
2 –محاولة حل المشكلة :
1 – الأطروحة والبرهنة عليها: إن المفاهيم الرياضية ، فيما يرى الموقف العقلي أو المثالي ، نابعة من العقل و موجودة فيه قبليا ، أي بمعزل عن كل تجربة . فهي توجد في العقل قبل الحس أي أن العقل لم يفتقر في البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه
– ودليلهم على ذلك أننا إذا تصفحنا تلك المعرفة وجدناها تتصف بمميزات منها ، المطلقية و الضرورة والكلية ، وهي مميزات خالصة موجودة في المعرفة الرياضية، وتتعذر في غيرها من العلوم التي تنسب إلى التجربة و لقد وقف للدفاع عن هذا الرأي عدد من الفلاسفة من العصر القديم إلى العصر الحديث أمثال أفلاطون و ديكارت وإيمانويل كانط نذكر مواقفهم فيما يلي :
أ : نجد التفسير المثالي القديم مع الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي أعطى السبق للعقل الذي – بحسبه – كان يحيا في عالم المثل ، وكان على علم بسائر الحقائق ، ومنها المعطيات الرياضية الأولية التي هي أزلية وثابتة مثل المستقيم و الدائرة و التعريف الرياضي و يقول في هذا الصدد " الدائرة هي الشكل الذي تكون جميع أبعاده متساوية عن المركز "
ب : أما الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت يرى أن المعاني الرياضية من أعداد و أشكال رياضية هي أفكار فطرية مثل فكرة الله و ما يلقيه الله في الإنسان من مفاهيم لا يجوز فيه الخطأ . و ديكارت قبل أن يصل إلى رسم منهجه المعرفي و اكتشافه لفكرة الكوجيتو كان قد شك في كل المعارف التي تلقاها من قبل إلا المعاني الرياضية التي وجدها تتميز بالبداهة والوضوح وعلى منوالها فيما بعد بنى نظرتيه المعرفية مؤسسا للمذهب العقلي .
ج : أما زعيم الفلسفة النقدية الفيلسوف الألماني كانط يعتبر أن المكان و الزمان مفهومان مجردان سابقان لكل تجربة و لا يمكن للمعرفة أن تتم إذا لم تنتظم داخل إطار الزمان والمكان القبليان
النقد : لكن مهما بدت هذه المعاني الرياضية مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن المعطيات الحسية و إلا كيف يمكننا أن نفسر الاتجاه التطبيقي للهندسة والحساب لدى شعوب الحضارات الشرقية القديمة .
2 – نقيض الأطروحة والبرهنة:إن المفاهيم الرياضية مثل جميع معارفنا فيما يراه الحسيون و التجريبيون أمثال جون لوك و دافيد هيوم و جون ستيوارت مل لم ترد على الإنسان من أي جهة أخرى غير العالم الواقعي الحسي أو التجريبي فهو مصدر اليقيني للمعرفة ، وبالتالي لجميع الأفكار و المبادئ ، و أن كل معرفة عقلية هي صدى لإدركاتنا الحسية عن هذا الواقع ، و على هذا الأساس تصبح التجربة المصدر اليقيني لكل معارفنا ، و أنها هي التي تخط سطورها على العقل الذي هو شبيه بالصفحة البيضاء ، و ليس ثمة في ذهنه معارف عقلية قبلية مستقلة عما تمده لنا الخبرة وتلقنه له الممارسات و التجارب ، و في هذا يقولون " لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة " و أدلتهم كثيرة نبينها فيما يلي :
أ : فمن يولد فاقد للحاسة فيما يقول هيوم ، لا يمكنه بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار . فالمكفوف لا يعرف ما اللون و الأصم لا يعرف ما الصوت . أما مل يرى أن المعاني الرياضية مثل النقاط و الخطوط و الدوائر " مجرد نسخ " جزئية للأشياء المعطاة في التجربة الموضوعية . و لهذا ، فإن الرياضيات تعتبر عند مل و غيره من الوضعيين المعاصرين علم الملاحظة
ب : توجد شواهد أخرى تؤيد موقف التجربين منها أصحاب علم النفس و أصحاب علم التاريخ . فالطفل في نظر علماء النفس في مقتبل عمره يدرك العدد مثلا ، كصفة للأشياء و أن الرجل البدائي لا يفصله عن المعدود ، إذ نراه يستخدم لكل نوع من الأشياء مسميات خاصة ، و أكثر من ذلك فلقد استعان عبر التاريخ عن العد بالحصى و بالعيدان و بأصابع اليدين و الرجلين و غيرهما و هذا ما يدل على النشأة الحسية و التجريبية للمفاهيم الرياضية بالنسبة للأطفال و البدائيين لا تفارق المجال الإدراكي الحسي و كأنها صفة ملابسة للشيء المدرك . و أكد الدارسين لتاريخ العلم أن الرياضيات قبل أن تصبح معرفة عقلية مجردة قطعت مرحلة كلها تجريبية فالهندسة ارتبطت بالبناء والتصاميم و تقدير مساحات الحقول و الحساب ارتبط بعد الأشياء فقط من أجل تحديد القيمة . الجمع و الطرح و القسمة و الضرب و هذا ما نجده عند الفراعنة و البابليين .
النقد : لكن مهما بدت هذه المعاني الرياضية محسوسة و تجريبية فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن المعطيات العقلية التجريدية و إلا كيف يمكننا أن نفسر المطلقية في الرياضيات " الرياضيات تكون صحيحة متى ابتعدت عن الواقع " و تأثيرها على جميع العلوم إلى درجة أصبحت معيار كل العلوم .
3- التركيب : المفاهيم الرياضية وليدة العقل و التجربة معا ، نجد أن المهذبين المتعارضين في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية قد فصلوا تماما بين العقل و التجربة ، رغم أن تاريخ الرياضيات يبين لنا أن المعاني الرياضية لا يمكن اعتبارها أشياء محسوسة كلها ، و لا مفاهيم معقولة خالصة ، بل يمكن أن يتكاملا معا لتفسر نشأة المعاني الرياضية ، لأن هذه المعاني لم تنشأ دفعة واحدة ، بل نمت و تطورت بالتدرج عبر الزمن ، فقد بدأت المفاهيم حسية تجريبية في أول أمرها ، ثم تطورت و أصبحت مفاهيم استنتاجية مجردة ، بل تعبر عن أعلى مراتب التجريد ، باستعمال الصفر ، الأعداد الخيالية ، و المركبة ، و المنحنيات التي لا مماس لها …لهذا قال " بياجي " : " إن المعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا ، و أن التجربة ضرورية لعملية التشكيل و التجريد " .
3 -حل المشكلة : و عليه يمكن القول : إن الرياضيات هي عالم العقل و التجريد ، و ليس هناك حد يقف أمام العقل في ابتكار المعاني الرياضية ، و في الكشف عن العلاقات ، و توظيفاتها ، و هي حرية لا يحدها سوى أمر واحد هو الوقوع في التناقض . و هذا ما يؤدي إلى الخطأ أو فساد النسق الاستدلالي .

المقالة العاشرة : فندالأطروحة القائلة : " المعاني الرياضية فطرية وبالتالي مصدرها العقل " استقصاء بالرفع
1 ←طرح المشكلة :
إذا كان الإنسان يتفوق على بقية الكائنات بالعقل ، وبواسطته يستطيع التفكير ، وهذا الأخير ، هو أنواع ، تفكير فلسفي و تفكير علمي وتفكير رياضي وموضوعه الرياضيات وهي مجموعة من المفاهيم العقلية المجردة ، وبالتالي فهي تدرس المقادير الكمية القابلة للقياس ، ومنهجها استنتاجي عقلي لأن الرياضي ينتقل من مبادئ عامة كالبديهيات ثم يستنتج نظريات خاصة تكون صحيحة ، إذا لم تتعارض مع تلك المقدمات ، ولقد شاع لدى الفلاسفة أن أصل المفاهيم الرياضية عقلي وبالتالي فهي فطرية يولد الإنسان وهو مزود بها ، إلا أن هذه الأطروحة فيها كثير من المبالغة والخطأ ، وهذا النقص حاول أن يظهره خصومهم من الفلاسفة الذين أرجعوا أصلها للتجربة وبالتالي فهي مركزية وهذا الذي يدفعنا إلى الشك في صدق أطروحة " المعاني الرياضية فطرية وبالتالي مصدرها العقل " فكيف يمكن أن رفض هذه الأطروحة ؟ أو بعبارة أخرى إلى أي حد يمكن تفنيد الرأي القائل بأن نشأة الرياضيات كانت عقلية ؟
2 ← محاولة حل المشكلة :
أ – منطق الأطروحة إن المنطق هذه الأطروحة يدور حول نشأة الرياضيات ، حيث يرى بعض الفلاسفة وخاصة أفلاطون و ديكارت بأن المعاني الرياضية أصلها عقلي أي نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا بعيدة عن كل تجربة حسية .
المسلمات : وقد اعتمدوا على مسلمات أهمها : – لا يمكن أن تكون التجربة هي مصدر الرياضيات أي أنهم نفوا بأن تكون المعاني الرياضية مكتسبة عن طريق الملاحظة الحسية .
الحجج : الحجة الأولى تتمثل في أنهم أكدوا بأن هناك اختلاف في المفاهيم الرياضية كالمكان الهندسي ، و اللانهايات ، والدوال والكسور و الأعداد … والطبيعة التي لا تحتوي على هذه الموضوعات الرياضية المجردة ، مثال ذلك فالنقطة الهندسية التي لا تحتوي على ارتفاع ولا على طول ولا على عرض فهي تختلف عن النقطة الحسية التي تشغل حيزا ونفس الشيء بالنسبة للمفاهيم الأخرى. أما الحجة الثانية فقد أكدها الفيلسوف اليوناني أفلاطون حيث يعتقد بأن المعاني الرياضية مصدرها العقل الذي كان يحي في عالم المثل ، وكان على علم بكافة الحقائق بما فيها المعاني الرياضية كالخطوط و الأشكال و الأعداد ، حيث تتصف بأنها واحدة و ثابتة ، وما على الإنسان في هذا العالم الحسي إلا بتذكرها ويدركها العقل بوحده . و نأتي على الحجة الأخيرة التي جاء بها الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي أن المفاهيم الرياضية من أعداد وأشكال هي أفكار فطرية و تتصف بالبداهة و اليقين ، فمفهوم اللانهاية لا يمكن أن يكون مكتسبا من التجربة الحسية لأن التجربة متناهية .
ب – نقد أنصار الأطروحة إن هذه الأطروحة لها مناصرين وهم أصحاب المذهب العقلاني و المذهب المثالي عموما وخاصة كانط الذين فسروا الرياضيات تفسيرا عقليا و هذا بإرجاعها إلى المبادئ العقلية التي يولد الإنسان و هو مزود بها حيث يعتقد كانط بأن الزمان و المكان و هما مفهومان رياضيان ، وبالتالي صورتان قبليتان فطريتان ، والدليل على ذلك أن المكان التجريبي له سمك ومحدود ، بينما المكان الرياضي مستوي و غير متناهي …. لكن موقف هؤلاء المناصرين تعرض لعدة انتقادات نظرا لأنه ينطوي على نقائص أهمها :
– لو كانت المفاهيم الرياضية فطرية كما يدعي هؤلاء الفلاسفة لوجدناها عند الطفل الصغير بطابعها المجرد ، لكن الواقع يؤكد أن الطفل لا يفهم المعاني الرياضية إلا إذا استعان بأشياء محسوسة كالأصابع و الخشيبات …كما انه لو كانت هذه المفاهيم فطرية في عقل الإنسان ، فلماذا لا يأتي بها دفعة واحدة ؟ مع العلم أن هذه المعاني تتطور الرياضيات عبر العصور التاريخية وهذا بظهور ما يعرف بالهندسة اللاإقليدية المعاصرة التي تختلف عن الهندسة الكلاسيكية الإقليدية و هذا يدل على أن العقل لا يعتبر المصدر الوحيد لها .
إن هذه الانتقادات الموجهة لأنصار الأطروحة هي التي تدفعنا إلى البحث عن حجج و أدلة أخرى للإكثار من إبطالها ودحضها .
ج – إبطال الأطروحة بحجج شخصية شكلا و مضمونا : إن أنصار النظرية العقلية المثالية قد تطرفوا و بالغوا في تفسيرهم لنشأة الرياضيات بتركيزهم على العقل وحده ، بينما هو عاجز عن إدراك هذه المعاني الرياضية أحيانا ، و أهملوا دور الملاحظة الحسية التي تساهم بدورها في وجود هذه المفاهيم ،، وهذا ما أكده أنصار النظرية التجريبية و المذهب التجريبي عموما و خاصة جون ستيوارت مل الذين يعتقدون بأن الرياضيات مكتسبة عن طريق تجربة الحسية بدليل الاستقراء التاريخي يؤكد بأن تجربة مسح الأراضي كما مارسها قدماء المصريين قد ساعدت على نشوء ما يعرف بالهندسة . كما أن الواقع يؤكد بأن الطبيعة تنطوي على أشكال هندسية بدليل قرص الشمس يوحي لنا بالدائرة ، والجبل بالمثلث لهذا يقول مل " إن النقط والخطوط و الدوائر الموجودة في أذهاننا هي مجرد نسخ للنقط و الخطوط و الدوائر التي نراها في تجربتنا الحسية … "
حل المشكلة: إذن نستنتج بأن الأطروحة : " إن المفاهيم الرياضية فطرية و بالتالي مصدرها العقل " ، باطلة و بالتالي لا يمكن الأخذ برأي مناصريها لأن الواقع و التاريخ يؤكدان بأن المفاهيم الرياضية نشأت نشأة تجريبية ثم تطورت فيما بعد إلى مفاهيم عقلية مجردة ، لهذا فهذه الأطروحة فاسدة بحجج كافية .

المقالة الحادية عشر : يقول هنري بوانكاريه : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن … » دافع عن هذه أطروحة استقصاء بالوضع
طرح المشكلة : إن الفرضية هي تلك الفكرة المسبقة التي توحي بها الملاحظة للعالم ، فتكون بمثابة خطوة تمهيدية لوضع القانون العلمي ، أي الفكرة المؤقتة التي يسترشد بها المجرب في إقامته للتجربة . ولقد كان شائعا بين الفلاسفة والعلماء من أصحاب النزعة التجريبية أنه لم يبق للفرضية دور في البحث التجريبي إلا أنه ثمة موقف آخر يناقض ذلك متمثلا في موقف النزعة العقلية التي تؤكد على فعالية الفرضية و أنه لا يمكن الاستغناء عنها لهذا كان لزاما علينا أن نتساءل كيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة؟ هل يمكن تأكيدها بأدلة قوية ؟ و بالتالي تبني موقف أنصارها ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة :يذهب أنصار الاتجاه العقلي إلى أن الفرضية كفكرة تسبق التجربة أمر ضروري في البحث التجريبي ومن أهم المناصرين للفرضية كخطوة تمهيدية في المنهج التجريبي الفيلسوف الفرنسي كلود برنار ( 1813 – 1878 ) و هو يصرح بقوله عنها « ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل» ويقول في موضع أخر « الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع و إليها ترجع كل مبادرة » وبالتالي نجد كلود برنار يعتبر الفرض العلمي خطوة من الخطوات الهامة في المنهج التجريبي إذ يصرح « إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة »
المسلمات والبرهنة : أما المسلمة المعتمدة في هذه الأطروحة هو أن " الإنسان يميل بطبعه إلى التفسير و التساؤل كلما شاهد ظاهرة غير عادية " وهو في هذا الصدد يقدم أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثه عن العالم التجريبي " فرانسوا هوبير" ، وهو يقول أن هذا العالم العظيم على الرغم من أنه كان أعمى فإنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها ،، ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية ، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربة لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطبع العقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة مسبقة . و بهذا المثال نكون قد أعطينا أكبر دليل على وجوب الفرضية وهي حجة منطقية تبين لنا أنه لا يمكن أن نتصور في تفسير الظواهر عدم وجود أفكار مسبقة و التي سنتأكد على صحتها أو خطئها بعد القيام بالتجربة .
خصوم الأطروحة : هذه الأطروحة لها خصوم وهم أنصار الفلسفة التجريبية و الذين يقرون بأن الحقيقة موجودة في الطبيعة و الوصول إليها لا يأتي إلا عن طريق الحواس أي أن الذهن غير قادر على أن يقودنا إلى حقيقة علمية . والفروض جزء من التخمينات العقلية لهذا نجد هذا الاتجاه يحاربها بكل شدة ؛ حيث نجد على رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل ( 1806 – 1873 ) الذي يقول فيها « إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة »وقد وضع من أجل ذلك قواعد سماها بقواعد الاستقراء متمثلة في : ( قاعدة الاتفاق أو التلازم في الحضور _ قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب – قاعدة البواقي – قاعدة التلازم في التغير أو التغير النسبي ) وهذه القواعد حسب " مل " تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية . ومنه فالفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج – لأنها تشكل الخطوة الأولى لتأسيس القانون العلمي بعد أن تحقق بالتجربة – هذا الذي دفع من قبل العالم نيوتن يصرح ب : « أنا لا أصطنع الفروض » كما نجد "ما جندي" يرد على تلميذه كلود برنار : «اترك عباءتك ، و خيالك عند باب المخبر » .
نقد منطقهم : أما عن التعرض للإطار العقلي للفرض العلمي ؛ فالنزعة التجريبية قبلت المنهج الاستقرائي وقواعده لكنها تناست أن هذه المصادر هي نفسها من صنع العقل مثلها مثل الفرض أليس من التناقض أن نرفض هذا ونقبل بذاك .
– كما أننا لو استغنينا عن مشروع الافتراض للحقيقة العلمية علينا أن نتخلى أيضا عن خطوة القانون العلمي – هو مرحلة تأتي بعد التجربة للتحقق من الفرضية العلمية – المرحلة الضرورية لتحرير القواعد العلمية فكلاهما – الفرض ، القانون العلمي – مصدران عقليان ضروريان في البحث العلمي عدمهما في المنهج التجريبي بتر لكل الحقيقة العلمية .
– كما أن عقل العالم أثناء البحث ينبغي أن يكون فعالا ، وهو ما تغفله قواعد "جون ستيوارت مل "التي تهمل العقل و نشاطه في البحث رغم أنه الأداة الحقيقية لكشف العلاقات بين الظواهر عن طريق وضع الفروض ، فدور الفرض يكمن في تخيل ما لا يظهر بشكل محسوس .
– كما أننا يجب أن نرد على "جون ستيوارت مل" بقولنا أنه إذا أردنا أن ننطلق من الملاحظة إلى التجربة بالقفز وتجاهل الفرضية فنحن مضطرين لتحليل الملاحظة المجهزة تحليلا عقليا و خاصة إذا كان هذا التحليل متعلق بعالم يتصف بالروح العلمية . يستطيع بها أن يتجاوز تخميناته الخاطئة ويصل إلى تأسيس أصيل لنظريته العلمية مستعملا الفرض العلمي لا متجاوزا له .
– أما" نيوتن " ( 1642 – 1727 )لم يقم برفض كل أنواع الفرضيات بل قام برفض نوع واحد وهو المتعلق بالافتراضات ذات الطرح الميتافيزيقي ، أما الواقعية منها سواء كانت علية ، وصفية ، أو صورية فهي في رأيه ضرورية للوصول إلى الحقيقة . فهو نفسه استخدم الفرض العلمي في أبحاثة التي أوصلته إلى صياغة نظريته حول الجاذبية .
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية شكلا ومضمونا :
إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلى الدفاع مرة أخرى عن الأطروحة القائلة : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن … » ، ولكن بحجج وأدلة جديدة تنسجم مع ما ذهب إليه كلود برنار أهمها :
– يؤكد الفيلسوف الرياضي " بوانكاريه " ( 1854 – 1912 ) وهو يعتبر خير مدافع عن دور الفرضية لأن غيابها حسبه يجعل كل تجربة عقيمة ، «ذلك لأن الملاحظة الخالصة و التجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم » مما يدل على أن الفكرة التي يسترشد بها العالم في بحثه تكون من بناء العقل وليس بتأثير من الأشياء الملاحظة وهذا ما جعل بوانكاريه يقول أيضا « إن كومة الحجارة ليست بيتا فكذلك تجميع الحوادث ليس علما »
– إن الكشف العلمي يرجع إلى تأثير العقل أكثر مما يرجع إلى تأثير الأشياء يقول " ويوال " : « إن الحوادث تتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يحي الفكر المبدع .» والفرض علمي تأويل من التأويلات العقلية .
– إن العقل لا يستقبل كل ما يقع في الطبيعة استقبالا سلبيا على نحو ما تصنع الآلة ، فهو يعمل على إنطاقها مكتشفا العلاقات الخفية ؛ بل نجد التفكير العلمي في عصرنا المعاصر لم يعد يهمه اكتشاف العلل أو الأسباب بقدر ما هو اكتشاف العلاقات الثابتة بين الظواهر ؛ والفرض العلمي تمهيد ملائم لهذه الاكتشافات ، ومنه فليس الحادث الأخرس هو الذي يهب الفرض كما تهب النار الفرض كما تهب النار ؛ لأن الفرض من قبيل الخيال ومن قبيل واقع غير الواقع المحسوس ، ألم يلاحظ أحد الفلكيين مرة ، الكوكب "نبتون" قبل " لوفيري " ؟ ولكنه ، لم يصل إلى ما وصل إليه " لوفيري " ، لأن ملاحظته العابرة لم تسبق فكرة أو فرض .

– لقد أحدثت فلسفة العلوم ( الابستملوجيا ) تحسينات على الفرض – خاصة بعد جملة الاعتراضات التي تلقاها من النزعة التجريبية – ومنها : أنها وضعت لها ثلاثة شروط ( الشرط الأول يتمثل : أن يكون الفرض منبثقا من الملاحظة ، الشرط الثاني يتمثل : ألا يناقض الفرض ظواهر مؤكدة تثبت صحتها ، أما الشرط الأخير يتمثل : أن يكون الفرض كافلا بتفسير جميع الحوادث المشاهدة ) ، كما أنه حسب "عبد الرحمان بدوي " (1917 – 2022) لا نستطيع الاعتماد على العوامل الخارجية لتنشئة الفرضية لأنها برأيه « … مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض … » بل حسبه أيضا يعتبر العوامل الخارجية مشتركة بين جميع الناس ولو كان الفرض مرهونا بها لصار جميع الناس علماء وهذا أمر لا يثبته الواقع فالتفاحة التي شاهدها نيوتن شاهدها قبله الكثير لكن لا أحد منهم توصل إلى قانون الجاذبية . ولهذا نجد عبد الرحمان بدوي يركز على العوامل الباطنية ؛ «… أي على الأفكار التي تثيرها الظواهر الخارجية في نفس المشاهد …»
– ومع ذلك ، يبقى الفرض أكثر المساعي فتنة وفعالية ، بل المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواء كانت صحته مثبتة أو غير مثبتة ، لأن الفرض الذي لا تثبت صحته يساعد بعد فشله على توجيه الذهن وجهة أخرى وبذلك يساهم في إنشاء الفرض من جديد ؛ فالفكرة إذن منبع رائع للإبداع مولد للتفكير في مسائل جديدة لا يمكن للملاحظة الحسية أن تنتبه لها بدون الفرض العلمي .
حل المشكلة :
نستنتج في الأخير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار دور الفرضية أو استبعاد آثارها من مجال التفكير عامة ، لأنها من جهة أمر عفوي يندفع إليه العقل الإنساني بطبيعته ، ومن جهة أخرى وهذه هي الصعوبة ، تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم وشعوره الخالص وقديما تنبه العالم المسلم الحسن بن الهيثم ( 965 – 1039 ) – قبل كلود برنار _ في مطلع القرن الحادي عشر بقوله عن ضرورة الفرضية « إني لا أصل إلى الحق من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية و صورتها الأمور العقلية » ومعنى هذا أنه لكي ينتقل من المحسوس إلى المعقول ، لابد أن ينطلق من ظواهر تقوم عليها الفروض ، ثم من هذه القوانين التي هي صورة الظواهر الحسية .وهذا ما يأخذنا في نهاية المطاف التأكيد على مشروعية الدفاع وبالتالي صحة أطروحتنا.

