المنطق الصوري
التصــــــور و الحكم أولاً: التصــــــور : وهـو إدراك المــاهيــــة مــن غير أن نحكــــم عليها بنفـــي أو إثبات أو هو الإدراك الخالي عن الحكم. أي: بمعنى إدراك الذهـــن لمعنى المفـــــرد من غير تعــرض لإثبات شيء له ولا لنفيه عنه، فهو تصــور عقلي فقط مجرداً عن أي نسبة مضافة إليه صدقاً أو كذباً. مثال ذلك: إدراك معنى الشمس أو الفرس أو الإنسان، أو إدراك معنى اللذة أو الألم، أو معنى المرارة، ومعنى الحلاوة، ونحو ذلك. فالتصور: هو فهم المعنى المراد به ذلك المفرد كما في الأمثلة السابقة ونحوها دون تعرض لإثبات شيء له، ولا لنفيه عنه. وكأن صورة المفرد تنطبق في الذهن لإدراك المتصور لمعناها. والإدراك في الاصطلاح: هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، فإن وصلت إليه لا تمامه فهو المسمى في الاصطلاح بالشعور. ثانياً: التصديق(الحكم): هو أن تحكم عليه بالنفي أو الإثبات أو هو علم إدراك الماهية مع الحكم عليها بالنفي أو الإثبات أي إثبات أمر لأمر بالفعل، أو نفيه عنه بالفعل، وهو إدراك الذهن للعلاقة القائمة بين موضوع ومحمول على سبيل النفي أو الإثبات. مثال ذلك: الكاتب إنسان. فإدراك معنى الكاتب فقط: علم تصور. وإدراك معنى الإنسان فقط: علم تصور. وإدراك النسبة بين التصورين دون الحكم بوقوعها أو عدم وقوعها: علم تصور. وأما التصديق: فهو إدراك وقوع النسبة بالفعل، وهو إدراك كون الإنسان كاتباً بالفعل. ويلاحظ أن تسميته جاءت من أن التصديق إما جازم أو لا، والجازم إما بغير دليل – وهو التقليد – وإما بدليل؛ فهو إما أن يقبل متعلقه النقيض بوجه وهو الاعتقاد أولاً، وهو العلم إذن التصديق خبر، والخبر بالنظر إلى ذاته يحتمل التصديق والتكذيب، فسموه بأشرف الاحتمالين. ويلاحظ أيضاً أن الوصول إلى التصديق لا بد فيه من أربع تصورات: -تصور المحكوم عليه: وهو الموضوع.-تصور المحكوم به: وهو المحمول. -تصور النسبة الحكمية من غير حكم بوقوعها أو عدم وقوعها. تصور وقوع النسبة الحكمية بالفعل أو عدم وقوعها. ويلاحظ أن الموضوع في اصطلاح المنطقيين هو المعروف في المعاني بالمسند إليه وفي النحو بالمبتدأ أو الفاعل أو نائب الفاعل. والمحمول في اصطلاحهــــم هو المعروف في المعاني بالمسند، وفي النحو بالخبر أو الفعل، وإنما سمي الموضوع موضوعاً لأن المحمول صفة من صفات الموضوع أو فعل من أفعاله. والصفة لا بد لها من موصوف، والفعل لا بد له من فاعل. فالأساس الذي وضع لإمكان إثبات الصفات أو نفيها هو المحكوم عليه. ولذا سمي موضوعاً كالأساس للبنيان، وســـمي الآخـــــر محمولاً لأنه كسقف البنيان لا بدله من أساس يبنى عليه. مثال: لو قلت: (زيد عالم) أو (زيد ضارب)، فالعلم صفة زيد والضرب فعله، ولا يمكن أن توجد صفة بدون موصوف، ولا فعل بدون فاعل، فصار المحكوم عليه كأنه وضع أساساً للحكم فسمي موضوعاً، وسمي ما يسند إليه من صفات وأفعال محمولاً، لأنها لا تقوم بنفسها، فلا بد لها من أساس تحمل عليه. ويلاحظ أن كلاً من التصور والتصديق ينقسم إلى بدهي وكسبي. فالبدهي: هو ما لا يحتاج إدراكه إلى تأمل. والكسبي: ما يحتاج إدراكه إلى التأمل. فالتصور البدهي: كتصور معنى الواحد ومعنى الاثنين. والتصديق البدهي: كإدراك أن الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أكبر من الجزء. والتصور الكسبي: