التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

عاشوراء بين الغلو والجفاء

عاشوراء بين الغلو والجفاء
الشيخ د. رضا بوشامة
الحمد لله الذي فضل بعض خلقه على بعض، وفضل بين الأيام والشهور والساعات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته والتزم بهديه إلى يوم المعاد، وبعد:
فسيستقبل المسلمون بعد أيام يوماً من أحب الأيام إلى الله، صامته قريش في الجاهلية، ووجد نبينا صلى الله عليه وسلم اليهودَ يصومونه لما قدم المدينة احتفالاً بنجاة موسى عليه السلام، فأمر المسلمين بصيامه، ثم نسخه بصيام رمضان، وبقيت سنة صيامه قائمة، وثوابه دائم، فهم أحقُّ بالرسل من غيرهم؛ لأنَّهم يؤمنون بكل الرسل عليهم السلام، وغيرهم من الأمم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، لذلك حث أتباعه على صيامه، بل همَّ بصيام التاسع إضافة إلى العاشر ليخالف أهل الكتاب في صومهم، فقد كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول أمره، ثم لما فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا أحب مخالفتهم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يدرك صيام التاسع إذ توفاه الله قبل ذلك.
وقد وردت أحاديث كثيرة في مشروعية صيام يوم عاشوراء وبيان فضله، ذكرها أهل الحديث في كتبهم، منها ما اتفق عليها الشيخان، كحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فرض رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شاء فليصمه، ومن شاء فليفطره» أخرجه البخاري ومسلم ، ومنها أيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه».
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال : «يكفر السنة الماضية» وفي رواية: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» رواه مسلم.
وغيرها من الأحاديث الصحيحة الدالة على فضل صومه.
وبالمقابل رويت أحاديث مكذوبة وضعها الوضاعون، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل افتراها المفترون لأغراض شتى، حملهم على ذلك الغلو والجفاء في شاب من شباب الجنة، وهو الحسين بن علي رضي لله عنه وأرضاه، ففي يوم عاشوراء من سنة 61 من الهجرة استشهد ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحدث الشيطان للطائفتين بدعتين: بدعة الحزن والنوح، وبدعة الفرح والسرور، ولتُنفَّق سوق البدعتين وضع الكذَّابون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تؤيد المذهبين.
فمما وضعه الرافضة في الحزن يوم عاشوراء ما جاء في «نسخة رَتَن الهندي»، الذي يقول فيه الإمام الذهبي: «وما أدراك ما رَتَن! شيخٌ دجَّال بلا ريب، ظهر بعد الستمائة فادعى الصُّحبة، والصحابة لا يكذبون؛ وهذا جريء على الله ورسوله، وقد ألفت في أمره جزءا.
وقد قيل: إنه مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة؛ ومع كونه كذابا فقد كذبوا عليه جملة من أسمج الكذب والمحال»(1).
وقد وقف ابن حجر على الجزء الذي جمعه الذهبي في أمر رتن الهندي اسمه «كسر وثن رتن»، ذكره الحافظ في «لسان الميزان» فقال: «وقد وقفت على الجزء الذي جمعه الذهبي في أحواله بخطه، وأوله بعد البسملة: سبحانك هذا بهتان عظيم … ».
إلى أن قال الذهبي: «وقفت على نسخة يرويها عبد الله بن محمد بن عبد العزيز السمرقندي، حدَّثني صفوة الأولياء جلال الدين موسى بن مجلى بن بُندار الدُّنيسري، أخبرنا رتن بن نصر بن كِربال الهندي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: … ».
ثم ذكر أحاديث ومنها: «ما من عبد يبكي يوم قُتل الحسين إلاَّ كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل»، وقال: «البكاء في يوم عاشوراء نورٌ تامٌّ يوم القيامة».
قال الذهبي:«فأظن أنَّ هذه الخرافات من وضع موسى هذا، إلى أن قال: وإسنادٌ فيه الكاشغري، والطيبي، وابن مجلى سلسلة الكذب، لا سلسلة الذهب، ولو نُسبت هذه الأخبار إلى بعض السلف لكان ينبغي أن يُنزَّه عنها، فضلاً عن سيد البشر … »(2).
فهذا من وضع الرافضة لينفقوا سلعتهم بالكذب على سيد البشر، وهو الذي يقول:«من كذب علي متعمِّدا فليتبوأ مقعده من النار».
وأما الأحاديث الواردة في الفرح والسرور والتوسعة على الأهل والعيال، فكانت من نصيب النواصب المُبغِضين للحسين بن علي رضي الله عنه، فركّبوا أحاديث فيها إظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء؛ فرحاً بمقتله عليه رضوان الله، وهذه خيبة وجهل، فمن ذلك الحديث المشهور على الألسنة: «من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته»، وهذا الحديث مرويٌّ من طرق كثيرة، من حديث جابر وابن مسعود وأبي سعيد، وغيرهم، إلاَّ أنَّ أسانيده تدور على كذاب أو متروك أو مجهول، وقد بين عللها الأئمة مثل ابن الجوزي وغيره، وذكر الشيخ الألباني بعض طرق الحديث ثم قال: «وهكذا سائر الطرق مدارها على متروكين أو مجهولين، ومن الممكن أن يكونوا من أعداء الحسين رضي الله عنه الذين وضعوا الأحاديث في فضل الإطعام والاكتحال وغير ذلك يوم عاشوراء معارضة منهم للشيعة الذين جعلوا هذا اليوم يوم حزن على الحسين رضي الله عنه… »(3).