المقالة الثانية عشر : هل الرياضيات علم عقلي بحت ؟ جدلية
طرح المشكلة : تختلف الرياضيات عن العلوم الحسية في كونها تستمد موضوعها من التصورات الذهنية الإنشائية لقضايا مجردة تتعلق بالمقادير الكمية في حين أن العلوم الأخرى تقوم على وصف الأشياء الواقعية الحسية الموجودة فعلا . و هذا يجعل الرياضيات لا تبحث في موضوعاتها من حيث هي معطيات حسية بل من حيث هي رموز مجردة مجالها التصور العقلي البحت فإذا كان مدار البحث الرياضي هو المفاهيم أو المعاني أو الرموز الرياضية فهل هذه المعاني أشياء ذهنية من ابتكار العقل لا غير ؟ أو بمعنى آخر هل الرياضيات إبداع عقلي خالص لا صلة لها بالتجربة الواقعية ؟
محاولة حل المشكلة:
الاطروحة الاولى والبرهنة عليها: الرياضيات علم عقلي لا صلة له بالواقع : يرى أنصار الاتجاه العقلي والمثالي أن مبادئ المعرفة فطرية . وأن المفاهيم الرياضية موجودة في العقل قبليا (أي قبل التجربة) فعملية الجمع , و الخط المستقيم والمثلث هي معاني رياضية حاصلة في العقل بالفطرة . وقد حاول أفلاطون في محاورة مينون – وهو عبد جاهل للهندسة استطاع أن يكتشف بنفسه كيف يمكن إنشاء مربع – إثبات أن العلم قائم في النفس بالفطرة , والتعلم مجرد تذكر له وليس اكتسابا من الواقع , وهو ما نجده عند ديكارت بمعنى يختلف عن أفلاطون قليلا حيث أن المعاني الفطرية ليست واضحة بذاتها بل حاصلة في النفس بالاستعداد والقابلية . ولقد انفتحت مع ديكارت آفاق واسعة أمام الرياضيات . فراحت تحلق في عالم التجريد وتشيد أبراجا ذهنية تزداد بعدا عن الواقع الحسي , فالأعداد الكسرية , و الدائرة … ليس لها ما يقابلها في عالم الواقع … وقد تحولت الرياضيات كلها إلى عمليات جبرية لا تخضع إلا لقواعد المنطق حتى كادت أن ترد إليه . كما أن الفكر العربي قد اعتبر الموضوعات الرياضية موضوعات عقلية يتم استخلاصها عن طريق عمليتي التجريد والتعميم وفي هذا يقول الفارابي :" علم العدد النظري يفحص عن الأعداد على الإطلاق … وإن الهندسة النظرية إنما تنظر في خطوط وسطوح و أجسام على الإطلاق والعموم " … كما كانت للعرب إبداعات عديدة في هذا الميدان حتى أن البعض منها ما يزال ذا صلة باسم مخترعيه مثلا اللوغاريتم الذي يرتبط باسم الرياضي العربي الشهير الخوارزمي وهو مخترع علم الجبر .
مناقشة : لكن الرياضيات بمفاهيمها المختلفة وبكل ما تتمتع به من تجريد إلا أنها ليست مستقلة عن المعطيات الحسية , فالدراسات المتتبعة للفكر الرياضي تكشف جوانبه التطبيقية .
نقيض الاطروحة والبرهنة :الرياضيات علم يرتبط بالواقع وينطلق منه : يذهب أنصار الاتجاه الحسي أو التجريبي إلى أن التفكير الرياضي كان مرتبطا بالواقع و أن الحضارات الشرقية القديمة استخدمت طرقا رياضية في مسح الأراضي الزراعية وفي الحساب فكانت الرياضيات وليدة الملاحظة و التجربة , فالهندسة في مصر القديمة نشأت على صورة فن المساحة , كما أن البابليين استخدموا الهندسة والحساب في تنظيم الملاحة والفلاحة والري .
وهكذا نلاحظ أن الرياضيات كانت في الأصل تجريبية خاضعة لتأثيرات صناعية عملية و أن الأساس الذي بنى عليه اليونان صرحهم الرياضي النظري هو الرياضيات العملية التي عرفتها الحضارات الشرقية القديمة . و لعل هذا ما دفع " جون لوك " إلى الرد على ديكارت بأنه لا وجود لمعاني فطرية في النفس لأن الأطفال والبله والمتوحشين لا يعرفونها . كما يؤكد " كوندياك " على أن الإحساس هو المنبع الذي تنبجس منه جميع قوى النفس . مما يعني أن بداية الرياضيات كانت بداية حسية انطلاقا من تعامل الإنسان مع الأشياء التي تحيط به كالعد بالأصابع أو الحصي وترتيب الأشكال ثم تدرج شيئا فشيئا في تجريد الأعداد والأشكال فاكتسبت هذه الأخيرة صورتها المجردة فاستخرج الإنسان قوانينها فأصبحت علما نظريا , وعليه يكون فن المساحة العملي قد سبق علم الهندسة النظري , وفن الآلات قد سبق علم الميكانيك . فاهتدى الفكر البشري بصورة عملية إلى معرفة خواص الأشكال والآلات قبل أن يتوصل إلى البرهان عليها .
مناقشة: لكن التصورات التي تربط كلا من الهندسة والحساب بالتطبيقات العملية والحاجات الاجتماعية تختلف اختلافا جذريا عن التصور الجديد للعلم الرياضي الذي أصبح موضوعه ماهيات ذهنية تتمتع بالاستقلال التام عن الواقع .
التركيب: إن الرياضيات كعلوم عقلية نظرية قامت في الأصل على أمور مادية تجريبية ثم تمكن العقل بعد ذلك من تجريدها وانتزاعها من مادتها تدريجيا فأصبحت عقلية خالصة . فعالم الهندسة اليوم لا يهمه أن يكون المثلث الذي يبحث فيه من الخشب أو الحديد بل الذي يعنيه هو المثلث الذي تصوره و عرفه ووضع له مفهوما يصدق على كل مثلث . ا يقول جورج سارطون : " إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم الرياضية نشوءا , فقد كانت في الماضي تجريبية ثم تجردت من هذه التأثيرات فأصبحت علما عقليا " .
حل المشكلة:إن الواقع الحسي كان منطلق التفكير الرياضي , فلم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا ملتبسة بلواحقها المادية , و لكن هذا التفكير تطور بشكل مستمر نحو العقلية الخالصة إذ انتزع العقل مادته وجردها من لواحقها حتى جعل منها مفهوما عقليا محضا مستقلا عن الأمور الحسية التي كانت ملابسة له وبهذا أصبحت الرياضيات بناء فكري يتم تشييده بواسطة فروض يقع عليها الاختبار دون النظر إلى صدقها أو كذبها في الواقع , بل الصدق الوحيد المطلوب هو خلو هذا البناء من أي تناقض داخلي وعليه فالرياضيات علم عقلي.

المقالة الثالثة عشر : هل اللغة منفصلة عن الفكر؟ جدلية
طرح المشكلة : للغة معنيان عام وخاص، يتحدد المعنى الأخير حسب لالاند في كونها التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا أي أثناء عمليتي التفكير الداخلي والتواصل الخارجي. ولكن ماذا نستنتج من كلمة "التعبير"؟ هل يعني ذلك أن اللغة تعبر بعديا عن فكر سابق ومستقل؟ أم أن الفكر لا يوجد قبل أو خارج سيرورة التعبير اللغوي؟ بعبارة أخرى: هل تجمع الفكر واللغة علاقة أسبقية وانفصال أم علاقة تزامن واتصال؟
الاطروحة والرهنة عليها : يرى أنصار الاتجاه الثنائي أن الفكر سابق عل اللغة و أوسع منها أي العلاقة بينهما هي علاقة انفصال. وقد استشهدوا على ذلك بالتجربة أو الملاحظة الداخلية أو مايسمى بالإستبطان والتي تؤكد وجود فكر غير منطوق به أي فكرا خالصا منفصلا عن التعبير اللغوي، وتتخذ هذه الأسبقية شكلين: أسبقية زمنية تتمثل في أن لحظة إنتاج الأفكار سابقة في الزمن على لحظة التعبير عنها وكأننا نفكر أولا ثم ننتقل بعد ذلك إلى إلباس الكلمات لفكرنا.
قال برغسون: و هو أحد أنصار الاتجاه الثنائي-" ليست الموضوعات الخارجية و حدها هي التي تختفي عنا، بل إن حالاتنا النفسية هي الأخرى لتفلت من طائلتنا بما فيها من طابع ذاتي شخصي حي أصيل".
و قال أيضا:" و حينما نشعر بمحبة أو كراهية أو حينما نحس في أعماق نفوسنا بأننا فرحون أو مكتئبون، فهل تكون عاطفتنا ذاتها هي التي تصل إلى شعورنا؟".
نفهم من هذا، أن اللغة عاجزة عن نقل حقيقة العالم الخارجي، لأن اللغة تعبر عن المعاني العامة. و لأن اللغة مرتبطة من جهة أخرى بالحاجة. كذلك أن اللغة عاجزة عن التعبير عن حالاتنا النفسية، لأن الأصل الإجتماعي للغة وطابعها الأداتي يوجهها للتعبير عن ما هوعام مشترك موضوعي لاماهو خاص وفردي وحميمي، فرغم أن كل واحد منا يحب ويكره.. إلاّ أننا نختلف في الحب و الكراهية. إذن فاللغة محدودة. و قد عبر ليبنتز عن هذا المعنى بقوله:" إنني لا أستطيع أن أتذوق طعم الأناناس من خلال ما ينقله لي عنه المسافرون".و في الاتجاه نفسه يشتكي المتصوفة عجز اللغة عن التعبير عما يعيشونه من حقائق فيبدو لنا ما يقولونه مجرد شطحات تعارض النصوص الشرعية. فهذا الحلاج كان يقول:" ليس في الجبة إلاّ الله..". و هذا البسطامي يقول:" :" سبحاني ما أعظم شأني .." و ربما هذا ما قصده فاليري في قوله:" إن أجمــــل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها"
و في هذا الإطار عينه تندرج الثنائية الديكارتية التي تنسب للفكر طبيعة روحية وللغة طبيعة مادية لتخلص إلى استحالة ارتباطهما أو تداخلهما، رغم أن ديكارت يقر بان الكلام علامة على الفكر ودليل على الوعي والعقل المنفرد بهما الإنسان.
و نخلص من كل ما سبق إلى أنه لا يوجد تناسب بين القـــدرة على الفهم و التمثل و القدرة على التعبير. و هذا ما يؤكد أسبقية الفكر على اللغة و انفصاله عنها ،حسب أنصار هذا الاتجاه.
المناقشة: . ولكن هل يمكن حقا للفكر أن يوجد بمعزل عن اللغة؟ ألا نجانب الصواب عندما ننتهي مع أنصار الاتجاه الثنائي إلى أن اللغة لا تعدو أن تكون سوى أداة بعدية ثانوية تعبر عن فكر خالص مستقل؟ ثم إنه حتى و إن سلمنا بعدم وجود تناسب بين الفكر و اللغة فإننا نرفض القول بوجود فكر مستقل عن اللغة.إن الطفل لا يقوى على التفكير بدون لغة.
نقيض الاطروحة والبرهنة : أنصار الاتجاه الو احدي: يذهب انصار الاتجاه الواحدي إلى أنه لا و جود لفكر دون لغة. فهما مترابطان ومتلازمان أي أن العلاقة بينهما علاقة اتصال.
-وقد استشهدوا على ذلك بأن اللغة شرط تحقق الفكر وإنتاج المعنى وانفتاح الوعي: فإذا كان الفكر ليس جوهرا ميتافيزيقيا، بل نشاطا كليا يتمظهر في عمليات جزئية كالتذكر والمقارنة والترتيب…فإن تحققها غير ممكن بدون أداة رمزية لغوية؛
-إن المعنى يؤخد من الكلام والكلام هو الوجود الخارجي للمعنى حسب ميرلوبونتي الذي يضيف بأن وعي الذات المفكرة بأفكارها متوقف على تعبيرها عنها ولو لذاتها.
بل إن هناك من يذهب أبعد من ذلك فيرجع خاصية الوعي لدى الإنسان إلى قدرته على ترميز الأشياء والدلالة عليها. و إذا استعرنا تعبير ارنست كاسيرر سنقول بأن الإنسان كائن واع لأنه أولا حيوان رامز أي قادر على الإحالة على الأشياء من خلال رموزها. وقد عبر عن ذلك بنفنيست بقوله:" الإنسان يسمي إحساساته ولايكتفي بالتعبير عنها".
بأي شيء يتميز الموجود في الذهن إن لم يكن بالعلاقات والرموز؟ وهذه فكرة تلتقي مع تصور عالم اللسانيات "دوسوسير" الذي لايرى في الفكر قبل لغة سوى سديم أو عماء ضبابي لاشيء متميز فيه قبل ظهور اللسان، من ذلك مثلا أنه يستحيل التمييز بين فكرتين متقاربتين كالتقديس والإحترام دون الإستعانة بمقابليهما من الرموز اللسانية. كما أن حصول الدلالة اللسانية لايتم بالمدلول وحده أي الفكرة أو التصور الذهني، بل باقتران هذا الأخير بالدال أو الصورة السمعية، وعليه فالدلالة لاتدرك إن لم يكن ثمة دال. بأي شيء يتميز الموجود في الذهن إن لم يكن بالعلاقات والرموز؟ وهذه فكرة تلتقي مع تصور عالم اللسانيات "دوسوسير" الذي لا يرى في الفكر قبل اللغة سوى سديم أو عماء ضبابي لاشيء متميز فيه قبل ظهور اللسان، من ذلك مثلا أنه يستحيل التمييز بين فكرتين متقاربتين كالتقديس والاحترام دون الاستعانة بمقابليهما من الرموز اللسانية. كما أن حصول الدلالة اللسانية لا يتم بالمدلول وحده أي الفكرة أو التصور الذهني، بل باقتران هذا الأخير بالدال أو الصورة السمعية، وعليه فالدلالة لا تدرك إن لم يكن ثمة دال. " الألفاظ حصون المعاني". و ذهب دوسوسير نفسه إلى حد تشبيه العلاقة بين اللغة و الفكر بالورقة ظهرها الفكر و وجهها اللغة و لا يمكن تمزيق الوجه دون التأثير على ظهر الورقة. و قد عبر هيجل عن هذه العلاقة بقوله:" إننا نفكر داخل كلمات".
المناقشة: إن أصحاب الاتجاه الواحدي ككل يدعوننا إلى المطابقة بين اللغة والفكر، فإلى أي حد تصح هذه المطابقة؟ ثم كيف نطابق بينهما ولكل منا تجربة شخصية تعلمه أن الفكرة أحيانا تحضر أولا ونتأخر أو نفشل في إيجاد التعبير الملائم عنها؟ إننا و إن سلمنا مع أنصار هذا الاتجاه بالصلة الوثيقة بين اللغة و الفكر فإننا نرفض المطابقة بينهما.
التركيب: إننا نرفض القول بوجود فكر مستقل عن اللغة أي لا يمكن فصل الفكر عن اللغة ، كما نرفض المطابقة بينهما أي لا يمكن اعتبارهما شيئا واحدا.و لذلك فالعلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة تبادلية أي علاقة تأثير و تأثر، فاللغة تؤثر في الفكر و تتأثر به، فاللغة تزود الفكر بأطر التفكير من خلال المفاهيم و العلاقات و الفكر يساعد اللغة على التجديد…..
حل المشكلة: رغم أنه لا يوجد تناسب بين القدرة على الفهم و التمثل و القدرة على التعبير إلا أنه لا يمكن القول باستقلال الفكر عن اللغة هذا من جهة و من جهة أخرى فإن اللغة هي أفضل أداة للتعبير عن الأشياء و عن حالاتنا النفسية.

المقالة الرابعة عشر : يقول هيبوليت : « إذا فكرنا بدون لغة ، فنحن لا نفكر » دافع عن الأطروحة . استفصاء بالوضع
طرح المشكل : اذا كانت اللغة اداة للفكر ، بحيث يستحيل ان يتم التفكير بدون لغة ؛ فكيف يمكن اثبات صحة هذه الفكرة ؟
محاولة حل المشكل :
1-أ- عرض الموقف كفكرة : ان الفكر لا يمكن ان يكون له وجود دون لغة تعبر عنه ، إذ لا وجودلأفكار لا يمكن للغة ان تعبر عنا ، حيث أن هناك – حسب انصار الاتجاه الاحادي – تناسب بين الفكر واللغة ، ومعنى ذلك أن عالم الافكار يتناسب مع عالم الالفاظ ، أي ان معاني الافكارتتطابق مع دلالة الالفاظ ، فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة غير قابلة للتجزئة فـ« الفكر لغة صامتة ، واللغة فكر ناطق » .
1- ب- المسلمات و البرهنة: ما يثبت ذلك ، ما اكده علم نفس الطفل من ان الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من اية افكار ، ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة ، وعندما يصل الى مرحلة النضج العقلي فإنه يفكر باللغة التي يتقنها ، فالافكار لا ترد الى الذهن مجردة ، بل مغلفة باللغة التي نعرفها فـ« مهما كانت الافكار التي تجيئ الى فكر الانسان ، فإنها لا تستطيع ان تنشأ وتوجد الا على مادة اللغة ».
ومن جهة ثانية ، فإن الافكار تبقى عديمة المعنى اذا بقيت في ذهن صاحبها ولم تتجسد في الواقع ، ولا سبيل الى ذلك الا بألفاظ اللغة التي تدرك ادراكاً حسياً ، أي ان اللغة هي التي تخرج الفكر الى الوجود الفعلي ، ولولاها لبقي كامناً عدماً ، ولذلك قيل : « الكلمة لباس المعنى ، ولولاها لبقي مجهولاً » .
وعلى هذا الاساس ، فإن العلاقة بين الفكر واللغة بمثابة العلاقة بين الروح والجسد ، الامر الذي جعل الفيلسوف الانجليزي ( هاملتون ) يقول : « الالفاظ حصون المعاني » .
2- تدعيم الاطروحة بحجج : أن اللغة تقدم للفكر القوالب التي تصاغ فيها المعاني .
– اللغة وسيلة لإبراز الفكر من حيز الكتمان الى حيز التصريح .
– اللغة عماد التفكير وكشف الحقائق .
– اللغة تقدم للفكر تعاريف جاهزة ، وتزود المفكر بصيغ وتعابير معروفة
– اللغة اداة لوصف الاشياء حتى لا تتادخل مع غيرها .
3-أ- عرض منطق الخصوم : يزعم معظم الفلاسفة الحدسانيون والرمزيون من الادباء والفنانين وكذا الصوفية ، انه لا يوجد تناسب بين عالم الافكار وعالم الالفاظ ، فالفكر اوسع من اللغة واسبق منها ، ويلزم عن ذلك ان ما يملكه الفرد من افكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظٍ وكلمات ٍ ، مما يعني انه يمكن ان توجد افكار خارج اطار اللغة .
ويؤكد ذلك ، ان الانسان كثيرا ما يدرك في ذهنه كما زاخرا من المعاني تتزاحم في ذهنه ، وفي المقابل لا يجد الا الفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه المعاني . كما قد يفهم امرا من الامور ويكون عنه فكرة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد ، فإذا شرع في التعبير عما حصل في ذهنه من افكار عجز عن ذلك . كما ان الفكر فيض متصل من المعاني في تدفق مستمر لا تسعه الالفاظ ، وهو نابض بالحياة والروح ، وهو " ديمومة " لا تعرف الانقسام أو التجزئة ، أما الفاظ اللغة فهي سلسلة من الاصوات منفصلة ، مجزأة ومتقطعة ، ولا يمكن للمنفصل ان يعبر عن المتصل ، والنتيجة أن اللغة تجمد الفكر في قوالب جامدة فاقدة للحيوية ، لذلك قيل : « الالفاظ قبور المعاني » .
3-ب نقد منطقهم : ان اسبقية الفكر على اللغة مجرد اسبقية منطقية لا زمنية ؛ فالانسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آنٍ واحد . والواقع يبين ان التفكير يستحيل ان يتم بدون لغة ؛ فكيف يمكن ان تمثل في الذهن تصورات لا اسم لها ؟ وكيف تتمايز الافكار فيما بينها لولا اندراجها في قوالب لغوية ؟
حل المشكل :وهذا يعني انه لا يمكن للفكر ان يتواجد دون لغة ، وان الرغبة في التفكير بدون لغة – كما يقول هيجل – هي محاولة عديمة المعنى ، فاللغة هي التي تعطي للفكر وجوده الاسمى والاصح ، مما يؤدي بنا الى القول ان الاطروحة السابقة اطروحة صحيحة .