مثّل له بعضهم بتصور الملائكة والجنة، ومن أمثلته: تشخيص الطبيب لعين المريض؛ فهو تصور له بعد بحث وتأمل ونظر. والتصديق الكسبي: كقولك: الواحد نصف سدس الاثني عشر، وربع عشر الأربعين. مباحث الألفاظ من حيث صلتها بالمعاني والدلالات المباحث: جمع مبحث، وهم اسم مكان بمعنى مكان البحث، والبحث: هو الفحص والتفتيش عن الألفاظ من حيث التركيب والإفراد ونحو ذلك كالكلية والجزئية… الخ. أولاً: تقسيم اللفظ من حيث الأفراد والتركيب: الألفاظ الدالة على معان إما أن تكون مفردة أو مركبة: اللفظ المفرد: وهو ما لا يقصد بجزئه الدلالة على جزء معناه أو: (ما لا يدل جزؤه على جزء معناه وينقسم إلى الأسماء والأفعال والحروف). فإنه إن دل بذاته دلالة مطلقة مجردة عن الزمان فهو الاسم، وإن دل بذاته دلالة مقترنة بأحد الأزمنة الثلاثة فهو الفعل، وإن توقفت دلالته على اقترانه بغيره فهو الحرف. اللفظ المركب: (وهو ما قصد بجزء اللفظ الدلالة على جزء المعنى والمركب هو: (ما يدل جزئه على جزء معناه دلالة مقصودة خالصة. فخرج بقولهم: (ما دل جزؤه) ما لا جزء له أصلاً كباء الجر ولامه، وماله جزء لا دلالة له على شيء كبعض حروف زيد. وخرج بقولهم: (على جزء معناه): ما له جزء وله دلالة؛ ولكن لا على جزء معناه كأبكم، فإن نصف الأول وهو (الأب) يدل على ذات متصف بالأبوة، ونصفه الأخير وهو (كم) يدل على سؤال عن عدد، ولكن ليس واحدٌ منهما يدل على جزء المعنى المقصود بالأبكم. وخرج بقولهم: (مقصودة) العلم الإضافي؛ كعبد الله، فإن جزءه الأول يدل على العبد، والثاني يدل على الخالق جل وعلا، ولكن هذه الدلالة ليست مقصودة؛ لأن المقصود جعل اللفظين علماً للشخص معيناً له عن غيره من الأشخاص. وخرج بقولهم: (خالصة): ما لو قصد في تسمية الإنسان بعبد الله مثلاً أنه متصف بالعبودية لله، فإن دلالة جزء اللفظ على جزء المعنى حينئذ مقصودة لكنها غير خالصة من شائبة العلمية. ثانياً: تقسيم اللفظ من حيث عموم المعنى وخصوصه: تنقسم الألفاظ من حيث ما تدل عليه من المعاني إلى نوعين: أصلي الدلالة: وهو ما كان مستعملاً للدلالة على المعاني التي وضعت لها في الأصل. ومثاله: لفظ الأسد حين يطلق على الحيوان المعروف، والغالب لهذا النوع من الأسماء أن يدل على المعنى الواحد باسم واحد، فإن دل على المعنى الواحد بأسماء كثيرة فإنها تسمى مترادفة، وذلك كدلالة الليث والأسد والغضنفر على نفس الحيوان المعروف مغير الدلالة: وتغير الدلالة إما أن يكون على سبيل النقل أو على سبيل المجاز والاستعارة أو على سبيل الاشتقاق. واللفظ سواء كان مستعملاً في معناه الأصلي أو في غيره ينقسم بحسب عموم المعنى وخصوصه إلى قسمين القسم الأول: جزئي: "وهو ما يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فالذهن حين يتصوره لا يستطيع أن يجعل دلالته لأكثر من واحد. مثاله: زيد وغيره من أسماء الأعلام والمدن والجبال ونحوها، فمعنى كل منها خاص به فحسب. القسم الثاني: كلي: "وهو ما لا يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فالذهن يصح له من مجرد تصوره أن يجعل معناه صادقاً على الكثيرين. مثاله: الإنسان والحيوان والشجر ونحوها من كل ما يصح أن يصدق معناه على الكثيرين. ويلاحظ أن الكلي ينقسم باعتبار استواء معناه في أفراده وتفاوته فيها إلى متواطئ ومشكك. فالمتواطئ: (وهو اتحاد