التصنيفات
الشعر والنثر

أشد من الماء حزنا

أشدُّ من الماء حزناً

تغربت في دهشة الموت عن هذه اليابسه

أشدُّ من الماء حزناً

وأعتى من الريح توقاً إلى لحظة ناعسه

وحيداً. ومزدحما بالملايين،

خلف شبابيكها الدامسه..

*

تغرٌبت منك. لتمكث في الأرض.

أنت ستمكث

(لم ينفع الناس.. لم تنفع الأرض)

لكن ستمكث أنت،

ولا شيء في الأرض، لاشيء فيها سواك،

وما ظل من شظف الوقت،

بعد انحسار مواسمها البائسه..

*

ولدت ومهدك أرض الديانات،

مهد الديانات أرضك،

مهدك. لحدك.

لكن ستمكث في الأرض. تلفحك الريح طلعا

علي شجر الله. روحك يسكن طيرا

يهاجر صيفا ليرجع قبل الشتاء بموتي جديدي..

وتعطيك قنبلة الغاز إيقاع رقصتك القادمه

لتنهض في اللحظة الحاسمه

أشد من الماء حزنا

وأقوى من الخاتمه..

*

لك المنشدون القدامى. لك البيد. لاسمك

سر الفتوحات. لاسمك جمر الهواجس تحت

الرماد.. وأنت افتتحت العصور الحديثة بالحلم.

كابدت علم النجوم وفن الحدائق

وأتقنت فقه الحرائق

وداعبت موتك: حرى جهاز التنفس،

للدورة الدموية ماتشتهي.

وأيقنت أنك بدء.. ولا ينتهي

ولاينتهي.. ويضيق عليك الخناق ولاينتهي

وتتٌسع الثغرات الجديدة في السقف

جدران بيتك تحفظ عن ظهر قلب

وجوه القذائف

وأنت بباب المشيئة واقف

وصوتك نازف. وصمتك نازف

تلم الرصاص من الصور العائليه

وتتبع مسرى الصواريخ في لحم أشيائك المنزليه

وتحصي ثقوب شظايا القنابل

في جسد الطفلة النائمه

وتلثم شمع أصابعهما الناعمه

على طرف النعش،

كيف تصوغ جنون المراثي؟

وكيف تلم مواعيد قتلاك في طرق الوطن الغائمه؟

وتحضن جثة طفلتك النائمه؟

*

أشد من الماء حزنا

وأوضح من شمس تموز. لكنٌ نضج السنابل

يختار ميعاده بعد عقم الفصول.

إذن فالتمس في وكالة غوثك شيئا من الخبز.

وانس الإدام قليلا.. تحر التقاويم: يوما فيوما.

وشهرا فشهرا. وعاما فعاما. تحر المناخ المفاجيء،

قبل انفجار ندائك. أنت المنادي وأنت المنادي

وأنت اشتعلت. انطفأت.. ابتدأت.

انكفأت.. وأنت اكتشفت البلاد.. وأنت

فقدت البلادا!

أشد من الماء حزنا.

*

يؤجٌلك الموت . تمسح جسمك بالزيت كاهنة

كرٌستٍها العصور لأجلك أنت. لأجلك تولد

في البحر والبر عاصفة لا تسمى

وتزحف في جسد الأرض حمى

لينهض فيك كسيحاً. ويبصر أعمي

وحولك ما خلق الله من كائنات غرائب

ومن يصنعون العجائب

لهم ٍ قصب السبق دون سباقي. لهم ما تتيح المقاعد

للمقعدين. لهم جنة رحبة في الزحام الفقير وفي ورد

مستنقعات الأزقٌة. تحت صفيح الأنيميا وبين

خيام التخلف والجهل. في رقة القمع. هم نخبة

الرق. أسياد زوجاتهم في المحافل. زوجات أسيادهم

في القرار الصغير الصغير

لهم ما يتيح الجلوس المدرب. ساقا علي الساق.