المقالة الخامسة عشر :هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟ جدلية
طرح المشكلة :تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ، الامر الذي جعل البعض يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجربيي عليها بنفس الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ، و يعتقد آخرون ان المادة الحية كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح بامكانية اخضاعها للدراسة التجريبية ، فهل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟
محاولة حل المشكلة :
1- أ- الاطروحة :يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجرببي على الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ تعترض ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع المدروس ذاته و هو المادة الحية ، و بعضها الاخر الى يتعلق بتطبيق خطوات المنج التجريبي عليها .
1-ب- الحجة : و يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق التناسل للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على توازن الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب للمرحلة اللاحقة . هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها جملة من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز الكائنات الحية – ايضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و لا يمكن أن يقوم بوظيفته الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحية – باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
بالاضافة الى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق بالمنهج المطبق و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، و أول عائق يصادفنا على مستوى المنهج هو عائق الملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و مراحلها ، لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و تكامل و ترابط الاجزاء العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم ان عزل العضو قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين : « إن سائر اجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك الا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من نظام الاحياء الى نظام الاموات ».
و دائما على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي و الاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ، إذ أن تغير المحيط من وسط طبيعي الى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي و يخلق اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن .
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ، ففي المادة الحية يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس النتيجة ، مثال ذلك ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة الاولى ، و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ، مما يعني أن نفس الاسباب لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما يلزم عنه عدم امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما ان التجريب و تكراره يستند الى هذا المبدأ . و بشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة .
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث .
وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع افراد الجنس الواحد ، بحيث ان الكائن الحي لا يكون هو هو مع الانواع الاخرى من الكائنات ، ويعود ذلك الى الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي .
1-جـ- النقد : لكن هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ، كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها .
2-أ- نقيض الاطروحة : وخلافا لما سبق ، يعتقد البعض أنه يمكن اخضاع المادة الحية الى المنهج التجريبي ، فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ، وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين الفيزيائية- الكميائية أي يمكن دراستها بنفس الكيفية التي ندرس بها المادة الجامدة . ويعود الفضل في ادخال المنهج التجريبي في البيولوجيا الى العالم الفيزيولوجي ( كلود بيرنار ) متجاوزا بذلك العوائق المنهجية التي صادفت المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي .
2-ب- الادلة : و ما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة كالاوكسجين و الهيدروجين و الكربون و الازوت و الكالسيوم و الفسفور … فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة .
هذا على مستوى طبيعة الموضوع ، اما على مستوى المنهج فقد صار من الممكن القيام بالملاحظة الدقيقة على العضوية دون الحاجة الى فصل الاعضاء عن بعضها ، أي ملاحظة العضوية وهي تقوم بوظيفتها ، و ذلك بفضل ابتكار وسائل الملاحظة كالمجهر الالكتروني و الاشعة و المنظار …
كما اصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون الحاجة الى ابطال وظيفة العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي فيمكن بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه في محاليل كميائية خاصة .
2-جـ- النقد : ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة لأمكن دراستها دراسة علمية على غرار المادة الجامدة ، غير ان ذلك تصادفه جملة من العوائق و الصعوبات تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية . كما انه اذا كانت الظواهر الجامدة تفسر تفسيرا حتميا و آليا ، فإن للغائية إعتبار و أهمية في فهم وتفسير المادة الحية ، مع ما تحمله الغائية من اعتبارات ميتافيزيقية قد لا تكون للمعرفة العلمية علاقة بها .
3- التركيب : و بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة العلمية ، لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ، بحيث بحيث يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية الاخرى مع الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول كلود بيرنار : « لابد لعلم البيولوجيا أن يأخذ من الفيزياء و الكمياء المنهج التجريبي ، مع الاحتفاظ بحوادثه الخاصة و قوانينه الخاصة ».
حل المشكلة :وهكذا يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى المنهج خاصة ، يعود اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ، والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه تجاوز تلك العقبات التي تعترضه تدريجيا .

المقالة السادسة عشر :هل للتاريخ مقعدا بين العلوم الأخرى ؟
طرح المشكلة:إن العلوم الإنسانية هي مجموع الاختصاصات التي تهتم بدراسة مواقف الإنسان وأنماط سلوكه , وبذلك فهي تهتم بالإنسان , من حيث هو كائن ثقافي , حيث يهتم علم النفس بالبعد الفردي في الإنسان ويهتم علم الاجتماع بالبعد الاجتماعي , ويهتم التاريخ بالبعدين الفردي والاجتماعي معا لدى الإنسان , فالتاريخ هو بحث في أحوال البشر الماضية في وقائعهم وأحداثهم وظواهر حياتهم وبناء على هذا فإن الحادثة التاريخية تتميز بكونها ماضية ومن ثمة فالمعرفة التاريخية معرفة غير مباشرة لا تعتمد على الملاحظة ولا على التجربة ، الأمر الذي يجعل المؤرخ ليس في إمكانه الانتهاء إلى وضع قوانين عامة والعلم لا يقوم إلا على قوانين كلية وعلى هذا الأساس فهل هذه الصعوبات تمنع التاريخ من أن يأخذ مكانه بين مختلف العلوم الأخرى ؟ أو بمعنى آخر هل خصوصية الحادثة التاريخية تمثل عائقا أمام تطبيق الأساليب العلمية في دراستها ؟
محاولة حل المشكلة:
الاطروحة والبرهنة عليها :التاريخ ليس علما وحوادثه لا تقبل الدراسة العلمية : يذهب بعض المفكرين إلى أن الحوادث التاريخية لا تخضع للدراسة العلمية لأن الخصائص التي تقوم عليها الحادثة التاريخية تمثل عائقا أمام تطبيق الأساليب العلمية في دراستها , ومن هذه الخصائص أن الحادثة التاريخية حادثة إنسانية تخص الإنسان دون غيره من الكائنات , واجتماعية لأنها لا تحدث إلا في مجتمع إنساني فالمؤرخ لا يهتم بالأفراد إلا من حيث ارتباطهم وتأثير في حياة الجماعة , وهي حادثة فريدة من نوعها لا تتكرر , محدودة في الزمان والمكان … وبناء على هذه العوائق التي تقف أمام تطبيق الدراسة العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول أمام تطبيق الدراسة العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول بأن التاريخ علم منها : انعدام الملاحظة المباشرة للحادثة التاريخية كون حوادثها ماضية وهذا على خلاف الحادث العلمي في الظواهر الطبيعية فإنه يقع تحت الملاحظة المباشرة , ثم استحالة إجراء التجارب في التاريخ وهو ما يجعل المؤرخ بعيدا عن إمكانية وضع قوانين عامة , فالعلم لا يقوم إلا على الأحكام الكلية كما يقول أرسطو : " لا علم إلا بالكليات " . هذا بالإضافة إلى تغلب الطابع الذاتي في المعرفة التاريخية لأن المؤرخ إنسان ينتمي إلى عصر معين ووطن معين …الخ , وهذا يجعله يسقط ذاتيته بقيمها ومشاغلها على الماضي الذي يدرسه ثم إن كلمة علم تطلق على البحث الذي يمكن من التنبؤ في حين أن نفس الشروط لا تؤدي إلى نفس النتائج وبالتالي لا قدرة على التنبؤ بالمستقبل في التاريخ .
مناقشة:إنه مما لا شك فيه أن هذه الاعتراضات لها ما يبررها من الناحية العلمية خاصة غير أنه ينبغي أن نؤكد بأن هذه الاعتراضات لا تستلزم الرفض القاطع لعملية التاريخ لأن كل علم له خصوصياته المتعلقة بالموضوع وبالتالي خصوصية المنهج المتبع في ذلك الموضوع فهناك بعض المؤرخين استطاعوا أن يكونوا موضوعيين إلى حد ما وان يتقيدوا بشروط الروح العلمية .
نقيض الاطروحة والبرهنة :التاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية في دراسة الحوادث الماضية : يذهب بعض المفكرين إلى القول بأن الذين نفوا أن تكون الحوادث التاريخية موضوعا للعلم لم يركزوا إلا على الجوانب التي تعيق الدراسة العلمية لهذه الحوادث فالظاهرة التاريخية لها خصوصياتها فهي تختلف من حيث طبيعة موضوعها عن العلوم الأخرى , وبالتالي من الضروري أن يكون لها منهج يخصها . وهكذا أصبح المؤرخون يستعملون في بحوثهم منهجا خاصا بهم وهو يقترب من المنهج التجريبي ويقوم على خطوط كبرى هي كالآتي :
أ- جمع المصادر والوثائق : فبعد اختيار الموضوع يبدأ المؤرخ بجمع الوثائق والآثار المتبقية عن الحادث فالوثائق هي السبيل الوحيد إلى معرفة الماضي وفي هذا يقول سنيويوس : " لا وجود للتاريخ دون وثائق , وكل عصر ضاعت وثائقه يظل مجهولا إلى الأبد " .
ب- نقد المصادر والوثائق : فبعد الجمع تكون عملية الفحص والنظر و التثبت من خلو الوثائق من التحريف والتزوير , وهو ما يعرف بالتحليل التاريخي أو النقد التاريخي وهو نوعان : خارجي ويهتم بالأمور المادية كنوع الورق والخط .. وداخلي يهتم بالمضمون
ج- التركيب الخارجي : تنتهي عملية التحليل إلى نتائج جزئية مبعثرة يعمل المؤرخ على تركيبها في إطارها الزمكاني فيقوم بعملية التركيب مما قد يترتب عن ذلك ظهور فجوات تاريخية فيعمل على سدها بوضع فروض مستندا إلى الخيال والاستنباط ثم يربط نتائجه ببيان العلاقات التي توجد بينهما وهو ما يعرف بالتعليل التاريخي . وعليه فالتاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية للتأكد من صحة حوادث الماضي .
مناقشة:انه مما لا شك فيه أن علم التاريخ قد تجاوز الكثير من الصعوبات التي كانت تعوقه وتعطله ولكن رغم ذلك لا يجب أن نبالغ في اعتبار الظواهر التاريخية موضوعا لمعرفة علمية بحتة , كما لا يجب التسليم بأن الدراسات التاريخية قد بلغت مستوى العلوم الطبيعية بل الحادث التاريخي حادث إنساني لا يستوف كل شروط العلم .
التركيب :إن للحادثة التاريخية خصائصها مثلما للظاهرة الحية أو الجامدة خصائصها وهذا يقتضي اختلافا في المنهج وهذا جعل من التاريخ علما من نوع خاص ليس علما استنتاجيا كالرياضيات وليس استقرائيا كالفيزياء و إنما هو علم يبحث عن الوسائل العلمية التي تمكنه من فهم الماضي وتفسيره وعلى هذا الأساس فإن القول بأن التاريخ لا يمكن أن يكون لها علما لأنه يدرس حوادث تفتقر إلى شروط العلم أمر مبالغ فيه , كما أن القول بإمكان التاريخ أن يصبح علما دقيقا أمر مبالغ فيه أيضا وعليه فإن الحوادث التاريخية ذات طبيعة خاصة , مما استوجب أن يكون لها منهجا خاصا بها .
حل المشكلة : العلم طريقة في التفكير ونظام في العلاقات أكثر منه جملة من الحقائق . إذ يمكن للمؤرخ أن يقدم دراسة موضوعية فيكون التاريخ بذلك علما , فالعلمية في التاريخ تتوقف على مدى التزام المؤرخ بالشروط الأساسية للعلوم . وخاصة الموضوعية وعليه فإن مقعد التاريخ بين العلوم الأخرى يتوقف على مدى التزام المؤرخين بخصائص الروح العلمية والاقتراب من الموضوعية.

المقالة السابعة عشر : هل العنف ظاهرة طبيعية ؟
طرح الإشكال : تعتبر القوانين والتشريعات و حتى التشريعات السماوية .أكثر ما تلجأ اليه المجتمعات لتنظيم العلاقات بين افرادها رغم ذلك ملاحظ ان السسلوك الإجرامي الذي لم ولا يخلو منه اي مجتمع يتنافى اليوم ويأخذ أشكال متخفية فيما يسمى العنف .اذ يعرف العنف بانه كل عمل يضغط به شخص على ارادة الغير لسبب وأخر و ذلك يستوجب استخدام القوة التي تنتهي بالتسلط على الغير و تحطيمه. وهو على نوعين مادي : إلحاق الضرر بالجسد أو الممتلكات اما العنف المعنوي أو الرمزي : كالمس بكرامة الغير معتقداته و إهانته و إذلاله او ابتزازه. إلا ان الفلاسفة و علماء الاجرام وعلماء النفس و الاجتماع اختلفوا حول مشروعية العنف . فمنهم من اعتبره ظاهرة ايجابية لها مبرراتها الطبيعية . وهنال من اعتبرها ظاهرة مرضية سلبية لا يؤدي الا الى لدمار .فذا كان العنف هو الاعتداء و تجريب فهل يمكن ان يكون ظاهرة طبيعية مشروعة وهل يمكن تبريره كظاهر انسانية ؟ ام انه سلوك مرضي سلبي يفقد كل مبرراته و مشروعيته مهما كانت ؟
محاولة حل الإشكال :
عرض الاطروحة (العنف ظاهرة طبيعية لها مبراتها و مشروعيتها)يمثل الاطروحة في الفلسفة اليونانية هيرقليطس كما يدافع عنها الفيزيومونولوجين امثال مارسيل غابريل و عالم الطبيعة كلكلاس و ايضا في علم النفس فرويد و في الحتمية الطبيعية انجلس زعيم مدرسة العقد الاجتماعي جون جاك روسو . الياباني يوكيو مشيما كلهما يقدم مبررات لمشروعية العنف و ضرورته التي تتطلبها الحياة معتمدين على مسلمات :
– الحياة التي يعيشها الانسان ليست بالبساطة و السلامة التي تجعل من رجل مسالما و ديعا.
– منذ بدأ النسان حياته. بدأها بالصراع و سبقى كذلك مما يجعل العنف =الحياة
ضبط الحجة : يقول هرقليطس (العنف أصل العلم ومحركه فلا شيء يأتي من اللاشيء فلكي تكون الأشياء لابد من نفي الشيء وتحطيمه.فالقتال هو ظابو سائر الأشياء وملك كل شيء والعنف خصوبة لكنه أيضا موت يتضمن الحياة . والأشياء تعرف بأضدادها آلا ترى أن الحياة تولد في رحم الموت)
يقول كلكلاس (العنف و القوة مصدر كل سلطة اذا كان القوي في الطبيعة هو الذي يسيطر فانه من العدل ان يكون الامر كذلك في المجتمع الانساني ففي الطبيعة اللبؤة تأكل صغيرها اذا ولد بعاهة لانه مجال مفتوح على الصراع من أجل البقاء القوي آكل الضعيف وكذلك في المجتمع الانساني فمن العدل ان يكون الاقوى فيه هو المتفوق و صاحب السلطة )
يقول قابريل مارسيل (يعود اصل العنف الى قصد عدواني متجا نحو شيء اريد نفيه نفي الاخر الذي احقد عليه وأكرهه أو اخذ في تحطيم نفسي التي اكرهها)
يقول الأدبي الياباني يوكو منشيما مبررا العنف (بأنه استرخاص للحياة عندما ارى ان هوية اليابان الثقافية مهددة امام الغزو الغربي ) واختار الانتحار على الطريقة اليابانية شق بطنه بنفسه قبل أن يقطع رأسه .
اما عند المسلمين فاللجوء الى العنع يبرره الدفاع عن النفس او الوطن كوسيلة ضرورية للجهاد في سبيل الله و لبناء دولة الإسلامية ولو أن الاختلاف مازال قائما حول طريقة استخدامه .
أما عند انجلز فالعنف هو أصل البناء :فأمام العنف الاجتماعي المقنع (اللامساواة الاجتماعية. الطبقية و اللاعدل . و الاضطهاد. الاستبداد والتعسف) يوجد عنف مضاد عادل هو العنف الايجابي البناء الذي يهدف الى تصحيح الوضع ومنع السلطة من استبعاد شعوبها . فالثورة الأصلية في أساسها أخلاقية أمام الاضطهاد و الظلم حيث تسترجع الحق المسلوب وتحق العدل .
نقد الحجة : اذا كان العنف عند الحيوانات له مبرراته ويعطيه المشروعية فان ذلك لا ينطبق على المجتمعات الانسانية فالحيوانات كائنات غير عاقلة تفتقد الى اكتساب القدرة على مقاومة العنف بطرق سلمية و اذا كان العنف في المجتمع الحيواني غريزة دفاعية للحفاظ على البقاء فهو في المجتمع الانساني اداة تدمير ان الطبيعة الانسانية تميل الى اللاعنف و السلم لهذا شرعت القوانين و تعلمت من الحروب كيف تحافظ على الامن والسلم
عرض نقيض الاطروحة: (لا يوجد في الطبيعة الإنسانية ما يبرر العنف الا في كونه ظاهرة مرضية) يمثل الاطروحة الديانات السماوية التي دعت الى السلم ونبذ العنف بمختلف أشكاله كما يدافع عنها الفيزيولوجي فروم وأيضا الزعيم الهندي غاندي و المحليلين النفسانين ظاهرة العنف انها ظاهر مرضية معتمدين عل مسلمات :
– طبيعة الكائن البشري مسالمة
-العنف يعتمد على القوة العضلية و قوة الانسان في حكمته وذكائه وليس فعضلاته فالعنف تعبير عن ضفع
ضبط الحجة : يقول الله تعالى [وجعلناكو شعوبا وقبائل للتعارفوا] والتعارف لا يتم بالسيطرة و العنف و إنما بالعلم و المعرفة و بالبناء الحضاري.
يقول غوسدروف (ان ازدواجية الان و الاخر تتألف في شكل صراع والحكمة مت التاليف هو امكانية التعارف و الاعترف المتبادل فيكون التوافق و الاحترام و العنف يهدم هذه العلاقة و يقطع كل التواصل بين الان والاخر و من هنا ينظر الغضب الذي يسلب الانسان توازنه و يجعله فريسة للجنون)
يؤكد علماء الاجرام ان العنف ليس فدرا محتوما على اعتبار ان العنف يولد العنف اي انه سلوك يمكطن القضاء عليه بالقضاء على اسبابه فهو سلوك انساني
J يرفض غاندي العنف رفضا مطلقا جملة متفصيلا مهما كان شكله او غايته. اذ يعرف غاندي اللاعنف كموقف كوني اتجاه الحياة يقوله(هو الغياب التم كنية الاساءة تجاه كل مايحيا بمعنى ان اللاعنف مثل العنف لا يقع على مستوى الفعل بل ايضا على مستوى النية ايضا)
Jموقف غاندي يماثل موقف المسيح عيه السلام الذي ينصح الانسان بان يدير خده الايمن لمن يصفعه على خده الايسر.
Jالاعنف ليس اسلوب تخاذلي انام هو اسلوب الحياة البشرية في محاربة الشر دون تغذية بعنف بديل.
نقد الحجة : تاريخ البشرية هو تاريخ لسلب و اغتصاب الحقوق .لهذا من الطبيعي ان يواجه ذلك بالعنف كنوع من الدفاع عن النفس و الحق كما ان تاريخ الثورات في العلم بدأت بطرق سليمة كالأحزاب السياسية لاكن هذا الأسلوب لم ينجح فلجأ الى مأخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مثل الثورة الجزائرية.
التركيب : تتجاذب الإنسان نزعتان . نزعته للخير و نوعته للشر . اذا كانت نزعته الشر تدفعه للعنف و التدمير و نزعته للخير تدفعه غير ذلك للبنا والتعمير و بما انه كائن بيولوجي يسعى للحفاظ على بقائه كدافع خريزي .
حل الاشكال : الحكمة الإلهية سبقت كذلك يحارب العنف السلبي بنقيضه الايجابي اي لا يرد العنف بالعنف بل بالحكمة و اللعنف لهذا نجد ان الاحزاب السياسية يسبق تكوينها كل ثورة و حتو و ان نجحت الثورة المسلحة في تحقيق الانتصار فإنها لا تحصل على الاستقلال الا بالمفاوضات السياسية الاسابيب عند الانسان كثيرة و متنوعة لهذا من الخطأ ان يلجا الى العنف لانه دليل فقدان الاسالبي الدفاعية الناجحة و بالتالي لا مشروعية للعنف الا اذا كان لاسترجاع حق او رد ظلم لم ينفع معه الحكمة و اللاعنف في هذه الحلة فقط يكتسب العنف مشروعيته و تكون له مبراته الدفاعية .

ملاحظة : المقالات منقولة ما عدا المقالة رقم 14 و 15




بارك الله فيكم وسدد خطاكم

عمل مميز ورائع

تقبل مروري المتواضع




اسعدني مروركم .. بارك الله فيك




السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته شكرا لكم استاذ على ما تقدمونه من مقالات .




السلام عليكم
أستاذ خليفة
بارك الله فيكم على مجهودكم المبذول في منتدانا

الأستاذة عيسى فاطمة




شكرا على المجهودات

تم التقيم +++++




تعليمية




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

مقالات في الفلسفة جميع الأنماط ✿ جدلية استقصاء بالرفع – استقصاء بالوضع ✿

تعليمية

مقالات في الفلسفة جميع الأنماط
✿ جدلية – مقارنة – استقصاء بالرفع – استقصاء بالوضع ✿

تعليمية

للتحميل اضغط هنا

تعليمية


هدية صغيرة

مواضيع مصححة في الفلسفة


تعليمية

لتحميل المواضيع اضغط هنا

تعليمية




بارك الله فيك أخي الفاضل على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاك الله خيرا.