ومنها أيضاً حديث الاكتحال، المروي من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعاً: «من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً» أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان (3517) وابن الجوزي في الموضوعات (1143)، ونقل ابن الجوزي عن الحاكم أنَّه قال: «أنا أبرأ إلى الله من عُهدة جويبر؛ فإنَّ الاكتحال يوم عاشوراء لم يُرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قَتَلةُ الحسين عليه السلام».
والحديث أورده أيضاً الألباني في السلسلة الضعيفة (624) وحكم عليه بالوضع.
ومن الأحاديث الموضوعة أيضا ما أورده ابن الجوزي في كتاب «الموضوعات»، فقال: «باب في ذكر عاشوراء، قد تمذهب قومٌ من الجُهَّال بمذهب أهل السنة، فقصدوا غيظَ الرافضة، فوضعوا أحاديث في فضائل عاشوراء، ونحن بُرآء من الفريقين، قد صح أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء؛ وقال: إنَّه كفارة سنة، فلم يَقنعُوا بذلك حتى أطالوا وأعرضوا وتنوَّقوا في الكذب؛ فمن الأحاديث التي وضعوا:
… عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، فصُوموه ووسِّعوا على أهاليكم فيه، فإنَّه مَن وسَّع على أهله من ماله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سَنته، فصوموه فإنَّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليًّا، وهو اليوم الذي نجَّى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحاً من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفى هذا اليوم عبر موسى البحر، وفى هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس، فمن صام هذا اليوم كانت له كفارة أربعين سنة، وأول يوم خلق الله من الدنيا يوم عاشوراء، وأول مطر نزل من السماء يوم عاشوراء، وأول رحمة نزلت يوم عاشوراء، فمَن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كله، وهو صوم الأنبياء، ومَن أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عَبَدَ الله تعالى مثل عبادة أهل السموات السبع، ومَن صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وخمسين مرة قل هو الله أحد غفر الله خمسين عاماً ماض وخمسين عاما مستقبل، وبنى له في الملأ الأعلى ألف منبر من نور، ومَن سقى شربة من ماء فكأنما لم يعص الله طرفة عين، ومَن أشبع أهل بيت مساكين يوم عاشوراء، مرَّ على الصراط كالبرق الخاطف، ومَن تصدَّق بصدقة يوم عاشوراء فكأنما لم يرد سائلا قط، ومَن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضاً إلاَّ مرض الموت، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينه تلك السنة كلها، ومن أمَرَّ يده على رأس يتيم فكأنما برَّ يتامى ولد آدم كلهم، ومن صام يوم عاشوراء كتبت له عبادة سنة صيامها وقيامها، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف ملك، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب ألف حاج ومعتمر، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب ألف شهيد، ومن صام يوم عاشوراء كتب له أجر أهل سبع سموات، وفيه خلق الله السموات و الأرضين والجبال والبحار، وخلق العرش يوم عاشوراء، ورفع عيسى يوم عاشوراء، وخلق القلم يوم عاشوراء، وخلق اللوح يوم عاشوراء ، وأعطى سليمان الملك يوم عاشوراء، ويوم القيامة يوم عاشوراء، ومَن عاد مريضا يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى ولد آدم كلهم».
قال ابن الجوزي:«هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع مَن وضَعَه وكشف القناع ولم يستحي، وأتى فيه المستحيل وهو قوله: وأول يوم خلق الله يوم عاشوراء، وهذا تغفيل من واضعه؛ لأنَّه إنما يسمى عاشوراء إذا سبقه تسعة.
وقال فيه: خلق السموات والأرض والجبال يوم عاشوراء.
وفى الحديث الصحيح: أن الله تعالى خلق التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد.
وفيه التحريف في مقادير الثواب الذي لا يليق بمحاسن الشريعة، وكيف يحسن أن يصوم الرجل يوما فيعطى ثواب من حج واعتمر وقُتل شهيدا، وهذا مخالف لأصول الشرع، ولو ناقشناه على شيء بعد شيء لطال، وما أظنه إلاَّ دُسَّ في أحاديث الثقات، وكان مع الذي رواه نوع تغفيل، ولا أحسب ذلك إلاَّ في المتأخرين … ». انتهى ما أورده ابن الجوزي رحمه الله.
فهذه بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في تخصيص يوم عاشوراء بأعمال وأفعال لم يرد بها الشرع، بل وضعها وضَّاعون لأغراض مذهبية، وقد أبقت أثرا سيئا في هذه الأمة، فترى الناس على ثلاثة أصناف:
صنف يعتبرونه يوم حزن وتألم ويفعلون ما نهوا عنه في الشرع من شق الجيوب ولطم الخدود بل يصل بهم الأمر لسب خيار هذه الأمة.
وصنف جعلوه يوم فرح وسرور، فتنعموا فيه بالمآكل والمشارب، وخصوه بمزيد من التزين والتوسيع على العيال بصنع ألذ المآكل.
وهدى الله الصنف الثالث لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بما حثهم عليه من صيامه.
ورحم الله الإمام ابن القيم إذ يقول: «وأما أحاديث الاكتحال والادهان والتطيب، فمِن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة، وأهل السنة يفعلون فيها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع »(4).
ولشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه كلام متين في بيان هاتين البدعتين، أورده ليقف القارئ على فوائد عزيزة قد لا يجدها عند غيره، قال رحمه الله: «وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء؛ من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي، وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنتهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يُسَبَّ السابقون الأولون، وتُقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب، وكان قصد مَن سنَّ ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإنَّ هذا ليس واجبا ولا مستحبًّا باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنِّياحة للمصائب القديمة مِن أعظم ما حرمه الله ورسوله، وكذلك بدعة السرور والفرح … أحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، ورووا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته …، ورووا أنه من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، فصار أقوام يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة، وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه، وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له وكل بدعة ضلالة ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا، ولا في شيء من استحباب ذلك حجة شرعية؛ بل المستحب يوم عاشوراء الصيام عند جمهور العلماء، ويُستحب أن يُصام معه التاسع …»(5).
وقال أيضا: «وانقسم الناس بسبب هذا يوم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين إلى قسمين؛ فالشيعة اتخذته يوم مأتم وحزن يُفعل فيه من المنكرات ما لا يفعله إلاَّ من هو من أجهل الناس وأضلِّهم، وقومٌ اتخذوه بمنزلة العيد؛ فصاروا يوسِّعون فيه النفقات والأطعمة واللباس، ورووا فيه أحاديث موضوعة، كقوله: «مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سَنتِه» وهذا الحديث كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، قال حرب الكرماني: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: لا أصل له، والمعروف عند أهل الحديث أنه يرويه سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال: بلغنا أنه من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته، قال ابن عيينة: جرَّبناه من ستين سنة فوجدناه صحيحاً.
قلت: ومحمد بن المنتشر هذا من فضلاء الكوفيين، لكن لم يكن يذكر ممن سمعه ولا عمَّن بلغه، ولا ريب أن هذا أظهره بعض المتعصبين على الحسين ليتخذ يوم قتله عيداً، فشاع هذا عند الجهال المنتسبين إلى السنة، حتى روي في حديث أن يوم عاشوراء جرى كذا كذا، حتى جعلوا أكثر حوادث الأنبياء كانت يوم عاشوراء، مثل مجيء قميص يوسف إلى يعقوب ورد بصره، وعافية أيوب، وفداء الذبيح وأمثال هذا، وهذا الحديث كذب موضوع وقد ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات»، وإن كان قد رواه هو في كتاب «النور في فضائل الأيام والشهور» وذكر عن ابن ناصر شيخه أنه قال: حديث صحيح وإسناده على شرط الصحيح، فالصواب ما ذكره في «الموضوعات» وهو آخر الأمرين منه، وابن ناصر راج عليه ظهور حال رجاله، وإلاَّ فالحديث مخالف للشرع والعقل، لم يروه أحد من أهل العلم المعروفين في شيء من الكتب، وإنما دُلِّس على بعض الشيوخ المتأخرين….
والذي صحَّ في فضله هو صومه، وأنه يكفِّر سنة، وأنَّ الله نجَّى فيه موسى من الغرق، وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر، وبيَّنا أنَّ كلَّ ما يُفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة، لم يستحبها أحدٌ من الأئمة مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم، وأقبح من ذلك وأعظم ما تفعله الرافضة من اتخاذه مأتما يُقرأ فيه المصرع، ويُنشد فيه قصائد النياحة، ويُعطِّشون فيه أنفسهم، ويَلطمون فيه الخدود، ويَشقُّون الجيوب، ويدعون فيه بدعوى الجاهلية.
وقد ثبت في «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ليس منَّا من ضَرَب الخدود وشَقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية»، وهذا مع حدثان العهد بالمصيبة، فكيف إذا كانت بعد ستمائة ونحو سبعين سنة؟! وقد قُتل من هو أفضل من الحسين، ولم يجعل المسلمون ذلك اليوم مأتماً، وفي مسند أحمد عن فاطمة بنت الحسين ـ وكانت قد شهدت قتله ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يُصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت، فيُحدث لها استرجاعاً إلاَّ أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب به»، فهذا يُبيِّن أنَّ السنة في المصيبة إذا ذكرت وإن تقادم عهدها أن يسترجع كما جاء بذلك الكتاب والسنة، قال تعالى:﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.
وأقبحُ من ذلك نَتفُ النعجة تشبيها لها بعائشة، والطعن في الجبس الذي في جوفه سمن تشبيها له بعمر، وقول القائل: يا ثارات أبي لؤلؤة! إلى غير ذلك من منكرات الرافضة، فإنَّه يطول وصفها.
والمقصود هنا أنَّ ما أحدثوه من البدع فهو منكر، وما أحدثه من يقابل بالبدعة البدعة وينسب إلى السنة هو أيضاً منكر مبتدع، والسنة ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي بريَّة مِن كلِّ بدعة، فما يُفعل يوم عاشوراء من اتخاذه عيدا بدعة أصلها من بدع النواصب، وما يفعل من اتخاذه مأتماً بدعة أشنع منها، وهي من البدع المعروفة في الروافض»(6).
فحريٌّ بمن رام الخير اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة أصول البدع، والحذر منها ومن التشبه بأهلها، نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى السنة ردًّا جميلاً، ففيها الخير والكفاية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ميزان الاعتدال (3/70).
(2) لسان الميزان (3/457، 459).
(3) تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص 410).
(4) المنار المنيف (ص 75).
(5) منهاج السنة النبوية (4/554 ـ 556).
(6) منهاج السنة النبوية (8/148 ـ 153).




