مازال الزمن الجائر ينقص من أطراف الرقعة العربية حتى قصرها في أو اخر القرن الثامن عشرعلي العراق والشام وبلاد العرب ومصر والسودان والمغرب وفي تلك البلاد بقي النفس الأخير من أنفاس اللغة العربية يتردد في وناء وضعف ، حتى أذن الله لشمس الحضارة أنتشرق ثانية علي ربوع النيل .
كانت مصر في ذلك العهد تحت سلطان العثمانيين حكما وتحت سيطرة المماليك فعلا .وكانت الأهواء المختلفة ،والقوي المتضاربة ،والأجناس المتباينة ،تنخر في هيكل هذه الأمة البائسة .
غزا نابليون مصر سنة 1798 وليس منشأننا أن نعرض لهذه الغزوة إلا من جهتها الأدبية .فإن الجماعة العلمية التي صحبت لهذا القائد العظيم لم تصدها القلاقل والحروب عن غرس بذور الحضارة في مصر فأنشأوا مدرستي وجريدتين ومسرحا للتمثيل ،ومجمعا علميا ومكتبة ومطبعة ومعامل كيميائية ومراصد فلكية فكان صنيع هذه الجماعة أشبه بالقبس الوضاء سطع في ذلك الغهيب الذي احلولك في سماء مصر فبددها .
تاريخ الادب العربي :
أتي محمد علي وهو علي رأس الأسرة الخديوية لم يدهش بل علم ما في الغرب من حضارة وعمارة إنما أسسها العلم واكبر ما تركه الفرنسيون بمصر من آثار الصالحة والأبحاث النافعة على إضراب حالهم وقصر أحلامهم وكان في نفسه الاستبداد بحكم مصر فاخذ في تعليم المصريين فانشأ المدارس المختلفة في المدائن والقرى وساق الناس إليها قصرا واستقدم طائفة من علماء فرنسا للتدريس والتأليف كالدكتور كلوت بك مؤسس الطبية وجومار بك مدير البعثة المصرية وبعث من أنجبت تلك المدارس الى فرنسا سنة 1826 ليستفيدو ويستزيدوا. فلما عاد أولئك الطلبة اخذوا في الترجمة والتعليم ثم توالت البعوث بعد هؤلاء الى اوربا وكلهم من الازهر الشريف .
وسائل النهضة الحديثة
كان من آثار الاحتلال الفرنسي، ونزعة الاستقلال عند محمد علي ،أن أشرقت من جانب الغرب ومضات من نور المعرفة في آفاق مصر ولبنان فهبت البلاد تسير على ضوئها وتعمل على هداها تلك الومضات هي الوسائل التي تزرع بها رأس الأسرة العلوية ووراثة علي عرش مصر على ترقية الجيش وتربية الشعب من طريق غير مباشر، واهم تلك الوسائل :
المدارس :
لم يجد محمد علي فيما يعلم يومئذ بالأزهر من علماء الدين واللسان بغيته من علوم الحرب والطب والرياضة، فأنشا المدارس العلمية المختلفة وقسمها إلى ابتدائية وتجهيزية وخاصة ووصل بينها وبين أوربا يجاب العلماء منها ويبعث البعوث إليها. فلما تعددت درجاتها وتنوعت أغراضها انشأ لها إدارة خاصة في سنة 1839 سميت ديوان المدارس كانت رئاسته الأولى لمصطفي مختار بك من رجال البعثة العلمية الأولى .ومن أقوى المدارس العلمية الخاصة أثرا في النهضة العلمية والأدبية مدرسة الطب ومدرسة الألسن ومدرسة دار العلوم. فإما مدرسة الطب فأنشئت لخدمة الجيش سنة 1836 في أبى زعبل أقيم بجانبها مستشفي لتمرين الطلاب ومعالجة المرضي .