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

مقالة فلسفية "النظم السياسية والاقتصادية" ثالثة ثانوي

المشكلة الثالثة : النظم في الاقتصاديةوالسياسية.
نص السؤال : هل الغاية من الشغل حفظ البقاء وحسب ؟

المقدمة : إذا كان بإمكان الإنسان اليوم أن يلاحظ مدى القلق الذي يحدثه الشغل في الأسر الحديثة , فإن الأمر ذاته كان يحدث لدى الأسر القديمة و حتى عند الإنسان الأول قبل انضمامه إلى المجتمع المدني . وإذا كان الإنسان يتحمل هذا القلق وهذا التعب في سبيل الحصول على عمل من أجل تلبية رغباته وإشباع حاجاته الضرورية التي تحفظ له البقاء فهل تلبية ضروريات الحياة والمحافظة عل البقاء هي الغاية الوحيدة للشغل ؟
التحليل :الشغل ضرورة بيولوجية تحفظ بقاء الإنسان :
إن أكبر مشكلة صارعها الإنسان منذ وجوده هي تلبية الضروريات والحفاظ على الوجود بتوفير المأكل , الشرب ,الملبس , المأوى …الخ . ولا يتسنى له ذلك إلا بالشغل , وهكذا يرى أنصار الاتجاه البيولوجي أن الحاجة البيولوجية هي الدافع الأساسي للشغل .
ودليلهم على ذلك أن الإنسان منذ العهود الغابرة لو وجد كل شيء جاهز في الطبيعة لما أقدم على العمل وعلى بذل الجهد لتغيير الطبيعة أو التأثير فيها , والواقع يثبت تاريخيا أن طبقات ترفعت عنه وأكرهت الآخرين عليه ( المجتمع اليوناني , نظرة أفلاطون من خلال كتابة الجمهورية ) نظرا لما في الشغل من إلزام وعناء و قساوة .
لكن الإنسان وبوصفه أرقى الكائنات تجاوز الصراع القائم بيته وبين الطبيعة ولم يعد نشاطه موجها إلى سد حاجياته البيولوجية وحسب و إنما أنتج قيما روحية ومعنوية للشغل مكنته من إنتاج حضارة متقدمة .
الشغل ليس ضرورة بيولوجية بل عنوان التقدم والرقي :
لقد تغير موقف الإنسان من الشغل عبر التاريخ فنظر إليه اليونان نظرة احتقار واعتبره اليهودية لعنة وربطته المسيحية بخطيئة آدم . أما الإسلام نظر إلى العمل نظرة مختلفة تماما عما سبق حيث اعتبره في منزلة العبادة و أوجبه على الجميع حيث قال تعالى : " وقال اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " . كما اعتبره نعمة تستدعي الشكر وشرفا يحاط به المرء حيث يقول ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن أشرف الكسب كسب الرجل من يده " وسيادة لصاحبه حيث يقول أيضا : " خادم القوم سيدهم " .
وهكذا أخذ العرب هذه الصفات النبيلة للعمل , وأصبح الشغل ذلك الجسر الذي يمر به الإنسان من مرحلته البدائية إلى المرحلة الحضارية . أين أصبح يتحكم في الطبيعة كما يقول هيغل : " أصبح الإنسان يتملك الطبيعة " و يهدف إلى تحقيق القيم الاجتماعية حيث يرى أنصار الاتجاه الاجتماعي أن الشغل ظاهرة اجتماعية باعتبار أن الفرد بمفرده عاجز عن إشباع حاجاته مما فرض عليه التعاون مع الغير , فنشأت التجمعات السكانية كالمدن و القرى فأصبح الشغل نشاط جماعي ويهدف إلى تحقيق قيم اجتماعية حيث ذهب " ابن خلدون " إلى أن الإنسان مدني بالطبع . وأن الشغل نشاط ملازم للاجتماع البشري . لكن الشغل كان في بدايته دافعا بيولوجيا و لا يعتبر شرفا عند جميع الناس فالدافع البيولوجي لا يزال فاعلا خاصة في ظل بعض الأنظمة التي تشغل حتى الأطفال وفي سن مبكرة .
الشغل دافع بيولوجي ودافع أخلاقي اجتماعي معا :
لقد كان العمل في البداية واقعا بيولوجيا فحاجات الإنسان كثيرة و إمكاناته الأولية محدودة فكان همه في الحياة تلبية ضرورياته و المحافظة على وجوده , لكنه بعد التحكم في الطبيعة , و ظهور العلوم والصنائع أصبح الشغل دافعا أخلاقيا واجتماعيا ولم يعد الدافع البيولوجي سوى وسيلة وليس غاية حيث يقول (صلى الله عليه وسلم ) : " نحن قوم نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل " .
الخاتمة : إن الدور الكبير الذي لعبه الشغل في حياة الإنسان قديما و حديثا , يكشف أن القيمة التي يحتلها اليوم عند الأفراد والشعوب فهو بالإضافة إلى أنه مصدر النمو والتطور والرقي في سلم الحضارة فإنه المقياس الذي نقيس به مدى تقدم الأمم والحضارات .

الموضوع الثاني :
نص السؤال : هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟

المقدمة : إن ظهور الثورة الصناعية في أوروبا كان لها انعكاس كبير على الشؤون الاقتصادية هناك , حيث تدخلت الدولة في أمور الاقتصاد عن طريق تنظيم قطاعات وتأميم قطاعات أخرى … الأمر الذي أدى إلى تذمر البعض من أنصار النزعة الفردية مما أحدث رد فعل يطالب بالحرية الاقتصادية القائمة على المنافسة الحرة في مختلف الميادين فهل المنافسة الحرة جديرة بتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟
التحليل:
القضية : المنافسة الحرة جديرة بتحقيق الازدهار الاقتصادي :
لقد ظهر النظام الرأسمالي متأثرا بالأنظمة الفردية السابقة فآمن بدور الفرد في المجتمع والملكية المطلقة فركزعلى مصلحة الفرد وجعل الدولة جهاز يعمل على حماية الفرد ومصالحه , منها حفظ حرياته في التعامل الاقتصادي وفتح المجال العام بما يسمح له بالتملك والإنتاج والبيع وهذا يبعث على التنافس الشديد بين الناس وعليه تقوم العدالة.
أنصار النظام الليبيرالي " الحزب الفيزيوقراطي " شعارهم ( دع الطبيعة تعمل ما تشاء دعه يمر بما شاء ) وهي عبارة مشهورة عند أدم أسميث " دعه يعمل دعه يمر " فحفظ المصلحة الخاصة أحسن ضمان لحفظ المصلحة العامة .
ودليلهم على ذلك أن الشؤون الاقتصادية مثل الظواهر الطبيعية تخضع لنظام طبيعي إلهي لا لقوانين الدولة , فالقانون الطبيعي وحده المنظم لعلاقات السوق والعمل وهو ما يعرف بقانون العرض والطلب وفي هذا الاتجاه التنافس كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية .
مناقشة : هذه الطريقة في العمل أدت إلى زيادة رؤوس الأموال وتركيزها في يد أقلية من المالكين ( الطبقة الرأسمالية ) تستغل وتسيطر على بقية الطبقات الاجتماعية , مما ترتب عنه ظهور شركات كبرى أدت إلى ظهور الأسلحة والاستعمار والواقع أثبت أن هذا النظام أدى إلى حدوث أزمات اقتصادية كثيرة.
النقيض : الاقتصاد الموجه جدير بتحقيق الازدهار الاقتصادي .
في وقت بلغت فيه الرأسمالية قوتها وتحولت إلى توسع استعماري يلتهم خيرات الشعوب الضعيفة والبنوك هي المحرك الوحيد لعقول الناس , ظهرت الماركسية كنظام اقتصادي يكشف عن التناقضات الموجودة في الرأسمالية , وتطالب بتدخل الدولة في تنظيم الاقتصاد , وهنا ما عمل على توضيحه " كارل ماركس "من خلال كتابه " رأس المال " الذي عمل فيه على فضح الرأسمالية فقال " الرأسمالية تحمل في طياتها آيات بطلانها " وكشف عن نظريته في الاشتراكية التي تقوم على قواعد مخالفة تماما لتلك التي قامت عليها الرأسمالية , ومن قواعدها : ملكية وسائل الإنتاج جماعية , والأرباح توزعها الدولة في صورة مشاريع وفقا لتنظيم اقتصادي موجه ( التخطيط الاقتصادي).
نقد : هذا النظام نجح في القضاء على الطبقة وخفف من معاناة العمال إلا أنه لم يحقق التطور الاقتصادي المحدد مسبقا بدليل عدم ظهور الشيوعية و ذلك لأسباب موضوعية لم تلاحظها الماركسية ومنها بعد النظرية عن طبيعة الإنسان بمنعها لحق التملك .
التركيب : إذا كان النظام الاقتصادي الرأسمالي اهتم بالفرد بإطلاق حرية المنافسة والنظام الاقتصادي الاشتراكي اهتم بالجماعة بتقييده لحرية الفرد , فإن كلتا النظريتين فيهما إجحاف وتبقى النظرة الموجهة إلى الاقتصاد الإسلامي الذي يتجاوزهما إلى الاهتمام بالفرد والجماعة معا . و هو ينظر للحياة نظرة شاملة مادية ومعنوية تقوم على مراعاة الجانب الأخلاقي في التعامل الاقتصادي منها مثلا : الفرد والجماعة لهما الحق في الملكية بشرط أن يكون الكسب مشروعا وحلالا ومن أجل تضييق الهوة بين الفقراء و الأغنياء فرض الزكاة وشرع قواعد للملكية … الخ .
الخاتمة : إن المنافسة الحرة وإن كانت تساهم في التطور الاقتصادي فإنها سبب في الصراع الاجتماعي وضحيته الإنسان الضعيف وسبب في ظهور الاستغلال واللاأمن . والتفكير في التنظيم الاقتصادي نتيجته الوقوف على أنظمة اقتصادية مختلفة والمنافسة المطلقة ليست وحدها كفيلة بتحقيق الرخاء الاقتصادي .

نص السؤال : هل الدولة بحاجة إلى الأخلاق ؟

المقدمة : إن الدولة في تنظيم أمورها وتدبير شؤونها , تحتاج إلى هيئة تشرف على تسيير وتنظيم حياة الأفراد داخل إطار اجتماعي . وهو ما يعرف بالسلطة الحاكمة وهي تعمل على وضع القوانين وتطلب من الأفراد الالتزام بها قصد تحقيق المصلحة العامة . إلا أن هذه القوانين قد لا تقوى على ضبط العلاقات الاجتماعية ضبطا كاملا , فتنظيم علاقة الفرد بالفرد من جهة وعلاقة الفرد بالجماعة من جهة أخرى يجعل للأخلاق مكانة ودورا في التنظيم السياسي فهل الدولة تحتاج الأخلاق في نظام حكمها أم يكفيها ممارسة العمل السياسي ؟ بمعنى آخر هل يكفي ممارسة السياسة في الحكم دون ما حاجة إلى الأخلاق ؟
التحليل :
الدولة في غنى عن الأخلاق :
إن الأنظمة الفردية التي سادت قديما لم تعر أدنى اهتمام بالجانب الأخلاقي في الحكم . بل اهتمت كثيرا بالقوة , ولعل ذلك يظهر بوضوح في نظرية العقد الاجتماعي عند " هوبز " , ونظرية القوة والغلبة عند " ابن خلدون" في وصفه لكيفية قيام الدول وسقوطها , إلا أن ما ذهب إليه المفكر الإيطالي " ماكيافللي " (1469-1527) يبعد الأخلاق عن الدولة كونه يعتبر أن القوة المحركة للتاريخ هي المصلحة المادية والسلطة ويرى في مؤلفه الرئيس " الأمير " إن الدولة التي تقوم على الأخلاق والدين تنهار بسرعة , فالمهم بالنسبة للحاكم هو تحقيق الغاية المنشودة وهي قوة الدولة وسيطرتها بآية وسيلة كانت " الغاية تبرر الوسيلة " حيث كان يعتبر من المسموح به استخدام كل الوسائل في الصراع السياسي مبررا بذلك القسوة و الوحشية في صراع الحكام على السلطة . كما يرى أن فساد الدولة وتدهور العمل السياسي يعود إلى تدخل الأخلاق والدين لذلك يفصل بين السياسة والأخلاق .
لكن التاريخ يشهد أن مجمل الأنظمة التي قامت على القوة واللاأخلاق و تخلت عن الأخلاق وتحقيق القيم في الحكم كانت نهايتها الفشل .
الدولة بحاجة إلى الأخلاق :
لقد أمن بعض الفلاسفة منذ القديم بضرورة إدخال الأخلاق في العمل السياسي , فقد نظر " أرسطو " إلى علم الأخلاق على أنه علم عملي هدفه تنظيم الحياة الإنسانية بتحديد ما يجب فعله وما يجب تركه وهذا لا يتحقق إلا بمساندة القائمين على زمام الحكم باعتبار أن كثيرا من الناس لا يتجنبون الشر إلا خوفا من العقاب .
ولذلك فقد حدد أرسطو غاية الإنسان من الحياة في مستهل كتابه :" الأخلاق إلى نيقوماخوس " على أنها تحقيق " الخير الأعظم " وبدون معرفته و الوقوف عليه لا نستطيع أن نوجه الحياة .
بينما في العصر الحديث ربط " ايمانويل كانط " (1724-1804) فيلسوف ألماني السياسة بالأخلاق ربطا محكما . وبين على عكس ماكيافيللي أن الغاية من وجود الدولة هو مساعدة الإنسان وتحسين ظروف حياته وجعل من السياسة وسيلة لتحقيق غايتها وهي خدمة الفرد حيث يقول : " يجب أن يحاط كل إنسان بالاحترام التام كونه غاية مطلقة في ذاته " .
وقد عمل كانط من خلال كتابه " مشروع السلام الدائم " على أن الحياة السياسية داخل المجتمع الواحد وخارجه يجب أن تقوم على العدل و المساواة . وقد كان لكتابه تأثيرا على الأنظمة الحاكمة في أوروبا – وقد جاء في المادة الأولى من لائحة حقوق الإنسان : " يولد الناس جميعا أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق …" .
وهي قيم أخلاقية يعمل المجتمع الدولي على تحقيقها .
لكن الحياة الواقعية التي يعيشها الإنسان وتعيشها الدول لا تقوم على مبادئ ثابتة بل ممتلئة بالحالات الخاصة التي لا تجعل الإنسان يرقى إلى هذه المرتبة من الكمال التي يعامل فيها أخيه الإنسان على انه غاية في ذاته .
الدولة تعتمد على السياسة وتحتاج إلى الأخلاق :
الإنسان مدني بالطبع , لهذا كان لابد أن يعيش الإنسان في جماعة , و أن تكون له مع هذه الجماعة مقتضيات الحياة السعيدة ومن هنا كان قيام المجتمع بحاجة إلى السياسة لتضع نوع الحكم الملائم له وبحاجة إلى الأخلاق لتنظيم علاقة الفرد بجماعته وبغيره من الأفراد .
الخاتمة : إن الدولة في حاجة ماسة إلى الأخلاق , وحتى الدول العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة تتبنى الكثير من القواعد الأخلاقية في أنظمة حكمها , فالأخلاق ما هي إلا قانونا في جانبه العملي .

الأمة :
نص السؤال : هل من شروط استمرار الأمة الأصالة أم المعاصرة ؟

المقدمة : الأمة جماعة بشرية تربطهم عناصر مشتركة كالدين أو اللغة , فهي تنظيم ثقافي له أغراض روحية وقد ارتأى البعض من المفكرين إلى الاهتمام بهذه الروابط الثقافية المشتركة والتشبث بها . باعتبارها الأصل الذي بوجوده تبقى الأمة مستمرة في الوجود , بينما دعى آخرون إلى عصرنة هذه الروابط من أجل مواكبة العصر إذ لا استمرار لأمة فقدت قدرتها على مواكبة متطلبات العصر وعليه فهل وجود الأمة واستمرارها يكمن في مدى تشبثها ومحافظتها على أصالتها أم في قدرتها على الإبداع ومواكبة التطور الحضاري ؟
التحليل :
استمرار الأمة يكون بالمحافظة على الأصالة :
يؤكد بعض المفكرين وخاصة ذووا الاتجاه المحافظ أن ماضي الأمة هو مصدر استمرارها , وهو الذي يؤكد وجودها وقوتها وفعاليتها . و لهذا تعمل الأمم على إحياء الثقافات التقليدية وبعث قيمها والرفع من شأنها , إذ لا يمكن بقاء الأمة دون المحافظة على تراثها . وفي رأي البعض كما أن الإنسان يعود إلى الوراء لكي يخطو خطوة عملاقة إلى الأمام فكذلك الأمة لا سبيل إلى تقدمها إلا بالعودة إلى تراثها , وقد ركز الفيلسوف الألماني " هردر " في كتابه " فكرة في فلسفة تاريخ الإنسانية " على دور الثقافات الروحية الأصلية لمختلف الشعوب في تحقيق التقدم في التاريخ . وذات الموقف نجده عند " هيقل " الذي يرى أن عزل الأمة عن جذورها سبب في التخلف , كما يرى " مالك بن نبي " أن من غايات الاستعمار محاصرة الثقافة و عزل الأهالي عن ثقافتهم …
لكن الاهتمام بالأصالة وحدها , والاكتفاء بما أنجزه الأسلاف دون الالتفات إلى ما تنجزه الأمم في العصر الراهن يؤثر سلبا على حاضر الأمة . ولا تكون الأصالة بهذا المعنى إلا مفهوما مرادفا للانغلاق والركود و الجمود . فالتراث وحده لا يكفي لمواجهة متطلبات العصر .
استمرار الأمة يكون بالتفتح على الحضارات الأخرى :
يرى البعض الآخر من المفكرين من أنصار التفتح والتجديد أن بقاء الأمة واستمرارها يكمن في مدى قدرتها على مواكبة متطلبات العصر , فالأمة العصرية هي التي تملك شروط المنافسة مع باقي الأمم . فالمعاصرة تقتضي من الأمة التفاعل مع المعطيات الحضارية الراهنة حيث تتأثر بما يبدعه الغير وتؤثر بدورها في الغير بقدرتها على الإبداع والعطاء , إن مقدرة الأمة على التنافس هو الذي يؤكد وجودها ويجسد فعاليتها بين الأمم .
ويقول في هذا الشأن الأستاذ الفرنسي : " فرانسيوا بيرو François Perroux " في كتابه " الاغتراب والمجتمع الصناعي " : " العلوم والصناعة و التكنولوجية تمكن الشعوب والمجتمعات من التقدم ومن المنافسة … " وهكذا فالمعاصرة لا تعني التمسك بما هو قديم وإنما البحث عن سبل النمو و التطور بما يمكن الأمة من احتلال مكانه في هرم الحضارات المسيطرة في العصر .
لكن الاهتمام بالمعاصرة وحدها , والاكتفاء بالبحث عن سبل التطور و الرقي دون الالتفات إلى أصول الأمة و خصائصها . يؤثر سلبا على حاضر الأمة لأن التمسك بكل ما هو جديد حتى ولو كان دخيلا وغير مطابق للأصل يعتبر تقليدا وتبعية لا إبداعا حضاريا , فالمعاصرة وحدها قد تؤدي إلى الانسلاخ الحضاري.
استمرار الأمة يكون بالجمع بين الأصالة والمعاصرة :
لقد شبه البعض العلاقة بين الأصالة والمعاصرة بالعلاقة بين الجسد و الروح . فكما أن وجود الإنسان لا يتوقف على جانب دون آخر فكذلك وجود الأمة لا يتوقف على جانب دون آخر , فإذا كانت الأصالة هي روح الأمة فإن المعاصرة هي البدن الذي تستقر فيه الروح .
وقد بين " زكي نجيب محمود " كيفية الجمع بين الأصالة والمعاصرة من خلال كتابه " المعقول واللامعقول " بقوله : " الأخذ عن الأقدمين وجهات النظر بعد تجريدها من مشكلاتهم الخاصة التي جعلوها موضع البحث وذلك لأنه يبعد جدا أن تكون مشكلات حياتنا اليوم هي مشكلاتهم " .
الخاتمة : إن الربط المحكم بين الأصالة و المعاصرة هو الذي يمكن الأمة من البقاء والاستمرار في الوجود . إذ لا إفراط و لا تفريط وهذا الموقف المعتدل نجده في الإسلام حيث يدعو إلى حضارة إنسانية قائمة على تحقيق القيم الروحية و أيضا القوة المادية .

تعليميةتعليمية:eh_s(7 ):تعليميةبالتوفيق والنجاحتعليميةتعليمية تعليميةتعليمية




السلام عليكم و رحمة الله و بركآته

باركـ الله فيك أخي و جزاكـ خيرا




شكر لكي علي هده القالة المفيدة وجزاك الله كل خير




اخت رنين اريد التعرف عليك وتحدث معك




اريد معرفة كيفية المشاركة بمواضيع




السلام عليكم
أخي بارك الله فيكم على هذه المقالات

نرجو لطلبتنا الاستفادة منها

بالتوفيق للجميع

الأستاذة عيسى فاطمة




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

مقالة فلسفية حول شروط الابداع السنة الثالثة ثانوي

تعليمية تعليمية
تعليمية
مقالة فلسفية حول شروط الابداع
السنة الثالثة ثانوي

تعليمية

اعضاء وزوار منتدانا الغالي منتديات خنشلة التعليمية الطيبين واخص بالذكر المقبلين على امتحان الباكلوريا دعما مني لمادة الفلسفة اضع بين ايديكم مجموعة من المقالات مقسمة عبر عدت مواضيع

وهذا الموضوع بعنوان : مقالة فلسفية حول شروط الابداع

تعليمية

اضغط هنا

او

عبر المرفقات

كلمة فك الضغط : www.educ40.net

تعليمية عودة الى فهرس المقالات تعليمية

تعليمية

للمزيد من مواضيع وكل مايخص مادة الفلسفة للسنة ثالثة ثانوي اضغط هنا

ان شاء الله يستفيد الجميع ولو بالشيئ اليسير من مواضيعي

انتضر دعوتكم فقط

اختكم هناء
تعليمية

تعليمية تعليمية


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar مقالة فلسفية حول شروط الابداع.rar‏ (3.2 كيلوبايت, المشاهدات 237)


بارك الله فيكم أختي هناء على هذه المقالة

تقبلوا مرورنا

الأستاذة عيسى فاطمة


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar مقالة فلسفية حول شروط الابداع.rar‏ (3.2 كيلوبايت, المشاهدات 237)


شكرا وبارك الله فيك ،جزاك الله خيرا


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar مقالة فلسفية حول شروط الابداع.rar‏ (3.2 كيلوبايت, المشاهدات 237)


شكرا لمروركم وكلامكم الرائع والمشجع

انتظروا المزيد بعون الله المعلمة هناء


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar مقالة فلسفية حول شروط الابداع.rar‏ (3.2 كيلوبايت, المشاهدات 237)


التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

العولمة و الهوية

نحن والعولمة
مأزق مفهوم ومحنة هوية

عادة ما تقدم العولمة باعتبارها مصطلحاً قلقاً يرتبط ذكره بالتوجس والتحفظ بالنظر لتعدد حضوره في مختلف الخطابات السياسية والاقتصادية والثقافية المعاصرة، دون أن يكون هناك سياق جامع مانع يتحكم في سيرورة هذا المفهوم، فيسمح بوضعه في إطار تعريفي قارٍّ كغيره من المفاهيم، ففي حين يبدو للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق بمصطلح جديد يكاد تداوله الإعلامي يتجاوز البضع سنوات، فإن كل من هانز بيتر مارتين وهارولد شومان في كتابهما "فخ العولمة" يرسمان له جذوراً تاريخية عميقة تعود إلى أكثر من خمسة قرون، منذ اكتشاف أمريكا وغزوها وكونية عصر الأنوار.1
قلق هذا المفهوم وتداخله مع مفاهيم أخرى من قبيل العالمية،2 هو ما يجعل بعض الدراسات الحديثة ترفض حتى الاعتراف به، إذ تعتبره مجرد خرافة وموضة عصر.3 إننا بحسب تعبير المفكر الفرنسي ريجيس دوبري (regis debri) أمام نظام لا يزال قيد التشكل بأدوات ومحددات نظرية غير موعى بها وعياً تاماً، كما وقع بالنسبة لانتقال العالم من العصور الوسطى إلى عصر التنوير، أو من الموجة الفلاحية إلى الموجة الصناعية، أو من الموجة الصناعية إلى الموجة المعلوماتية، وهي ذروة الحداثة.4 ولعل هذا ما جعل روبرتسون (robertson)، أحد أبرز منظري العولمة في العالم، في تحقيبه الشهير لتاريخها يطلق على المرحلة الخامسة التي تتمثل الصورة المعاصرة التي نحن بصدد عيشها مرحلة عدم اليقين،5 التي تحيل بالضرورة على قلق المفهوم واستعصاء حصره اصطلاحياً أو وظيفياً، غير أن مسحاً سريعاً لمجموعة من التعاريف المقدمة من قبل مجموعة من المفكرين والأكاديميين قد تتيح لنا استخلاص بعض مؤشرات سيرورة المفهوم على الأقل:

يعرف سمير أمين العولمة بكونها الاختراق المتبادل في الاقتصاديات الرأسمالية المتطورة بدرجة أولى، ثم توسيع المبادلات بين الشمال والجنوب على اعتبار أنه يمثل سوقاً مهمة،6 فيما يذهب هوبرت فيدرين (Hubert vedrine) إلى أن العولمة ليست فكراً ولكنها وقائع تقنية فرضت نفسها على الساحة الكونية، وفي فرضها لنفسها أقلقت الجميع، وبخاصة الدول ومؤسسات القطاع الخاص، إنها ظاهرة لا تمس أي اقتصاد، وإنما بالحصر اقتصاد السوق والاستهلاك، واقتصاد تحويلات العملات والتدبير الاستثماري.7 أما صادق جلال العظم فيعرفها بكونها وصول نمط الإنتاج الرأسمالي، عند منتصف القرن تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها.8 بينما يرى عزمي بشارة أنها طغيان قوانين التبادل العالمي المفروضة من قبل المراكز الصناعية الكبرى على قوانين وحاجات الاقتصاد المحلي.9

هذه التعاريف وإن كانت تتقاطع فيما بينها من حيث تركيزها على الجانب الاقتصادي والتقني الذي يبلغ أوجه في المد المعلوماتي، فهي لا توازي أهمية المفهوم وحضوره المتشعب في مختلف الخطابات المعاصرة؛ لأننا بهذا المعنى بصدد اعتبار العولمة مجرد ممارسات جديدة في التجارة والاقتصاد المتبادل تستند إلى قوة التدفقات المالية في سوق عالمية واحدة، واتساع رقعة المبادلات التكنولوجية، وبخاصة عبر وسائل الاتصال والإعلام،10 ما يجعل مقاربتنا للعولمة قاصرة عن الإحاطة بشموليتها واختزالاً لها في بعض مكوناتها، و إهمالا غير مبرر لتجلياتها المختلفة والمتعددة الأشكال والألوان، الشيء الذي يتطلب ضرورة الوقوف بدقة وشمولية، إن لم يكن على دلالة المفهوم وهو أمر لا زال مستعصياً كما أسلفنا، فعلى تجلياتها على مختلف مظاهر الحياة الإنسانية، وفي مقدمتها المعطى الثقافي والتربوي الذي يدخل بشكل مباشر في تشكيل الهوية والخصوصية المحلية التي تشير أغلب الدراسات إلى أنها قد تكون الضحية الأولى لموجة العولمة، باعتبارها سيراً نحو التنميط من خلال تمرير نموذج ثقافي واحد يكتسح الثقافات الجهوية، ويضع مصيرها في خانة الموضوعات التي قد تشغل اهتمام الأنثروبولوجيين بعد زمن قليل.