مشكروة اختي ام عبيد الله على الموضوع الرائع

اللهم بلغنا عاشوراء و اكسبنا ثوابها

و كل عام و انتم بالف خير احبائي




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

دروس وعبر مستفادة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

دروس وعبر مستفادة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ د.عاصم بن عبدالله القريوتي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فيقول الله تبارك و تعالى: )قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا( [الكهف:110].
ويقول الإمام ابن كثير الدمشقي – رحمه الله – في تفسيره في هذه الآية:
)فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا(أي: ما كان موافقًا لشرع الله عز وجل، )وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل لا بد أن يكون خالصا لله، صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وروى الشيخان الإمامان: البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال:
«أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
ونحن معشر المسلمين إنما أمرنا بالإتباع الحق للرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه في سائر الطاعات والقربات.
ولقد صلَّى النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم مرة على المنبر كما روى ذلك الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري عن سهل بن سعد رضي الله عنه إذ قال:
«ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي».
وروى الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله بسنده إلى مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
و لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على معرفة صفة وضوئه وصلاته وسائر عباداته صلى الله عليه وسلم، وضربوا لنا صوراً رائعة من الطاعة والاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسي به مع الحذر والتحذير من مخالفة نهجه وهديه، نجد ذلك مسطورا في ثنايا كتب الحديث والعقيدة المسندة وغيرها.
ولقد حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته رضي الله عنهم وقال: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِككُمْ فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجّ بَعْد حَجَّتِي هَذِهِ». رواه مسلم وأبو داود و غيرهما.
و فِي هذا الحديث كما قال الإمام النووي – رحمه الله -: «إِشَارَة إِلَى تَوْدِيعهمْ وَإِعْلَامهمْ بِقُرْبِ وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَثّهمْ عَلَى الاعْتِنَاء بِالأَخْذِ عَنْهُ، وَانْتِهَاز الْفُرْصَة مِنْ مُلازَمَته، وَتعلُّم أُمُور الدِّين، وَبِهَذَا سُمِّيَتْ حَجَّة الْوَدَاع وَاَللَّه أَعْلَم».
ولقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه صفة حج النبي في حديث اشتهر بـ «حديث جابر الطويل في الحج» وهو حديث عظيم رواه الإمام مسلم – رحمه الله – في صحيحه.
و يقول النووي في هذا الحديث: «وَهُوَ حَدِيث عَظِيم مُشْتَمِل عَلَى جُمَل مِنْ الْفَوَائِد وَنَفَائِس مِنْ مُهِمَّات الْقَوَاعِد، وَهُوَ مِنْ أَفْرَاد مُسْلِم لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ كَرِوَايَةِ مُسْلِم.قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاس عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْفِقْه، وَأَكْثَرُوا، وَصَنَّفَ فِيهِ أَبُو بَكْر بْن الْمُنْذِر جُزْءًا كَبِيرًا، وَخَرَّجَ فِيهِ مِنْ الْفِقْه مِائَة وَنَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا، وَلَوْ تُقُصِّيَ لَزِيدَ عَلَى هَذَا الْقَدْر قَرِيب مِنْهُ».
أقول: إنَّ من أبرز معالم الإتباع في هذا الحديث العظيم، والدروس العظيمة المستفادة منه حرص الصحابة رضي الله عنهم على الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأعظم بها من رفقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ركن عظيم من أركان الإسلام استجابة لداعي الله )وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ( [الحج:27].
ولقوله تعالى:)وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ( [آل عمران:97].
ويقول جابر الأنصاري رضي الله عنه في وصفه حجة النبي صلى الله عليه وسلم:
«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله».
نعم، هكذا كانت سرعة الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بالحج، وكلُّهم يحرص على الائتمام برسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسي به، والعمل مثل عمله، حتى وصف جابر التفاف الصحابة حول النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك».
ويقول أيضاً: «ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به».
ولم تكن سرعة استجابة الصحابة رضي الله عنهم لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم خاصة بالحج بل في كلِّ أمر، كما وصف الله سبحانه عباده المؤمنين وأثنى عليهم بقوله تعالى:)إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( [النور:51].
والصحابة هم أولى وأول من يدخل ضمن )الْمُؤْمِنِينَ( في هذه الآية الكريمة.
و يقول جابر رضي الله عنه في سياقه للحديث: )فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟ قال: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي(.
فانظري أختي المسلمة – رعاك الله – ما في سؤال أسماء الخثعمية )رضي الله عنها( النبيَّ صلى الله عليه وسلم ماذا تصنع عندما ولدت؛ إذ لم يمنعها الحياء من السؤال في دين الله وعن حكم الشرع في ذلك، وهذا يدلُّ على مدى حرص صحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم على السنة والإتباع.
ومن ذلك تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن سائر الصحابة: «نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقَّهنَ في الدِّين» رواه مسلم.
ثم ذكر جابر رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل»إلى أن قال: «وقدم علي من اليمن ببُدْن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حلَّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: إنَّ أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال:صدقت صدقت».
