رحلة في عقل طفل
مثلاً : اشترت أم لطفلها لعبة غالية الثمن، ومع ذلك فإن طفلها بعد أن لعب بها ومل منها كسرها فما كان من الأم إلا أن أنبته وعاقبته واتهمته بالتخريب والعدوانية والإهمال، بينما الحقيقة أنه ليست هناك عدوانية ولا تخريب من جانب الطفل وبالتالي فهو لا يستحق التأنيب ولا العقاب بل يستحق الشكر، لأنه تلميذ مجتهد ومخلص.. كيف؟!
يشير الحديث النبوي إلى أن الأعمال بالنيّات، وأن لكل امرئ ما نوى، وكل ما فعله ذلك الطفل أنه حاول مخلصاً أن يتعرف على اللعبة من الداخل، يدرسها ويذاكرها، فهل أخطأ في ذلك؟ لماذا لا نعطيه الفرصة للتعرف على العالم من حوله حتى ينمو ويتقدم بعد ممارسة لعبة الحل والتركيب؟
وفي مثل هذه الظروف لا داعي لشراء لعبة غالية، لأن الطفل يريد أن يدرس اللعبة بطريقته الخاصة، أفلا يستحق الشكر على اجتهاده؟ ومن يدري فقد يصبح ذلك الطفل المخرب مهندساً عظيماً.. أو مخترعاً.
الطفل كما نعلم يعيش في عالم مختلف عن عالمنا نحن الكبار.. إنه يفكر بطريقة تختلف عن طريقتنا في التفكير ويرى الأشياء من حوله بصورة تختلف عن رؤيتنا لها ويطالب بإشباع حاجاته بطريقة تختلف عن طريقتنا، يحدث ذلك كله بحكم الفرق الكبير بين عقله وعقولنا، وإدراكه وإدراكنا وفهمه وفهمنا.. إن الطفل يضحك من أشياء لا تضحكنا ويبكي لأسباب لا تقنعنا، ويطالب بأمور تستعصي علينا.. إنه يركب العصا على أنها حصان.. ويسابق الطيور على أنه عصفور فلماذا يفعل ذلك كله؟
الجواب : لأنه طفل صغير.. فلماذا نعامله إذن على أنه شخص كبير؟ ونحاسبه كما نحاسب الكبار؟ لا لا.. هذا خطأ كبير يجب أن نعدل عنه فوراً والآن نعود إلى عمنا أشرف.. أقصد طفلي أشرف لنخوض معاً معركة الشمعة فاقرؤا رعاكم الله.
جلست يوماً أرقب طفلي وهو يلعب ـ بطريقته الخاصة ـ وسرح خيالي بعيداً فتمنيت أن أقوم برحلة في رأسه لأعرف بالضبط فيم يفكر هذا المخلوق الصغير؟ وماذا يدور في عقله؟ وسبحانه المطلع على ما في الصدور والعقول.. في هذه اللحظات لفتت نظره شمعة جميلة ثبتت في شمعدان صغير ووضعت على منضدة صغيرة بالقرب منه، وساعتها تغير حاله فقد نظر إلى الشمعة مبهوراً بجمالها وأحسبه كان يقول في نفسه: الله.. ما هذا الشيء الجميل؟ ما اسمه بالضبط؟ لابد أن أقترب منه وأفحصه جيداً ـ مثل اللعبة ـ لأعرف طبيعته.. نعم.. يجب أن أعرف كل شيء وأفحص كل شيء أريد أن أكتشف الدنيا كلها.. والدنيا لا تؤخذ إلا غلاباً.. وفجأة بدأ طفلي الهجوم على الشمعة المضيئة ليمسكها بيده ولا بأس من أن يضعها في فمه ليعرف طعمها وربما ليأكلها فمن المؤكد أنها لذيذة، ولكن لسوء حظه أو لحسن حظه تراه العيون الحانية التي ترقبه دائماً ولا تغفل عنه فتمد يدها بل أيديها لتقوم بهجوم مضاد لمنعه بالقوة من خطر الاحتراق.
إنها معركة إذن.. ويبكي الطفل المحروم الذي حيل بينه وبين تحقيق أهدافه، يبكي بشدة ويطالب بحقه المشروع في اكتشاف الدنيا ولكن لا حياة لمن تنادي، إذ يصر الجميع على موقفهم المتعنت بمنعه بالقوة من تحقيق آماله. في مثل هذه الظروف.. لا مناقشة.. ولا تفاهم.. ولا حوار حتى ولو ظل يبكي طوال اليوم.. أم أنكم ترون غير ذلك؟
ينظر الطفل إلينا بعيون غاضبة.. ويوجه إلينا كلمات قاسية:
لماذا تفعلون بي ذلك؟ لابد أنكم لا تحبونني.. أم أنكم بخلاء أو على الأقل لا تقدرون الجمال.. لماذا تحاولون حرماني من هذا الشيء الجميل؟ أيها الناس افهموني.. دعوني وشأني لا تقيدوني.. لا تكبلوني بهذه الأغلال.. أريد أن أنعم بهذا الشيء الرائع ولابد أن أحصل عليه بطريقة أو بأخرى.
وأرد ـ أنا ـ على طفلي فأقول له: أبداً.. مستحيل.. مستحيل يا أشرف أن أدعك تلمس هذه الشمعة.. إننا نحبك يا ولدي ونخاف على يديك الجميلتين من الاحتراق بالنار.. إنهما اليدان الرقيقتان اللتان لا نشبع أبداً من تقبيلهما فلا تحرمنا هذه السعادة.. ويتساءل أشرف في دهشة:
ماذا يقولون؟ الاحتراق.. النار.. نخاف.. ما معنى هذه الكلمات الغريبة؟ إنني لا أفهم ما يقولون.. ليتهم يتركونني وشأني.
أيها القراء والقارئات:
هل أنتم معي الآن أم أنكم مازلتم تعيشون مع خيالي الذي شطح؟ لقد عدت الآن من رحلتي وهأنذا أحدثكم من أرض الواقع فأقول: هذا هو الطفل. إنه يعيش في واد ونعيش نحن في واد آخر.. هكذا أراد الله لحكمة يعلمها ونعلم القليل عنها.. وسبحانه عز من قائل: (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) (85) (الإسراء).
لكن بالرغم من ذلك لابد أن نقترب من أطفالنا أكثر وأكثر ولابد أن نحاول فهمهم أكثر وأكثر لهذا أقترح عليكم أن تتوجهوا غداً والأفضل اليوم إلى أقرب مكتبة لشراء أو استعارة بعض الكتب التي تتحدث عن: كيف نفهم الأطفال أو كيف نتعامل مع الطفل .
الكاتب محمد موسى رزق
دمتم برعاية الله وحفظه
بوركالله فيك و نفع بك ؛
سدد الله خطاك و وفقك أختنا
نترقب المزيد
بالتوفيق