بارك الله فيك
موفق
merci
merci
المقالات المرشحة للبكالوريا 2022
مقالة حول الادراك
هل الادراك محصلة لنشاط الذات او تصور لنظام الاشياء ؟ جدلية
i – طرح المشكلة :يعتبر الادراك من العمليات العقلية التي يقوم بها الانسان
لفهم وتفسير وتأويل الاحساسات بإعطائها معنى مستمد من تجاربنا وخبراتنا
السابقة . وقد وقع اختلاف حول طبيعة الادراك ؛ بين النزعة العقلية
الكلاسيكية التي تزعم ان عملية الادراك مجرد نشاط ذاتي ، والنظرية
الجشطالتية التي تؤكد على صورة او بنية الموضوع المدرك في هذه العملية ،
الامر الذي يدفعنا الى طرح التساؤل التالي : هل يعود الادراك الى فاعلية
الذات المٌدرِكة أم الى طبيعة الموضوع المدرَك ؟
ii– محاولة حل المشكلة :
1- أ – عرض الاطروحة :يرى انصار النزعة العقلية أمثال الفرنسيان ديكارت و
آلان و الفيلسوف الارلندي باركلي والالماني كانط ، ان الادراك عملية عقلية
ذاتية لا دخل للموضوع المدرك فيها ، حيث ان ادراك الشيئ ذي ابعاد يتم
بواسطة احكام عقلية نصدرها عند تفسير المعطيات الحسية ، لذلك فالادراك نشاط
عقلي تساهم فيه عمليات ووظائق عقلية عليا من تذكر وتخيل وذكاء وذاكرة وكذا
دور الخبرة السابقة … ومعنى هذا ان انصار النظرية العقلية يميزون تمييزا
قاطعا بين الاحساس و الادراك .
1- ب – الحجة :ويؤكد ذلك ، ما ذهب اليه ( آلان ) في ادراك المكعب ، فنحن
عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ، بالرغم اننا لا نرى الا
ثلاثة أوجه وتسعة اضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوه و اثنى عشرة ضلعا ،
لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا اذا أدرنــا المكعب فسنرى الاوجه
والاضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلك فإدراك المكعب لا
يخضع لمعطيات الحواس ، بل لنشاط الذهن واحكامه ، ولولا هذا الحكم العقلي لا
يمكننا الوصول الى معرفة المكعب من مجرد الاحساس .
ويؤكد ( باركلي ) ، أن الاكمه ( الاعمى ) اذا استعاد بصره بعد عملية جراحية
فستبدو له الاشياء لاصقة بعينيه ويخطئ في تقدير المسافات والابعاد ، لأنه
ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافات والابعاد . وبعد عشرين (20)
سنة أكدت اعمال الجرّاح الانجليزي ( شزلندن ) ذلك .
وحالة الاكمه تماثل حالة الصبي في مرحلة اللاتمايز ، فلا يميز بين يديه
والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الاشياء البعيدة ، لأنه يخطئ – ايضا –
في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه .
اما ( كانط ) فيؤكد ان العين لا تنقل نتيجة الاحساس الا بعدين من الابعاد
هما الطول والعرض عند رؤية صورة او منظر مثلا ، ورغم ذلك ندرك بعدا ثالثا
وهو العمق ادراكا عقليا ، فالعمق كبعد ليس معطى حسي بل حكم عقلي .
هذا ، وتؤكد الملاحظة البسيطة والتجربة الخاصة ، اننا نحكم على الاشياء على
حقيقتها وليس حسب ما تنقله لنا الحواس ، فندرك مثلا العصا في بركة ماء
مستقيمة رغم ان الاحساس البصري ينقلها لنا منكسرة ، و يٌبدي لنا الاحساس
الشمس وكانها كرة صغيرة و نحكم عليها – برغم ذلك – انها اكبر من الارض .