كفا علي الخد. تحت حزام المدير

وتحت حذاء معالي الوزير

لهم قوتهم دون كد. وميراثهم دون جد وجد.

لهم أن يكونوا العقارب في القيظ،

أو أن يكونوا الأرانب في الزمهرير.

لهم زغب القاصرات وريش النعام الوثير

وأوقاتهم من حديد. وأعباؤهم من حرير

وأنت على ملتقى الليل بالفجر. والبحر بالبر

والجهر بالسر. تقتح باب السؤال الكبير

وتغلق باب الجواب الأخير

أشد من الماء حزنا

أشد من الماء والرمل حزنا.

*

تصلي كثيرا

تصلي طويلا

تصلي

وفي موعد النجمة الضائعه

يضيع نداء المؤذن في جلبة السير،

يعلق غيم الدخان بجلبابه. ويعود إلي البيت،

مختنقا. حانقا من زحام الخلائق. تحتج

زوجته الرابعه

‘غسلت ثيابك فجرا. وها أنت ترجع

متسخا بالسناج.. ترفق قليلا. ترفق

بخادمة المنزل الطائعه’!

تصلٌي

ويسقط رأس الموظف فوق ملفاته ميتا.

خانه قلبه. والمرتٌب خان العيال. وخان

المدير الأمانه

وخانت جيوب الرئيس جيوب الخيانه

ودارت. ودارت.. ودارت على نفسها الأسطوانه

تنح إذن. أو تفجر كما ينبغي. لا صراط هناك

ولا مستقيم هنا.. شاهدى أنت.. لكنٍ لمن سوف

تشهد؟ أية محكمة لم تطأها الرشاوي؟ وأي

القضاة البريء؟

تنح تفجر. تنح. تفجر. تفجر. لعل انفجارا

يضيء

وكل انطفاء مسيء مسيء

وكل سكوتي كلامى بذيء!

*

هنا أنت. حولك هذا الجدار الكثيف

وهذا الهمود الكفيف وهذا الخمود المخيف

وحول جنونك تقعي الملايين حول الملايين.

فوق الملايين. تحت الملايين. تمضي إلي الذبح. قطعان ماعز

وتولد للذبح قطعان ماعز

ويعلو بكاء الرجال الرجال،

ويوغل صمت النساء النساء

وفوق صراخ القبور وتحت أنين العجائز

شعوب مسمنة للولائم في العيد

من عاش يخسر سر الحياة

ومن مات بات علي الموت حرا وحيا

وما كان بالأمس عارا محالا

هو اليوم شأن صغير وجائز

فحاذر. وحاذر

زمانك وغدى وغادر

تنح. وغادر

‘إلي حيث ألقت..’

فلا الأهل أهلى. ولا الدار دارى. ولا أنت أنت..

وما من أواصر

تدور عليك الدوائر

عليك تدور الدوائر

وما من بشير ولا من بشائر

تنح. وغادر

‘إلى حيث ألقت..’

أشد من الماء حزنا.

*

يطول ارتباك المؤرخ في الدغل. أقنعة

تستبيح أدق التفاصيل. فوضى تحيل

طقوسا مرتبة للصدف

وبضع ضباع تحيط بمائدة الطيبات

مناديلها البيض تحضن أعناقها المشعرات.

ضباع تمد سكاكينها وتشرع شوكاتها للطعام الشهي.

وقد أتخمتها بقايا الجيف

ضباع. ضيوف الشرف

ضباع. لماذا أواني الخزف؟

وهذا الترف؟

لماذا؟

*

وتعقد محكمة العدل ظلما. على باب محكمة الأمن غدرا

سواسية أنت والماثلون أمام القضاء بتهمتك

الأزلية. أنت وجلادك الأزلي سواسية.

عند محكمة العدل والأمن. يغفي القضاة على ريش

رشواتهم. ومحامي الدفاع شريك محامي النيابة

في صفقات السياحة والنقل. فانس الشهود.

