التصنيفات
اسلاميات عامة

قصتي مع والدي رحمه الله و ماذا فعل الدعاء:

قصتي مع والدي رحمه الله و ماذا فعل الدعاء:

الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على أله و صحبه.

وبعد
فإن من فضل الله على عباده أن وهب لهم في الدنيا ما يستدفعون به الشرور و يُكشف به البلاء، ليذكروه به و يعرفوا نعمته عليهم وو يعلنوا افتقارهم إليه، كيف لا و هو ربهم الذي يملكهم ويرزقهم و يدبر شأنهم، فكان حقا أن يعبدوه و بالألوهية يفردوه، ليزدادوا منه قربا وله ذكرا و شكرا، ليمتلئ القلب من أثر طاعته فرحا و سرور، و طمأنينة و حبورا، اذ القلب كالشجرة يحتاج الرعاية و السقيَ، حتى لا تفنى حياته و لا تخر قوته، يقول الامام ابن القيم رحمه الله : إن في القلب خلة لا يصلحها إلا ذكر الله، و مما يؤثر عن شيخ الإسلام رحمه الله ( قلب العبد مع الذكر كالسمكة وسط الماء)، فكما أن السمكة لا تحي الا في الماء، فكذلك قلب العبد لا يحي الا بالذكر، و ما أجمل قول ابن مسعود رضي الله عنه (و ان الذكر ينبت الايمان في القلب كما ينبت الماء الزرع).
فكان هذا، أعني ذكر الله و طاعته، مما ينبغي الحرص عليه لمن ابتغى السعادة الحقيقية و لا تلك المزيفة التي لا يكسب أصحبها من ورائها إلا التبعات و الغصص و الآلام، لأنهم تركوها في موضعها الحقيق بها و طلبوها في الحرام.

ثم ان من بين أسباب السعادة يا إخوان، ومن سبل ذكر الكريم المنان قيام الليل بين يديه عزّ في علاه، في خشوع و خضوع و سجود و ركوع، في انكسار يورث غمر الدمع من خوفه و فيضان الشوق إليه سبحانه تحت ظل رجائه، مع حبه و شوق ذكره، مما يربي القلب على معاني التعبد الحق، و يقيم في أرجائه و على أرضه صرح التوحيد و عرش الصدق، ذلكم التوحيد الذي ينبني على أصوله الثلاث، مما لا استقرار له و لا نماء إلا بوجودها مجتمعة مؤتلفة، و هي أركان الحب و الخوف و الرجاء.
و قد شبه أهل العلم قلب الموحد المتعبد بالطائر له رأس و جناحين، فلا يحي بلا حب و لا يَرقَ فيبلغ منازل خيرة الصلحين، و مراتب صفوة المؤمنين بلا خوف و رجاء.

ومما ورد و صح في هذه العبادة الجليلة ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل. وما رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً. متفق عليه.

ثم ان للعاقل أن لا يجعل قيام الليل مجرد سبب يتخذه حينما احتجه، عندما يضطر إليه، ثم بعده يتركه و ينئ بجانبه مدبرا عنه، بل كان دأب السلف الصالح، و مبعث فرحهم حينما يرخي الليل سدوله، لأنهم عهدوا صلتهم الوثيقة ببارئهم، حين يختلون في محاربهم حيث لا يعلم عن شأنهم أحد، و لا يدري خبرهم و منتهى تعبدهم إلا وليهم و مولاهم، الذي أحبوه وأحبهم، رجوه فأجابهم و خافوه فأمنَّهم، فأنعم بها من حال.

وبعد هذا، فإن المجرب الذي عرف السبيل الصحيح في السؤال،و أحضر الأدب و استحضر الوسائل الشرعية للإجابة، من تقديم القربة على اثر القربة، من استغفار و صدقة و قيام و صلاة و بر و إحسان، يدرك معنى قول عمر رضي الله عنه (إني لا أحمل هم الإجابة و إنما أحمل هم الدعاء)، و من عجيب ما كان معي في هذا الشأن و أنا العبد المقصر، ما حدث لي مع والدي رحمه الله تعالى.

و لعلي قد أطلت النفس في ذكر مقدمات قبل سرد قصتي هاته لأن المقام مقام وعظ، و القصة ان كانت مؤسسة على أصولها الصحيحة تبين المغزى منها، وان كانت أدلة الكتاب و السنة كافية فيما نحن بصدد الكلام عنه من استغفار و دعاء في قيام و رجاء، لكن لا بأس من ذكر القصص من باب الاستئناس ولأن الله تعالى أرشد نبيه إلى ذلك فقال ( فاقصص القصص) و قال أيضا ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).

فإلى القصة حفظكم ربي من كل سوء.