وإنَّ في قصة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجها علي – رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة – لدليل آخر على حرص الصحابة على السنة والإتباع؛ إذ ما كان من فاطمة رضي الله عنها لما سمعت الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل لمن لم يسق الهدي ويجعلها عمرة – وكانت لم تسق الهدي – إلا بأن تحلَّلت من إحرامها بالحج وجعلته عمرة، ولما قدم زوجها رضي الله عنه من اليمن وجدها ممن حل من إحرامه، حيث لبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك رضي الله عنه؛ إذ أنَّى لها ذلك وهي محرِمة؟ فما كان من علي رضي الله عنه إلا أن ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم – حيث إنه لم يكن يعلم أمر النبي بالحل لمن لم يسق الهديمعاتباً فاطمة ما صنعت، ومستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً عما سأل واستشكل علي ما فعلته فاطمة فقال له: «صدَقَتْ صَدَقَتْ»أي أن ما فعلته لتحللها إنما هو من أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «ماذا قلتَ حين فرضت الحج؟ قال: قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولُك».
أقول: وإنَّ في إحرام علي رضي الله عنه على وجه ما أحرم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لدليل آخر على مدى حرصه على الإتباع، حيث إنه لم يشاهد ويعلم ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته، و لذا قال: «اللهم إني أهل بما أهل به رسولك»، وهذا هو الإتباع الحق المتعين، وهذا هو شأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما ساق جابر رضي الله عنه خطبة النبي صلى الله عليه وسلم العظيمة بنمِرة التي قال فيها:
«إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا كلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع رِبانا؛ رِبَا عباس بن عبد المطلب فإنَّه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فُرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟. قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات».
وإنَّ في هذه الخطبة دلالات عظيمة، ومعان وأبعاد كبيرة، ومن ذلك ما نحن بصدده حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله».
وفي هذا إقامة الحجة والبيان، وبأن من تمسك بهذا القرآن واعتصم به لا يضل ولا يشقى، وكتاب الله عز وجل هو الكتاب المبين، فيه الهدى والنور، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وإن مما في كتاب الله عز وجل الأمر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى على كل مسلم ما للسنة النبوية من مكانة في الشرع وقد قال الله عز وجل: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً([النساء:59].
وهي بلا أدنى ريبة داخلة ضمن قول الله عز وجل: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر:9]؛ لأنَّها المبيِّنة والموضحة لكتاب الله إذ يقول سبحانه وتعالى: )وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( [النحل: من الآية44].
و السنة وحيٌ من الله؛ إذ يقول الله جل جلاله: )وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى([النجم:3-4].
وإن في وصف جابر رضي الله عنه صفة ما رمى به النبي الجمار في قوله:
«فرماها بسبع حصيات يُكبِّر مع كلِّ حصاة منها مثل حصى الخذف» لدليلٌ على أن السنة رمي الحصيات على نحو ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دون مجاوزة الحد.
ولقد نهينا عن الغلو في كتاب الله وسنة رسوله حيث قال الله تعالى:
)يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ( [النساء: 171]، ويقول تبارك وتعالى: )قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ( [المائدة:77].
وذلك لأن أمتنا أمة وسطية وديننا دين وسط كما قال سبحانه:)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا([البقرة: 143].
ولقد وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة، فيها التحذير من الغلو، ومنها ما يتعلق برمي الجمار ما رواه النسائي و ابن ماجه عن ابن عباس – رضي الله عنهماقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: «هات القط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف. فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».
أخي القارئ: إن في هذه الدروس والوقفات، عبرة لنا في أن نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، في حجه وسائر العبادات، لما أسلفت من كون الإتباع شرط في قبول العمل.
وحريٌّ بك أيها الحاج، وقد عزمت على أداء الحج وتحملت المشاق، بأن تجرد ذلك لله وأن تتحرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ختاماً:
اسأل الله أن يتقبل منا جميعاً سائر عباداتنا، وأن يرزقنا الإخلاص له سبحانه، وأن يجنبنا الشرك صغيرة وكبيرة، وأن يوفقنا للإتباع الصادق للنبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين




بارك الله فيك




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

تحقيق الإخلاص في الصِّيام

تحقيق الإخلاص في الصِّيام

فضيلة الشيخ: صالح الفوزان -حفظه الله-
السؤال:

هذه الأخت أم ران؛ تقول: فضيلة الشيخ صالح! -سلَّمه الله- كيف يجب علينا أن نحقِّق الإخلاص في الصِّيام؟
كيف نحقِّقُ الإخلاص في الصِّيام، ونرجو مِن الله القبول لنا ولكم وللمسلمين؟
الجواب:
نعم، يجب على المسلم أن يُخلِص العمل لله -عزَّ وجلَّ-.
وذلك –أولاً- بأنْ: لا يُعجَب بنفسه ويُزكِّي نفسه، ويقول أنَّه أدَّى العمل على المطلوب، ويُعجَب بعمله؛ بل يعتبر عمله قليلاً، ويخاف أنَّه يُردُّ عليه؛ لأنَّه قد يختل شرطٌ من شروطه وهو لا يشعر؛ فيُردُّ عليه عمله؛ فلا يُزكِّي نفسه ولا يُعجب بعمله.
ثانيًا: أنْ يحذر -كلَّ الحذر- من مراءة النَّاس، وأنْ يقصد مدح النَّاس أو ثناء النَّاس عليه، فعليه أن يُخلِصَ عمله لله -عزَّ وجلَّ- ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].
﴿عَمَلًا صَالِحًا﴾: بأنْ يكون على سُنَّة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ليس فيه بدعة.

﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾: هذا هو الإخلاص؛ فلا يكون فيه رياءٌ ولا سُمعة، ولا قصدٌ لغير الله -عزَّ وجلَّ-
ثالثًا : أن يستحضر عظمة الله -عزَّ وجلَّ-؛ حتى يُخلِصَ العمل لوجهه، وأنْ يعلم أنَّه بين يدي الله، وأنَّه بِمرأى ومَسمَعٍ مِنَ الله -عزَّ وجلَّ- يراه ويسمعه؛ حتى إنَّه يعلم ما في قلبه، وخلجات نفسه؛ فعليه أن يُخلِّص لله -عزَّ وجلَّ-، وأن يُراقب الله -عزَّ وجلَّ-؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الإحسان: أنْ تعبُد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)).
ولا تعبد الله بقلبٍ غافلِ، وحسب العوايد، أو مع النَّاس؛ وإنما تستحضر عظمة ربك، وتؤدِّي العمل خالصًا لوجهه، وطلبًا لثوابه، وخوفًا من عقابه، تستشعر هذا الشُّعور دائمًا وأبدًا في كلِّ عملٍ تعمله، ولا سيِّما في هذا الشَّهر العظيم. نعم.

