التصنيفات
أخبار و ثقافة طبية

تمارين لاسترجاع الذاگرة المنسية

مما يُحكى عن الإمام البخاري أن بعض علماء الكوفة أراد اختبار حفظه؛ فانتظروا حتى جلس البخاري في مجلس العلم في جامع المدينة، وأرسلوا عشرة من الشباب يسألون البخاري، وقد أوصوا كل شاب أن يسأل البخاري في عشرة أحاديث مختلفة؛ لكن بشرط أن يغيّروا سند الأحاديث، (والسند هو سلسلة الرواة الذين رووا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى البخاري)؛ فيذكرون سندًا لحديث لم يُعرف به، ودخل الشباب إلى الجامع وبدأوا يسألون البخاري عن الأحاديث الصحيحة في مضمونها والخطأ في سندها، والبخاري كلما سمع حديثًا يقول: لا أعرفه؛ حتى انتهى الشباب العشر من ذكر مائة حديث، والبخاري لا يقول إلا كلمة واحدة: لا أعرفه، ثم التفت البخاري إلى أول شاب، وقال له:
40
سألتني عن عشرة أحاديث؛ فقلتَ في الحديث الأول: إن من رواه هو فلان بن فلان عن فلان.. (إلى آخر السند)، والصواب أن من رواه هو فلان عن فلان (وذكر السند صحيحًا)، واستمر البخاري يقول المائة حديث كما ذكروها له، ويصوّب لهم سند الأحاديث المائة!!

كنت -ولا أزال- كلما أسمع تلك القصة أنبهر بذاكرة الإمام البخاري، تلك الذاكرة التي أدعوها "الذاكرة الفولاذية"؛ فهو لا يكتفي بحفظ مائة حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيدها؛ لكنه يحفظ ما قاله الشباب في المجلس ليختبروه، وكرره على أسماعهم بعدها، ثم قال لهم الصواب! فكيف تمكّن البخاري من حفظ كلامهم بهذه السرعة وبهذه الدقة؟

من يقرأ في علوم الذاكرة يعرف أن الذاكرة تقوى بالتدريب؛ فهي كما يشبهها البعض كعضلة من عضلات الجسم؛ إن تمرنت قويت، وإن أُهملت ضعُفت، وإن اعتمد الإنسان على ما يذكّره دائمًا بكل ما يحتاجه؛ فكيف لذاكرته أن تنمو وتقوى؟

وأولى خطوات تنمية الذاكرة وتقويتها: التركيز؛ أن يعود الإنسان نفسه على تركيز فكره لفترات طويلة؛ فحين يقرأ شيئًا ما لا يفكر إلا فيما يقرؤه، وحين يسمع شيئًا ما لا يفكر إلا فيما يسمعه!

ولعل أقوى تمارين تقوية التركيز هي: التخيل الإبداعي، ويعتمد هذا التمرين على تحديد وتثبيت وقت ما من أوقات اليوم؛ بشرط ألا يتغير هذا الوقت أبدًا لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، ولا يزيد هذا الوقت على عشر دقائق يوميًّا، يجلس فيها الإنسان في مكان هادئ بعيد عن أية ضوضاء أو إزعاج أو تشويش، وهو يرتدي ملابس مريحة له، وينظر إلى نقطة ثابتة أمامه ولا يغلق عينيه، ثم يبدأ في تخيل موقف ما لم يحدث له من قبل؛ كأن يتخيل أنه يقابل شخصية تاريخية مثلًا.. المهم ألا يكون قد تعرض لهذا الموقف من قبل، ويركز كل تفكيره في شكله وهو يقابل تلك الشخصية؛ ماذا كان يرتدي؟ وكيف كان ملمس ملابسه؟ وكيف كانت ألوانها؟ وماذا كانت ترتدي تلك الشخصية التي يقابلها؟ كيف كان المكان؟ وما طبيعته؟ وكيف كان الأثاث فيه؟ هل كانت إضاءته طبيعية أم صناعية؟ هل كان له رائحة مميزة؟ هل سمع أية أصوات وهو في هذا اللقاء؟ وكيف كانت تلك الأصوات؟ هل كان معهما أحد؟ ومن يكون؟ ثم يبدأ في تخيل الحوار بينه وبين تلك الشخصية، ماذا قال؟ وماذا قالت؟ كيف كانت مشاعره؟ وكيف كانت انطباعات الشخصية التي يتخيلها؟

ويستمرّ في تخيل نفس الموقف كل يوم في نفس الموعد تمامًا لمدة عشرة دقائق فقط، وكلما سرح بفكره في شيء آخر، يعود لنفس النقطة التي تركها، ويصرّ على إكمال الدقائق العشر في تخيل نفس الموقف.

قد تجد هذا التمرين صعبًا إلى حد كبير جدًا؛ لكن صعوبته لن تستمر؛ بل ستجدها تنهار تدريجيًا؛ فأول يوم هو أصعب يوم في هذا التخيّل، وغالبًا ما يشعر الإنسان أنه لا يستطيع إكمال هذه الدقائق؛ لكن أكمل ولا تتوقف، وفي نهاية الأسبوع الأول ستجد نفسك قادرًا على إكمال الدقائق العشر بسهولة نوعًا ما.

العجيب في الأمر أنك ستلحظ تغيّرًا كبيرًا في تركيزك وصفاء فكرك وقدرتك على تذكّر أمور كثيرة في الحياة في حالة استمرارك على هذا التدريب لمدة شهر واحد؛ فالنتائج التي ستحصل عليها ستدفعك إلى الاستمرار في التدريب لأطول مدة ممكنة؛ فقيمة التدريب أنه يعوّد عقلك على الاستجابة إلى أوامرك؛ فيركز حين تأمره بالتركيز، وربما تجد نفسك في نهاية الأشهر الثلاثة تجلس تلقائيًا وكأنك تشاهد فيلمًا في التليفزيون، وبمجرد جلوسك تبدأ الأحداث في التواصل والعرض.

ومن تمارين تقوية التركيز كذلك أن تحاول عد الأرقام بصورة تنازلية؛ فلو بدأت بالرقم مائة، فلتجرب أن تنزل رقمين رقمين؛ فتعد: مائة، 98، 96، 94 وهكذا… ثم تحاول أن تنزل ثلاثة أرقام فثلاثة أرقام: 100، 97، 94، 91 ثم تحاول أن تزيد الرقم حتى تصل إلى النزول بتسعة أرقام فتسعة أرقام: 100، 91، 82، 73 وهكذا..

وكذلك من أهم تمارين التركيز أن تتخيل أنك تمسك بليمونة أو برتقالة، وتحاول تخيل ملمس الليمونة في يدك، وتخيل رائحتها في أنفك، وأن تتذكر مذاقها على لسانك، وتكرر على نفسك تلك التخيلات مرة بعد مرة حتى تشعر حقًا أن هناك ليمونة في يدك تستشعر رائحتها وينقبض لسانك من مذاقها الحمضي..

إن استطعت أن تدرب نفسك على تمارين التركيز هذه؛ فاعلم أنك قد اجتزت أولى خطواتك نحو عالم الذاكرة القوية، ولم يعد أمامك إلا عدة خطوات بسيطة حتى تنعم بذاكرة يتحدث عنها الناس، وتنبهر أنت من قوتها وجاهزيتها..

اكيد الموضوع منقول




تعليمية




بارك الله فيك.




مشكورة على الموضوع الرائع

الله يعطيك العافية

ننتظر جديدك

تحياتي




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.