كانت هذه القصة معي أيام كنت طالبا في الجامعة قريبا من تخرجي، حينها كنت أعاني مع مؤطري الذي كان سببا في تفويت كثيرا من الوقت علي و كذلك في إجهادي الجهد البدني و الفكري، نهيك عن البروقراطية التي كان لها اليد الطولى في تعطيل حق والدي مما أتعبه هو أيضا، وفي زيارة له للطبيب يحيله على إجراء فحوص دقيقة، بما فيها الكشف الاشعاعي، و يظهر الخبر الذي لم يكن في الحسبان.
قال الطبيب المتخصص في الكشف : سيدي نرجح اصابتك بسرطان الكبد.
ماذا سرطان الكبد؟ يا له من خبر، و الحمد لله على كل حال.

حين جاء الخبر عن والدي، كنت في الجامعة و أتاني الاتصال من خالتي منبأ، أن أدرك والدك فقد تكون هذه أخر أيامه، فعلك تندم بعدها أن لم تكن على قرب منه، و لم أدرى ما الذي حل بوالدي، حينها مضيت موليا إلى البيت و أنا لا أدري شيئا عن حقيقة مرضه، فإذا بوالدي بين يدي يوصني بأمي و أخواتي البنات، حينها أفزعني الأمر و عرفت أن الخبر جد و ضاقت بي الدنيا بما رحبت، لأن الأمر هنا يتعلق بوالدي، والدي هذا الذي ربّني و نشأني حتى بلغت أشدي بفضل من الله ثم بفضله رحمه الله، أبيكان حريصا علي و على مستقبلي، ينفق و يشفق، يود و يرحم، يشقى لنسعد و يتعب لنرتاح، يصبر على كل مصيبة و لا يرضى لنا الا أن يرنا على أحسن حال، يخاطبني و لأول مرة بهذا الأسلوب و بهذه الجدية، حتى صار يقول ( يا إبني، إن لكل منا أيام يقضيها في هذه الدنيا لا يزيد عنها و لا ينقص، و هذه مشيئة الله، فأوصيك و قد صرت رجلا، أن تحسن في رعاية أمك و أخواتك)، حينها تغلبت على أسي و أسفي و أنا لا زلت بعد في حيراتي، قلت: لا بأس عليك يا ولدي، بإذن الله لن يكون إلا الخير، قلتها حينها وأنا موقن بأن رحمة الله قريب من عباده المؤمنين، و ما إن قدم الليل و الحقيقة أني لم أكن قواما، لكن عزمت أن لا تفوتني تلك الليلة لأدعو و أرجوا الله العظيم، بدأت الصلاة في غياهب الظلام، و لا أحد يدري عني الا الذي قمت بين يديه داعيا مناجيا، حينها تذكرت ضعفي و قوته فهو القوي، و فقري و غناه فهو الغني و جهلي و علمه فهو العليم و حاجتي و رحمته فهو الرحيم، تذكرت والدي و ما ألم به، مر بين عيني الشريط الذي يحوي أحداث اللقاء الأنف الذكر، و خطاب والدي لي و الذي هز كياني، فإذا بدمع العين ينهمر، و إذا بالقلب يخفق بالرجاء وإذا باللسان ينطق و ينطلق بالدعاء، دعوت و أنا موقن بالإجابة، و أنا بحال المضطر الذي لا يملك إلا رجاء مولاه، ثم بعدها سكنت نفسي و أطمئن قلبي أن ربي لن يخيبني في والدي، كانت تلك الليلة ليلة الجمعة، و لا زلت أذكرها، مضيت يوم السبت لأتم مشواري في الجامعة، على أمل أن يُجري أبي التحاليل الأخيرة و التي تنبئ عن حقيقة الأمر، بعد صلاة العصر، يرن الجوال و اذا بالرقم رقم البيت، أجبت فإذا به والدي، يخبرني أن المرض أظهرت التحاليل استحالته، و أن لا أثر له يذكر، وسبحان العلي الأعلى، حتى الطبيب الذي كشف عنه احتار و انبهر، و لم يصدق ما رأته عيناه من نتائج الكشف المخبري، إذ كان قبلها يخبره أن لا مناص من المرض العضال، رجعتا أجبت الوالد و قلبي مغمور بالفرح، أن الحمد لله على فضله و ذكَّرته بحمد الله، فحمد الله سبحانه، و أشرق نور الأمل و أمتد بين ناظري والدي شعاع الحياة من جديد، و عاش بعدها خمس سنين، ليعاوده المرض و سبحان الله ، نفس المرض و في نفس المحل، لكن شاء الله أن يتوفاه هذه المرة، فرحمة الله عليه و أسكنه فسيح الجنان.

لكل من قرأ قصتي، لا تنسوني و والداي بصالح دعائكم.

و صلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على أله و صحبه أجمعين.

أخوكم أبو ليث أمين بن محمد الأثري الجزائري.




الله يرحمه و لا اله الا الله




رحمه الله و جميع موتى المسلمين.




الله يرحمه و لا اله الا الله




اللهم ارحمه و اغفر له و لكل المسلمين.




شكرااااا بارك الله فيك




لا شكر على واجب.
وفقك الله الى ما فيه رضاه.




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.