المصدر : تحقيق الإخلاص في الصِّيام

الرابط من موقع الشيخ:

من هـنا





جزاكم الله خيرا




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

وماذا بعد رمضان

وماذا بعد رمضان

لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظهما الله



لقد ودَّع المؤمنون موسماً عظيماً فاضلا أقبلت فيه القلوب على الله عبادةً وطاعة ، وتنافس فيه العِباد بأنواع القربات وصنوف العبادات ؛ فذاك حريصٌ على ختم القرآن ، وآخر متفقدٌ حاجة المساكين والأرامل والأيتام، وثالثٌ مقبِلٌ على العبادة والصلاة والقيام ، ورابعٌ يجمع لنفسه من صنوف الخيرات وأبواب العبادات ما ييسره له الملك العلام ، ولكلٍّ في الخير وجهة هو مولِّيها متسابقين في الخيرات فما أعظم غنيمتهم ! وما أكبر ربحهم! وما أحسن الخير الذي غنموه !! فهنيئاً لهم ثم هنيئا .
وإذا كان المسلمون قد ودَّعوا شهر رمضان موسم الغفران والعتق من النيران وموسم التنافس في طاعة الرحمن فإنهم لم يودِّعوا بتوديعه أبواب الخيرات ، فلا تزال مواسم الخيرات متجددة وأبواب الخيرات متتالية ، وينبغي على عبد الله المؤمن أن يغنم حياته وأن يستغل وجوده في هذه الحياة لاغتنام كل مناسبة كريمة ووقت فاضل متسابقاً مع المتسابقين في الطاعات مسارعاً لنيل رضا رب البريات سبحانه وتعالى .
وإن من علامات قبول الطاعة الطاعةَ بعدها ، والحسنة تنادي أختها ، وقد قال أهل العلم رحمهم الله تعالى : إن من علامة قبول طاعة الصيام والقيام في شهر رمضان أن تكون حال العبد بعد رمضان حال سكينةٍ ووقار وشكرٍ لله تبارك وتعالى وإحسانٍ في الإقبال على الله عز وجل ، فإذا كان العبد كذلك فإن ذلك من أمارات القبول وعلامات الخيرية . أما إذا كانت حالُ العبد بعد رمضان تحوُّلا من الطاعة إلى الإضاعة وإقبالا على المعاصي والآثام فليس ذلكم من أمارات الخير ، ولقد قال أحد السلف قديماً عندما حُدِّث بحال بعض الناس يجتهدون في شهر رمضان وإذا انقضى فرطوا قال : " بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان " .
إن رب الشهور واحد ، فرب رمضان هو رب شوال ورب الشهور كلها ، وكما قال بعض السلف: " كن ربانياً ولا تكن رمضانياً " أي لا تكن طاعتك لله وعبادتك له سبحانه وتعالى محدودة بهذا الشهر ، بل حياتك كلها موسم لطاعة الله جل وعلا ، قد قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }[الحجر:99] أي حتى يأتيك الموت ، وقال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102] ، وقال جل وعلا : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأحقاف:13] ، وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30] .
وهاهنا مثلٌ عظيم يجدر الإشارة إليه والتنبيه عليه ؛ أرأيتم لو أن امرأةً كانت تُحسن الغزل وتتقنه فأخذت شهراً كاملا تُبرم غزلها وتحكِمه وتتقنه فلما أكملت شهراً نصباً وتعباً وجِدّا عادت إلى غزلها تنقضه بعد إحكامه كيف يقول القائلون عنها ؟! وماذا يتحدَّث الناس عن حالها ؟! فإنها حالٌ بئيسةٌ مفارقةٌ للعقل والحكمة ، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى منبهاً لهذا الأمر عباده :{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}[النحل:92] . نعم إذا وُفِق العبد لطاعة الله جل وعلا وأقبلت نفسه على الطاعة وتمرَّنت على العبادة وراضت للطاعة ولانت بعد انفلاتها لا يليق بحال عبد وفَّقه الله لذلك أن ينقض هذا المحكَم المبرَم وأن يتحول إلى حالة يعلم من نفسه أنها لا ترضي ربه تبارك وتعالى .
إن الوقت الذي يعقب رمضان هو وقت شكرٍ لله تبارك وتعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:185] ، ومن المعلوم أن العصيان بعد الطاعة ليس من الشكر للموفِّق للطاعة جل وعلا ، بل حقيقة الشكر : أن يعمل العبد طاعةً لله محققاً بطاعته لله شكر الله ، وقد قال سبحانه وتعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا }[سبأ:13] .
فلنحاسب أنفسنا ونزن أعمالنا ونتفكر في حالنا ؛ إن انقضاء شهر رمضان مؤذِنٌ بانقضاء عمر كل واحد منا ، لأن الأزمان شهوراً وأسابيع وسنوات هي من جملة عمر الإنسان ، فأنت أيها الإنسان زمنٌ محدود ووقتٌ معدود ينتهي عمرك بانتهاء زمانك ؛ ولهذا فإن مرور الشهور والأعوام يعد تذكرةً وتبصرةً للمؤمن ، فإن اليوم أو الشهر أو السنة التي تنقضي هي جزء من عمرك ؛ ينقص عمرك بنقص الشهور والسنوات أو انقضاء الشهور والسنوات ، وكل يوم أو شهر أو سنة تنقضي تُدنيك من أجلك وتقربك من منيَّتك . إذا كنا في وقتٍ قريب نترقب دخول رمضان ونتحيَّن مجيئه وها نحن قد ودَّعناه !! فأعمارنا شأنها شأن رمضان وشأن السنوات ؛ فليعتبر عبدُ الله المؤمن وليتفكر في حاله وليحاسب نفسه وليزن أعماله ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ، فإن اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل .
وإذا كان شهر الصيام الذي أوجب الله على عباده صيامه فرضاً متعيِّنا قد انقضى فإن مواسم الصيام لم تنقض ، إذا كان الصيام فرضاً قد انتهى وقته فإن الصيام نفلاً لا تزال تتجدد أوقاته بتجدد الشهور والأسابيع والأعوام ؛ فهناك صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وصيام الاثنين والخميس ، وصيام العاشر من محرم ، وصيام يوم عرفة ، إلى غير ذلك من صيام النفل المتجدد بتجدد الشهور والأسابيع والأعوام .