من هذا المنطلق نتوجه لمقاربة مفهوم العولمة من زاوية تأثيره المباشر أو غير المباشر على الخصوصيات الثقافية الجهوية، التي قد تسمح لنا باعتماد مصطلحات من قبيل الهوية، وفي مقدمتها المجال الثقافي العربي الذي يقع في دائرة نفوذ الاكتساح الثقافي الغربي، من خلال محاولة قراءة بعض الاجتهادات الفكرية والأكاديمية العربية التي اهتمت بتوصيف الظاهرة وأثرها وآليات مواجهتها التي من البديهي أن تقودنا إلى طرق باب الممارسة التربوية في تجلياتها المادية والرمزية الجماعية والفردية، لأن من شأنها أن تشكل من وجهة نظرنا ملتقى آليات تحصين الهوية الثقافية العربية في وجه الاكتساح الثقافي العولمي الغربي.

العولمة نقيض الهوية

ليس الحديث عن الهوية بأقل قلقاً ولا إشكالية من حديثنا السابق عن العولمة، فهي من المفاهيم التي تضخمت بشأنها المقاربات والدراسات إلى درجة جعلت المفكر ألفرد جروسر (Alfred grosser) يعلق بأن القليل من المفاهيم هي التي حظيت بالتضخيم الذي عرفه مفهوم الهوية،11 وهو أمر يعود إلى تناثر هذا المفهوم على ضفاف تخصصات عدة داخل حقل العلوم الإنسانية من الأنثروبولوجيا إلى السوسيولوجيا، ومن السيكولوجيا إلى علوم السياسة، الشيء الذي يجعل من كل محاولة لحصره ضرباً من المجازفة الفكرية المفتوحة على الاحتمالات كافة، هكذا يحدد معجم روبير الفرنسي الهوية باعتبارها الميزة الثابتة في الذات، ويختزن هذا التحديد معنيين يعمل على توضيحهما معجم المفاهيم الفلسفية على الشكل التالي: إنها ميزة ما هو متماثل، سواء تعلق الأمر بعلاقة الاستمرارية التي يقيمها فرد ما مع ذاته أم من جهة العلاقات التي يقيمها مع الوقائع على اختلاف أشكالها، ومن ثم تصبح الهوية الثقافية هي الفعل الذي يجعل من واقع ما مساوياً أو شبيها بواقع آخر من خلال الاشتراك في الجوهر، أما أنثروبولوجياً فيحضر المفهوم كعلامة غير منفصلة عن مسلسل الفردنة، أي كشكل من أشكال التمايز بين الطبقات نفسها، فمن أجل إعطاء هوية لفرد ما أو لمجموعة من الأفراد، يبدو لزاماً التمييز بين ما ليسوا هم، وبالمقابل ينبغي فهم الفرد في خصوصيته، كما يجب أخذ هويته التاريخية بعين الاعتبار.12

الواقع أننا بصدد التعامل مع إحدى أكثر القضايا حساسية في نشأة المجتمعات واستمرارها، ولعل هذا ما يضع هذه القضية في عمق كثير من النزاعات المسلحة أو حتى السلمية في العالم في إفريقيا كما في آسيا وأوروبا، بل إن هذه الاندفاعات نحو الهوية ليست حكراً في الواقع على الأماكن التي تقدم في التداول الإعلامي باعتبارها مناطق صراع وتعصب، بقدر ما هي منتشرة في مختلف بقاع المعمور شرقها وغربها، وفي هذا الإطار لسنا بحاجة للتذكير بالمفاوضات الشاقة التي جمعت فرنسا بالولايات المتحدة الأميركية على هامش معاهدة "الجات" التي تقضي بحرية مرور البضائع والأشخاص والمعلومات بين الدول بحرية، فقد كان زعماء فرنسا ومثقفوها متخوفون من مدى قدرة الهوية الفرنسية على الصمود في وجه الاختراق الثقافي والإعلامي الأجنبي، على الرغم من الخلفية الثقافية الفرنسية العريقة التي تجر وراءها فكر الأنوار وأبجديات الحداثة الغربية من إرهاصات الفكر الديكارتي إلى اشتغالات فلاسفة الاختلاف، كما أن كانتونات سويسرا وقوميتي بلجيكا وطائفتي أيرلندا ليست كلها أكثر من تعبير عن التشبث بالهوية في زمن العولمة، أما ألمانيا فإن أزيد من أربعين سنة من الفرقة الإسمنتية لم تلغِ سعي الطرفين نحو هوية الأمة الألمانية في مشهد التوحيد، ولعله من قبيل المفارقة الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، متزعمة أيديولوجيا العولمة في العالم، تعد من أكثر البلدان استشعاراً لهاجس الهوية، فقد سجل المفكر المغربي محمد عابد الجابري في زيارة له إليها في إطار ما يسمى بالحوار العربي الأمريكي أن برنامج الرحلة لم يكن يعطي الأولوية لإطلاع الزوار، وهم نخبة من ألمع المفكرين العرب، على تجليات الحضارة الأمريكية المعاصرة من قبيل علم التكنولوجيا والمعلوميات وبرامج غزو الفضاء، بقدر ما انصرف إلى أشياء وأماكن لها ارتباط بالتراث والتاريخ إلى درجة جعلت الدكتور الجابري يخاطب مضيفيه في إحدى مداخلاته على هامش الحوار المذكور قائلا: "إن وضعنا معكم مقلوب، نحن في العالم العربي شبعنا من التراث ونبحث عن المعاصرة، أما أنتم فيبدو أنكم شبعتم من المعاصرة وتبحثون عن التراث. أنتم تبحثون عن الماضي ونحن نبحث عن المستقبل".13 من جهة أخرى، فقد يتداخل هذا المفهوم مع مفاهيم أخرى هكذا قد يتم التعبير عن الهوية في كثير من الأحيان بلغة الجنسية، وليست الجنسية وضعية سياسية قانونية فحسب، فهي كذلك كل ما نعتقد أنها خصائصنا الاجتماعية المميزة، السمات التي نتقاسمها مع المواطنين المماثلين،14 الشيء الذي يحيل على تزاوج غير واضح المعالم بين الروابط المحسوسة والخريطة السياسية والقانونية، بل والجغرافية للعالم، ما يضعنا أمام أحد أهم الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح على هامش علاقة العولمة بالهوية تتعلق بسؤال المكان، فهذا الأخير الذي ظل على امتداد عمر التركيبة السياسية التقليدية، ممثلة في الدول الوطنية، مكاناً مغلقاً على مجموعة من الفاعلين الحاضرين في علاقات تقوم وجهاً لوجه قد أصبح مجالاً كونياً مفتوحاً لتفاعلات أبعد من نطاقه المحدد، يدخل فيها أفراد غير موجودين بالمكان، وأحداث لا تحدث في المكان ذاته.15 بهذا المعنى يكون التعايش بين العولمة والحدود السياسية أمراً محدوداً للغاية، ما دامت هذه الأخيرة تركز على الخصوصية، بينما تسعى العولمة إلى تجاوز هذه الخصوصية والانتقال إلى العمومية. الحدود مظهر من مظاهر السيادة، ومن أهم مقوماتها ومرتكزاتها، إنها تجسيد للسيادة على المكان، سواء أكان ملكاً خاصاً أم ملكاً جماعياً، أم أقيمت عليه دولة مستقلة تتمسك بحق سيادتها الكاملة ضمن حدوده المعترف بها دولياً، أما العولمة، فإنها تسعى إلى إلغاء السيادة على المكان أو إضعافها مستعينة بوسائلها وآلياتها من تخطي الحدود والقفز من فوقها والتعدي على خصوصيات المكان وسكانه، واختراقه، وغزو ثقافة شعبه وحضارته، وفرض ثقافة أخرى عليه، ما قد يضعف من انتمائه الوطني والقومي ويساهم في تفكيك عناصر هويته ومكوناتها، ليصبح شعباً بلا هوية تميزه عن غيره من الأمم و الشعوب.16 إنه إذن أقرب إلى نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، ويدفع للتفتيت والتشتيت ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة، واللادولة، أو يفرقهم في أتون الحرب الأهلية.17

اندثار الحدود السياسية والقانونية والثقافية أمام العولمة المدعومة بوسائل حديثة كالإنترنت، والفضائيات التلفزيونية، من شانه أن يدمر آخر قلاع المقاومة للاكتساح الثقافي الغربي والأمريكي بالأساس، ما دام السياق الجيوبوليتيكي الدولي يسير باتجاه تعزيز هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم في سياق ما يعرف بالنظام الدولي الجديد، أو عالم الميغا إمبريالية بتعبير عالم الدراسات المستقبلية المهدي المنجرة،18 فمع انحسار الاتحاد السوفييتي وتفككه وانشغاله بهمومه الداخلية، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحقق أكبر قدر من الانتشار العالمي والنجاحات والانتصارات السياسية والعسكرية، وتستغل التحولات الدولية لتزيد من حضورها وصعودها الدولي كدولة وحيدة تتميز بمواصفات ومقومات الدولة العظمى كلها (super state) ،19 إضافة إلى أنها تتحكم بالنسبة الأكبر من وسائل الإعلام المؤثرة عبر العالم. ولعل أكبر مظاهر السيطرة الأمريكية معلوماتياً تشبثها بأن تحتكر مؤسسة (ICANN) الأمريكية مسؤولية تسيير المهام الأساسية للإنترنت (internet governance)، التي تشمل إدارة الموارد الرئيسية للبنية التحتية للشبكة … فقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل قاطع في القمة العالمية لمجتمع المعلومات، أن تحال هذه المهمة على منظمة عالمية كالاتحاد العالمي للاتصالات … وهو ما يثير قلق الاتحاد الأوروبي من أن تصبح الإنترنت "ضيعة" أمريكية خاصة،20 بهذا تتجاوز الهيمنة الأمريكية الجانب الاقتصادي والسياسي إلى الجانب الثقافي، بما يعنيه ذلك من تعميم للقيم النفسية والسلوكية والعقائدية الأمريكية على الأذواق والسلوكيات والأعراف التي تشكل، بالإضافة إلى الأديان والعقائد، المنظومة المتكاملة للخصوصية الحضارية لباقي الشعوب في العالم، ما يعني أن الأمر يتعلق بأيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم وأمركته على حد تعبير الدكتور عابد الجابري، فهي تعمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية، بالذات، على بلدان العالم أجمع … .21 لذلك، فهي تنحو باتجاه القضاء على الخصوصية الثقافية بشكل عام، في الأذواق وأولويات التفكير ومواضيعه ومناهجه، لكل هذا يضع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي مفهوم العولمة في عمق التطلعات الهيمنية للولايات المتحدة الأمريكية من وحي مصالحها الأمنية القومية، أو ما يتعارف عليه بالحلم الأمريكي الذي جند، ليصبح واقعاً معيشاً، مجموعة من الحلفاء والزبناء في إطار تبني حرية مطلقة لقوانين السوق المالية الواحدة التي تتحدى سلطة الدولة القومية ودولة الرعاية.22 أما المدخل الأساسي للتأثير فيرتبط -كما سبقت الإشارة لذلك- بالاختراق الإعلامي الهائل الذي يتجاوز كل الأشكال التقليدية للتواصل، فيجند ثقافة جديدة هي ثقافة ما بعد المكتوب التي ليست سوى ثقافة الصورة، باعتبارها المفتاح السحري للنظام الثقافي الجديد: نظام إنتاج وعي الإنسان بالعالم، إنها المادة الثقافية الأساس التي يجري تسويقها على أوسع نطاق جماهيري، وهي تلعب الدور نفسه الذي لعبته الكلمة في سائر التواريخ التي سلفت. إن الصورة أكثر إغراء وجذباً وأشد تعبيراً وأكثر رسوخاً والتصاقاً بالعقل؛ لأنها لغة عالمية تفهمها جميع الأمم والشعوب والبشر كافة، سواء أكانوا جهلة أم متعلمين، لأنها قادرة على تحطيم الحاجز اللغوي وعلى الرغم من هذا فهي لا تعدو أن تكون ثقافة معلبات مسلوقة جاهزة للاستهلاك، تتنافس الشركات الإعلامية لتسويقها مستخدمة جميع ما ابتكره العقل البشري الغربي من وسائل الإغراء والخداع، ومع تراجع معدلات القراءة والاهتمام بالكتاب، فإن نظام القيم معرض للتفتت، ما سيكرس منظومة جديدة من المعايير ترفع من قيمه النفعية والفردانية الأنانية، والمنزع المادي ـ الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني… الخ.23 ولا تقتصر محاولات الأمركة على مضامين الرسائل الإعلامية الدائمة التدفق، بل تتعداها إلى التبشير بانتصار القيم المسماة أمريكية، وبأساليب وطرز الحياة الأمريكية، بدءاً بأنماط السلوك والملابس واللغة، وصولاً إلى التبشير بالانتصار النهائي للقيم الليبرالية على سواها، والحديث عن نهاية التاريخ،24 بوصفها النتيجة النهائية التي أعقبت الحرب الباردة بما تحتويه من تفوق لقدرات التكنولوجيا الأمريكية، ومن أفضلية للنظم والمؤسسات العالمية على الطراز الأمريكي، وبما تنطوي عليه من تحديث وديمقراطية لا بد وأن تعم، حسب منظري الليبرالية الجديدة، جميع دول العالم من خلال التمسك بمبادئ الرأسمالية التي تشكل غاية التطور العالمي وقدر جميع الشعوب والدول الأخرى.25 ولعل أبلغ مثال على هذا الاختراق الأمريكي لأنماط العيش الجهوية بمختلف أنحاء العالم، يتمثل في تداول مفاهيم جديدة من قبيل مفهوم الماكدونالية (macdonaldization) الذي يحيل بشكل مباشر على ثقافة وجبات الطعام السريع الأمريكي المقدم في سلسلة مطاعم ماكدونالد الشهيرة عبر العالم.26 ولسنا بحاجة للتذكير على أن انتشار هذه المطاعم في كل ربوع الوطن العربي لخير دليل على اكتساح النموذج الثقافي الأمريكي لمختلف مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية العربية، الشيء الذي يحيل بشكل مباشر على أننا في عمق تأثير العولمة المؤمركة، فما مدى هذا التأثير؟ وما هي تداعياته على الفضاء الثقافي العربي؟ وهل من آليات للمقاومة؟

الثقافة العربية: الاكتساح العولمي وآليات المقاومة

إذا ركزنا زاوية الرؤية على البلدان العربية، فإننا لا نعتبر وضعها مفارقاً لمجمل البلدان المنتمية تحت لواء العالم الثالث، فالتبعية السياسية الشاملة للغرب، وضعف أداء الاقتصادات العربية، وفشل مشاريع التنمية، والاندماج السلبي في اقتصاديات الغرب القوية، لا يمنح فرصاً لتشكيل هوية اقتصادية محلية قد تفسح المجال أمام حماية وتحصين الهوية الثقافية في شتى تمظهراتها، ذلك أن ما نستورده من الغرب ليس مجرد منتوجات أو آلات، بل سلوك وقيم و معايير،27 لها بالغ الأثر في مجتمعات لا زالت تعيش إشكالية الصراع بين التقليد الذي يتحدد من خلال الانتماء إلى نظام اجتماعي وثقافي يجد تبريره في الماضي، ويدافع عن مكتسباته ضد عمل قوى التغير28 والحداثة التي تقدم نماذج للسلوك والتفكير متعارضة مع النماذج التقليدية.29 وإذا جاز لنا أن نجازف بمحاولة رصد تأثير العولمة الغربية في نسختها الأمريكية بالأساس على واقع الثقافة العربية، فقد يكون بإمكاننا تسجيل بعض هذه المؤثرات التي وإن كانت تعلن عن نفسها بتجلٍّ واضح في حيثيات الحياة اليومية العربية، فإن من الصعب عزلها عن التأثيرات الأخرى السياسية والاقتصادية بالأساس، هكذا يمكن الحديث عما يلي:

< تغيير شامل في القيم والسلوكـيات الاستهلاكية من خلال التركيز على العلامات التجارية العالمية، وانتشار السلوكيات الاستهلاكية الغربية، الشيء الذي من شأنه أن يهدد الموروث الثقافي والاجتماعي العربي في جملته بالاندثار، مع توالي انخراط الأجيال اللاحقة في هذه الأنماط المستوردة التي تمس مختلف أشكال الحياة المادية والفكرية للأفراد والجماعات من المأكل، والمشرب، والملبس إلى طرق التفكير والحياة.
< تراجع مستمر للغة العربية في شتى المجالات أمام اكتساح اللغات الأجنبية، إذ أصبحت اللغات الأجنبية "الإنجليزية في دول الشرق الأوسط والفرنسية في دول المغرب العربي" أكثر تداولاً من اللغة العربية حتى في العلاقات البين عربية، بل وداخل الدولة نفسها.
< فقدان الثقافة العربية للقدرة على التجديد المتوازن لذاتها، فتخلف الآليات والمعايير المنتهجة في هذا السياق أضحى يهدد حتى مستقبل الإنتاج الفني والأدبي بالبلدان العربية، ولسنا بحاجة للتذكير بتراجع هذا الإنتاج كماً وكيفاً.
< انكماش وسائل الإعلام العربية أمام الاكتساح الهائل للإعلام الغربي وقصورها عن حماية وتجديد الثقافة العربية.