واما مدرسة الألسن فقد أنشأها محمد علي لتخريج المترجمين حين اشتدت الحاجة إليهم في ترجمة الدروس إلى الطلاب ،ونقل الكتب الغربية الى العربية وجعل إدارتها إلى المرحوم رفاعة الطهطاوي .
أما دار العلوم فقد اسسها المرحوم علي مبارك في سنة 1871م بأمر الخديوي إسماعيل ليتخصص طلابها في العلوم العربية، ويشاركوا في بعض العلوم الدينية والعقلية ،ويأخذوا بقسط من الثقافة الحديثة ،وليعلموا بعد تخرجهم فيها اللغة والدين في مدارس الحكومة ،وكان أساتذتها من نابغي شيوخ الأزهر وتلاميذها من متقدمي طلابه
الجامعة الأزهرية :
الأزهر أول جامع في القاهرة، واقدم مدرسة في مصر ،ومن اعرق الجامعات الكبرى في العالم لإقامة الشعائر الدينية وتأييد الشيعة العلوية من طريق الدين .
وظل الأزهر وحده يرسل أشعة العلم والدين إلى أنحاء العالم الإسلامي ،لا يخرج عالم إلا منه ولا ينبغ كاتب ولا شاعر إلا فيه حتى أدركته الغفوة الشرقية العامة في عهد بني عثمان فتجدد العالم وتقدم العلم وارتقى التعليم وهو جامد على حاله القديم، باق على مذهبه الموروث .
ثم قسم الأزهرالى معاهد للتعليم الابتدائي، أخر للتعليم الثانوي ،وجعل التعليم العالي فيه فروعا، فكلية للشريعة، وكلية اللغة العربية، وكلية لأصول الدين، وقد أنشئت لهذه الكليات دور خاصة منفصلة عن الأزهر .
الطباعة :
دخلت الطباعة الشرق عن طريق الأستانة 1490م علي يد عالم يهودي طبع بها مؤلفات دينية وعلمية ،ولكن الحروف العربية لم تظهرفيها الا سنة 1708م .
ومن أشهر المطابع العربية في الأستانة ((مطبعة الجوائب)) لأحمد فارس الشدياق ،طبع فيها طائفة كبيرة من عيون الكتب الآدبية .أما في البلادالعربية فكان السبق للبنان استعمال المطبعة بفضل دعاة المسيحية، فقد أسس الرهبان اللبنانيون أول مطبعة ببيروت في أوائل القرن السابع عشر .
الصحافة :
الصحف مدارس متجولة في البلدان، ليست محصورة بين جدران، ولا يختص بها مكان دون مكان. وهي أوسع دائرة للإرشاد من كل دوائر التعليم تهذب عقول العامة، وترتب أفكار الخاصة وتنهض الهمم القاعدة وتصلح الألسنة الفاسدة وتقرب الأمم المتباعدة .
وفي إسماعيل أصدر محمد علي باشا البقلي (اليعسوب) وهو مجلة طبية شهرية بمعونة الشيخ محمدالدسوقي وهي أول مجلة عربية ظهرت في العالم. وفي سنة 1866م ظهرت بمصر جريدة أدبيةعلمية وهي وادي النيل لأبي السعود أفندي، كانت تصدر مرتين في الأسبوع بالقاهرة .وفي سنة 1869 اصدر إبراهيم بك المويلجي ومحمد بك عثمان جلال جريدة ( نزهة الأفكار ) ثم صدرت الأهرام سنة 1876م وسياستها عثمانية فرنسية، ثم أصبحت بعد الحرب العالمية الأولى مصرية، والوطن سنة 1877 وهي جريدة طائفية احتلالية. وعلي مناهجها سارت جريدة مصر المحروسة وهي لصاحبها أديب إسحاق سنة 1880م.
والبحث في سياسة هذه الصحف وتحريرها وتأثيرها يخرج بنا إلي التطويل .مما لابد من ذكره أن الفضل في تقدم الصحافة ورقي التحرير والترجمة إنما كان للبنانيين، لسبقهم إلى معرفة اللغات الأوربية، وأختلاطهم للأمم الغربية .
