وجوب معرفة العقيدة الإسلامية
اعلموا وفقني الله وإياكم أنه يجب على كل مسلم أن يتعلم العقيدة الإسلامية؛ ليعرف معناها وما تقوم عليه، ثم يعرف ما يضادها ويبطلها أو ينقصها من الشرك الأكبر والأصغر:
قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلاّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}1.
قال الإمام البخاري – رحمه الله -: (باب العلم قبل القول والعمل)، واستشهد بهذه الآية الكريمة.
قال الحافظ ابن حجر: "قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل؛ فلا يعتبران إلا به؛ فهو متقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل…" انتهى.
ومن هنا اتجهت همم أهل العلم إلى تعلم أحكام العقيدة وتعليمها، واعتبروا ذلك من أوليات العلوم، وألفوا فيها مؤلفات خاصة فصلوا فيها أحكامها وما يجب فيها، وبينوا ما يفسدها أو ينقضها من الشركيات والخرافات والبدع.
وهذا هو معنى لا إله إلا الله؛ فليست مجرد كلمة تقال باللسان، بل لها مدلول ومعنى ومقتضى، تجب معرفتها كلها، والعمل بها ظاهرًا وباطنا، ولها منقضات ومنقصات، ولا يتضح ذلك إلا بالتعلم، ولهذا؛ يجب أن يكون لعلم العقيدة الصدارة بين المقررات الدراسية في مختلف المراحل، وأن تعطى من الحصص اليومية العدد الكافي، ويختار لها المدرسون الأكفاء، وأن يركز عليها في النجاح والرسوب؛ خلاف ما عليه غالب واقع الدراسات المنهجية اليوم؛ فإن علم العقيدة في الغالب لا يحظى بالاهتمام في تلك الدراسات، ومما يخشى من ورائه أن ينشأ جيل يجهل العقيدة الصحيحة، فيستسيغ الشركيات والبدع والخرافات، ويعتبرها من العقيدة؛ لأنه وجد الناس عليها، ولم يعرف بطلانها.
ومن هنا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: (يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية).
هذا؛ ويجب اختيار الكتب الصحيحة السليمة، التي ألفت على مذهب السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، والمطابقة للكتاب والسنة؛ فتقرر على الطلاب، وتستبعد الكتب المخالفة لمنهج السلف؛ ككتب الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وسائر الفرق الضالة عن منهج السلف.
وإلى جانب الدراسة النظامية يجب أن يكون هناك دروس تعقد في المساجد، تدرس فيها العقيدة السلفية بالدرجة الأولى، وتقرأ فيها المتون والشروح؛ ليستفيد منها الطلاب وكل من حضر، ويكون هناك مختصرات مبسطة تلقى للعامة، وبذلك تنتشر العقيدة الإسلامية، إلى جانب ما يذاع في البرامج الدينية بواسطة الإذاعة، ويكون هناك برنامج مستمر تذاع من خلاله أحكام العقيدة الإسلامية.
ثم يجب أن يكون هناك اهتمام خاص بالعقيدة من جانب الأفراد؛ فيكون للمسلم مطالعات في كتب العقيدة، والتعرف على ما ألف فيها على منهج السلف، وما ألف على منهج المخالفين لهم، حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره، وحتى يستطيع رد الشبه الموجهة إلى عقيدة أهل السنة.
أيها المسلم: إنك حينما تتأمل القرآن الكريم؛ تجد فيه كثيرًا من الآيات والسور تهتم بأمر العقيدة، بل إن السور المكية تكاد تكون مختصة ببيان العقيدة الإسلامية ورد الشبهات الموجهة إليها.
خذ مثلاً سورة الفاتحة:
قال الإمام العلامة ابن القيم – رحمه الله -: "اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن؛ فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها، وهي: (الله)، و(الرب)، و(الرحمن)، وبنيت السورة على الإليهة والربوبية والرحمة: ف {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مبني على الإلهية، و{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم يتعلق بصفة الرحمة، والحمد يتضمن الأمور الثلاثة؛ فهو المحمود في إلهيته وربوبيته ورحمته، والثناء والحمد كمالان لجده، وتضمنت إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها، وتفرد الرب تعالى بالحكم، إذ ذاك بين الخلائق، وكون حكمه بالعدل، كل هذا تحت قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وتضمنت إثبات النبوات من جهات عديدة…" ثم بينها رحمة الله بكلام مطول مفيد.
إلى أن قال: "فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم؛ ف {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} توحيد، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} توحيد، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} الذين فارقوا التوحيد).
وقال: "وغالب سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد؛ فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته، وهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وتوحيده وحده لا شرك له، وخلع ما يعبد من دونه؛ فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته؛ فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، وهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما فعل بهم في العقبى من العذاب؛ فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد…." انتهى.
ومع اهتمام القرآن بشأن العقيدة الإسلامية؛ فإن أكثر الذين يقرؤونه لا يفهمون العقيدة فهما صحيحا، فصاروا يخلطون ويغلطون فيها؛ لأنهم يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم، ولا يقرؤون القران بتدبر؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
من كتاب الإرشاد إلى صحيح الإعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد لفضيلة الشيخ صالح الفوزران حفظه الله
_________________________ ____
1 سورة محمد، الآية: 19.
موضوع اكثر من رائع
شكرا على المجهودات
شكرا على الموضوع
وجوب معرفة العقيدة الاسلامية أمر لابد منه