شهادتهم لا تجوز. هم الصم والبكم والخرس. أقوالهم

لا تقال. شهادتهم لا تجوز

فكيف تفوز؟ وذنبك باسم العدالة واضح

وجرم العدالة دونك.. فاضح

فكيف تفوز؟ وكيف تفوز

ومن سيفك الرموز؟

*

جباه مبقعة بالسجود القديم لفرعون واللات

لا للإله الذي أنت تعبد! لا تصغ للقول: إن البلاد العراق

وإن العراق

بلاد النفاق

مياه المحيط نفاق ورمل الصحاري نفاق

وماء الخليج نفاق. ونفط العروق النفاق

وزرع البلاد وضرع البلاد

لماذا؟ لماذا العراق

وانت ونخل العراق

أشد من الماء حزنا

أشد من الماء والرمل حزنا

أشد من الماء والرمل والنخل حزنا.

*

من الماء كانت هموم السحاب

ومن سمك القرش كانت هموم ‘قريش’

وكنت من الماء أنت

ومن سمك القرش كنت

تمهل قليلا. تمهل كثيرا. تمهل

همومك أولها ما احتملت

وآخرها ما جهلت

تمهل.

*

ومن أرض بابل تمضي إلى أرض بابل

وحيدا تشيد أبراج حزنك في برج بابل

وتخرج منك القبائل

وتعبر فيك القوافل

محملة باليتامى.. ومثقلة بالأرامل

وحيدا بعريك تحت السماء البعيده

وحيدا. كثير الأبوات،

لكنٍ لأم وحيده

لهاجر ضائعة في الرمال

مشردة عن حقول السنابل

ونبض الجداول

أشد من الماء والرمل حزنا.

*

على ظهرك الآن ترقد. بين الحياة القليلةً

والموت يأسا.

يطلٌ من السقف ‘فاوست’ القديم. ويسخر منك.

‘تبيع كما شئت. أولا تبيع كما شاء شيطانك الذهبي.

وفرصتك الذهبية.. لا.. لن تكون الأخيرة.

سوق هي الأرض والناس لا تشتري أو تبيع

سوى سقط أرواحها.. ولديها شياطينها المنتقاة

علي كيفها!’.. ويقهقه ‘فاوست’ الخبيث.

يقهقه مزدريا ما تحب ومحتقرا ما تخاف

ومستمتعا بانهيار الضعاف

ومنتظرا خصب أيامه المقبلات علي عربات الجفاف

وأنت علي ظهرك الآن.. ما بين بين

من الأين توغل في ألف أين

*

وها أنت خلف الزجاج المصفح. مقهاك سيارة

الليموزين الوحيدة. سافر إذن في عروقك.

واتبع دخان سجائرك الفاخره

ولا تتبع الطرق الظاهره

قناع وراء قناع

تحاصر أوجه أحوالك الخاسره

وأسراب نمل تحاصر

أشجارك الخاسره

وأحلامك الخاسره

وليل سميك يحاصر أقمارك الخاسره

وأيامك الخاسره

وحزن أشد من الليل ليلا

يحاصر قهوتك الفاتره

وأنت.. أشد من النمل حزنا

أشد من الليل حزنا

أشد من الماء والحزن حزنا..

*




لغيرك أن يتلهى بسخف التفاصيل.. حسبك أنت اكتمال

الفجيعة. جيماً من الجهل.. جيماً من الجبن. جيماً

من الجوع. تختصر الأبجديه

وتهوي النيازك في ساحة البيتً. تحفر في مسكب الورد

قبرا. وتهتز جدران بيتك خوفا. وتحضن ما

ظل من صور عائليه

وما ظل من قسمات الهويه

لغيرك ما يتراءى على شرفة الأكاديميا ومختبر البحث

والمقعد الجامعي الوثير

وتبقى أخيرا. مع اللحظات الأخيرة. من بعض عمر قصير

أمام التفاصيل. خلف التفاصيل.. تبقي أخيرا وتبقي

بعيدا،

ويبقي..