التمثيل :
التمثيل بمعناه الحديث لم تعرفه اللغة العربية إلا في أواسط القرن الماضي .وكان اللبنانيون أسبق الشرقيين إلى اقتباسه، لتخرجهم في المدارس ودراستهم للآداب الإفرنجية. أول من فعل ذلك منهم مارون النقاش المتوفى في سنة 1855م فقط مثل أول رواية عربية سنة 1840م
لم يكن التمثيل في تلك الفترة الماضية شعبيا وإنما كان حكوميا أرستقراطيا لا يحضره إلا الأمراء والحكام فلما بني اسكندر فرح مسرحه في شارع عبد العزيز بالقاهرة وضم إليه الشيخ سلامة حجازي أصبح للجمهور. كان التمثيل حينئذ بعيدا عن الكمال والذوق لا يرجع إلى فن ولا يعتمد علي قاعدة، وانما كان أساسه الغناء والمجون استمالة للعامة وارضاء للدهماء، ولغة الروايات كانت سقيمة ملحونة مسجوعة. أول خطوة خطاها هذا الفن في سيبل الكمال كانت بفضل الفرقة التي ألفها جورج أبيض بعون الخديوي عباس حلمي، وضم اليها صفوة الفنانين الذين أخرجهم الزمن أرشدتهم التجارب .
المجامع الأدبية :
المجمع العلمي العربي بدمشق :
كان إخواننا في الجمهورية العربية السورية أسبق الأمم إلي إنشاء المجامع العلمية على مواردهم وغل سواعدهم، كما كان اللبنانيون أسبقها إلى الترجمة والصحافة والتمثيل فقد أنشئ المجمع العلمي العربي بدمشق في اليوم الثامن من شهر يونيو سنة 1916 بعد دخول الآمة السورية في وصاية الدولة الفرنسية إجابة لمقترح الأستاذ محمد كرد علي وزير المعارف السورية يومئذ لأغراض كانت إذ ذاك (( تدور حول مسائل تعود بأسرها على إنعاش الآداب العربية ،وتلقين أصول البحث والدرس لنبهاء الدارسين .
مجمع اللغة العربية بالقاهرة :
وفي 14 منشعبان سنة 1315هجرية 3 ديسمبر 1932م صدر مرسوم ملكي بإنشاء مجمع ملكي للغة العربية يكون تابعا لوزارة التربية والتعليم في القاهرة والغرض منه:
· يحافظ علىسلامة اللغة العربية وان يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون في تقدمها، ملائمة علىالعموم لحاجات الحياة في العصر الحاضر، وذلك بأن يحدد في معاجم أو تفسير خاصة، أوبغير ذلك من الطرق ما يبنغي استعماله أو تجنبه من الألفاظ والتراكيب.
· أن يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وان ينتشر أبحاثا دقيقة في تاريخ الكلمات وتغيرمدلولاتها.
جمال الدين الافغاني
حياته وأعماله :
والد السيد محمد جمال الدين بن السيد صفتر بقرية أسد آباد من أعمال كابل ببلاد الافغان في بيت كريم الاصل يجمع الى جلالة النسب الى الحسين سؤدد الإمارة على بعض الاقاليم الافغاني. ثم درج في بيئه وتأثر بطباع البداوة من حريه وحمية وأريحية وانفة.
ثم حذف في مراحل حياته وموطن رحلاته اللغات العربية والاوردية والفارسية والتركية والفرنسية والم بالإنجليزية والروسية فاتصل منها بثقافة الشرق والغرب في القدم والحديث. ثم أخذيطوف ما شاء الله أن يطوف في أقطار الهند ايران والحجاز ومصر وتركية وانجلترا وروسيا فآزداد بصراً بأحوال الدولة وأخلاق الشعوب .
