لعمري ما أدري وقد أزلف البلى بعاجل ترحالي إلى أين ترحالي
وأين محل الروح بعد خروجها عن الهيكل المنحل والجسد البالي
والمصيبة الأخرى فيمن لا يعلم من أين أتي ولا إلى أين هو ذاهب
فقد قال:
جئت لا أدري من أين ولكني أتيت فوجدت قدامي طريقاً فمشيت
فهذه الغايات وغيرها مضيعة للعمر، تجعل المرء يتخبط في الدنيا وتتخبط فيه، فهي قاصرة، مضعفة للهمم، ومُعيقة لأي تطور أو تحسين.
قال الله تعالى:
– ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والْبَنِينَ والْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ والْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ والأَنْعَامِ والْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا واللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ ) سورة آل عمران – آية 14
– ( والَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ ويَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ والنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ )سورة محمد- آية 12 .
ولكن الغاية التي دعا إليها الإسلام – وهي مرضاة الله سبحانه وتعالى – أسمى وأنقى من ذلك كله؛ فقد قال الله تعالي على لسان سيدنا موسى عليه السلام:)وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) سورة طه- آية84 .
فهي غاية ليست مادية وإن كانت المادة دعامة من دعائمها، وبعيدة عن الكبر وإن كانت العزة نتيجة الانتماء إليها، وبعيدة عن الإسراف والتبذير وإن كان الكرم والإنفاق الموجه فيما يفيد من سلوكياتها، وبعيدة عن الشهوات وإن كان تهذيب الغرائز وتوجيهها في إطار الشرع والدين من أولوياتها للمحافظة على النسل وممارسة الحياة بصورة طبيعية.
كل هذه الغايات وغيرها لكي تتحقق لابد لها من وسائل ينفذها أصحابها.
والوسيلة تـُصبغ بصبغة الغاية المراد تحقيقها، فإن كانت الغاية فاسدة مضمحلة صارت الوسيلة كذلك مثلها، أما إذا كانت الغاية صالحة ، سامية ، مشروعة، فإن الوسائل التي تتحقق بها تكون كذلك.
فالشرع لا يقبل الوسائل المنحرفة أو الملتوية، ولا يبرر وسيلة غير مشروعة أيًّا كانت نتيجتها الإيجابية نحو تحقيق أهدافها.
قال الله تعالي: ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) سورة الكهف- آية 110.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " إن الله تعالي طيِّب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ واعْمَلُوا صَالِحاً إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) سورة المؤمنون-آية51 .
وقال : (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ واشْكُرُوا لِلَّهِ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) سورة البقرة آية 172 ، ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك " رواه مسلم .
فالمسلم يتحرى الوسائل الطيبة التي تطهرالقلوب وترتقي به إلى مرضاة الله، و يتورع عن الوسائل الخسيسة التي تُدنس النفوس وتدفعه إلى المهلكات.
فالغاية تحدد الوسيلة لا تبررها، ولابد أن يبتغي صاحبها وجه الله، وأن تكون موافقة للشرع.
جزاك الله كل خير
تحياتي الخالصة
أخوك يحيى