كما وعدتكم :
إناللاشعور مرفوض من الناحية المنطقية على اساس اننا لا نستطيع أن نجمع بينمتناقضين ، عقل لا يعقل ، و نفس لا تشعر، إضافة الى ذلك أننا لا يمكنالبرهنة على اللاشعور بالحواس لأنه نفسي و لا بالعقل لأنه لا شعوري ، فليسمن المعقول أن نبرهن على شيئ و نحن لا نشعر به ، و ذهب البعض الى القول (كلما هو فكري واقعي و كل ما هو واقعي فكري )، و هذا يعني أن اللاشعور مادامغير فكري فهو غير واقعي ( إن
الروح أو الفكر تستطيع تأمل أشياء كثيرة في آن واحد والمثابرة في تفكيرها
وبتأمل أفكارها كلما أرادت ذلك، والشعور من ثمة بكل واحدة منها) حيث يرى
بأن ما هو عقلي هو بالأساس شعوري، ورفض إمكانية قبول وجود عمليات عقلية
غير مشعور بها أي لا واعية مادامت كلمة عقلي تعني شعوري فلا يمكن أن يكون
هذا عقلي ولا نشعر به، وقد أخذ بهذا الرأي كل من هوسرل وجون بول سارتر(الحياة النفسية عنده مستويين نفسي وفيزيولوجي) حيث
نجد هوسرل يقول في كتابه (تأملات ديكارتية))كل
شعور هو شعور بموضوع ما أو شيء من الأشياء بحيث لا يبقى هناك فاصل بين
الذات والموضوع).وقد اعتبر ابن سينا أن أساس إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان كما يقول(إذا تجرد
عن تفكيره في كل شيء من المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلا
يمكن أن يتجرد عن تفكيره في أنه موجود وأنه يستطيع أن يفكر)،ومعنى هذا أن
الشعور يعتبر أساسا لتفسير وتحديد العالم الخارجي نظرا لما يتضمن من
عمليات عقلية متعددة ومتكاملة .
إن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته و أحاسيسه بنفسه إذ لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية .
إن هذا الرأي أثار اعتراضا لدى الكثير من الفلاسفة وعلى رأسهم :فرويد،فرينك لايبنتز، وهذا الأخير يقول)إنني
أوافق أن الروح تفكر دوما ولكن لا أوافق أنها تشعر دوما بأفكارها).كذلك
كيف نفسر بعض السلوكات التي تصدر من الإنسان ولا يعي أسبابها ولا يمكننا إدراجها في ساحة الشعور لأننا لا نشعر بها :كأن تجد نفسك سعيدا أو حزينا دون أن تملك سبب حقيقي لذلك …
وإذا كانت الحواس غير قادرة على استيعاب العالم الخارجي
فالشعور كذلك لا يمكنه احتلال ساحة النفس وحده.
وعلى عكس الرأي السابق
نجد أنصار الاتجاه الثاني او ما يسمى
بفلاسفة ـ مدرسة التحليل النفسي ـ وعلى رأسهم العالم النفساني ذو الأصل
فرويد هو عالم نفساني نمساوي مختص في الأمراضالعقلية من اهم مؤلفاته – مقدمة في التحليل النفسي – تفسير الاحلام- لقدعلم فرويد من تجارب بروير و السابقين ان أن سلوك المنوم واقعي لكنهلاشعوري ، الا أنه قلل من اهمية التنويم المغناطيسي لعدة اسباب منها انالمرض يعود للمريض من جديد بعد فترة ، و أن بعض الاشخاص يبدون مقاومة شديدةيصعب تنويمهم ، فوضع طريقة جديدة تدعى التحليل النفسي، التيتقوم على الحوار و التداعي الحر للافكار بعد الاسئلة التي تطرح على المريضو المتعلقة باحلامه و ميوله و رغباته و ذكرياته ..بهدف إخراج الرغباتالمكبوتة في اللاشعور فيصارعها من جديد الى غاية أن تزول الاعراض المرضية ،أما أدلة وجود اللاشعور تتمثل في
االأحـــــلام :انالرغبات التي لم تجد النور في الواقع ، تجد مخرج في الحلم نظرا لزوالمراقبة الأنا الأعلى ، ان الرغبة اللاشعورية التي تبعث الحلم يسميهابالمحتوى الكامن الذي يتحول الى محتوى ظاهر كما يراه الحالم ، ثم يتذكرهفيما بعد عن طريق مفعول الحلم ، كما يكشف الحلم عن عن المتاعب النفسية التييعاني منها النائم في حياته اليومية و الناجمة عن تأثير الميول و الرغبات ،و من ثمة الأمثلة أن امرأة ترى نفسها في الحلم ترتدي فستان أبيض مما يعكس رغبتها في الزواج ، و اخرى ترغب فيإنجاب ولد فترى نفسها في الحلم تدخن..الخالنسيان : وراءهرغبات مكبوتة ، فنحن نميل الى نسيان الأمور التي لا نرغب فيها ، و تجرحكبرياءنا ، حيث يروي فرويد عن نفسه أنه نسي ذات يوم اسم مريضته لأنه عجز عنتشخيص مرضها ، و عندما ننسى إحضار شيئ وعدنا به زميلنا فهذا كراهيتنالانجاز الوعد /فلتات اللسان و زلات القلم و خطا الادراك ،مرتبطةكلها بالدوافع اللاشعورية ،فالخطأ يدل على ميلنا الحقيقي ، فعندما نناديشخصا بغير اسمه فهذا دليل على عدم رغبتنا فيه ، و يروى عن رئيس برلمانالنمسا أنه لما دخل القاعة قال – يشرفني أن أعلن عن رفع الجلسة- بدل افتتاحالجلسة وهكذا يكون قد عبر لاشعوريا عن عدم ارتياحه لنتائج الجلسة/ الإعــــــلاء : هو بروز الطاقة اللاشعورية في ميادين سامية كالفن و المعرفة ، فما لميتحقق في الواقع يتحقق في الرسم و الموسيقى و الشعر و