ولم يبتغ من وراء هذه الصفات – كما قال – إلا سكينة القلب . وكان يحمد الله على أن آتاه من الشجاعة ما يعنيه على أن يقول ما يعتقد ويفعل ما يقول .
وقد آمن هذه الدعوة أيمانه بالله حتى رأى في سبيلها السجن رياضة والنفى سياحة والقتل شهادة، تولي الوزارة وهو في ريق شبابه لأمير محمد أعظم
وفي الآستانة استقبلة الصدر الاعظم استقبال التجله وأحله أعيان الدولة محل الكرامة. ثم عين عضواً في مجلس المعارف ،وتولي قيادة الارجاف شيخ الإسلام لحاجة في نفسه فتحلت عبقريته في التعليم والتنبيه والتوجيه. وأوفد بالزيت المقدس شعلته الوهاجة في البيت وفي القهوة .فعشا على ضوئها الهادي طلاب المعرفة وعشاق الحكمة من علماء وأدباء وساسة وقادة .
وأنتقلت الشعلة الى باريس وسطعت في ( العروة الوثقى ) وظلت السنتها ثمانية عشر شهراً تومض في جنبات الشرق كما تومض المنارة في المحيط حتي دلت على الغطيان ونمت باسرار القرصنة فآستقدمه شاه العجم واستوزره فلما أشار عليه بالشورى أشاح بوجهه عنه. واستزاره قيصر الروس واستخبره فلما نباه بحديث الشورى نفر .
نموذج من نثره :
كتب الى عبد الله باشا فكرى يعتب عليه وقد بلغة ان رجلاً ذمه أمام الخديوي على مسمع منه فسكت ولم يدافع عنه .
مولاي ان نسبتك الى هوادة في الحق وأنت – تقدست جبلتك – فطرت عليه وتخويض الغمرات اليه فقد بعت يقيني بالشك وان توهمت فيك حيدا ناص على الرشد وجوراً عن القصد وأنا موقن أنك مازلت على السداد غير مفرط فقد استبدلت عملي بالجهل. ولو قلت أنك من الذين تأخذهم لا لومة لائم وتقصدهم عن الصدق خشية ظالم وأنت تصدع به غير وان ولا ضجر ولوالب الباطل الكوارث المودية وأجرى عليك الخطوب الموبقة لكذبت نفسي وكذبني من يسمع مقالتي لأن العالم والجاهل والفطن والبي كلهم قد اجمعواعلى طهارة سبيتك ونفقاوة سريرتك واتفقوا على ان الفضائل حيث انت والحق معك اينما كنت لا تفارق المكارم ولو اضطررت وانت مجبول على الخير لا يحوم حولك شر أبداً ؛ ولاتصدر عنك نقيصة قصداً ولاتهن في قضاء حق ولا تني عن شهادة صدق – ومع ذا وهذا وذاك انك مع علمك بواقع أمري وعرفانك بسريرتي وسري أراك ما ذدت عن الحق كان واجبا عليك حمايته ولا صنت عهداً كانت عليك رعايته وكتمت الشهادة وأنت تعلم أنى ما ضمرت للخديوي ولا للمصريين شراً ولا أسررت لأحد في خفيات ضميري ضراً . وتركتني وأنياب النذل اللئيم ( فلان ) حتى نهشني نهش السبع الهرم العظام ضغينه منه على السيد إبراهيم اللقاني وإغراء من أعدائى أحزاب ( فلان ) ما هذا الظن بك ولا المعروف من رشدك وسدادك؛ ولا يطاوعني لساني – وان كان قلبي مذعناً بعظم منزلتك في الفضائل مقراً بشرف مقامك في الكمالات – أن أقول : عفا الله عما سلف إلا أن تصدع بالحق وتقيم الصدق وتظهر الشهادة إزاحة للشبهة وادحاضاً للباطل وإخزاء للشر وأهله . وأظنك قدفعلت أداء لفريضة الحق والعدل. ثم إني يامولاي أذهب الآن إلى لندن ومنها الى باريس مسلماً عليكم وداعياً لكم – والسلام عليكم وعلى أخي الفاضل البار أمين بك .
