قال سهل بن عبد الله: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي، لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه.
قلت هي مسألة عظيمة لها شأن وهي أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي، وذلك من وجوه عديدة:
الوجه الأول:ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله إبليس.
الوجه الثاني:أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة، وذنب ترك الأمر مصدره في الغالب الكبر والعزة، و لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنى وسرق.
الوجه الثالث:أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي، كما دل على ذلك النصوص كقوله r: (( أَحَبُّ الأَعْمَال إلى الله الصلاة على وقتها))وقوله: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله)) وقوله: ((واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة))وغير ذلك من النصوص.
وترك المناهي عمل؛ فإنه كف النفس عن الفعل، ولهذا علّق سبحانه المحبة بفعل الأوامر كقوله " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا " سورة الصف الآية:4 ، " و الله يحب الحسنين " آل عمران: 134 ، و قوله: " و أقسطوا إن الله يحب المقسطين " الحجرات:9 " و الله يحب الصابرين " آل عمران:146.
.
وأما في جانب المناهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله: " و الله لا يحب الفساد " البقرة: 205 و قوله: "و الله لا يحب كل مختال فخور" الحديد:23 و نظائره
وأخبر في موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها، كقوله: " كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها "البقرة: 190
وقوله: " ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله " النساء:36
إذا عرف هذا ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات، ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه من لوازمها من الجهاد واتخاذ الشهداء. وحصول التوبة من العبد والتضرّع إليه والاستكانة وإظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه. وحصول الموالاة والمعاداة لأجله، وغير ذلك من الآثار التي وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها، وهو سبحانه لا يقدر ما يحب لإفضائه إلى حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لإفضائه إلى ما يحبه، فعلم أن فعل ما يحبه أحب إليه مما يكرهه.
يوضحه الوجه الرابع: ……………………. …