ملاك مريض يلوب علي سطح بيتك. من وسلوي على نار سيناء. هذا الشٌواء اللذيذ امتحانك. فامضغ

إذا شئت زهدك. وانس القرابين. كل عرائسك

الفاتناتً طعامى لأسماك قرش. فلا النيل يطلب

لحم العذاري. ولا الخصب رهن ابتهالاتك الخاويه

هنا حجر الزاويه

وأنت تلوب ملاكا مريضا على باب شعبك

والريح باردة قاسيه

ولا كلب ينبح

لا باب يفتح

لا إنس. لا جن. القلب يمنح راحة رحمته الحانيه

وأنت غريب هنا. ووحيد هناك

أشد من الماء حزنا.

*

تفقد مع البرق أطراف جسمك. وانهضٍ.. عسيرى نهوض

البراكين بعد الخمود الممل.. عسيرى نهوض الضحايا

ولا تنتظر جسدا في خداع المرايا

ووهم المرايا

تفقد شرايين قلبك

وأرجاء رعبك

وحطم سراب المرايا

وغادر مع البرق أطلال حبك

حزينا. حزينا. أشد من الحزن حزنا.

*

لك الثائرون علي ساعة لاتدور. لك الشهداء.

احترس من هواة الكلام المنمق. حاذر

مراثي الصياغات بالضوء والصوت واللون.

حاذر طقوس البلاغة رقصا علي الدم. أنت تغربت

عن جوقة السيرك. لم يغوك السير فوق الحبال

ولا قفزة البهلوان

وأنت تغرب فيك الزمان

وأنت تغرب عنك المكان

وآب الطغاة

وغاب الحواة

لتمكث وحدك في ساحة الأفعوان

مليكا بلا صولجان

وطفلا.. ولا والدان

وحيدا.. غريبا.. حزينا

أشد من الماء حزنا.

*

لًمن علب الأدويه؟

لمنٍ سترة الصوف والأغطيه؟

لمنٍ هاتف الأمبولانس؟ وعنوان عائلة

الصيدلي المناوب؟ أنت تناور نأي

المدي ودنو الأجل!

لماذا؟ وكيف؟ وأين؟ وهل!

دع الأحجيه

وأسئلة القلق المزريه

فما أبدى في أزل

وألف نبي وصل

وقبلك ألف نبي رحل

أشد من الماء حزنا

أشد من الحزن حزنا

أشد من الموت حزنا.

ہ

فراشة روحك تخفق مبهورة بالرحيقي الشهي

علي فمك الأرجواني.. سيارة تسبق الضوء

في الشارع العام. تضرب عصفورة. يتناثر

في الريح ريش الأغاني القديمةً. فيلم قديم

على شاشة التلفزيون. ‘فاتن’ تخفق مثل

الفراشة بين ذراعي ‘فريد’ وأنت مريض

بما يحدث الآن.. أنت مريض. فراشة روحك

تخفق. رفٌ العصافير يخفق. قلبك مازال

يخفق. ما يحدث الآن موتى سريع يمر ببطء.

وقلبك يخفق بين العصافير والريح. ما يحدث الآن

لا يحدث الآن. عرض جديد لفيلمي قديم على شاشة

القلب. يعرض قبل حليب فطورك. فيلم قديم. وأنت

مريض. وأنت حزين

أشد من الماء حزنا.

*

تبوح لفرشاة أسنانك المرهقه

بأسرار عزلتك المطبقه

وتكتب بالمشط شيئا علي صفحات البخار.

تراك تدون فوق المرايا وصيتك المقلقه؟

أتغسل جسمك أم أنت تغسل روحك؟

حمامك اليوم طقس غريب. وروبك

يلقي عليك بنظرته المشفقه

وتزلق بين الأصابع صابونه اليأس.. ينهمر

الماء دون انقطاع علي ظهرك المنحني بالهموم

وتطبق جدران حمامك الضيقه

أتغسل جسمك. أم أنت تغسل روحك؟

وتفتح فيها جروحك

وترسم في رغوة الموت عمرا يضيق،

وترسم فوق البخار ضريحك؟

وينهمر الماء دون انقطاعي.