عميدهم بنظارة المعارف العمومية أبصرتهم يحبون العمل ويكرهون الكسل ويحضون على الفضيلة فعدت إلى بلادي ثم صرت أشتغل بهمة لا تعرف الملل ولا الانقطاع فكان حقا على الإنجليز أن يرفعوا عقيرتهم ويقوم خطباؤهم وشعراؤهم بالإفاضة والإسهاب في مدح مننجح في تقليدهم ومحاكاتهم في فضائلهم ممن يرحلون الى بلاههم من المصريين.
ناصيف اليازجي
نشأته وحياته :
ولد ناصيف بن عبد الله اليازجي بكفر شيما من قرى لبنان ونشا في بيت فضل وعلم وأدب. وبدأ بتعلم الهجاء على أحد القساوسة ومبادىء الطب على أبية. كان أذا وقع في يد مخطوط حفظة أو نسخة أو لخصه حتي غزرت مادته وكملت آلته وبلغ لحظة من المنثور والمنظوم .
نزل الشيخ بأهلة الى بيروت وأنقطع الى المطالعة والتاليف والتدريس ومراسلة الادباء ومساجلة الشعراء حتي منى في اعقاب عمره بفالج نصفي عطل شطره الأيسر . ثم فجع في بكر أولاده الشيخ الحبيب فضعضعت هذه الفاجعة قواة وهدت ركنه ولم يعش بعده إلا يسيراً ،
نثره وشعره :
ترسم الشيخ خطوات الحريرى وآنتهج نهجه فاولع بالبديع وآفتن في الصناعة وكلف بالغريب. وعالج المقامات فأنشأ منها ستين مقامة أجاد فيها التقليد وأتقن الاحتذاء وبلغ من الحلية اللفظية الغاية. واعجب بالمتنبي في الشعر كما أعجب بالحريري في النثر.
علمه ومؤلفاته :
آثار اليازجي تدل على مادة غزيرة في اللغة وآطلاع واسع في الادب واتقان عجيب لعلوم اللسان . فله كتاب مجمع البحرين وهو مجموع مقاماته الستين التي قلد بها الحريري. وله ( الجمانة ) ( وجوف الفراا ) وهما أطروحتان أولاهما في الصرف وأخراهما في النحو و( فصل الخطاب ) وهو مختصر في النحو والصرف (وعقد الجمان في عالم البيان) ( ونقطة الدائرة في العروض والقوافي) و ( قطب الصناعة ) في المنطق . ثم دواوين شعره وهي ( نفخة الريحان ) ( وفاكهة الندماء في مراسلة الأباء ) و ( ثالث القمرين ) . وأكثر كتبه مؤلف على نمط مدرسي ولا تزال تدرس في معظم المدارس اللبنانية المسيحية .
احمد فارس الشدياق
نشاته وحياته :
ولد هذا الكاتب اللغوى في عشقوت من أعمال لبنان من اسرة مارونية .ثم دخل مدرسة عين ورقة فتلقى مبادىء القراءة وبدأ يقرض الشعر وهو فى العاشرة من عمره .
ثم بعث به الأمريكان سنه 1834 الى مالطة ليصحح ما تخرجة مطبعتهم فيها. وأرسلت في طلبه وهو هناك جمعية التوراة بلندن ليحرر ترجمة أحمد باشا باي تونس فآتصل به الشدياق ومدحه فنفق لديه وظاهر الأمير ويتقلب في نعمة عليه وظل يكتب في الرائد التونسي ويتقلب في نعمة الباي .
