الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على أله و صحبه.
وبعد
فإن من فضل الله على عباده أن وهب لهم في الدنيا ما يستدفعون به الشرور و يُكشف به البلاء، ليذكروه به و يعرفوا نعمته عليهم وو يعلنوا افتقارهم إليه، كيف لا و هو ربهم الذي يملكهم ويرزقهم و يدبر شأنهم، فكان حقا أن يعبدوه و بالألوهية يفردوه، ليزدادوا منه قربا وله ذكرا و شكرا، ليمتلئ القلب من أثر طاعته فرحا و سرور، و طمأنينة و حبورا، اذ القلب كالشجرة يحتاج الرعاية و السقيَ، حتى لا تفنى حياته و لا تخر قوته، يقول الامام ابن القيم رحمه الله : إن في القلب خلة لا يصلحها إلا ذكر الله، و مما يؤثر عن شيخ الإسلام رحمه الله ( قلب العبد مع الذكر كالسمكة وسط الماء)، فكما أن السمكة لا تحي الا في الماء، فكذلك قلب العبد لا يحي الا بالذكر، و ما أجمل قول ابن مسعود رضي الله عنه (و ان الذكر ينبت الايمان في القلب كما ينبت الماء الزرع).
فكان هذا، أعني ذكر الله و طاعته، مما ينبغي الحرص عليه لمن ابتغى السعادة الحقيقية و لا تلك المزيفة التي لا يكسب أصحبها من ورائها إلا التبعات و الغصص و الآلام، لأنهم تركوها في موضعها الحقيق بها و طلبوها في الحرام.
ثم ان من بين أسباب السعادة يا إخوان، ومن سبل ذكر الكريم المنان قيام الليل بين يديه عزّ في علاه، في خشوع و خضوع و سجود و ركوع، في انكسار يورث غمر الدمع من خوفه و فيضان الشوق إليه سبحانه تحت ظل رجائه، مع حبه و شوق ذكره، مما يربي القلب على معاني التعبد الحق، و يقيم في أرجائه و على أرضه صرح التوحيد و عرش الصدق، ذلكم التوحيد الذي ينبني على أصوله الثلاث، مما لا استقرار له و لا نماء إلا بوجودها مجتمعة مؤتلفة، و هي أركان الحب و الخوف و الرجاء.
و قد شبه أهل العلم قلب الموحد المتعبد بالطائر له رأس و جناحين، فلا يحي بلا حب و لا يَرقَ فيبلغ منازل خيرة الصلحين، و مراتب صفوة المؤمنين بلا خوف و رجاء.
ومما ورد و صح في هذه العبادة الجليلة ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل. وما رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً. متفق عليه.
ثم ان للعاقل أن لا يجعل قيام الليل مجرد سبب يتخذه حينما احتجه، عندما يضطر إليه، ثم بعده يتركه و ينئ بجانبه مدبرا عنه، بل كان دأب السلف الصالح، و مبعث فرحهم حينما يرخي الليل سدوله، لأنهم عهدوا صلتهم الوثيقة ببارئهم، حين يختلون في محاربهم حيث لا يعلم عن شأنهم أحد، و لا يدري خبرهم و منتهى تعبدهم إلا وليهم و مولاهم، الذي أحبوه وأحبهم، رجوه فأجابهم و خافوه فأمنَّهم، فأنعم بها من حال.
وبعد هذا، فإن المجرب الذي عرف السبيل الصحيح في السؤال،و أحضر الأدب و استحضر الوسائل الشرعية للإجابة، من تقديم القربة على اثر القربة، من استغفار و صدقة و قيام و صلاة و بر و إحسان، يدرك معنى قول عمر رضي الله عنه (إني لا أحمل هم الإجابة و إنما أحمل هم الدعاء)، و من عجيب ما كان معي في هذا الشأن و أنا العبد المقصر، ما حدث لي مع والدي رحمه الله تعالى.
و لعلي قد أطلت النفس في ذكر مقدمات قبل سرد قصتي هاته لأن المقام مقام وعظ، و القصة ان كانت مؤسسة على أصولها الصحيحة تبين المغزى منها، وان كانت أدلة الكتاب و السنة كافية فيما نحن بصدد الكلام عنه من استغفار و دعاء في قيام و رجاء، لكن لا بأس من ذكر القصص من باب الاستئناس ولأن الله تعالى أرشد نبيه إلى ذلك فقال ( فاقصص القصص) و قال أيضا ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).
فإلى القصة حفظكم ربي من كل سوء.
قال الطبيب المتخصص في الكشف : سيدي نرجح اصابتك بسرطان الكبد.
ماذا سرطان الكبد؟ يا له من خبر، و الحمد لله على كل حال.
لكل من قرأ قصتي، لا تنسوني و والداي بصالح دعائكم.
و صلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على أله و صحبه أجمعين.
أخوكم أبو ليث أمين بن محمد الأثري الجزائري.
وفقك الله الى ما فيه رضاه.