وأنت. أشد من الماء حزنا.

*

أتعرف؟ أخطأت حين قرأت الحياة بحبك

وأخطأت حين رأيت الوجود بقلبك

ولا. لا تقل لي ‘البصيرة’. للمرء عينان

والقلب واحد

فكيف تجيد حساب المواجد؟

وكيف تحب كما ينبغي أن تحب؟ ومن لا يري يتعثر

في تعتعات الرؤى وشعاب المقاصد

فجاهد. كما ينبغي أن تجاهد!

تأمٌل بعينين مفتوحتين وقلبي بصير.

تأمٌلٍ. وكابًدٍ!

كما ينبغي. لا تكرر حماقة! ‘سيزيف’. قف

في أعالي العذاب. تأمل. وراجع

وطالع. وتابع.

وشاهد!

وصارع.

حزينا. قويا كصمت المعابد

حزينا. أشد من الماء حزنا.

على الدرج اللولبيٌ غبار يغطي الرخام

المؤدي إلي باحة البرج. صمت الغبار

الكثيف دليل: هنا غربة الروح عن جسمها.

لم تطأ قدم من زماني بعيد مداخل هذا المكان

البعيد

ويا أيهذا المليك السعيد

لبؤسك آثار طيري علي قمة البرج. كيف

تقمصت هذا الغراب الوحيد؟

وها أنت يا أيهذا الغراب الوحيد الوحيد

سرقت لمنقارك الكهل تفاحة من غبار

وأنثاك ترقد في قرنة من صدوع الجدار

تئن معذبة والهه

وتشكو لقرنتها التافهه

وما من عطوري. ولا من بخوري. ولا فاكهه

وهذا الغبار

يقيم الظلام

دليلا: هنا غربة الروح عن جسمها

ومرساك ليلا علي صخرة في خليج الزمان

ومرسي الطلول على وشمها

أشد من الماء حزنا

ومن وحشةً السنديان..

*

ويروي الرواة: نشرت قميصك شمسا علي القطب

راقبت ذعر الثعالب والفقمات. ورعبك

في حضرة الدىب. لكن تجاهلت. أنت تجاهلت

صدٍع الجليد وما يفعل الطقس بالطقسً.. أنت تجاهلت

يأس الأوزون وطيش دخان المصانع. هل تستغيث؟

بمن تستغيث. وشمس قميصك تعلو. وتهوي جبال الجليدً

وتعلو مياه البحار

ويعلو علي المد مد الهلاك

وينأى جناح الملاك

وتدنو رياح الدمار

وأنت علي قمةً الأرض تقبع

لا نوح يشفع

لا فلك ينفع

لا غصن زيتونة في المدار

وأنت علي قمة الموت تذوي

وتطوي القميص على محنة القطب. تطوي

وتهوي

غريبا.. حزينا.

أشد من الماء حزنا.

*

يشاؤك صمتك: وعدا

يشاؤك صوتك: رعدا

يشاؤك وجهك: نورا

يشاؤك روحك: ليلا

يشاؤك ورد الحديقة: طلعا

يشاؤك كهف الجبال: صديقا

يشاؤك سخط البراكين: صنوا

يشاؤك قلبك: سهلا

تشاؤك زيتونة الدهر: حلما

يشاؤك صخر التلال: رفيقا

تشاؤك سنبلة الحب: حقلا

يشاؤك قلب التراب: شهيدا

يشاؤك أهلك: عيدا

وماذا تشاء سوى ضجعةً الموت حرا طليقا

حزينا. أشد من الموت حزنا

أشد من الماء والموت حزنا؟

*

هناك. على سطح ليلاك قناصة معجبون بليلاك

لكنهم يرقبون قدومك في موعد الحب والقنص

(business before pleasure)