وها نحن نعيش شهر شوال في موسم عظيم من مواسم الصيام الرابحة فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ )) . وفي الإقبال على صيام الست من شوال أمارة من أمارات القبول لصيام رمضان لأن من ثواب الحسنة الحسنةَ بعدها ، كما أن صيام ستٍ من شوال يُعدُّ من أبواب الشكر لله تبارك وتعالى على التوفيق للصيام في رمضان . كذلكم صيام الست من شوال شأنه مع رمضان كشأن النافلة مع الصلاة المفروضة ؛ فكما أن النوافل مع الصلوات تجبر نقصها وتسُدُّ ما يكون فيها من خلل فإن في صيام ست من شوال جبرٌ لما يكون في صيام العبد من نقص أو خلل ، إضافة إلى قول نبينا عليه الصلاة والسلام عن صيام الست من شوال أن من صامها متْبِعاً لها بصيام رمضان فكأنما صام الدهر كله ؛ لأنَّ رمضان بعشرة شهور وستاً من شوال بشهرين وهذا صيام السنة ، فإذا كان العبد مواظباً على ست من شوال بعد صيامه لرمضان فكأنما صام الدهر كله .
اللهم لك الحمد على ما هيأتَ لنا من أبواب الخيرات وصنوف البر والعبادات ، اللهم لك الحمد حمداً كثيرا على نعمك المتوالية وآلائك المتتالية وعطائك الذي لا يعد ولا يحصى .




مشكورررررررر رافقتك العافية




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

مفسدات الصوم وكفاراتها

مفسدات الصوم وكفاراتها :

قالى تعلى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) [البقرة : 187]
ذكر الله في هذه الآية الكريمة أصول مُفَطِّرات الصوم ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في السنّة تمام ذلك

والمفطرات سبعة أنواع:

أولا الجماع.
وهو إيلاج الذكر في الفرج، وهو أعظمها وأكبرها إثماً، فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضاً كان أو نفلاً.
ثم إن كان في نهار رمضان والصوم واجب عليه لزمه مع القضاء الكفارة المغلظة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي،
كأيام العيدين والتشريق، أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر، فإن أفطر لغير عذر ولو يوماً واحداً لزمه استئناف الصيام من جديد ليحصل التتابع. فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف كيلو وعشرة غرامات من البر الجيد.

وفي صحيح مسلم عن
أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أن رجلا وقع بامرأته في رمضان. فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال: (هل تجد رقبة ؟) قال: لا. قال:(وهل تستطيع صيام شهرين ؟) قال: لا. قال: (فأطعم ستين مسكينا).
الثاني: إنزال المني باختياره بتقبيل أو لمس أو استمناء أو غير ذلك
. لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها، كما جاء في الحديث القدسي:( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) رواه البخاري.
فأما التقبيل واللمس بدون إنزال فلا يفطر، لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: (
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه). وفي صحيح مسلم: أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم ؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سل هذه) يعني: أم سلمة، (فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك)، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له).
لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل ونحوه، أو من التدرج بذلك إلى الجماع لعدم قوته على كبح شهوته، فإن التقبيل ونحوه يحرم حينئذ، سداً للذريعة، وصوناً لصيامه عن الفساد. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم عن المبالغة في الاستنشاق خوفاً من تسرب الماء إلى جوفه فيفسد صومه. وأما الإنزال بالاحتلام أو بالتفكير المجرد عن العمل فلا يفطر، لأن الاحتلام بغير اختيار الصائم، وأما التفكير فمعفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: (
إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) متفق عليه.
وكفارة ذلك مثل كفارة الجماع وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً.

الثالث: الأكل والشرب
، وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف من طريق الفم أو الأنف، أياً كان نوع المأكول أو المشروب، لقوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }.
والسعوط في الأنف كالأكل والشرب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط ابن صبرة: (
وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً) رواه الخمسة وصححه الترمذي.
فأما شم الروائح فلا يفطر، لأنه ليس للرائحة جرم يدخل إلى الجوف.

الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب
، وهو شيئان:
أحدهما:
حقن الدم في الصائم، مثل أن يصاب بنزيف فيحقن به دم فيفطر بذلك، لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب، وقد حصل ذلك بحقن الدم فيه.
الشئ الثاني:
الإبر المغذية التي يكتفي بها عن الأكل والشرب، فإذا تناولها أفطر، لأنها وإن لم تكن أكلاً وشرباً حقيقة فإنها بمعناهما، فثبت لها حكمهما. فأما الإبر غير المغذية فإنها غير مفطرة، سواء تناولها عن طريق العضلات أو عن طريق العروق، حتى ولو وجد حرارتها في حلقه فإنها لا تفطر، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما، فلا يثبت لها حكمهما، ولا عبرة بوجود الطعم في الحلق في غير الأكل والشرب، ولذا قال فقهاؤنا: "لو لطخ باطن قدمه بحنظل، فوجد طعمه في حلقه لم يفطر".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة "
حقيقة الصيام": "ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطراً هو ما كان واصلاً إلى دماغ أو بدن، أو ماكان داخلاً من منفذ، أو واصلاً إلى جوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله" قال: "وإذا لم يكن دليل على تعليق الله ورسوله الحكم على هذا الوصف، كان قول القائل: إن الله ورسوله إنما جعل هذا مفطرًا لهذا قولاً بلا علم" انتهى كلامه رحمه الله.
النوع الخامس: إخراج الدم بالحجامة
، لقول النبي صلى الله عليهوسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أحمد وأبو داود من حديث شداد بن أوس، قال البخاري: "ليس في الباب أصح منه". وهذا مذهب الإمام أحمد وأكثر فقهاء الحديث.
وفي معنى إخراج الدم بالحجامة: إخراجه بالفصد ونحوه مما يؤثر على البدن كتأثير الحجامة.
وعلى هذا: فلا يجوز للصائم صوماً واجبا أن يتبرع بإخراج دمه، إلا أن يوجد مضطر له لا تندفع ضرورته إلا به، ولا ضرر على الصائم بسحب الدم منه، فيجوز للضرورة، ويفطر ذلك اليوم ويقضي.


وأما خروج الدم بالرعاف أو السعال، أو الباسور، أو قلع السن، أو شق الجرح، أو غرز الإبرة ونحوها، فلا يفطر، لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها، إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة.
السادس: التقيؤ عمداً
، وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الحاكم. ومعنى "ذرعه": غلبه.
ويفطر إذا تعمد القئ إما بالفعل، كعصر بطنه، أو غمز حلقه، أو بالشم مثل أن يشم شيئاً ليقئ به، أو بالنظر، كأن يتعمد النظر إلى شيء ليقئ به فيفطر بذلك كله. أما إذا حصل القئ بدون سبب منه فإنه لا يضر.