وكان في سياسة الشرق مرجعاً وحجة . فسعى اليه المجد والثراء وخطب وده الأمراء والعلماء وكفأته الدولة العلية بالأقاب والأوسمة .
كان الشدياق متضلعاً من فنون الأدب متصرفاً في فنون الإنشاء من هزل ومجون ووعظ وأدب وسياسة . حافظاً لمفردات اللسان بصيراً بمذهب البيان يجيد النظم والنثر وكان أسلوبه منسجم التراكيب متساوق المعاني موفور الازدواج شديد الإطناب كثير الاستطراد ظاهر المبالغة .
مؤلفاته :
له غير الفصول التى نشرتها الجوائب في ثلاث وعشرين سنه كتب قيمة تدل على سعة اطلاعه وطول باعه . وأشهرها:
(سرالليال في القلب والإبدال) (الساق فيما هو الفارياق )(الجاسوس على القاموس) (كشف المخبا عن أوروبا) (الواسطة في أحوال مالطة)
الخطابه والخطباء
ظلت الخطابة في أول هذا العصر علىما كانت عليه في اواخر العصر العباسي لا تتعدي الجوامع والبيع ولا يقوم بها إلا فئة جاهلة ناقلة . فلما دعا داعي الثورة العرابية ظهرت الخطابه السياسية على السنة زعمائها واشهرهم السيد عبد الله نديم والشيخ محمد عبده وأديب إسحق واللقاني . ثم مرن عليها كثير من الوعاظ والأدباء وأقاموا الجامع الأسبوعية للخطايا في الأخلاق والدين والاجتماع والسياسة ولكن الخطابه لم تجعل عنها أعقاب العلة المزمنة إلا في عهد الزعيم الوطني مصطفي باشا كامل المتوفي سنه 1908 م فقد كانت له أمضى سلاح في الجهاده
عبد الله نديم
نشأته وحياته :
ولد السيد عبد الله بن مصباح بن إبراهيم في الاسكندرية ونشأ بها نشأة الاوساط فتعلم مبادى اقراءة والكتابة وحفظ القرآن في الكتاب وهو يومئذ في المدرسة الأولى لأبناء الشعب ولما ايفع داخل الاسكندرية معهد الاسكندرية في الجامعة الشيخ فأدرك قسطاً موفوراً من علوم الدين واللسان .
وأعجله طلب الرزق عن متابعة الطلب في المعهد فآنصرف عنه الى تعلم فن البرق ( التلغراف ) فتعلمة وتكسب عن طريقة حيناً من الدهر في ( تلغرافات الحكومة ) ؛ ثم فصل عن هذا العمل
فتعطى التتجارة في المدينة في المنصورة فلم تربح تجارته ولم يسلم رأس المال فعاد الى الاسكندرية
ثم الف السيد عبد الله رواية تمثيلية عنوانها ( مصر طالعة التوفيق ) ثم أخذت آراء الأفغاني تهفو بالنفوس وتعصف بالرؤوس فشغل النديم عن الجمعية والمدرسة وأنشأ جريدة ( التنكيت والتبكيت ) وهي أسبوعية كانت تلبس الجد ثوب الهزل . ثم أستبدل بها ( الطائف ) فكانت بوقاص من أبواٌ الثورةالعرابية .
ولما خبت نارها وقبض مشعولها أختفى عبد الله نديم عشر سنين قضاها متنكرا في كل زي متنقلا في كل بلد حتي قبض عليه فحبس أياما وعفا عنه الخديوي على أن يخرج من مصر الى حيث شاء . فاقام في فلسطين حقبة من الزمن عاد بعدها الى القاهرة مطلق السراح فأنشأ بها مجلة أدبية سماها ( الاستاذ ) انتشرت في مختلف ابيئات والجهات انتشاراً عجيبا أقض مضاجع الحكومة فنفته مرة أخري من البلاد .