وهم معجبون بجبهتك العاليه

مناظيرهم تترصٌد. حمي بنادقهم تتوعد. توق

أصابعهم يتنهد. في لهفة الصلية التاليه

وأنت تلوب عليها

وترفع عينيك كفي صلاة إليها

من الحاجز العسكري القريب

وينقذك الحاجز العسكري وألفاظ حراسه النابيه

وأغلاله القاسيه

من اللحظةً الداميه

يؤجلك الموت. لكن لموتي جديدي على موعد الحب

والقنص.. في فرصة ثانيه

وتبقي على الحاجز العسكري. سجينا حزينا

أشد من السجن حزنا

أشد من السجن والماء حزنا.

*

دع الرقم حرا طليقا. يفيض وينمو علي خانة الصفر.

لاتمتحن دورة الأرض من بادئ البدء. من خانة

الصفر. للكون أرقامه، والمدار

يفضل حسن الجوار

إذن. فاقترب من فضاء تجوب مغاليقه السفن الآهله

برواد لغز الوجود وأسراره الهائله

وبارك ملائكة الإنس والجن.. بارك

مدينة أشواقك الفاضله

وصادق تضاريس أرقامك القاحله

لعل شفيعا من الورد ينمو عليها

وحلما قديما يعود إليها

ضعً الرقم والحلم بين يديها

وغادر هواجسك الآفله؟

وأنت تموت وتذكر

كانت بلادى. وكانت قباب. وكانت قناطر

وكانت خيول. وكانت صبايا.. وكانت بيادر

تموت وتذكر

مرت جيوش. ومرت نعوش. وذابت نقوش

وغابت أواصره

وتذكر. تذكر. فصلا عجيبا

وتذكر. ليس شتاء

وليس ربيعا

ولا هو صيف

وليس خريفا

وما من شروقي. وما من غروبي

وما من وجوهي. وما من كلام

وما من ضياء، وما من ظلام

وتسأل: هل كان ذاك سلام الحروب؟

وهل تلك كانت حروب السلام؟

وتسأل كيف تموت وتذكر

طفلا عجوزا

وشيخا طفولته لم تغادر

عذاب القباب وصمت المقابر

وأنت علي الصبر صابر

وحيدا حزينا.

أشد من الماء حزنا.

*

مفاتيح بيتك أرهقها اللغز.. مفتاح قلبك: هل

يعرف الحب حقا؟ ألم يقتل الحزن حبك؟ ماذا

تكون كراهية المتعبين الذين أحبهم الظلم؟ ماذا

يكون إذن مطهر النار؟ ماذا تقول مفاتيح بيتك

هذا المهدد بالهدم، تحت كراهية الظالمين الذين

أحبهم الحب؟ كيف نحب إذن مبغضينا؟¬

تقول مفاتيح بيتك يصمت مفتاح قلبك: هل

أعرف الحب؟!

تبكي عذابا وخوفا: أحب المحبين حقا ولا أكره المبغضين

أعني إلهي! أعني علي محنة المؤمنين

أعني على لعنة العاشقين

أحب المحبين حقا. ولا أكراه المبغضين

أعني إلهي. أعني علي

وأطلق لساني. وحرر يدي

وحرر مفاتيح بيتي

ومفتاح قلبي

أغثني إلهي. أغثني ضعيفا. أغثني قويا

أغثني حزينا.

أشد من الماء حزنا.

*

بك استأنست نخلة الشغف العاليه

وزيتونه في المدى باقيه

ورشت عليك نساء الزمان

أرز الأغاني

وورد الخصوبة والعافية

وأم طموحك حشد الإرادات

واخضوضرت باسمك الباديه

فماذا عليك إذا غار رمل السراب

من الماء في البركة الصافيه؟

أتحزن؟ والشمس مصباح روحك

في عتمة العتمة الطاغيه

وشمس المسوخ شحوب ضئيل

تنوس شرارته الكابيه..

أتحزن؟ ليس لك الحزن. فاحزن

لأنك تحزن.. واعبر إلي الضفة الثانيه!