وإذا راجت معدته لم يلزمه منع القئ لأن ذلك يضره، ولكن يتركه فلا يحاول القئ ولا منعه.
السابع: خروج دم الحيض والنفاس
، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟). فمتى رأت دم الحيض أو النفاس فسد صومها، سواء في أول النهار أم في آخره، ولو قبل الغروب بلحظة، وإن أحست بانتقال الدم ولم يبرز إلا بعد الغروب فصومها صحيح.


ويحرم على الصائم تناول هذه المفطرات إن كان صومه واجباً، كصوم رمضان والكفارة والنذر، إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر، لأن من تلبس بواجب لزمه إتمامه إلا لعذر صحيح. ثم إن كان في نهار رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم والقضاء، وإلا لزمه القضاء دون الإمساك. أما إن كان صومه تطوعاً فإنه يجوز له الفطر ولو بدون عذر، لكن الأولى الإتمام




جزاكم الله خير

للرفع بمناسبة قدوم شهر رمضان 2022

اعاده الله علينا بالاجر والثواب




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

قراءة القرأن في رمضان

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، أنعم علينا بنعم لا تحصى وأجلها نعمة القرآن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على طريق الإيمان وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

عباد الله ـ اتقوا الله تعالى ـ واشكروه على ما من به عليكم من نعمة الايمان، وخصكم به من إنزال القرآن، فهو القرآن العظيم، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو كلام الله الذي لا يشبهه كلام، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، تكفل الله بحفظه فلا يتطرق إليه نقص ولا زيادة، مكتوب في اللوح المحفوظ وفي المصاحف، محفوظ في الصدور، متلو بالألسن، ميسر للتعلم والتدبر: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، [القمر 17]، يستطيع حفظه واستظهاره الصغار والأعاجم، لا تكل الألسن من تلاوته ولا تمل الأسماع من حلاوته ولذته، لا تشبع العلماء من تدبره والتفقه في معانيه، ولا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، لأنه المعجزة الخالدة، والحجة الباقية، أمر الله بتلاوته وتدبره وجعله مباركا، فقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}. وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح [أخرجه الترمذي رقم 2910، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه]، وقد جعل الله ميزة وفضيلة لحملة القرآن العاملين به على غيرهم من الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ، [أخرجه البخاري رقم 5027]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، وومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لاريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح طعمها مر"، [أخرجه البخاري رقم 5427 ومسلم رقم 797].
ففي هذه النصوص حث على تعلم القرآن أولا، ثم تلاوته وتدبره ثانيا، ثم العمل به ثالثا، وقد انقسم الناس مع القرآن إلى أقسام: فمنهم من يتلوه حق تلاوته ويهتم بدراسته علما وعملا، وهؤلاء هم السعداء، الذين هم أهل القرآن حقيقة، ومنهم من أعرض عنه فلم يتعلمه ولم يلتفت إليه، وهؤلاء قد توعدهم الله بأشد الوعيد، فقال تعالى: {ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}، [الزخرف 36]، وقال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}، [طه 124 ـ 126]، ومن الناس من تعلم القرآن ولكنه أهمل تلاوته، وهذا هجران للقرآن حرمان للنفس من الأجر العظيم في تلاوته وسبب لنسيانه وقد يدخل في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري}، [طه 124]، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان خسارة كبيرة، وسبب لتسلط الشيطان على العبد، وسبب لقسوة القلب، ومن الناس من يتلو القرآن مجرد تلاوة من غير تدبر ولا اعتبار، وهذا لا يستفيد من تلاوته فائدة كبيرة، وقد ذم الله من اقتصر على التلاوة من غير تفهم فقال سبحانه في اليهود: {ومنهم أميون لا يعلون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون}، [البقرة 78]، أي يتلونه تلاوة مجردة عن الفهم، فيجب على المسلم عند تلاوته للقرآن أن يحضر قلبه لتفهمه على قدر استطاعته، ولا يكتفي بمجرد سرده وختمه من غير تفهم وتأثر، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

(من كتاب إتحاف أهل الإيمان ، لفضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان)




merci merci




تعليمية
تعليمية




بارك الله فيك




بارك الله فيك




يُرْفَعُ للفَائِدَة ،،




بارك الله فيكم




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

حكم قول رمضان كريم تحذير مهم للجميع

حكم قول * رمضان كريم * تحذير مهم للجميع

تعليمية تعليمية
حينما يقع الصائم في معصية من المعاصي ويُنهى عنها يقول: «رمضان كريم» فما حكم هذه الكلمة؟ وما حكم هذا التصرف؟
الشيخ:
محمد بن صالح العثيمين
حكم ذلك أن هذه الكلمة «رمضان كريم» غير صحيحة، وإنما يقال: «رمضان مبارك» وما أشبه ذلك، لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريماً، وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهراً فاضلاً، ووقتاً لأداء ركن من أركان الإسلام، وكأن هذا القائل يظن أنه لشرف الزمان يجوز فيه فعل المعاصي، وهذا خلاف ما قاله أهل العلم بأن السيئات تعظم في الزمان والمكان الفاضل، عكس ما يتصوره هذا القائل، وقالوا: يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في كل وقت وفي كل مكان، لاسيما في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة، وقد قال الله عز وجل: {يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فالحكمة من فرض الصوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، فالصيام عبادة لله، وتربية للنفس وصيانة لها عن محارم الله، وليس كما قال هذا الجاهل: إن هذا الشهر لشرفه وبركته يسوغ فيه فعل المعاصي.
نقلا عن موقع طريق الإسلام
تعليمية تعليمية




اوبس انا دائما اقولها سوف اغير هذه العادة.
شكرا على التحذير اخي التوام.




شكرا على التنبيه اخي الكريم
بارك فيك الرحمن
مشكورررررر
اللهم أتمم عليناشعبان وبلغنارمضان و أسكناالجنان يارحمن




بارك الله فيك اختي شهد على المرور والحمد لله ان الامر اصبحخ واضح لديك

بوركتي اللهم امين اجمعين اختي مؤمنة وشكرا على ا لمرور وعلى الدعاء




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

رمضان شهر القران

تعليمية تعليمية
تعليمية
شهر رمضان شهر القران

ثمة علاقة وطيدة ورباط متين بين القرآن وشهر الصيام ، تلك العلاقة التي يشعر بها كل مسلم في قرارة نفسه مع أول يوم من أيام هذا الشهر الكريم ، فيقبل على كتاب ربه يقرأه بشغف بالغ ، فيتدبر آياته ويتأمل قصصه وأخباره وأحكامه ، وتمتلئ المساجد بالمصلين والتالين ، وتدوي في المآذن آيات الكتاب المبين ، معلنة للكون أن هذا الشهر هو شهر القرآن ، قال جل وعلا : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان }( البقرة:185 ) ، قال الحافظ ابن كثير : " وكان ذلك – أي إنزال القرآن – في شهر رمضان في ليلة القدر منه ، كما قال تعالى : {إنا أنزلناه في ليلة القدر }، وقال سبحانه :{إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ، ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- " ، وكان جبريل – عليه السلام – يأتي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فيدارسه القرآن كل ليلة في رمضان – كما في الصحيحين – ، وكان يعارضه القرآن في كل عام مرة ، وفي العام الذي توفي فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عارضه جبريل القرآن مرتين .