هذه بعض آثار الاختراق الثقافي الغربي الأمريكي للثقافة العربية، وهي على الرغم من خطورتها لا تمثل في الواقع سوى الشجرة التي تحجب الغابة أما آليات المقاومة وتحصين الهوية العربية، فليست مناقشتها بأقل صعوبة من عزل هذه الآثار وتوصيفها، هكذا من البديهي أن تتجاوز الحلول المقترحة من قبل المهتمين بتتبع الظاهرة وآثارها، الجانب الثقافي، لتحاول صياغة منظومة متعددة الأوجه من آليات العمل السياسي الرسمي (الحكامة) والسلوكيات الفردية والجماعية الرسمية وغير الرسمية الكفيلة، إن لم يكن بدحض آثار العولمة، فعلى الأقل تنشيط آليات المقاومة داخل المجتمعات المستهدفة التي تأتي المجتمعات العربية في طليعتها لانتمائها للحلقة السياسية الأضعف في العالم من جهة، ووقوعها في مناطق مصالح الأقوياء من جهة أخرى. في هذا السياق نتوقف عند إحدى أهم لحظات النقاش العربية حول إشكالية العولمة وآثارها الثقافية وآليات مواجهتها، ويتعلق الأمر بالندوة التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت حول موضوع: (العرب والعولمة) بين 18 و20 كانون الأول 1997، والتي تميزت بمشاركة نخبة من المفكرين العرب حملت أوراقهم المقدمة على هامش الندوة رؤى عميقة اتجاه العولمة الثقافية، كما قدمت مقترحات نظرية وعلمية للحد من تداعياتها السلبية.30 فإجابة على سؤال ما العمل إزاء الأخطار التي تطبع علاقة العرب بالعولمة على مستوى الهوية الثقافية، يعرض المفكر محمد عابد الجابري لموقفين يصنفهما منذ البداية ضمن المواقف اللاتاريخية؛ يتعلق الأول بالرفض المطلق وسلاحه الانغلاق الكلي الذي ينقلب إلى موت بطيء لعدم وجود نسبة معقولة من التكافؤ بين إمكانات العولمة والثقافة المنغلقة عليها، فيما يرتبط الثاني بالقبول التام للاستتباع الحضاري والاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة تحت شعار الانفتاح على العصر والمراهنة على الحداثة، بما يعنيه هذا من دعوة للاغتراب واللاهوية. أما البديل حسب الدكتور الجابري فينطلق من العمل داخل الثقافة العربية نفسها من أجل تجديدها (بإعادة بنائها وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها، والتماس وجوه من الفهم والتأويل لمسارها تسمح بربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل … فتجديد الثقافة العربية، والدفاع عن الخصوصيات، ومقاومة الغزو والاختراق، كلها أمور تحتاج إلى اكتساب الأسس والأدوات التي لا بد منها لدخول عصر العلم والثقافة، وفي مقدمتها العقلانية والديمقراطية … في الاتجاه نفسه سارت ورقة الباحث السعودي محمد محفوظ مدير تحرير مجلة الكلمة الذي حث على ضرورة إعادة الاعتبار لعناصر الثقافة الوطنية، والعمل على تنشيطها في النسيج المجتمعي، لأن بقاء عناصر الثقافة الوطنية ساكنة، يعني تحول بعضها إلى فلكلور محلي، نشجع به السياحة، ونحنطه في متاحف وأماكن أثرية لا غير، ذلك أن الارتكاز على عناصر الثقافة الوطنية ومقوماتها هو الذي يوفر لنا أسباب الوعي والإدراك الكافيين لاستيعاب تطورات العالم، وتحديد مستقبلنا. أما الدكتور عبد الإله بلقزيز فلا يرى في إطار الورقة التي قدمها على هامش الندوة نفسها من حل سوى ما أسماه الممانعة الثقافية، عبر المقاومة الإيجابية لهذه العولمة أو السيطرة الثقافية الغربية، كما أسماها وهو ما لن يتحقق إلا باستعمال الأدوات عينها التي تحققت بها الجراحة الثقافية للعولمة، ذلك أن نظريات علم الاجتماع الثقافي تؤكد أن فعل العدوان الثقافي غالباً ما يستنهض نقيضه.31

إن قراءة متأنية في الآليات المقترحة من لدن نخبة من المفكرين والأكاديميين العرب الذين شكلت إشكالية الهوية العربية في مقابل الاكتساح العولمي إحدى أهم ركائز اشتغالاتهم الفكرية، تدفعنا للإقرار بأن المعركة داخلية أكثر بكثير مما هي خارجية، فالتصدي لآثار العولمة لا يمر عبر المواجهة المكشوفة معها في مختلف ساحاتها الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية، لأن هذا سيكون بمثابة ضرب من الانتحار الهوياتي على الواجهات كافة، بقدر ما يمر عبر الاشتغال على الذات. إنها إشكالية الأنا والنحن أكثر بكثير من كونها إشكالية الآخر؛ بمعنى أن مستقبل الثقافة العربية ليس مرهوناً بالتحديات الخارجية التي تحملها العولمة على أهميتها فحسب، بل يتصل بقدرة هذه الثقافة على إقامة حوار داخلي بين اتجاهاتها وتياراتها وأفكارها، أي بقدرتنا كعرب على إعادة بناء وحدة الفضاء الثقافي العربي بما يضمن حرية تداول الأفكار والمنتجات الفنية والأدبية، إلى جانب تدعيم النشاط الإبداعي وتحريره من الممنوعات والمحرمات، بحيث يصبح الحوار الثقافي والحضاري العربي مقدمة وشرطاً لأي ممانعة ثقافية أو مبادرة منتجة للتواصل مع الثقافات الأخرى.32

من جهة أخرى، فإن الحديث عن تشكيل وتحصين الهوية الثقافية الداخلية في مقابل الاختراق الثقافي الغربي، يحيل بالضرورة على سيرورة بالغة التعقيد، ترتبط بمختلف المؤسسات الاجتماعية التي توكل إليها مهمة إنتاج القيم والرموز وضمان استمرارها، والتي تأتي المؤسسات الإدماجية التقليدية من قبيل المدرسة والأسرة على رأس قائمتها، الشيء الذي يحيل بقوة الأشياء على التطرق لموضوعة التربية كفاعلية دينامية من شأنها توفير مجال جد ملائم للمقاومة أو الممانعة بتعبير عبد الإله بلقزيز،33 فإلى أي حد يمكن اعتبار المؤسسات التربوية التقليدية جبهة ممانعة ثقافية لتحصين الذات العربية ضد آليات العولمة والتنميط الثقافي؟

التربية: ساحة ممانعة

تجعل التصورات الكلاسيكية من الممارسة التربوية في مختلف تجلياتها صمام أمان الضبط والمحافظة الاجتماعية، باعتبارها موجهة نحو إنتاج وإعادة إنتاج القيم والرموز عن طريق نقلها بشكل أمين للأجيال المتعاقبة، فعالم الاجتماع الفرنسي ديركايم (DURKHAIM) يقدم التربية باعتبارها العمل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد، من أجل الحياة الاجتماعية. وهدفها أن تثير لدى المتلقي وتنمي عنده طائفة من الأحوال الجسدية والفكرية والخلقية التي يتطلبها منه المجتمع السياسي في جملته، وتتطلبها البيئة الخاصة التي يعد لها بوجه خاص، ولعل هذا أبلغ تجلٍّ لهذه السيرورة في اصطلاحات العلوم الإنسانية والاجتماعية هو ما يمكن اختزاله في مفهوم التنشئة الاجتماعية (socialisation) التي يقدمها السوسيولوجي الكندي غاي روتشر (Guy Rocher) باعتبارها منظومة الأوليات التي تمكن الفرد على مدى حياته من تعلم واستبطان القيم الاجتماعية الثقافية السائدة في وسطه الاجتماعي.34 بهذا المعنى يمكن تصورها كمنظومة عمليات يعتمدها المجتمع في نقل ثقافته، بما تنطوي عليه هذه الثقافة من مفاهيم وقيم وعادات وتقاليد إلى أفراده … إنها العملية التي يتم من خلالها دمج الفرد في المجتمع والمجتمع في الفرد.35

وفقاً لمختلف هذه التحديدات تتباين التربية من مجتمع لآخر بتباين النماذج الثقافية والرموز والقيم التي يستهدف كل مجتمع ضمان استمرارها من خلال السهر على تمريرها للأجيال اللاحقة، إلا أنها لا تعدو أن تكون انعكاساً لأساليب السلطة الموظفة في المجتمع وفي مؤسساته، لهذا السبب يتم الرهان في أجرأة غايات وأهداف العملية التربوية على المؤسسات التربوية التقليدية الممتدة من المدرسة إلى الأسرة باعتبارهما مؤسستين اجتماعيتين إدماجيتين تتمحور أهميتهما في المحافظة على الموروث الثقافي والاجتماعي وإعادة إنتاجه بما يضمن عملية الإدماج هاته على المستويين سابقي الذكر: إدماج الفرد في المجتمع وإدماج ثقافة المجتمع في الفرد، غير أن حالة الانفلات الهائل للثورة المعلوماتية وتأثيراتها الجمة على الأفراد والجماعات، بل وعلى الدول نفسها من شأنه أن يطرح أكثر من سؤال حول الهوامش المتاحة لهذه المؤسسات التقليدية في القيام بعملية الإنتاج وإعادة الإنتاج هذه، وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة خطاب هذه المؤسسات الأقرب ميلاً إلى المحافظة والأكثر ارتباطاً بالقهر والإكراه، في مقابل الخطاب السمعي البصري الذي يراهن على آخر تقنيات التأثير، وبخاصة أن المشروع الغربي في عصر العولمة قد أصبح في عهدة الإمبراطوريات السمعية البصرية، بما تملكه من نفوذ وإمكانات وسلطة تمكنها من تقديم مادتها الإعلامية للمتلقي في قالب مشوق يجلب الانتباه عبر تكنولوجيا الإثارة والتشويق، ويقارب عتبة المتعة ومعها يبلغ خطابه الأيديولوجي وأهدافه الاستهلاكية، ويسهم في وأد حاسة النقد لدى المتلقي الذي يصبح قابلاً لتمرير وتلقي جميع القيم والمواقف السلوكية دون اعتراض عقلي أو معاداة نفسية.36 الشيء الذي يجعل المعركة محسومة سلفاً لصالح الخطاب الإعلامي القادم من ما وراء البحار، محملاً بأبطال ورموز جديدة تعيد تشكيل مخيلة المشاهد بدءاً بعارضات الأزياء ونجوم الكرة، وصولاً إلى رموز الفن والسينما والأعمال والألبسة والأطعمة وأنماط السلوك والمفردات اللغوية،37 فيقلل من قدرة المؤسسات التربوية العربية في صورتها الحالية على المنافسة ومقاومة هذه الصور المبثوثة عبر القنوات الفضائية التي أضحت في متناول الجميع بأقل التكاليف في نسختها الأصلية المرتبطة بالإعلام الغربي، أو حتى في امتداداتها الوطنية التي تعيد إنتاج الخطاب نفسه بالآليات نفسها بانتصارها للمنتوج الغربي على حساب المنتوج الوطني إن وجد أصلاً.

الواقع أن هذه المؤسسات لا تستطيع تحقيق اكتفاء ذاتي ثقافي عربي كما لم تستطع الاقتصادات المترهلة ضمان اكتفاء ذاتي غذائي عربي مع خطورة زائدة متضمنة في المقارنة تتمثل في أن اكتساح الإعلام الغربي للمجال الثقافي العربي من شأنه أن يحول هذا الفضاء الداخلي إلى فضاء للإقصاء، فهيمنة أدوات الاتصال السمعي البصري الغربية واكتساحها لكل الفضاءات الممكنة واستئثارها بحيز زمني مهم من وقت المتلقين الذي يبلغ ذروته في النمط التلفزيوني، يجعل الجميع أقرب إلى العيش في عالم افتراضي أثيري يتألف من الصور والإشارات والنصوص المرئية والمقروءة على الشاشات الإلكترونية، بما بات يشكل تهديداً لمنظومات القيم والرموز وتغييراً في المرجعيات الوجودية وأنماط الحياة،38 إذ أن العالم المرغوب فيه بالنسبة لزبناء الفضاء السمعي البصري التلفزيوني خاصة لم يعد، بالضرورة، هو العالم الحقيقي الذي يتحرك في إطاره هؤلاء بقدر ما هو هذا العالم الأثيري الافتراضي الذي تنقله وسائل الإعلام الغربية وامتداداتها المحلية أيضاً، فتسهم به في تغيير البنى الذهنية والتشويش، إن لم نقل التضييق، على الأجهزة التقليدية الوصية على الممارسة التربوية، وهذا من شأنه أن يحول المجتمع الحقيقي إلى مجتمع للاغتراب والإقصاء، فالرموز والقيم التي يتشبع بها المتلقي يومياً عبر الفضاء السمعي البصري مختلفة كلياً عن رموز وقيم المجتمع الأصلي ما دامت تصنع خارج حدوده، كما من شأنه أن يفقد المنتوج التربوي المحلي كل قدرة على جلب اهتمام متلقيه ما دام خطاب الأوامر والنواهي الذي يشكل عصبه غير ذي إغراء أمام ثقافة الصورة المشوقة والممتعة.

إن هذه الصورة القاتمة وإن كانت تشكل توصيفاً لحقيقة وضع المؤسسات التربوية والثقافية في دول العالم الثالث، ومن ضمنها الدول العربية لا تعفي هذه المؤسسات من التمسك بأداء الوظائف المنوطة بها، والمتمثلة -كما أسلفنا- في صناعة الرموز والقيم التي تشكل عمق الهوية المحلية، والعمل على ضمان استمرارها، لأن مستقبل الثقافة العربية رهين بإعادة النظر في آليات اشتغال المدرسة والأسرة، فإذا كان من البديهي أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة إلى عولمة التربية تحت شعار حماية حقوق الإنسان، ناظرة إلى نموذجها كشرط أساسي لنجاح عولمتها الاقتصادية، مؤمنة بأنه عن طريق التربية التي ترغب في فرضها يمكن تنمية النزعات الاستهلاكية،39 فإنه من الضروري والملح أن تسعى هذه المؤسسات إلى حماية الأمن الثقافي العربي من خلال إعلان القطيعة مع الآليات التقليدية الموظفة في المجال التربوي العربي عبر صياغة باراديغم تربوي جديد40 واعٍ بطبيعة المرحلة التي يجتازها العالم والمنطقة، وبطبيعة المسؤولية الجسيمة المنتظرة منه، وهو ما لن يتأتى إلا من خلال تجديد آليات اشتغال هذه المؤسسات عبر تطوير الأنساق التربوية التقليدية، وإنتاج خطاب تربوي وأسري بديل، أساسه الاشتغال على ميكانيزمات جديدة تهدف إلى تنمية الحس النقدي لدى المتلقي، بما يضمن تجاوباً عقلانياً مع المنتوج الإعلامي الغربي الذي أصبحت إمكانية تفاديه ضرباً من الخيال، وهو ما يسمح بالحديث عن منظومة تربوية تضمن توازناً معقولاً بين ضرورة الحفاظ على معالم الهوية المحلية وحتمية الانفتاح على الثقافات الإنسانية في مختلف تمظهراتها وامتداداتها، فتجعل الماضي في خدمة المستقبل وليس المستقبل رهينة للماضي.41 غير أن معركة المؤسسات التربوية التقليدية لن تحقق أهدافها بأية حال في غياب دعم حقيقي من الفضاء الإعلامي العربي، الذي يجب أن يخرج بدوره من موقف اللعب على ثنائية الاندماج اللامشروط في النموذج الثقافي الغربي تحت يافطة الحداثة والانفتاح، أو إعادة إنتاج نفس آليات المؤسسات الإدماجية التقليدية ممثلاً في خطاب الأوامر والنواهي تحت يافطة الإنتاج الإعلامي الأسري الهادف، والاندماج في مشاريع جديدة أساسها التطلع إلى إشباع حاجات المواطن العربي الثقافية والجمالية من خلال بناء صورة سمعية بصرية خاصة بالذات العربية،42 تحقق بنجاعة ثلاثية الإخبار والتثقيف والترفيه، بكثير من الجمالية وقليل من الخطابة، صورة سمعية بصرية تسير في تناغم مع ضرورة الحفاظ على الخصوصية المحلية من جهة، والانفتاح على تجليات الثقافة العالمية من جهة أخرى، بما يعنيه ذلك من انتصار للقيم العالمية التي ترتقي بالقيم المحلية إلى مستوى عالمي، دون أن تحرمها من حقها في الوجود، ومواجهة لثقافة العولمة كإرادة للهيمنة واكتساح للخصوصيات الجهوية، ولعلنا لا نجد ما ننهي به هذه المقالة أبلغ من هذه العبارة العميقة المنسوبة لأحد رموز التحرر في التاريخ الإنساني المهاتما غاندي: “أرغب أن تهب رياح جميع الثقافات على نوافذ بيتي، لكني أرفض أن تقتلعني أي منها من جذورى!”.

محمد فاضل رضوان
كاتب صحافي وباحث سوسيولوجي،
وأستاذ الفكر الإسلامي والفلسفة – المغرب




من مجلة فكر ونقد : محمد عابد الجابري

العولمة والهوية الثقافية : عشر أطروحات

العولمة والهوية الثقافية : عشر أطروحات

تهدف هذه الورقة إلى رسم إطار عام للعلاقة بين العولمة والهوية الثقافية كما يمكن أن ترصد اليوم في الوطن العربي ، سواء كعلاقة قائمة بالفعل أو كما يمكن أن تقوم في المستقبل . وهي تستعيد بصورة أو بأخرى معطيات سبق تقريرها في أعمال سابقة . وبالتالي فالورقة تقدم أطروحات تؤخذ هنا كحقائق أو مسلمات سبق تبريرها في أعمال أخرى . هذه الأطروحات هي :
الأطروحة الاولى : ليست هناك ثقافة عالمية واحدة ، بل ثقافات…
إننا نقصد بـ " الثقافة " هنا : ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية ، تشكل أمة أو ما في معناها ، بهويتها الحضارية ، في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء . وبعبارة أخرى إن الثقافة هي " المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم ، عن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده ، وما ينبغي أن يعمل وما لا ينبغي أن يأمل " .
تلزم عن هذا التعريف ، لزوما ضروريا ، النتيجة التالية – تشكل قلب هذه الأطروحة وجوهرها – وهي أنه : ليست هناك ثقافة عالمية واحدة ، وليس من المحتمل أن توجد في يوم من الأيام ، وإنما وجدت ، وتوجد وستوجد ، ثقافات متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية ، أو بتدخل إرادي من أهلها ، على الحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة . من هذه الثقافات ما يميل إلى الانغلاق والانكماش ، ومنها ما يسعى إلى الانتشار والتوسع ، ومنها ما ينعزل حينا وينتشر حينا آخر.
الأطروحة الثانية : المستويات الثلاثة للهوية الثقافية .
الهوية الثقافية مستويات ثلاثة : فردية ، وجمعوية ، ووطنية قومية . والعلاقة بين هذه المستويات تتحدد أساسا بنوع " الآخر " الذي تواجهه .
إن الهوية الثقافية كيان يصير، يتطور، وليست معطى جاهزا ونهائيا . هي تصير وتتطور، إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم ، انتصاراتهم وتطلعاتهم ، وأيضا باحتكاكها سلبا وإيجابا مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما .
وعلى العموم ، تتحرك الهوية الثقافية على ثلاثة دوائر متداخلة ذات مركز واحد :
– فالفرد داخل الجماعة الواحدة ، قبيلة كانت أو طائفة أو جماعة مدنية ( حزبا أو نقابة الخ…) ، هو عبارة عن هوية متميزة ومستقلة . عبارة عن " أنا " ، لها " آخر " داخل الجماعة نفسها : " أنا " تضع نفسها في مركز الدائرة عندما تكون في مواجهة مع هذا النوع من " الآخر " .
– والجماعات ، داخـل الأمة ، هي كالأفراد داخل الجماعة ، لكل منها ما يميزها داخل الهوية الثقافية المشتركة ، ولكل منها " أنا " خاصة بها و" آخر" من خلاله وعبره تتعرف على نفسها بوصفها ليست إياه .
– والشيء نفسه يقال بالنسبة للأمة الواحدة إزاء الأمم الأخرى . غير أنها أكثر تجريدا ، وأوسع نطاقا ، وأكثر قابلية للتعدد والتنوع والاختلاف .
هناك إذن ثلاثة مستويات في الهوية الثقافية ، لشعب من الشعوب : الهوية الفردية ، والهوية الجمعوية ، والهوية الوطنية (أو القومية) . والعلاقة بين هذه المستويات ليست قارة ولا ثابتة ، بل هي في مد وجزر دائمين ، يتغير مدى كل منهما اتساعا وضيقا ، حسب الظروف وأنواع الصراع واللاصراع ، والتضامن واللاتضامن ، التي تحركها المصالح : المصالح الفردية والمصالح الجمعوية والمصالح الوطنية والقومية .
وبعبارة أخرى إن العلاقة بين هذه المستويات الثلاثة تتحدد أساسا بنوع " الآخر " ، بموقعه وطموحاته : فإن كان داخليا ، ويقع في دائرة الجماعة ، فالهوية الفردية هي التي تفرض نفسها كـ" أنا " ، وإن كان يقع في دائرة الأمة فالهوية الجمعوية (القبلية ، الطائفية ، الحزبية الخ) هي التي تحل محل " الأنا " الفردي . أما إن كان " الآخر " خارجيا ، أي يقع خارج الأمة (والدولة والوطن) فإن الهوية الوطنية – أو القومية – هي التي تملأ مجال " الأنا ".
الأطروحة الثالثة : لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها: جماع الوطن والأمة والدولة.
لا تكتمل الهوية الثقافية ، ولا تبرز خصوصيتها الحضارية ، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية ، على الأخذ والعطاء ، إلا إذا تجسدت مرجعيتها في كيان مشخص تتطابق فيه ثلاثة عناصر: الوطن والأمة والدولة .
الوطن : بوصفه " الأرض والأموات " ، أو الجغرافية والتاريخ وقد أصبحا كيانا روحيا واحدا ، يعمر قلب كل مواطن . الجغرافيا وقد أصبحت معطى تاريخيا . والتاريخ وقد صار موقعا جغرافيا .
الأمة : بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة : وقوامها ذاكرة تاريخية وطموحات تعبر عنها الإرادة الجماعية التي يصنعها حب الوطن ، أعني الوفاء لـ " الأرض والأموات " ، للتاريخ الذي ينجب ، والأرض التي تستقبل وتحتضن .
الدولة : بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة ، والجهاز الساهر على سلامتهما ووحدتهما وحماية مصالحهما ، وتمثيلهما إزاء الدول الأخرى ، في زمن السلم كما في زمن الحرب . ولا بد من التمييز هنا بين " الدولة " ككيان مشخص ومجرد في الوقت نفسه ، كيان يجسد وحدة الوطن والأمة ، من جهة ، وبين الحكومة أو النظام السياسي الذي يمارس السلطة ويتحدث باسمها من جهة أخرى . وواضح أننا نقصد هنا المعنى الأول .
وإذن ، فكل مس بالوطن أو بالأمة أو بالدولة هو مس بالهوية الثقافية , والعكس صحيح أيضا : كل مس بالهوية الثقافية هو في نفس الوقت مس بالوطن والأمة وتجسيدهما التاريخي : الدولة .
الأطروحة الرابعة : العولمة .
ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا ، وبالدرجة الأولى ، إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم .
العولمة التي يجري الحديث عنها الآن : نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد . العولمة الآن نظام عالمي ، أو يراد لها أن تكون كذلك ، يشمل مجال المال والتسويق والمبادلات والاتصال الخ… كما يشمل أيضا مجال السياسة والفكر والإيديولوجيا .
والعولمة تعني في معناها اللغوي : تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله . وهي تعني الآن ، في المجال السياسي منظورا إليه من زاوية الجغرافيا ( الجيوبولتيك) ، العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا بعينه ، هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات ، على بلدان العالم أجمع . ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور " التلقائي " للنظام الرأسمالي ، بل إنها أيضا ، وبالدرجة الأولى دعوة إلى تبني نموذج معين . وبعبارة أخرى فالعولمة ، إلى جانب أنها تعكس مظهرا أساسيا من مظاهر التطور الحضاري الذي يشهده عصرنا ، هي أيضا إيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة ، عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته . وقد حددت وسائلها لتحقيق ذلك في الأمور التالية :
1- استعمال السوق العالمية أداة للإخلال بالتوازن في الدول القومية ، في نظمها وبرامجها الخاصة بالحماية الاجتماعية .
2- اتخاذ السوق والمنافسة التي تجري فيها مجالا لـ" الاصطفاء " ، بالمعنى الدارويني للكلمة ، أي وفقا لنظرية داروين في " اصطفاء الأنواع والبقاء للأصلح " . وهذا يعني أن الدول والأمم والشعوب التي لا تقدر على " المنافسة " سيكون مصيرها ، بل يجب أن يكون ، الانقراض .
3- إعطاء كل الأهميـة والأولوية للإعــلام لإحداث التغييــرات المطلوبة على الصعيد المحلــي والعالمي ، باعتبار أن " الجيوبوليتيك " ، أو السياسة منظورا إليها من زاوية الجغرافيا ، وبالتالي الهيمنة العالمية ، أصبــحت تعني اليوم مراقبة " السلطة اللامادية " ، سلطة تكنولوجية الإعلام التي ترسم اليوم الحدود في " الفضاء السيبرنيتي " : حدود المجال الاقتصادي السياسي التي ترسمها وسائل الاتصال الإلكترونية المتطورة .
وهكذا فبدلا من الحدود الثقافية ، الوطنية والقومية ، تطرح إيديولوجيا العولمة " حدودا " أخرى ، غير مرئية ، ترسمها الشبكات العالمية قصد الهيمنة على الاقتصاد والأذواق والفكر والسلوك .
الأطروحة الخامسة : العولمة شيء و"العالمية" شيء آخر.
العالمية تفتح على العالم ، على الثقافات الأخرى ، واحتفاظ بالاختلاف الثقافي وبالخلاف الإيديولوجي . أما العولمة فهي نفي للآخر وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع الإيديولوجي .