لك الآن أن تتحرر منك وتنجو منك

وتغرب عنك. لك الآن أن تستحم بعيدا

وأن تستجم بعيدا وأن تلفظ الزحمة الخانقه

إلى لحظة واثقه

علي شاطئ السخط. تجلس منحني الظل. تشرب

ماء المحيط بمصاصة الكوكا كولا. وتشرب ماء

الخليجً. وتشرب رمل الصحاري. وحيدا غريبا.. علي

شاطئ الخلق. إلا من الحزن والنفط والكوكا كولا!

تمر بك السحب الماطره

وترفع أنظارها عنك.. تحبس أمطارها عن بذور

الشياطين في أرضك الكافره

وتنهض فيك الزلازل. أنت هو الكهف. أهلك

عادوا نياما إليك. تحاصرك السرنمات. وتغفي

الزلازل. مقياس ‘ريختر’ يسقط في لحظة حائره

على الحد. بين خمود البراكين فيك. وبين شرايينك الثائره

على الحد.. مابين حزني وحزني

أشد من الماء حزنا..

وهذا قميصك رايتك المتربه

وغيمتك الطيبه

وتعرف كل المشاجب ياقة حسرته المتعبه

وتعرف أسراره المرعبه.

قميصك؟ أم جلدك الحي؟.. هذا المعلق

بين السماوات والأرض؟ تلك عروقك أم

هي خيطانه المجدبه؟

قميصك أم جلدك الحي؟… سيان. أدخلك الله

في التجربه!

وأدخلك الله في التجربه!

وطوق النجاة قريب بعيد

وأنت شريد طريد

وربطة عنقك أنشوطة المشنقه

وكل القضاة أدانوك. فالجأ إلي حكم

أفكارك المسبقه

ومتراس خانتك الضيقه!

وحيدا.. حزينا. تسافر في رحلة نادره

وتسقط طائرة في الهزيع الأخير من الليل

ركٌابها يسلمون جميعا وينجو من الموت طاقمها.. أنت وحدك

موتا تموت. نجوم الملائكة البيض حولك

مشفقة. تستغيث بها. لا ترد وتمضي إلي شأنها.

تتساءل في سر موتك: لكن لماذا أنا دون غيري

أموت؟ وتهمس أعماقك الخاسره:

لأنك شخص غريب علي هذه الطائره

ولم تعرف الطائره

ولم تصنع الطائره

وما أنت فيها ولست عليها،

سوي ذرة في المدى عابره..

لأنك شيء بلا آصره

بعيد.. على مقربه

وأدخلك الله في التجربه

وحيدا حزينا

*

يقول صغار الرواة: أصابتك بالعين نورية تائهه

وتروي الأساطير أنك أقلقت قيلولة الآلهه

وأغضبت حاكمك العسكري

وأنت صبي

بصرخةً حريةً تافهه

يقول الرواة وتروي الأساطير.. أصغ ولا تصغ.

كلٌ الممرات تفضي إلي البيت. والبيت يفضي إلي السجن .

والسجن يفضي إلي القبر. لكن نورية الباب

عمياء، كيف تصيبك بالعين؟ والباب ظل كما كان

من قبل أن تقرع الباب. ظل حجابا يجب السماء عن

الأرض لا. لا تصدق كلام الرواة ولا ما تقول

الأساطير. أنت ولدت من الحزن. في الحزن للحزن.

أنت ولدت لتمكث في الأرض. لكن لتمكث فيها قتيلا

حزينا أشد من الحزن حزنا

أشد من الماء حزنا..

أشد من الرمل حزنا

أشد من النخل حزنا

وأدخلك الله في التجربه

أشد من الموت حزنا

أشد من الحزن حزنا

وأدخلك الله في التجربه

أشد من الرمل والنخل والحزن والموت حزنا

بعيدا.. على مقربه

وأدخلك الله في التجربه

أشد من الماء حزنا

أشد من الماء حزنا

أشد من الماء حزنا

أشد من ال…………..




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.