وكان للسلف رحمهم الله اهتمام خاص بالقرآن في هذا الشهر الكريم ، فكانوا يخصصون جزءاً كبيراً من أوقاتهم لقراءته ، وربما تركوا مدارسة العلم من أجل أن يتفرغوا له ، فكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة ، وكانَََ بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع ، وبعضهم في كل عشر ، وكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها ، فكان للإمام الشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان ، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ، وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على قراءة القرآن من المصحف ، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن .

ومما ينبغي أن يعلم أن ختم القرآن ليس مقصوداً لذاته وأن الله عز وجل إنما أنزل هذا القرآن للتدبر والعمل لا لمجرد تلاوته والقلب غافل لاه ، قال سبحانه :{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } (ص29) ، وقال: { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } ( محمد 24) ، وقد وصف الله في كتابه أمماً سابقة بأنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وهذه الأمية هي أمية عقل وفهم ، وأمية تدبر وعمل ، لا أمية قراءة وكتابة قال تعالى : {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون }( البقرة : 78) ، والأماني هي التلاوة – كما قال المفسرون- ، بمعنى أنهم يرددون كتابهم من غير فقه ولا عمل .
وأكد نبينا – صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى حين حدث أصحابه يوماً فقال : ( هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء ، فقال زياد بن لبيد الأنصاري : كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن ؟! فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا ، فقال : ثكلتك أمك يا زياد ، إن كنت لأعدُّك من فقهاء أهل المدينة ، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم ) رواه الترمذي .

إذاً فختم القرآن ليس مقصوداً لذاته ، فليس القصد من تلاوته هذَّه كهذَّ الشعر ، بدون تدبر ولا خشوع ولا ترقيق للقلب ووقوف عند المعاني ، ليصبح همُّ الواحدِ منا الوصول إلى آخر السورة أو آخر الجزء أو آخر المصحف ، ومن الخطأ أيضاً أن يحمل أحدنا الحماس – عندما يسمع الآثار عن السلف التي تبين اجتهادهم في تلاوة القرآن وختمه – فيقرأ القرآن من غير تمعن ولا تدبر ولا مراعاة لأحكام التجويد أو مخارج الحروف الصحيحة ، حرصاً منه على زيادة عدد الختمات ، وكون العبد يقرأ بعضاً من القرآن جزءاً أو حزباً أو سورة بتدبر وتفكر خير له من أن يختم القرآن كله من دون أن يعي منه شيئاً ، وقد جاء رجل لابن مسعود رضي الله عنه فقال له : إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة ، فقال ابن مسعود : " أهذّاً كهذِّ الشعر ؟! إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع " ، وكان يقول : " إذا سمعت الله يقول : يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها سمعك ، فإنه خير تُؤْمَر به أو شر تُصْرَف عنه " ، وقال الحسن :" أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملاً " .

فاحرص – أخي الصائم – على تلاوة القرآن في هذا الشهر بتدبر وحضور قلب ، واجعل لك ورداً يومياً لا تفرط فيه ، ولو رتبت لنفسك قراءة جزأين أو ثلاثة بعد كل صلاة لحصَّلت خيراً عظيماً ، ولا تنس أن تجعل لبيتك وأهلك وأولادك نصيبا من ذلك .

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همومنا وغمومنا .

تعليمية

تعليمية تعليمية




مشكور اخي على الموضوع المميز




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

انشرها لتاخذ الاجر

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

من ترك صلاة الصبح فليس في وجهه نور و من ترك صلاة الظهر فليس في رزقه
بركة و من ترك صلاة العصر فليس في جسمه قوة و من ترك صلاة المغرب فليس في
أولاده ثمرة و من ترك صلاة العشاء فليس في نومه راحة

بلغ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولو آية

انشرها و لو مرة




قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

من ترك صلاة الصبح فليس في وجهه نور و من ترك صلاة الظهر فليس في رزقه
بركة و من ترك صلاة العصر فليس في جسمه قوة و من ترك صلاة المغرب فليس في
أولاده ثمرة و من ترك صلاة العشاء فليس في نومه راحة

بلغ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولو آية




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

قائمة الفائزين في المسابقة الرمضانية الاسبوع الثاني.

تعليمية
قائمة المشتركين في المسابقة الرمضانية الاسبوع الثاني حظ موفق للجميع و لمن لم يفوزوا معنا في الاسابيع القادمة.
– محبة الله و الرسول 81 نقطة.
-93architecte39 نقطة.
-مينو ملك الريال 94 نقطة.
– 42.4architecte16 نقطة.
-روزا 2 باللغة الفرنسية اسفة خطا تقني. 74.8 نقطة.
-سمسومة الامورة.75.2 نقطة.

-elkaissi عدد النقاط 75.5 .
-josif65 عدد النقاط 11 .
-عبد القادر08 عدد النقاط 48.
-amelnounou عدد النقاط 50.4 .
-عبد الجليل2008 عدد النقاط 8.8.
-نجوان عدد النقاط 36.6.
– ايدير عبد النور عدد النقاط 39.4 .
-maram عدد النقاط 36.8 .
-djou عدد النقاط 68 .
-rania 507 عدد النقاط 24.4 .
-suppa-kanja عدد النقاط 53.8 .
-اوملول عدد النقاط 49.9 .
sara40 عدد النقاط 8.
محمداوشن عدد النقاط 10.
-رابح 03 عدد النقاط 70.6 .
-hichem-s عدد النقاط 42.6 .
اذا الفائزون معنا في هذا الاسبوع هم

المرتبة الاولى
تعليميةمينو ملك الريالتعليمية ب 94 نقطة .
المرتبة الثانية
architecte39 تعليمية]ب 93 نقطة.

المرتبة الثالثة
تعليميةلمحبة الله و الرسولتعليمية ب 81 نقطة.

الف الف الف مبروك للفائزين معنا و لمن لم يحالفهم الحظ نتمنى ان يحالفهم في المرات القادمة ان شاء الله و نتمنى ان لا يزيدوا ضعفا بل يزيدوا شجاعة و قوة و ينمي هذا روح التنافس بين الاعضاء فحظا سعيدا.
تعليميةالف الف الف الف مبروكتعليمية
تعليمية




الف مبروك للفائزين وحظ موفق للاخوة الذين لم يفوزوا معنا لهذا الاسبوع ان الفرصة لا زالت مفتوحة للاسبوع الثالث




ألف مبروك للفائزين




mabrouuuuuuuuuuuuuuuuuuuu uuuuuuuuuuuuk




أين هي أسئلة الأسبوع الثالث