العولمة GLOBALISATIONإرادة للهيمنة وبالتالي قمع وإقصاء للخصوصي. أما العالمية UNIVERSALITEUNIVERSALISME. فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي . العولمة احتواء للعالم ، والعالمية تفتح على ما هو عالمي وكوني .
نشدان العالمية في المجال الثقافي ، كما في غيره من المجالات ، طموح مشروع ، ورغبة في الأخذ والعطاء ، في التعارف والحوار والتلاقح . إنها طريق الأنا للتعامل مع " الآخر " بوصفه " أنا ثانية " ، طريقها إلى جعل الإيثار يحل محل الأثرة . أما العولمة فهي طموح بل إرادة لاختراق " الآخر " وسلبه خصوصيته ، وبالتالي نفيه من " العالم " . العالمية إغناء للهوية الثقافية ، أما العولمة فهي اختراق لها وتمييع .
والاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة يريد إلغاء الصراع الإيديولوجي والحلول محله .. الصراع الإيديولوجي صراع حول تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتشريع للمستقبل ، أما الاختراق الثقافي فيستهدف الأداة التي يتم بها ذلك التأويل والتفسير والتشريع : يستهدف العقل والنفس ووسيلتهما في التعامل مع العالم : " الإدراك " .
لقد حــل هذا اللفظ اليـوم – الإدراك – محل لفظ آخر كان كثير الاستعمال بالأمس ، في عصر الصراع الإيديولوجي ، لفظ " الوعي " ( الوعي الطبقي ، الوعي القومي ، الوعي الديني…) . كان الصراع الإيديولوجي وما يزال يستهدف تشكيل الوعي ، تزييفه أو تصحيحه الخ ، أما " الاختراق الثقافي " فهو يستهدف أول ما يستهدف السيطرة على الإدراك ، اختطافه وتوجيهه ، وبالتالي سلب الوعي ، والهيمنة على الهوية الثقافية الفردية والجماعية .
في زمن الصراع الإيديولوجي كانت وسيلة تشكيل الوعي هي الإيديولوجيا ، أما في زمن الاختراق الثقافي فوسيلة السيطرة على الإدراك هي الصورة السمعية البصرية التي تسعى إلى " تسطيح الوعي " ، إلى جعله يرتبط بما يجري على السطح من صور ومشاهد ذات طابع إعلامي إشهاري ، مثير للإدراك ، مستفز للانفعال ، حاجب للعقل…

وبالسيطرة على الإدراك ، وانطلاقا منها ، يتم " إخضاع النفوس " ، أعني تعطيل فاعلية العقل ، وتكييف المنطق ، والتشويش على نظام القيم ، وتوجيه الخيال ، وتنميط الذوق ، وقولبة السلوك . والهدف تكريس نوع معين من الاستهلاك لنوع معين من المعارف والسلع والبضائع : معارف إشهارية تشكل في مجموعها ما يمكن أن نطلق عليه " ثقافة الاختراق ".

الأطروحة السادسة : ثقافة الاختراق .
تقوم ثقافة الاختراق على جملة أوهام هدفها : " التطبيع " مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري.
تتولى القيامَ بعملية تسطيح الوعي ، واختراق الهوية الثقافية للأفراد والأقوام والأمم ، ثقافةٌ جديدة تماما لم يشهد التاريخ من قبل لها مثيلا : ثقافة إشهارية إعلامية سمعية وبصرية تصنع الذوق الاستهلاكي (الاشهار التجاري) والرأي السياسي (الدعاية الانتخابية) وتشيد رؤية خاصة للإنسان والمجتمع والتاريخ ، إنها " ثقافة الاختراق " التي تقدمها العولمة بديلا للصراع الإيديولوجي .
ولا يعني حلول الاختراق الثقافي محل الصراع الإيديولوجي موت الإيديولوجيا ، كما يريد المبشرون بالعولمة أن يوهموا الناس .. كلا إن الاختراق الثقافي ، بالعكس من ذلك ، مُحَمَّلٌ بإيديولوجيا معينة ، هي إيديولوجيا الاختراق ، وهي تختلف عن الإيديولوجيات المتصارعة ، كالرأسمالية والاشتراكية ، في كونها لا تقدم مشروعا للمستقبل ، لا تقدم نفسها كخصم لبديل آخر تسميه وتقاومه ، وإنما تعمل على اختراق الرغبة في البديل وشل نشدان التغيير لدى الأفراد والجماعات .
إيديولوجيا الاختراق تقوم على نشر وتكريس جملة أوهام ، هي نفسها " مكونات الثقافة الإعلامية الجماهيرية في الولايات المتحدة الأمريكية " ، وقد حصرها باحث أمريكي في الأوهام الخمسة التالية : وهم الفردية ، وهم الخيار الشخصي ، وهم الحياد ، وهم الطبيعة البشرية التي لا تتغير، وهم غياب الصراع الاجتماعي . وإذا نحن أردنا أن نوجز في عبارة واحدة مضمون هذه المسلمــات الخمس ، أمكــن القول إن " الثقافة الإعلامية الجماهيرية " الأمريكية ، هذه، تكرس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة " ، وهي إيديولوجيا تضرب في الصميم الهوية الثقافية بمستوياتها الثلاثة ، الفردية والجمعوية والوطنية القومية .

إن " وهم الفردية " ، أي اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه ، إنما يعمل – هذا الوهم – على تخريب وتمزيق الرابطة الجماعية التي تجعل الفرد يعي أن وجوده إنما يكمن في كونه عضوا في جماعة وفي طبقة وأمة ، وبالتالي فوهم الفردية هذا إنما يهدف إلى إلغاء الهوية الجمعوية والطبقية والوطنية القومية ، وكل إطار جماعي آخر .، ليبقى الإطار " العالمي " – بل العولمي- هو وحده الموجود…
أما " وهم الخيار الشخصي " فواضح أنه يرتبط بالأول ويكمله . إنه ، باسم الحرية ، يكرس النزعة الأنانية ويعمل على طمس الروح الجماعية سواء كانت على صورة الوعي الطبقي أو الوعي القومي أو الشعور الإنساني .
ويأتي " وهم الحياد " ليدفع بالأمور خطوة أخرى في الاتجاه نفسه : فمادام الفرد وحده الموجود ، ومادام حـرا مختارا فهو " محايد " ، وكل الناس والأشياء إزاءه " محايدون " أو يجب أن يكونوا كذلك . وهكذا تعمل هذه الإيديولوجيا من خلال " وهم الحياد " على تكريس التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية . ومن هنا ذلك الشعار الذي انتشر في السنين الأخيرة : شعار: " وانا مالي ".
وأما الوهم الرابع وهو " الاعتقاد في الطبيعة البشرية التي لا تتغير " ، فواضح أنه يرمي إلى صرف النظر عن رؤية الفوارق بين الأغنياء والفقراء ، بين البيض والسود ، بين المستغلين وبين من هم ضحايا الاستغلال ، وقبولها – أعني تلك الفوارق- بوصفها أمورا طبيعية كالفوارق بين الليل والنهار والصيف والشتاء ، وبالتالي شل روح المقاومة في الفرد والجماعة .
ويأتي الوهم الخامس صريحا في منطوقه ومفهومه : إن " الاعتقاد في غياب الصراع الاجتماعي " هو التتويج الصريح للأوهام السابقة : غياب الصراع الاجتماعي معناه – إذا قبلناه وسلمنا به- الاستسلام للجهات المستغلة ، من شركات ووكالات وغيرها من أدوات العولمة . وبعبارة أخرى " التطبيع " مع الهيمنة والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري الذي يشكل الهدف الأول والأخير للعولمة .
الأطروحة السابعة : العولمة و عالم بدون الدولة والامة والوطن .
العولمة نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى ويدفع للتفتيت والتشتيت ،. ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة ، أو يغرقهم في أتون الحرب الأهلية .
ومع التطبيع مع الهيمنة والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري يأتي فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، وبالتالي إفراغ الهوية الثقافية من كل محتوى . إن العولمة عالم بدون دولة ، بدون أمة ، بدون وطن . إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية ، عالم " الفاعلين " ، وهم المسيرون ، و" المفعول فيهم " وهم المستهلكون للسلع والصور و" المعلومات " والحركات والسكنات التي تفرض عليهم . أما " وطنهم " فهو الفضاء " المعلوماتي " الذي تصنعه شبكات الاتصال ، الفضاء الذي يحتوي – يسيطر ويوجه- الاقتصاد والسياسة والثقافة .
العولمة نظام يقفز على الدولة والأمة والوطن . نظام يريد رفع الحواجز والحدود أمام الشبكات والمؤسسات والشركات المتعددة الجنسية ، وبالتالي إذابة الدولة الوطنية وجعل دورها يقتصر على القيام بدور الدركي لشبكات الهيمنة العالمية . والعولمة تقوم على الخوصصة ، أي على نزع ملكية الوطن والأمة والدولة ونقلها إلى الخواص في الداخل والخارج . وهكذا تتحول الدولة إلى جهاز لا يملك ولا يراقب ولا يوجه . وإضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لفائدة العولمة يؤديان حتما إلى استيقاظ وإيقاظ أطر للانتماء سابقة على الأمة والدولة ، أعني القبيلة والطائفة والجهة والتعصب المذهبي الخ… والدفع بها جميعا إلى التقاتل والتناحر والإفناء المتبادل : إلى تمزيق الهوية الثقافية الوطنية القومية… إلى الحرب الأهلية .
ولا بد من الـتأكيد هنا على أن مفهوم الهوية الثقافية القومية الذي نستعمله هنا ، بمعنى الهوية المشتركة لجميع أبناء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، لا يعني قط إلغاء ولا إقصاء الهويات الوطنية القطرية ولا الهويات الجمعوية ، الإثنية والطائفية . إنه لا يعني فرض نمط ثقافي معين على الأنماط الثقافية الأخرى ، المتعددة والمتعايشة ، عبر تاريخنا المديد ، داخل الوطن العربي الكبير . كلا ، إن التعدد الثقافي في الوطن العربي واقعة أساسية لا يجوز القفز عليها ، بل بالعكس لا بد من توظيفها بوعي في إغناء وإخصاب الثقافة العربية القومية وتوسيع مجالها الحيوي . ولكن تبقى مع ذلك كله الوظيفة التاريخية لهذه الثقافة ، وظيفة التوحيد المعنوي ، الروحي والعقلي ، وظيفة الارتفاع بـ " الوطن العربي " من مجرد رقعة جغرافية إلى وعاء للأمة العربية لا تكون إلا به ولا يكون إلا بها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فاللغة المشتركة بين جميع أبناء الأمة العربية ، لغة التراث المشترك ، ولغة العلم والثقافة العالمة جملة ، وبالتالي لغة التحديث والحداثة هي اللغة العربية . ولذلك كانت اللغة العربية هي ، في آن واحد ، الرابطة المتينة التي توحد بين مستويات الهوية في الوطن العربي ، أعني المستوى الفردي والمستوى الجمعوي والمستوى الوطني والقومي ، وأيضا الأداة الوحيدة التي بها يمكن العرب الدخول في العالمية وتحقيق الحداثة .
الأطروحة الثامنة : العولمة وتكريس الثنائية والانشطار في الهوية الثقافية العربية
كلنا نعرف أن الثقافة العربية تعاني ، منذ ما يقرب من قرنيـن ، وضعا متوترا نتيجة احتكاكها مع الثقافة الغربية ، بتقنياتها وعلومها وقيمها الحضارية التي هي نتيجة تطور خاص قوامه التحديث والحداثة ، تطور لم تعشه الثقافة العربية ، بل بقيت بمعزل عنه تجتر وضعا قديما توقف عن النمو منذ قرون .
ومن هنا تلك الثنائية التي تطبع الثقافة العربية بمختلف مستوياتها المادية والروحية ، ثنائية التقليدي والعصري . وهي ثنائية تكرس الازدواجية والانشطار داخل الهوية الثقافية العربية بمستوياتها الثلاثة : الفردي والجمعوي والوطني القومي: أحد طرفي هذه الثنائية يعكس الهوية الثقافية على صورة " جمود على التقليد " ضمن قوالب ومفاهيم وآليات دفاعية تستعصي على الاختراق وتقاوم التجديد . والآخر يجسم الاختراق الثقافي وقد اكتسح الساحة اكتساحا ليتحول إلى ثقافة الاختراق ، أعني الثقافة المبشرة به المكرسة له .
في هذا الإطار إذن يجب أن نضع خصوصية العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية عندما يتعلق الأمر بالوطن العربي . فالاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة لا يقف عند حدود تكريس الاستتباع الحضاري بوجه عام ، بل إنه سلاح خطير يكرس الثنائية والانشطار في الهوية الوطنية القومية ، ليس الآن فقط بل وعلى مدى الأجيال الصاعدة والقادمة . ذلك أن الوسائل السمعية البصرية ، المرئية واللامرئية التي تحمل هذا الاختراق وتكرسه ، إنما تملكها وتستفيد منها فئة معينة هي النخبة العصرية وحواشيها ، فهي التي تستطيع امتلاكها والتعامل مع لغاتها الأجنبية ، بحكم التعليم " العصري" الذي تتلقاه . أما " عموم الشعب " وعلى رأسه النخبة التقليدية فهو في شبه عزلة ، يجتر بصورة أو بأخرى ثقافة " الجمود على التقليد " ، والنتيجة استمرار إعادة إنتاج متواصلة ومتعاظمة للثنائية نفسها ، ثنائية التقليدي والعصري ، ثنائية الأصالة والمعاصرة ، في الثقافة والفكر والسلوك .
الأطروحة التاسعة: تجديد الثقافة .
إن تجديد الثقافة ، أية ثقافة ، لا يمكن أن يتم إلا من داخلها : بإعادة بنائها وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها ، والتماس وجوه من الفهم والتأويل لمسارها تسمح بربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل .
ما العمل إزاء هذه السلبيات والأخطار التي تطبع علاقة العولمة بالعرب على صعيد الهوية الثقافية ؟
هناك موقفان سهلان ، وهما السائدان : موقف الرفض المطلق وسلاحه الانغلاق الكلي وما يتبع ذلك من ردود فعل سلبية محاربة … وموقف القبول التام للعولمة وما تمارسه من اختراق ثقافي واستتباع حضاري ، شعاره " الانفتاح على العصر" و" المراهنة على الحداثة ".
لا مفر من تصنيف هذين الموقفين ضمن المواقف اللاتاريخية التي تواجه المشاكل ، لا بعقل واثق بنفسه متمكن من قدراته ، وإنما تستقبلها بعقل " مستقيل " لا يرى صاحبه مخرجا من المشاكل إلا بالهروب منها ، إما إلى الوراء وإما إلى الأمام ، كل سلاحه رؤية سحرية للعالم تقفز على الواقع إلى اللاواقع .
إن الانغلاق موقف سلبي ، غير فاعل . ذلك لأن فعله " الموجه " ضد الاختراق الثقافي – أي محاربته له – لا ينال الاختراق ولا يمسه ولا يفعل فيه أي فعل ، بل فعله موجه كله إلى الذات قصد " تحصينها " . والتحصين إنما يكون مفيدا عندما يكون المتحاربان على نسبة معقولة من تكافؤ القوى والقدرات . أما عندما يتعلق الأمر بظاهرة عالمية تدخل جميع البيوت وتفعل فعلها بالإغراء والعدوى والحاجة ، ويفرضها أصحابها فرضا بتخطيط واستراتيجية ، فإن الانغلاق في هذه الحالة ينقلب إلى موت بطيء ، قد تتخلله بطولات مدهشة ولكن صاحبه محكوم عليه بالإخفاق .
ومثل الانغلاق مثل مقابله : الاغتراب . إن ثقافة الاغتراب ، أعني إيديولوجيا الارتماء في أحضان العولمة والاندماج فيها ، ثقافة تنطلق من الفراغ ، أي من اللاهوية ، وبالتالي فهي لا تستطيع أن تبني هوية ولا كيانا . يقول أصحاب هذا الموقف : إنه لا فائدة في المقاومة ولا في الالتجاء إلى التراث ، بل يجب الانخراط في العولمة من دون تردد ومن دون حدود ، لأنها ظاهرة حضارية عالمية لا يمكن الوقوف ضدها ولا تحقيق التقدم خارجها . إن الأمر يتعلق بـ " قطار يجب أن نركبه " وهو
ماض في طريقه بنا أو بدوننا . ولا يوضح أصحاب هذه الدعوى هل سنبزر هوياتنا عند ركوب القطار أم أننا سنرطبه بدون هوية ، بدون ورقة تعريف !؟
وبعيدا عن مناقشة جدالية لهذه الدعوى ، يكفي التنبيه إلى أنها نفس الدعوى التي سبق أن ادعاها ونادى بها مفكرون عرب رواد منذ أزيد من قرن ، ومنذ ذلك الوقت وهي تتردد وتتكرر هنا وهناك في الوطن العربي ، تبنتها حكومات وأحزاب فضلا عن الأفراد … ومع ذلك فحصيلة قرن كامل من التبشير بهـذه الدعوى – دعـوى " الاغتـراب " – لـم تنتج سوى فئة من " العصرانيين " قليلة العدد ، نشاهد اليوم تناقصا نسبيا واضحا في حجمها ، بينما ازداد ويـزداد الطرف المقابل لها عددا وعدة ، كما وكيفا ، في جميع الأقطار العربية وداخل جميع الشرائح الاجتماعية . وهكذا فبدلا من تيارات " حداثية " تمارس الهيمنة والقيادة تستقطب الأجيال الصاعدة ، بدلا من ذلك يسود الحديث عن " الأصولية الدينية " بوصفها الظاهرة المهيمنة .
أما نحن فنرى أن الجواب الصحيح عن سؤال " ما العمل " ؟ – سواء إزاء الثنائية والانشطار الذين تعاني منهما الثقافة العربية ، أو إزاء الاختراق الثقافي وإيديولوجيا العولمة – يجب أن ينطلق أولا وقبل كل شيء من العمل داخل الثقافة العربية نفسها . ذلك لأنه سواء تعلق الأمر بالمجال الثقافي أو بغيره ، فمن المؤكد أنه لولا الضعف الداخلي لما استطاع الفعل الخارجي أن يمارس تأثيره بالصورة التي تجعل منه خطرا على الكيان والهوية .
إن الثنائية والانشطار – اللذين تحدثنا عنهما واللذين يشكلان نقطة الضعف الخطيرة في واقعنا الثقافي الراهن التي منها يمارس الاختراق تأثيره التخريبي- إنما يعكسان وضعية ثقافة لم تتم بعد إعادة بنائها ، ثقافة يتزامن فيها القديم والجديد ، والأصيل والوافد ، في غير ما تفاعل ولا اندماج . وهذا راجع إلى أن التجديد في ثقافتنا كان يراد له ، منذ أزيد من قرن ، أن يتم من " الخارج " : بنشر الفكر الحديث على سطحها . لقد سبق لنا أن أكدنا مرارا على أن تجديد الثقافة ، أية ثقافة ، لا يمكن أن يتم إلا من داخلها : بإعادة بنائها وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها ، والتماس وجوه من الفهم والتأويل لمسارها تسمح بربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل . ونعود فنؤكد هنا هذا المعنى .
الأطروحة العاشرة : الدفاع عن الهوية الثقافية .
ان حاجتنا إلى الدفاع عن هويتنا الثقافية بمستوياتها الثلاثة ، لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التي لا بد منها لدخول عصر العلم والتقانة ، وفي مقدمتها العقلانية والديموقراطية .
إن حاجتنا إلى تجديد ثقافتنا وإغناء هويتنا والدفاع عن خصوصيتنا ومقاومة الغزو الكاسح الذي يمارسه ، على مستوى عالمي ، إعلاميا وبالتالي إيديولوجيا وثقافيا ، المالكون للعلم والتقانة المسخرون لهما لهذا الغرض ، لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التي لا بد منها لممارسة التحديث ودخول عصر العلم والتقانة ، دخول الذوات الفاعلة المستقلة وليس دخول " الموضوعات " المنفعلة المسيرة .
نحن في حاجة إلى التحديث ، أي إلى الانخراط في عصر العلم والتقانة كفاعلين مساهمين . ولكننا في حاجة كذلك إلى مقاومة الاختراق وحماية هويتنا القومية وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشي تحت تأثير موجات الغزو الذي يمارس علينا وعلى العالم أجمع بوسائل العلم والتقانة . وليست هاتان الحاجتان الضروريتان متعارضتين كما قد يبدو لأول وهلة ، بل بالعكس هما متكاملتان ، أو على الأصح متلازمتان تلازم الشرط مع المشروط .
ذلك لأنه من الحقائق البديهية في عالم اليوم أن نجاح أي بلد من البلدان ، النامية منها أو التي هي في " طريق النمو" ، نجاحها في الحفاظ على الهوية والدفاع عن الخصوصية ، مشروط أكثر من أي وقت مضى بمدى عمق عملية التحديث الجارية في هذا البلد ، عملية الانخراط الواعي ، النامي والمتجذر، في عصر العلم والتقانة .
والوسيلة في كل ذلك واحدة : اعتماد الإمكانيات اللامحدودة التي توفرها العولمة نفسها ، أعني الجوانب الإيجابية منها وفي مقدمتها العلم والتقانة . وهذا ما نلمسه بوضوح في تخطيطات الدول الأوروبية التي يُدَق في كثير منها ناقوسُ خطر" الغزو الأمريكي " الإعلامي الثقافي الذي يتهددها ، في لغتها وسلوك أبنائها وتصوراتهم الجمعية ، والذي يوظف أرقى وسائل العلم والتقانة – ومنها الأقمار الصناعية – في اكتساح مختلف الحقول المعرفية والخصوصيات الثقافية .
إن أوربا اليوم تتحدث حديث الخصوصية والأصالة ، وتتحدث عن " الهوية الأوربية " تعزيزا لسيرها الجدي على طريق تشييد الوحدة بين شعوبها وأقطارها ، بخطوات عقلانية محسوبة في إطار من الممارسة الديموقراطية الحق . وهي بذلك تقدم لمستعمراتها القديمة ، لأقطار العالم الثالث كله ، نموذجا صالحا للإقتداء به بعد ملاءمته مع الخصوصيات المحلية .
إن جل الحكومات العربية ، إن لم يكن جميعها ، تسعى اليوم لتحقيق " الشراكة " مع أوربا ، الشراكة في مجال الاقتصاد ، وأيضا في مجال الثقافة . ومع أن هذه الشراكة المطلوبة تمليها على الجانبين ظرفية تحكمها المصالح القومية فإنه لاشيء يضمن تحولها إلى عولمة أخرى داخل العولمة الكبرى ، غير شيء واحد ، هو بناء الشراكة في الداخل كما في الخارج على الديموقراطية والعقلانية .
فهل للشعوب العربية أن تطالب بالشراكة مع أوربا في مجال اعتماد العقلانية والديمقراطية ، في الفكر والسلوك ، في التخطيط والإنجاز، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة ؟
العولمة نظام système ، والنظام لا يقاوم من خارجه إلا بنظام مكافئ له أو متفوق عليه . ونحن في العالم العربي نعيش حالة اللانظام . ليس لدينا نظام عربي يكافئ النظام العالمي للعولمة . فلا سبيل إذن إلى مقاومة سلبيات العولمة إلا من داخل العولمة نفسها ، بأدواتها وبإحراجها في قيمها وتجاوزاتها . وأيضا بفرض نوع من النظام على الفوضى العربية القائمة ، فوضى اللانظام ?