أخلاقة ومواهبة :
كان السيد عبد الله نديم خطيبا موهوبا ذلق اللسان فصيح العبارة حاضرالبديهه سريع النكتة شديد التهكم عوضه الله من قلة العلم وضيق الاطلاع سلامة الطبع والادب وسماحة القريحة في الكتابة وغزارة البحر في الخطابة ثم تقلبت به الاحوال السياسية والاجتماعية فاتصلت أسبابه برجال الحكم وطال اختلاطة بقادة الشعب .
باغ في عمله بمخبآت الضمائر وأخذ بأعنة الكلام يصرفة في اى معنى شاء حتي قال فية السيد جمال الافغاني (( ما رأيت طول حياتي مثل عبد الله نديم توقد الذهن وصفاء القريحة وشدة العارضة ووضوح الدليل ووضوع اللفاظ وضعاص محكما بإزاء معانيها أذاخطب أو كتب))
مصطفي كامل
نشأته وحياته :
ولد زعيم النهضة المصرية وموقظ الروح الوطنية مصطفي كامل بالقاهرة سنة 1874 في بيت اشتهر بكرم الصلة وعفة النفس وصحة الدين ثم تلقى دروس الابتدائية والثانوية المصرية ثم دخل مدرسة الحقوق فنال إجازتها وسنه لم يتجاوز التاسعة عشر .
وداخل رجال السياسة في فرنسا وانجلترا ويستمد منه التوجيه والعون ومن هؤلاء امه الروحية السيدة جوليت ادم الفرنسية التي يقول لها في بعضرسائلة ( انني لا ازال صغيراً ولكن لى املاً كبيراً . أريد أن أوقظ في مصر الشيخة .
الشعر
لم ينل من عناية الأمراء العلويين ما نال العلم – على ندرته – كما كان العصر الماضي بسير التقليد والصنعة .ثم أدركته من الهبة العامة في عهد الخديوي إسماعيل فتردد ذكره على ألسنة شعرائه وندمائه .وكان البارودي أول من أقم عمود الشعر وجدد دارس القريض ،فترسم خطي الفحول من شعراء العباسيين وحكاه الناشئون من شعراء العصر ،ونشاط الحركة العلمية. وقصدوا إلى اقتناه النفوس وتحليل الأشخاص ،وتعليل الأشياء ،ومناجاة الطبيعة .
ومما يملأ النفس أسفا ودهشة أن شعراء اليوم منوا بالجمود والأذهان ثائرة وأصيبوا بالإصغاء واسباب القول وافرة فالشعب فاتر الشعور ثائر الفكر يجاهد في سبيل وجوده وحريته بدمه وماله وهم قاعدون تحت الجدر يتثاءمون
ويتمطون على دفء الشمس تاركين الجيش من غير موسيقى ،اللهم إلا صدحات
من أمير الشعراء شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم ،
أحمد شوقي
نشأته وحياته :
ولد احمد شوقي ابن احمد شوقي بالقاهرة ونشأ بها .أما أصله فقد سمع أباه يرده الى الأكراد فالعرب ويقول إن والده قد قدم الى هذه الديار يافعا يحمل وصاة من احمد باشا الجزار إلى والى مصر محمد على باشا فأدخله في معينة ،وظل يتقلب في المناصب السامية حتى أقامه سعيد باشا أمينا للجمارك المصرية وظل يتدرج في المناصب حتى تولي رياسة القلم الإفرنجي في عهد الخديوي عباس الثاني ونفق لدى هذا الأمير حتى كانت شفاعته عند ذوي الحكمة لا ترد واشارته لا تخالف ولما شبت الحرب العالمية الأولى خلعت إنجلترا بقوة الاحتلال الخديوي عن عرش مصر ورأى أولوا الأمر يومئذ أن يغادر احمد شوقي البلاد، فاختار برشلونة من أعمال أسبانيا مقرا له ولأسرته ولم يعد إلى مصر إلا بعد أن عاد السلام إلى العالم. ولكن صلته الوثيقة بالنظام القديم، ومدائحه المروية في الخديوي المنفي ما زالت توهي بينه وبين القصرأسباب الثقة والتقريب .