الاكتشاف العلمي ، ونحن أيضا قد نصل الى نتائج و حلول بطريقة حدسية لا يمكن ردها الى الشعور/ التقمص ،عندما يرى الشخص ذاته غير مهمة في نظر الغير يلجأ لا شعوريا الى تقمصشخصية ذات اثر أيقلدها في طريقة الكلام و الحركات ، و الملامح الخارجية حتىيجلب الاهتمامالنكت: الإنسان و هو يسخر وينكت يكون قد تحلل من قيود آداب الحديث ، لذا تجد الرغبات المكبوتة منفذاللخروج ، كما تجعل النكتة الواقع الذي اعترض رغباتنا محل ضحك و سخريةالإسقــــاط / فنحن نميل الى تبرير أفعالنا بانها مشروعة لأنها متواجدة عندالجميع ، فالغشاش يرى جميع الناس غشاشين ، والأناني يرى جميع الناسأنانيين ، و يتحول المحظور الى مباح ،بطريقة لاشعوريةومن الأمثلة التي يستشهد بها والقصص
التي يرويها فرويد ومن أمثلة النسيان(أن شخصا أحب فتاة ولكن لم
تبادله حبها وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرف الزوج
منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسم زميله
محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه)وتبين لفرويد أن
هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أو غيرة
ويود ألا يفكر فيه أما الأحلام فهي حل وسط ومحاولة من المريض للحد من
الصراع النفسي،ويروي المحلل النفسي فرينك: )أن إحدى المريضات تذكر أنها
رأت في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنها غالي
جدا)فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريد
التخلص منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد
أن لدى الزوجة رغبة متخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلا
غنيا وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها
الغالي يعني رغبة الفتاة في الغنى وقد استنتج فرويد من خلال علاجه لبعض
الحالات الباثولوجية أنه لابد أن توجد رابطة بين الرغبة المكبوتة في
اللاشعور والأعراض المرضية فهي تصيب وظائف الشخص الفيزيولوجية والنفسية
ويقدم فرويد مثال ـ الهستيريا ـ فصاحبها لا يعرف أنه مصاب بالهستيريا وهي
تنطوي على أعراض كثيرة منها (فقدان البصر،السمع،أوجاع المفاصل
والظهر،القرحة المعدية).ولهذا يؤكد فرويد مع بروير هذا الأمر حيث يقول
بروير(كلما وجدنا أنفسنا أمام أحد الأعراض وجب علينا أن نستنتج لدى المريض
بعض النشاطات اللاشعورية التي تحتوي على مدلول هذا العرض لكنه يجب أيضا أن
يكون هذا المدلول لا شعوريا حتى يحدث العرض،فالنشاطات الشعورية لا تولد
أعراض عصبية والنشاطات اللاشعورية من ناحية أخرى بمجرد أن تصبح شعورية فإن
الأعراض تزول).ويمكن التماس اللاشعور من خلال الحيل التي يستخدمها العقل
من دون شعور كتغطية نقص أو فشل،ومن أمثلة التعويض أن فتاة قصيرة القامة
تخفف من عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار من
مستحضرات التجميل حتى تلفت إليها الأنظار أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية
أو بلباس بعض الفساتين القصيرة ويرجع الفضل في إظهار عقدة الشعور بالنقص
ومحاولة تغطيتها إلى تلميذ فرويد آذلار ومنها ـ التبرير ـ فالشخص الذي لم
يتمكن من أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ ل تبرير موقفه بإحصاء عيوب
المسرحية.و يضيف فرويد قوله بأنه مادامت حواسنا قاصرة على إدراك معطيات
العالم الخارجي فكيف يمكننا القول بأن الشعور كاف لتفسير كل حياتنا
النفسية .
رغم كل هذه الحجج والبراهين إلا أن هذا الرأي لم يصمد هو
الآخر للنقد حيث ظهرت عدة اعتراضات ضد التحليل النفسي وضد مفهوم اللاشعور
خاصة،يقول الطبيب النمساوي ستيكال أنا
لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولى ولكن بعد تجربتي التي
دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحت شعورية وان المرضى
دوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياء المكبوتة ليست في
الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميل إلى تجاهلها خشية
إطلاعه على الحقيقة في مظهرها الخام،بالإضافة إلى أن فرويد سلب الانسان عقله وحريته وجعله يعيش أسير رغباته مثل الحيوان فنحن غالبا مانختار أشياءا لكننا لا نرغب فيها اخترناها استنادا الى معايير أخلاقية ، دينية …
*اخيرا : ان النتائج التي حققها علم النفس تجعلنا نؤمن ان الحياة النفسية شعورية ولا شعورية في آن واحد .
وسؤالنا القادم : لماذا نتحدث عن اللاشعور – رغم كل الادلة السابقة والتي قدمها فرويد – كونه مجرد فرضية علمية ؟
جعل الله عملك هذا في ميزان حسناتك
تقبلي مروري
اختك هناء
روعة
روعة روعة روعة
نحبكم في الله