التصنيفات
اسلاميات عامة

مع أعصى الأعضاء وآفاته

إن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة فإنه صغير جرمه، عظيم طاعته وجرمه، إذ لا يستبين الكفر، والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان

وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، فإنه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريمه وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله

وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان.

إذا ترك له العنان يصول ويجول.. يتحدث عن فلان ويغتاب فلان، يستهزئ بهذا ويشتم هذا.

وقلة هم الذين أمسكوا بعنان ألسنتهم ووقفوا به عن ما لا يعنيهم.

فحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال.

وينبغي لكل مكلف: أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام: إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه، لإنه قد يؤدي الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء

وفي اللسان آفتان عظيمتان: إن خلص من أحدهما لم يخلص من الأخرى، آفة الكلام وآفة السكوت

.

وقد يكون كل منهما أعظم من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاص لله، مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله، وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته، فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط وهم أهل الصراط المستقيم، كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها

فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلا عن أن تضره في آخرته، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها.

ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به

وكثرة آفات اللسان: من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخواض في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان، وإيذاء الخلق وهتك العورات، فهذه آفات وهي سياقة إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب.

ففي الخواض خطر وفي الصمت سلامة فذلك عظمت فضيلته، هذا مع ما فيه من جمع الهمم ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية موضحًا حال الكثيرين:

ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل ليشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول

آفات اللسان

آفات اللسان كثيرة متنوعة، ولها في القلب حلاة ولها بواعث من الطبع، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت أو التحرز في الكلام.

ومن آفات اللسان ما يلي:

الآفة الأولى:

الكلام فيما لا يعني… اعلم أن من عرف قدر زمانه، وأنه رأس ماله، لم ينفقه إلا في فائدة، وهذه المعرفة توجب حبس اللسان عن الكلام فيما لا يعني، لأن من ترك ذكر الله واشتغل فيما لا يعني كان كمن قدر على أخذ جوهرة، فأخذ عوضها بدرة وهذا خسران العمر.

الآفة الثانية:

الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي، كذكر مجالس الخمر، ومقامات الفساق، وقريب من ذلك الجدال والمراء، وهو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع فينبغي للإنسان أن ينكر المنكر من القول، ويبين الصواب فإن قبل منه وإلا ترك المماراة، هذا إذا كان معلقا بالدين، فإما إن كان في أمور الدنيا فلا وجه للمجادلة فيه.

الآفة الثالثة:

التقعر في الكلام، وذلك يكون بالتشدق، وتكلف السجع.

الآفة الرابعة:

الفحش والسب والبذاء.

الآفة الخامسة:

المزاح… أما اليسير فلا ينهى عنه إذا كان صدقا.

الآفة السادسة:

السخرية والاستهزاء.. ومعنى السخرية الاحتقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه.

الآفة السابعة:

إفشاء السر وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين، وكل ذلك منهيعنه، إلا ما رخص فيه من الكذب لزوجته وفي الحرب فإن ذلك يباح

وضابطه: أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو فهي مباح إن كان ذلك المقصود مباحا، وإن كان المقصود واجبا فهو واجب، فينبغي أن يتحرز عن الكذب مهما أمكن.

الآفة الثامنة:

الغيبة، هي ذكر أخاك الغائب بما يكرهه إذا بلغه، سواء كان نقصًا في بدنه أو في نسبه أو في ثوبه

الآفة التاسعة:

النميمة، وهي إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه.

وهناك آفات أخرى كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.. وقد حذر

الله جل وعلا من تلك الآفات وأخبر أنها من الأعمال التي تحصى على ابن آدم ويحاسب عليها.

قال تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{
[ق: 18].

وقال جل وعلا: }وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا{[الإسراء: 36].

ومن الأحاديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" رواه البخاري ومسلم.

وعنه أنه قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وابن ماجه.

وحين سئل رسول الله عن أكثر ما يدخل النار؟ قال: "الفم والفرج" وعندما سأل معاذ بن جبل رسول الله عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار، أخبره النبي برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: "كف عليك هذا" فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" رواه الترمذي.

وانظر أخي الكريم إلى عظم الأمر وخطورة الكلمة فقد قال

رسول الله : "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" متفق عليه.

وهذا أبو بكر رضي الله عنه آخذا بطرف لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد

والكلام أسيرك فإذا خرج من فيك صرت أنت أسيره، والله عند لسان كل قائل: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{[ق: 18].

أخي الكريم:

ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين:

أحدهما: إنك إن لم تنفعه فلا تضره.

والثانية: إن لم تسره فلا تغمه.

والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمه

فإن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس كما قال ذلك محمد بن سيرين

وحكي أن بعض الحكماء رأى رجلا يكثر الكلام ويقل السكوت، فقال: إن الله تعالى إنما خلق لك أذنين ولسانا واحدا ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به

والكثير الآن تجاوز هذا الضعف، يهذر بما يعلم وما لا يعلم، لا يتحدث في علم إلا له فيه قول… ولا يمر اسم فلان من الناس إلا لمزه وغمزه.

وقد حذر الجنيد من ذلك بقوله: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب، والقلب إذا عرى من الهيبة عرى من الإيمان

ولكي يسلم المتحدث من الزلل في حديثه والنقص في مقاله فإن عليه أن يراعي شروطا أربعة:

الشرط الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر.

الشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته.

الشرط الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته.

الشرط الرابع: أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به

إذا توافرت هذه الشروط فعليك بالحديث وإلا فإن الصمت يجمع للرجل خصلتين: السلامة في دينه، والفهم عن صاحبه.

ومن يقدر الآن على الصمت ونحن في زمن يخيل للسامع أن الإنسان خلق بلسان دون أذن.. فالكل يتحدث ترتفع الأصوات في المجالس ويكثر اللغط ولا تعلم من يحدث من ؟ ومن يستمع لمن؟

ترى اثنين يتحدثان بصوت مرتفع.. وتبحث عن المستمع فلا ترى أحدا.

من منا الآن من يعد كلامه.. ويقف دون زلاته… لنعد لحظات نسعد فيها بسماع حديث السلف.. نتربى في مدارسهم ونسير على أثرهم.

قال الفضيل: أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة

وربما نحاول في مجلس أن نعد كلامنا… فلا نستطيع.. ما بالك إذا كانت أعواما وشهور!!.

وحتى في السكوت ربما يلحقك مذمة، ويتبعك ملامة ولكن عليك أخي الحبيب بقول أبي الدرداء: أدركت الناس ورقًا ولا شوك فيه، فأصبحوا شوكًا لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك، قالوا: فكيف نصنع؟ قال: تقرضهم من عرضك ليوم فقرك

فأقرض يا أخي من عرضك ليوم فقرك. واعلم أنها حسنات تجمع لك تراها يوم القيامة مثل الجبال، يسرك مقدمها في ذلك اليوم العصيب.

ووالله إن حفظ اللسان من المجاهدة والمكابرة.. قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم

وانظر يا أخي إلى أحوال الناس في البيع والشراء والأخذ والعطاء.. ربما يجادل الواحد منهم وقتا طويلا في سبيل دريهمات، إن لم يكن فيها شيء من ضياع الوقت وارتفاع الأصوات فإن فيها من رداءه الخلق وشح الأنفس الشيء الكثير.

فإلزم الصمت، فإنه يكسبك صنوف المحبة، ويؤمنك سوء المغبة ويلبسك ثوب الوقار ويكفيك مؤنة الاعتذار

وواقعنا اليوم مثل رجل قال لسلمان الفارسي: أوصني قال: لا تتكلم، قال: ما يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم، قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو أسكت.

وهذه النصيحة تصلح لكل زمان ولزماننا خاصة ولكن يبقى فقط أن نطبقها في واقع حياتنا وفي مجالسنا، ومكالماتنا الهاتفية

عن عبد الله بن مسعود قال: والله الذي لا إله إلا هو ما على

وجه الأرض شيء أحوج إلى سجن من لسان.

فإن لم يسجن وأطلق له العنان فإنه كما وصف طاوس: لساني سبع إن أرسلته أكلني

وهو والله أشد يأكل الحسنات ويجلب السيئات، تفاجأ يوم القيامة بذنوب كالجبال، من آفات وسقطات اللسان.

يتعلق بك من بهته ويمسك بك من اغتبته. . ويقبض على رقبتك من استهزأت به قال تعالى: }أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ{حديثك تنساه بمجرد إطلاق الكلمة وانتهاء المجلس.. ولكنه محصى عليك.. موقوف أنت حتى يقتص منك.. يؤخذ من حسناتك لهم فإن فنيت حسناتك أخذ من سيئاتك فحطت عليك…!
مصيبة أن تفجع في ذلك اليوم بمثل هذا وأنت أحوج ما تكون للحسنة الواحدة.

ويا أخي الكريم: هو لسانك، وهذه صحيفتك.. فأمل ما شئت، وقل ما شئت.

اجتمع قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، ووجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها، قال : وما هي؟ قال: حفظ اللسان.

منقول للفائدة




بارك الله فيك أختي على الموضوع القيم وجزاك الجنة

تحياتي




تعليمية




بارك الله فيكما "فاتن " و" أميرة الغرب"

مرور طيب ورد أطيب

تحياتي….




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.