المعنى في أفراد) وهو أي أفراده:- (هي التي تدل على أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها وقيل: هو الكلي الذي استوى أفراده في معناه. مثاله: الإنسان والرجل والمرأة. فإن حقيقة الإنسانية والذكورة والأنوثة مستوية في جميع الأفراد، وإنما التفاضل بينها بأمور أُخر زائدة على مطلق الماهية. والمشكك: (هو ما اختلف في أفراده بالشدة والضعف وقيل: هو الكلي الذي تتفاوت أفراده في معناه بالقوة والضعف مثاله: النور والبياض. فالنور في الشمس أقوى منه في السراج والبياض في الثلج أقوى منه في العاج. ويلاحظ أيضاً أن الكلي ينقسم باعتبار تعدد مسماه وعدم تعدده إلى مشترك ومنفرد: فالمشترك: (هو ما اتحد منه اللفظ وتعدد المعنى وقيل: (اللفظ الواحد الذي يطلق على موجودات مختلفة بالحد والحقيقة إطلاقاً متساوياً مثال: العين للباصرة والجارية، والقرء للطهر والحيض.
والمنفرد: أن يكون للكلي مسمى واحد. مثال: الإنسان والحيوان ونحو ذلك. فالحقيقة الذهنية التي هي مسمى اللفظ واحدة، وإنما التعدد في الأفراد الخارجية. وينقسم الكلي أيضاً باعتبار وجود أفراده في الخارج وعدم وجودها فيه إلى ستة أقسام: كلي لم يوجد من أفراده فرد واحد في الخارج مع أن وجود فرد منها مستحيل عقلاً. مثاله: الجمع بين الضدين. كلي لم يوجد من أفراده فرد واحد في الخارج مع جواز وجوده عقلاً. مثاله: بحر من زئبق وجبل من ياقوت. كلي وجد منه فرد واحد مع استحالة وجود غيره من الأفراد عقلاً. مثاله: الإله الحق خالق كل شيء ورب كل شيء والقادر على كل شيء. كلي وجد منه فرد واحد مع جواز وجود غيره من الأفراد عقلاً. هذا ما أثبت وجوده العلماء اليوم. مثاله: الشمس. كلي وجدت منه أفراد كثيرة ولكنها متناهية. مثاله: الإنسان والحيوان. كلي وجدت منه أفراد كثيرة وغير متناهية. مثاله: العدد ثالثاً: النظر إلى اللفظ بحسب دلالته على المعنى: يعرف هذا البحث عند المناطقة باسم مبحث الدلالة، والمقصود عندهم منه هو دلالة اللفظ وضعاً. والوضع في الاصطلاح: هو تعيين أمر للدلالة على أمر، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: المطابقة والتضمن والالتزام. دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له اللفظ مثاله: دلالة الرجل على الإنسان الذكر، ودلالة المرأة على الإنسان الأنثى. دلالة التضمن: (وهي دلالـة اللفـــظ على جزء من أجزاء المعنى المتــضمن لــه) ولا تكون إلا في المعاني المركبة. مثاله: دلالة لفظ إنسان على الحيوان أو على الناطق ودلالة البيت على الجدران أو على السقف. دلالة الإلتزام: (وهي دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له لزوماً ذهنياً بحيث يلزم من فهم المعنى المطابقي فهم ذلك الخارج اللازم مثاله: دلالة الأربعة على الزوجية، والزوجية في الاصطلاح: هي الانقسام إلى متساويين، ودلالة لفظ السقف على الجدار. ويلاحظ أن هذا النوع من الدلالة يشترط فيه وضوح اللزوم الذهني بين اللفظ وما يلازمه. رابعاً: تقسيم الألفاظ بحسب علاقة معانيها بالماهيات: اللفظ الكلي ينقسم بحسب وظيفة معناه في تحديد ماهية الشيء الموصوف به إلى قسمين: كلي ذاتي: (أن يكون داخلها في الذات بأن يكون جزءاً من المعنى المدلول للفظه وهو يكون معناه جزءاً أساسياً من ذات الموصوف به، أي: أن معناه يعتبر مقوماً له وجزءاً من حقيقته وجوهره، ويشمل