العولمة والهوية بين العلم والإيديولوجيا

العولمة والهوية بين العلم والإيديولوجيا

من مجلة فكر ونقد : محمد عابد الجابري

سيدور الكلام في هذا المقال حول السؤال التالي : إلى أي حقل من حقول المعرفة ينتمي خطاب العولمة والهوية ؟ هل ينتميان إلى العلم أم إلى الإيديولوجيا ؟
وقبل الخوض في الموضوع لابد من تحديد ما نقصده هنا بكل من العلم والإيديولوجيا ؟ لنبادر إلى القول إننا لا نقصد العلم كجملة معارف ولا الإيديولوجيا كجملة آراء ، وإنما نقصد أولا وأخيرا منهج كل منهما في بناء عالمه المعرفي .
يقوم البحث العلمي على مناهج متعددة . والغالب ما يرجع تعددها إلى اختلاف موضوع البحث ، منهج البحث في الرياضيات غيره في العلوم الطبيعية , غيره في العلوم الإنسانية … وكذلك الشأن في الخطاب الإيديولوجي فهو بطبيعته خطاب متعدد بتعدد الأغراض التي يريد إقرارها أو خدمتها ، وهي أكثر من أن تحصى . ومن أجل تجنب الخوض في مشاكل وإشكاليات جديدة ، لا يتسع لها المقال ، سنعمد إلى المقارنة بين الحقيقة العلمية والحقيقة الإيديولوجية (بدل المقارنة بين البحث العلمي والخطاب الإيديولوجي) . وهذا انتقال مبرر ومقبول ، باعتبار أن غاية البحث العلمي هي الوصول إلى الحقيقة العلمية ، كما أن الهدف الذي يرمي إليه الخطاب الإيديولوجي هو إثبات ما يريد إثباته كحقيقة .
الحقيقة العلمية قوامها دعامتان : الموضوعية وإمكانية التحقق . المقصود بالموضوعية هو التعامل مع موضوع البحث كما هو ، أي في استقلال عن آرائنا وعواطفنا ، وذلك إلى الدرجة التي يصبح معها بالإمكان الاتفاق بين الباحثين على ما هو إياه ذلك الموضوع . فإذا قام اتفاق بيننا على أن هذا الشيء الذي أمامنا هو الشيء الفلاني وليس غيره ، هو قطعة خبز وليس حجرا مثلا ، قلنا إن علاقتنا المعرفية بهذا الموضوع علاقة موضوعية . والسؤال الآن هو: هل يمكن أن تقوم بيننا علاقة معرفية تربطنا جميعا بكل من العولمة ومسألة الهوية ، من جنس العلاقة التي تربطنا بكل من قطعة الخبز والحجر مثلا ؟
هذا سؤال يطرحه البحث العلمي ، أما الخطاب الإيديولوجي فلا يتحمله ! والهوية والعولمة لا تتحملان هذا السؤال ، لأن الكلام في كل منهما هو أساسا خطاب !
والخـطاب رسالة من ذات إلى أخرى تنقل " حقيقة " يطلب من الذات المتلقية , ليس فقط أن تسلم بها , بل أيضا أن تعمل بها . وإذن فالخطاب الإيديولوجي في موضوع " العولمة ومسألة الهوية " خطاب ينقل إلى المتلقي وجهة نظر يعتبرها صاحبها صحيحة ويطلب من المتلقي أن يعمل بها . يمكن أن يقول مثلا : " يجب أن نأخذ بالعولمة وننخرط فيها ونعمل في إطارها إذا نحن أردنا أن نعيش في المستقبل " . وقد يضيف : " أما الهوية فهي تنتمي إلى الماضي " . وقد يقـــول آخر: " يجب أن نقف في وجه العولمة لأنها تنطوي على غزو يمارسه الآخر علينا " . وقد يضيف : " وهو غزو يتجاوز مستوى السلع والاقتصاد لأنه يستهدف الثقافة وبالتالي الهوية والكيان " .
واضح أن هاتين الوجهتين من النظر تضعاننا أمام إشكال وليس فقط إزاء مشكلة . وما يجعلهما تعبران عن إشكالية أن ما تقررانه ليس من قبيل هذا أبيض وهذا أسود . هما تعبران عن رأيين مختلفين متعارضين فعلا ، غير أنك إذا أخذت بأحدهما لا ترتاح راحة كاملة ، بل يبقى الثاني يشوش عليك رؤيتك ويجرك إلى بحر من الشكوك الغامضة فتعيش حالة من التوتر الفكري . إن الأمر يبدو وكأن هذين الرأيين المتناقضين ، على طول الخط ، صحيحان معا في وقت واحد . ومن هنا كان التوتر الذي ينجم عنهما من نوع التوتر الذي يبعثه في النفس الجمع بين النقيضين .
لقد تكرر الحديث في السنوات الأخيرة عن ضرورة " ترشيد " العولمة لتصبح نشاطا تجاريا عالميا يحترم مصالح الدول والخصوصيات الإقليمية والمحلية ، الشيء الذي يعني نزع طابع الهيمنة الإمبريالية والليبرالية المتوحشة عن العولمة كما عرفتها السنون الأخيرة .
هذا الجانب لا يهمنا هنا . فالعولمة كنشاط اقتصادي " خالص " ليست من الظواهر التي تصطدم بمسألة الهوية . هذا من حيث المبدأ . ولكن هل هناك في عصرنا نشاط اقتصادي " خالص " ؟ ثم أين تبتدئ " مسألة الهوية " وأين تنتهي ؟
هذان السؤالان هما من بين الأسئلة التي تجعل من العلاقة بين " العولمة " و" مسألة الهوية " علاقة إشكالية بالمعنى الذي حددناه في المقال السابق . ذلك لأنه ما دمنا لا نستطيع أن نحدد بدقة حدود ظاهرة العولمة ، حدودها الاقتصادية والثقافية والإعلامية الخ ، ولا أن نرسم لـ " مسألة الهوية " إطارا محددا لا تتعداه ، فإنه سيكون من الصعب وضع منحن أو منحنيات للعلاقة التي يمكن أن تقوم بينهما . كل شيء ممكن في مثل هذه الحالة . وبالتالي فنحن لا نستطيع الوصول ، بصدد العلاقة بين العولمة والهوية ، إلى نتيجة نحس معها فعلا بالاستقرار الفكري ، وإن حصل شيء من هذا فبسبب غفلة ، سرعان ما تنقشع عن توتر أكبر.
لقد عـرف الفكر العربي الحديث إشكالية مماثلة لم يهتد بعد إلى حل بشأنها يمنحه ما هو في حاجة إليه من الاستقرار الفكري . هذه الإشكالية هي ما كان وما يزال يدعى بـ " إشكالية الأصالة والمعاصرة " . ولقائـل أن يقول : أليست إشكالية " العولمة ومسألة الهوية " سوى مظهر من مظاهرها ، مظهرها الجديد الذي فرضه التطور علينا ؟
والجواب : هناك فعلا تشابه بين الإشكاليتين ، ولكن في الظاهر فقط ، أما المضمون فمختلف . والألفاظ نفسها ، أعني صيغتها الصرفية ، تشي بهذا الاختلاف : فـ" المعاصرة " مفاعلة ، وهي صيغة تدل على المشاركة . المعاصرة صيغة تفيد أننا نحن الذين نطلب المعاصرة ونقوم بها لأنفسنا ، أي نسعى إلى أن نرتفع إلى مستوى عصرنا في مجال الفكر والعلم والصناعة . أما العولمة فصيغتها الصرفية فوعلة تفيد جعل الشيء على هيأة معينة : فقولبة الشيء معناها جعله في قالب . كما أن عولمته تعني جعله عالميا . وهذه الفروق اللغوية ليست خاصة باللغة العربية بل نلحظها في كثير من اللغات الأجنبية. فـ" العولمة" ترجمة لكلمة globalisation التي تفيد في معناها اللغوي التعميم : تعميم الشيء وجعله شاملا . وإذا لاحظنا أن كلمة globe تعني الكرة وتستعمل علما لتدل بالتحديد على الكرة الأرضية استطعنا أن نربط العولمة بهدفها الاستراتيجي أعني تعميم نمط من الحياة على الكرة الأرضية كلها . ومن هنا الاسم المرادف لـ " العولمة " في الخطاب العولمي المعاصر ، أعني لفظ planétarisation وهو ما يترجمه بعضهم بـ" الكوكبية " . والمقصود جعل كوكب الأرض كله مسرحا لنمط معين من التعامل المالي والتجاري ، وبالتالي الحضاري ، هو النمط الأمريكي .
هذا من جهة ومن جهة أخرى لابد من ملاحظة أنه لسنا نحن الذين نقوم بالعولمة والتعميم ، بل العولمة عملية تتم خارج إرادتنا ، على العكس تماما مما تدل عليه " المعاصرة " التي نفترض فيها أننا نحن الذين نقوم بها بإرادتنا أو على الأقل نطمح إليها . وقد نلمس هذا الفرق بوضوح أكبر لو أننا انتبهنا إلى الطريقة التي نعبر بها عن الموقف الإيجابي منهما ، موقف القبول . ذلك أننا نقول : نحن ننشد المعاصرة ولا نقول " ننشد العولمة " ، بل نقول : " ننخرط " في العولمة أو "نستعد في الدخول في عصر العولمة " .
بعبارة قصيرة ، في " المعاصرة " نتعامل مع أنفسنا كذات ، أما في " العولمة " فنشعر أننا موضوع لها . قد يكون هذا مجرد فرق سيكولوجي . ليكن . فالموقف السيكولوجي له دور كبير عندما يتعلق الأمر بالهوية . الهوية مسألة وعي ، فهي من ميدان السيكولوجيا . ولذلك سيكون رد الفعل من قبيل الاستفهام الإنكاري التالي : وهل من يتعامل مع الظاهرة نفسها كذات فاعلة كمن يتعامل معها كموضوع منفعل ؟
ثم إن التقابـل أو التعارض بين " الأصالة والمعاصرة " ليس من جنس التقابل والتعارض بين " العولمة والهوية " . ذلك أن " المعاصرة " لا تهدد الهوية إلى درجة إلغائها ونفيهـا ، بل بالعكس يفترض فيها أن تعمل على إغنائها وتجديدها . والأصالة بعد ليست جزءا من الهوية ، بل هي وصف يمكن أن توصف به . أما " العولمة " فبما أنها تعميم وقولبة فهي تهدد الأصالة وبالتالي الهوية ، أو على الأقل نوعا من الهوية ونوعا من الأصالة .




العولمة ومسألة الهوية : المشكلة والإشكالية
من مجلة فكر ونقد : محمد عابد الجابري

سيدور الحديث في هذا المقال حول الإشكالية التالية : إلى أي مدى يمكن التحرر من الإيديولوجيا ، والبحث في موضوع العولمة ومسألة الهوية بحثا علميا ؟
سؤال ينشد الوضوح ، باعتبار أن ذلك هو هدف البحث العلمي . ولكن هل عناصر هذا السؤال واضحة كلها ؟ إن وضوح السؤال شرط في الوصول إلى نتائج واضحة على صعيد الجواب ، هذا أمر بديهي


. لنبدأ إذن بإضفاء أكبر قدر ممكن من الوضوح على السؤال . لنحدد مجال السؤال وعناصره الأساسية .
لعل أول ما ينبغي البدء به هو استبعاد الفكرة الجاهزة التي تتبادر إلى الذهن لتضفي وضوحا زائفا على الموضوع ، الفكرة التي تربط التقابل بين العولمة ومسألة الهوية بالتقابل بين الدول المصنعة المتقدمة داعية العولمة والمستفيد الأول منها وهي دول " الشمال " ، وبين البلدان الفقيرة أو القريبة من الفقيرة والتي تصنف ضمن الجنوب . إنها فكرة جاهزة مضللة ليس لأنها خاطئة كليا بل لأن مثل هذا الربط يجر الباحث إلى تركيز النظر على هذا " التقابل " وحده وقراءة الموضوع وكأنه مظهر من مظاهر التقابل أو الصراع بين الغرب والشرق ، بين الغرب /الشمال والشرق/الجنوب . هذا في حين أن مفعول العولمة سواء على مستوى الهوية أو غيرها يمكن رصده أيضا ، وربما بوضوح أكثر داخل " الشمال " نفسه . سنركز بحثنا إذن في الموضوع المطروح على مجال أوسع ، خارج ضغط تلك الفكرة الجاهزة ، معتمدين معطيات الواقع كما هي ، منطلقين من توضيح المفاهيم الأساسية المستعملة في البحث .
***
يتكون عنوان هذا البحث من خمسة مفاهيم أو عناصر لابد من عقد اتفاق بيننا وبين القارئ بشأنها ، أعني حول المعنى الذي نعطيه لها هنا . هذه العناصر هي : إشكالية ، العولمة ، الهوية ، البحث العلمي ، الخطاب الإيديولوجي .
لقد استعملنا لفظ " الإشكالية " ولم نستعمل " المشكلة " قصدا . والفرق بينهما – عندنا – يتلخص في كون المشكلة تتميز بكونها يمكن الوصول بشأنها إلى حل يلغيها . فـ" المشاكل " في الحساب تنتهي إلى حل ، باستثناء بعض المعادلات الرياضية التي يكون حلها ، أعني التخلص منها بعد البحث والمحاولة ، بالإعلان عن كونها لا تقبل الحل . أما المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية عموما , والمشاكل التي يصادفها العلماء في العلوم الطبيعية بمختلف أنواعها , فهي جميعا تنتهي إلى نوع من الحل ، آجلا أو عاجلا ، ما دام المجال الذي تطرح فيه ينتمي إلى الواقع الموضوعي ويقبل نوعا ما من التجريب . وفي هذا الإطار يصدق قول ماركس : " إن الإنسانية لا تطرح من المشاكل إلا تلك التي تقدر على حلها " . لماذا ؟ لأن " المشاكل " ، بهذا المعنى ، إنما تظهر من خلال تقدم البحث ، فاكتساب مزيد من المعرفة بموضوع ما يفتح الطريق أمام اكتشاف مجاهيل جديدة ، تكون مناسبة لطرح أسئلة جديدة .
هذا هو تصورنا لمعنى " المشكلة " ، وأعتقد أنه من الممكن التعاقد مع القارئ على هذا المعنى . كما يمكن التعاقد على معنى أضيق أو أوسع ؛ ففي هذا المجال ، مجال الحدود والتعريفات ، ليس هناك برهان ، وإنما تعاقد واتفاق بين الباحث والمتلقي (وقد يكون المتلقي هو الباحث نفسه) ! فبدون هذا لا يمكن الوصول إلى برهان ، فالبرهان إنما يبنى ، من جملة ما يبنى عليه ، على الحدود والتعريفات .
هذا عن لفظ " المشكلة " ، وأمرها لا يحتاج إلى مزيد بيان . أما " الإشكالية " ، فهي شيء آخر . فعلا ، يستعمل كثير من الكتاب والقراء (عندنا في العالم العربي) – أو يفهمون- هذا اللفظ ونسيبه " المشكلة " من غير تدقيق ، وكأنهما من الألفاظ التي يجوز أن ينوب بعضها مناب بعض ( وهل هناك فعلا ألفاظ يجوز فيها ذلك بدون غرض ومبرر؟) . ومهما يكن , فنحن نستعمل هنا لفظ " إشكالية " في معنى محدد – ولو أنه معقد- غير معنى " المشكلة " . وفيما يلي تفاصيل عقد ( تعريف) نقترحه على القارئ . ولا يخطرن بالبال أن التعريفات والحدود تصاغ كيف اتفق . كلا ، ليس لأحد أن يقترح تعريفا إلا إذا كان هذا التعريف يزيدنا معرفة بالمعرف به ويفسح المجال أمامنا لمزيد من المعرفة بالموضوع الذي نبحث فيه . ولعل القارئ سيلاحظ هذا بوضوح فيما نحن يصدده .
لقد سبق أن حددنا ما نعنيه بهذا المصطلح منذ أن بدأ يشيع ويذيع في خطابنا العربي المعاصر( نحن والتراث 1980) . لقد كتبنا آنذاك في هذا الموضوع ما يلي : " على الرغم من أن كلمة إشكالية من الكلمات المولدة في اللغة العربية ( وهي ترجمة موفقة لكلمة problématique فإن جذرها العربي يحمل جانبا أساسيا من معناها الاصطلاحي . يقال : أشكل عليه الأمر بمعنى التبس واختلط . وهذا مظهر من مظاهر المعنى الاصطلاحي المعاصر للكلمة ( ولكنه مظهر فقط ) . ذلك أن الإشكالية هي في الاصطلاح المعاصر، منظومة من العلاقات التي تنسجها ، داخل فكر معين ( فكر فرد أو فكر جماعة) , مشاكل عديدة مترابطة لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل ، – من الناحية النظرية – إلا في إطار حل عام يشملها جميعا . وبعبارة أخرى : إن الإشكالية هي النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها ، فهي توتر ونزوع نحو النظرية ، أي نحو الاستقرار الفكري " .
لم نعمد هنا إلى استرجاع هذا التعريف جزافا ، بل نحن نعتبره خطوة أولى لابد منها في سعينا إلى الوضوح الذي ننشده . وسنرى أن الموضوع الذي نحن بصدده ، أعني العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية ، سيغدو أوضح ، بمجرد ما نقرأه بواسطة هذا التعريف . ذلك أن العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية ليست من العلائق البسيطة بل هي فعلا :
ـ " منظومة من العلاقات " ، وليست مجرد علاقة بسيطة وحيدة الاتجاه : العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية قائمة في آن واحد : بين طرف وطرف آخر داخل الدول المصنعة ، وداخل الدول النامية ، وبين هذه الدول وتلك …
ـ " تنسجها داخل فكر معين " : فكر فرد وفكر جماعة وفكر أمة الخ . هذه العلاقة علاقة موضوعية فعلا ، لها وجود في الواقع ، ولكنها لا تتشكل منها إشكالية إلا بعد نقلها إلى الذهن بوصفها تطرح إشكالا قد يتمثل في كون العولمة تقفز على الهوية أو تلغيها ، فيترتب عن ذلك رد فعل معين … وقد يتمثل في شيء آخر !
– مشاكل عديدة مترابطة ، منها ما يخص ظاهرة العولمة نفسها ، ومنها ما يخص مسألة الهوية ، ومنها ما يخص العلاقة بينهما : مشاكل اقتصادية وتكنولوجية ومعلوماتية وثقافية وحضارية عامة .
ـ هذه المشاكل " لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل ، – من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا " . وسنرى أنه سواء تعلق الأمر بالعالم " المتقدم " أو بالعالم " المتخلف" فلا يمكننا حل المشاكل التي تطرحها العولمة دون الاصطدام بمسألة الهوية ، كما لا يمكن التفكير اليوم في مسألة الهوية بدون الاصطدام بظاهرة العولمة ، وفي جميع الأحوال سيكون الحل الذي نتوصل إليه حلا على الصعيد النظري . أما الناحية العملية فشيء آخر.
ـ ومن هنا تبدو إشكالية العولمة ومسألة الهوية بمثابة " النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها ، فهي توتر ونزوع نحو النظرية ، أي نحو الاستقرار الفكري " .
والحق أننا هنا لا نطمع ، ويجب أن لا نطمع ، في حل نهائي لهذه الإشكالية . كل ما يمكن أن نحصل عليه بعد البحث هو شيء من " الاستقرار الفكري " ، شيء من المصالحة داخل وعينا بين عناصر متصارعة .
لقد قلنا في الفرق بين المشكلة والإشكالية ، وسيكون علينا أن نقول في الفرق بين البحث العلمي والخطاب الإيديولوجي .




موضوع هام جدا شكرا لكم و جزاكم الله كل خير




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

مجموعة من الاختبارات + الحلول مادة الفلسفة سنة ثالثة ثانوي

تمارين الفلسفة مع الحلول للسنة الثالثة ثانوي جميع الشعب
تحضيرات bac2011
مقالات فلسفية تمارين قيمة هدية لاعضاء وزوار منتديات خنشلة الرائعين




بارك الله فيك اختي سلمى

تقبلي مروري

اختك هناء




تعليمية تعليمية
شكرا أختي الكريمة جعله الله في ميزان حسناتك .ونفع به أبناءنا ، ان شاء الله ، نحن في انتظار المزيد
تعليمية تعليمية




شكرا لمروركم وهذا شرف لي

وان شاء الله سوف يستمر العطاء




شكرا اختي سلمى




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

اللغة كنسق رمزي محدود له القدرة على تحقيق التواصل فلسفة سنة 3 ثانوي

مايجب أن تعرفه عن اللغة

حمل من هنا
تعليمية اللغة كنسق رمزي.rar (7.6 كيلوبايت)

أو من المرفقات

وفقنا الله جميعا لما فيه الخير


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar اللغة كنسق رمزي.rar‏ (7.6 كيلوبايت, المشاهدات 148)


شكرا لك استاذة ام يحيى دوما سباقة لنشر الفائدة و مساعدة الاخرين

ان شاء الله يستفيد الجميع

تم التقيم +++++


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar اللغة كنسق رمزي.rar‏ (7.6 كيلوبايت, المشاهدات 148)


شكرا جزيلا على هذا الموضوع القيم…..


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar اللغة كنسق رمزي.rar‏ (7.6 كيلوبايت, المشاهدات 148)


جزاك الله الفردوس الاعلى

موضوع قيم ومفيد للطلبة

تقبلي مروري المتواضع


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar اللغة كنسق رمزي.rar‏ (7.6 كيلوبايت, المشاهدات 148)


شكراااااا جاري التحميل

روعة لكان غير كامل الدروس يكونو قابلين للتحميل لان النت ساعات تتقطع

نستناو مزيد من الدروس


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar اللغة كنسق رمزي.rar‏ (7.6 كيلوبايت, المشاهدات 148)


بارك الله فيكي استا>تنا الفاضلة جاري التحميل و المتابعة


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar اللغة كنسق رمزي.rar‏ (7.6 كيلوبايت, المشاهدات 148)


شكرا شكرا شكرا

روعة روعة روعة

نحبكم في الله


الملفات المرفقة
نوع الملف: rar اللغة كنسق رمزي.rar‏ (7.6 كيلوبايت, المشاهدات 148)