شوقي الشاعر :
يكاد النقاد يجمعون على أن احمد شوقي كان تعويضا عادلا عن عشرة قرون خلعت من تاريخ العرب بعد المتنبي لم يظهر فيها شاعرموهوب يصل ما انقطع من وحي الشعر ،ويجدد ما اندرس من نهج الأدب .
كان شوقي ينقل شعره عن طبع دقيق ،وحس صادق وذوق سليم ،ورح قوي ، وهو كالمتنبي في أنه تصرف بين الناس فلابس أوليائهم وخالط دهمائهم حتى عرف كيف يصف طبائعهم ويصور منازعهم .وهومثله في إرسال البيت النادر ،والمثل السائر ،والحكمة العالية .
وشوقي محافظ في دينه ولغته وفنه ،يكثر التردد لأسماء الأنبياء والخلفاء والكتب المنزلة، والأماكن المقدسة ويؤثر النسج على منوال الفحول من شعراء بني العباس ،والنظم في البحور الطويلة .
ثم عالج شوقي الشعر التمثيلي ،فنظم رواياته المعروفة ،مصرع كليوباترا ومجنون ليلى ،وقمبيز ،وعلي الكبير ،والست هدى فكان بهذا التجديد الشاعرالعربي الكامل ،وقد جمع شعره في ديوان يقع في أربع أجزاء .وله غيره في الشعر كتاب (عظماء الاسلام ) ولشوقي نثر مسجوع لا يختلف عن الشعر إلا في الوزن ،جمع طائفة كبيرة منه في كتاب اسمه (أسواق الذهب).
الخاتمة
فتحت في القاهرة مدرسة الألسن ودار الترجمة أقيمت المطبعة المصرية على أنقاض المطبعة الأهلية التي جاء بهاالفرنسيون إلى مصر وذهبت بذهابهم ،أنشئت الوقائع المصرية وهي أول صحيفة عربية في الشرق فكان ذلك وقودا جزلا للقبس الذي أقامه نابليون في مصر ونفخ فيه محمد علي فذكا واشتعل وامتد لهيبة إلى بلاد الشام والي سائر بلاد العرب ومشي علي نفس الدرب الأميربشير الشهابي في لبنان أعانه على ذلك النصرانية من الأمريكان والفرنسيين بإنشائهم المطابع والمدارس وتأليف الكتب وإصدارهم المجلات وتعليمهم التمثيل واعتمادهم في كل اؤلئك على اللغة العربية حتى تخرج في معاهدهم صفوة الكتاب والشعراء والمترجمون الصحفيين من أهل لبنان .
فلما جلس إسماعيل على أريكة الخديوي سنة 1863 م فتح مااغلق من معاهد وزاد عليها .فالنشا المدارس للعلوم والطب والحرب ،وعاز إلى إرسال البعوث إلى فوربا أسس نظارة المعارف وعهد إليها أمر التعليم ،وأنشأ المكتبة الخديوية وبني مدرسة المعلمين وبسط يده للمؤلفين ونشر ألوية المدينة والسكينة علي ربوع البلاد.
ثم دهانا الاحتلال الإنجليزي سنة 1882 وكل شيء يتحفز للنهوض ويتوث بإلى الرقي فكأنما ألقيت الماء علي النار ،أغلقوا البعوث والمدارس أبطلوا المجانية أهملوا اللغة العربية وجعلوا التعليم كله بالإنجليزية وقصروه على تخريج عمال للحكومة لا لإعداد رجال للشعب ولكن الأمة المصرية استطاعت أن تقف علي رجليها فهب رجالها يطلبون سيادة لغتهم في بلادهم ويقومون هم بتعليم أولادهم فعادت اللغة الى المدارس ورجعت البعوث إلى اروبا