الجنس والنوع والفصل؛ كالحيوان الناطق بالنسبة للإنسان. كلي عرضي: (أن يكون خارجاً عن الذات بأن لم يكن جزء من المعنى المدلول للفظه وهو الذي يمثل معناه صفة عارضة لذات الموصوف، أي ليس عنصراً تلتئم منه ذاتيته، وإنما هو عارض له بعد تقويمه، وشمل العرض الخاص (الخاصة) والعرض العام. كالماشي والضاحك بالنسبة للإنسان. وبهذا نصل إلى الكلام عن الكليات الخمس: الجنس والنوع والفصل والعرض الخاص والعرض العام. والتي تمثل مبادئ التصورات، وهي وأمثلتها موضوع المبحث التالي. التصورات مبادئ التصورات سبق أن تبين أن اللفظ الكلي ينقسم بحسب وظيفة معناه في تحديد ماهية الشيء الموصوف إلى قسمين: الذاتي: (هو الذي يدخل في حقيقة جزئياته كالحيوان بالنسبة للإنسان وهو الذي يمثل معناه صفة عارضة لذات الموصوف، وهو ما يمثل الجواب عن السؤال بلفظة "أي" التي يسأل بها عن ما يميز المسئول عنه، ويفصله عما يشاركه ذاتياً كان أو عرضياً، والجواب ينحصر إما في العرض الخاص، أو العرض العام. وبذلك يصل البحث إلى الكليات الخمس التي هي أقسام الذاتي والعرض، وتفصيلها على النحو التالي: الجنس: المقصود بالجنس عند أهل المنطق: قول كلي يقال على كثيرين مختلفين في الحقيقة يقع في جواب ما هو أو هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو. أو هو جزء الماهية الذي هو أعم منها لصدقه عليها وعلى غيرها. مثاله: لفظ الحيوان. فإنه يطلق على الإنسان والفرس والثور، فإن حقيقة كل من الإنسان والفرس والثور تختلف عن الآخر، ولكن يجمعها كلها أنها تندرج تحت كلمة حيوان لأنه جنسها. ويلاحظ أن الحيوان-في هذا المثال- هو جزء من ماهية الإنسان لأن الإنسان- على قول أهل المنطق- مركب من حيوان ناطق فالحيوان جزء ماهيته الصادق بها، وكذلك الفرس والثور ونحوها. – النوع: قول كلي يقال على كثيرين متفقين في الحقيقة مختلفين في العدد واقع في جواب ما هو، وهو ما يترتب تحت الجنس، أو هو الكلي الذي هو تمام ماهية أفراده. مثاله: زيد وعمرو وبكر وخالد وهند. فقولك: ما هو زيد؟ وما هو عمرو؟ وما هو بكر؟ وما هو خالد؟ وما هي هند؟ الكلمة التي تحمل على الجميع هي النوع؟ فجواب ذلك أن تقول: الإنسان لأنه القدر المشترك بين الأفراد. فالإنسان نوع، فهم متفقون في الحقيقة الإنسانية ولكن يختلف كل شخص منهم عن الآخر. ويلاحظ أن كلاً من الجنس والنوع يقع في جواب"ما هو" غير أن الجنس يطلق على كثيرين مختلفين في الحقيقة، والنوع يطلق على كثرين متفقين في الحقيقة؛ فالجنس أعم من النوع لأنه يشتمل على أنواع كثيرة. ويلاحظ أيضاً أن الجنس قد يكون نوعاً لجنس أعلى منه مثل الحيوان "نوع" بالنسبة للجسم "جنساً"، فإن الجسم أعم من الحيوان حيث يشتمل عليه وعلى غيره كالجمادات ونحوها، وهذا الاعتبار يكون الجنس نوعاً لما هو أعلى منه وجنساً لما هو أخص منه، فإن الحيوان جنس للإنسان والفرس ونوع للجسم، وهكذا حتى ينتهي الأمر في الارتقاء وإلـــى جنس واحــد لا جنس فوقه، يسمى جنس الأجناس، وينتهي الأمر في الانحطاط إلى نـوع لا نوع بعده يسمى نوع الأنواع. كيف يعتبر أصغر الأنواع نوع الأنواع؟ وإنما الذي يعتبر أكبرها هو نوع الأنواع. الفصل: وهو القسم الثالث للذاتي: وهو كلي مقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب أي شيء هو في ذاته فهو يمثل صفة أو صفات ذاتية تفصل نوعاً عن غره من الأنواع المشتركة معه في جنس واحد، وذلك كلفظ الناطق الذي يحمل على الإنسان فيفصله عن الفرس والثور اللذين يشتركان معه في الجنس وهو الحيوانية. ويلاحظ أن الفصل بالنسبة للنوع مقوم له، وبالنسبة للجنس مقسم له؛ فالناطق في المثال السابق داخل في تعريف الإنسان الذي هو النوع مقوم له، وفي نفس الوقت قسم من أقسام الجنس الذي هو الحيوان. ويلاحظ أن هذه الأقسام الثلاثة من الكليات من قبيل الذاتي. العرض الخاص (الخاصة): كلى خارج عن الماهية مختص بها، وعى خاصا لأنه يختص بنوع واحد فقط من أنواع الجنس ويميزه عن غيره من الأنواع الأخرى مثل: ضاحك بالنسبة لنوع الإنسان؛ فإنه يميزه عن بقية أنواع جنسه كالفرس والثور مثـلا، وســــواء وجدت صفة الضحك في كل أفراد الإنسان أم لا فإنها تميز الإنسان عن غيره وتختص به هو، وكذلك صفة الكاتب والقارئ مع أنها تختص ببعض أفراد النوع- إذ ليس كل إنسان قارئاً أو كاتبا- فإنها خاصة به دون غيره. العرض العام: هو الكلي الخارج عن الماهية الشامل لها ولغيرها، وعي عاما لأنه يعم أكثر في نوع واحد سواء وصفت به جملة النوع كصفة البياض بالنسبة للقطن والثلج واللبن، أو وصفت به بعض أشخاص النوع كالحركة بالنسبة للنبات والفرس والإنسان. ويلاحظ أن معنى لفظ العرض انه ليس جزءاً في الحقيقة ولكنه من لوازم النوع. وبهذا القدر المختصر من الكلام عن الكليات الخمس ينتهي الكلام عن مبادئ التصورات ويأتي الكلام عن مقاصد التصورات وهي والحدود والتي تعتبر الكليات الخمس بمثابة الأساس لها. مقاصد التصورات (التعريفات) مقاصد التصورات هي التعريفات والحدود. وأهل المنطق يعتبرون مبحث التعريف بالحد والقياس البرهاني لب المنطق وجوهره، وما عدا هذين -أعني ما أصبح مشهوراً باسم القياس المنطقي والحد الأرسطي- فهو نوع متفرع عنهما أو مكمل لهما. ويراد من التعريف للشيء، أن يكون ذلك التعريف جامعاً لجميع أفراد ذلك الشيء بحيث لا يخرج عنه فرد، وأن يكون مانعاً لكل ما سواها من الدخول فيها. ويلاحظ أن التعريف للشيء يقوم على: إدراج النوع تحت جنسه، سواء كان الجنس القريب أو البعيد. تم تمييزه بصفة جوهرية فيه أو بخاصة من خواصه. والتعريف ينقسم إلى قسمين: التعريف بالحد والتعريف بالرسم. وتفصيل الكلام فيهما على النحو التالي: أولاً: التعريف بالحد: المراد بالحد عند أهل اللغة هو المنع أو الفصل بين شيء وآخر. والمراد بالحد عند أهل المنطق هو: (القول الدال على ماهية الشيء وإنما يكون القول دالاً على ماهية الشيء إذا كان يجمع صفاته الذاتية واللازمة على وجه يتم به تحديده وتمييزه عن غيره، وسمي الحد حداً لأنه يمنع أفراد المحدود من الخروج، ويمنع غيرها من الدخول. والتعريف بالحد ينقسم إلى ما يكون بالحد التام وما يكون بالحد الناقص، وتفصيل ذلك كالآتي: أولاً: الحد التام: هو ما يتركب من الجنس والفصل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق أي تعريف الماهية بذكر المقومات الذاتية المشتركة (الجنس) والمقومات الذاتية الخاصة (الفصل) أو على وجه الدقة يقال للتعريف بالحد التام: هو ما يكون بالجنس القريب والفصل. مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق. فالجنس القريب: وهو مقومه الذاتي المشترك فيه مع غيره (حيوان). والفصل: وهو مقومه الذاتي الخاص به ال |
مميز له عن غيره (ناطق).