كما تتدخل في عملية الادراك جملة من العوامل المتعلقة بالذات المٌدرِكة ؛
منها عمل التوقع ، حيث ندرك الموضوعات كما نتوقع ان تكون وحينما يغيب هذا
العامل يصعب علينا ادراك الموضوع ، فقد يحدث مثلا ان نرى انسانا نعرفه
لكننا لا ندركه بسهولة ، لأننا لم نتوقع الالتقاء به . وللاهتمام والرغبة
والميل دروا هاما في الادراك ، فالموضوعات التي نهتم بها ونرغب فيها و نميل
اليها يسهل علينا ادراكها اكثر من تلك البعيدة عن اهتماماتنا ورغباتنا
وميولاتنا . كما ان للتعود دورا لا يقل عن دور العوامل السابقة ، فالعربي
مثلا في الغالب يدرك الاشياء من اليمين الى اليسار لتعوده على الكتابة بهذا
الشكل ولتعوده على البدء دائما من اليمين ، بعكس الاوربي الذي يدرك من
اليسار الى اليمين . ثم انه لا يمكن تجاهل عاملي السن والمستوى الثقافي
والتعليمي ، فإدراك الراشد للاشياء يختلف عن ادراك الصبي لها ، وادراك
المتعلم او المثقف يختلف بطبيعة الحال عن ادراك الجاهل . وفي الاخير يتأثر
الادراك بالحالة النفسية الدائمة او المؤقتة ، فإدراك الشخص المتفاءل
لموضوع ما يختلف عن ادراك المتشاءم له .
1- جـ – النقد : ولكن انصار هذه النظرية يميزون ويفصلون بين الادراك
والاحساس ، والحقيقة ان الادراك كنشاط عقلي يتعذر دون الاحساس بالموضوع
اولا . كما انهم يؤكدون على دور الذات في عملية الادراك ويتجاهلون تجاهلا
كليا اهمية العوامل الموضوعية ، وكأن العالم الخارجي فوضى والذات هي التي
تقوم بتنظيمه .
2- أ – عرض نقيض الاطروحة :وخلافا لما سبق ، يرى انصار علم النفس الجشطالتي
من بينهم الالمانيان كوفكا وكوهلر والفرنسي بول غيوم ، أن ان ادراك
الاشياء عملية موضوعية وليس وليد احكام عقلية تصدرها الذات ، كما انه ليس
مجوعة من الاحساسات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية وقوانين
معينة هي " قوانين الانتظام " . ومعنى ذلك ان الجشطالت يعطون الاولوية
للعوامل الموضوعية في الادراك ولا فرق عندهم بين الاحساس والادراك .
2- ب – الحجة :وما يثبت ذلك ، ان الادراك عند الجميع يمر بمراحل ثلاث :
ادراك اجمالي ، ادراك تحليلي للعناصر الجزئية وادراك تركيبي حيث يتم تجميع
الاجزاء في وحدة منتظمة .
وفي هذه العملية ، ندرك الشكل بأكمله ولا ندرك عناصره الجزئية ، فاذا
شاهدنا مثلا الامطار تسقط ، فنحن في هذه المشاهدة لا نجمع بذهننا الحركات
الجزئية للقطرات الصغيرة التي تتألف منها الحركة الكلية ، بل ان الحركة
الكلية هي التي تفرض نفسها علينا .
كما ان كل صيغة مدركة تمثل شكلا على ارضية ، فالنجوم مثلا تدرك على ارضية
هي السماء ، و يتميز الشكل في الغالب بانه اكثر بروزا ويجذب اليه الانتباه ،
أما الارضية فهي اقل ظهورا منه ، واحيانا تتساوى قوة الشكل مع قوة الارضية
دون تدخل الذات التي تبقى تتأرجح بين الصورتين .
ثم إن الادراك تتحكم فيه جملة من العوامل الموضوعية التي لا علاقة للذات
بها ، حيث اننا ندرك الموضوعات المتشابهة في اللون او الشكل او الحجم ،
لانها تشكل في مجموعها " كلا " موحدا ، من ذلك مثلا انه يسهل علينا ادراك
مجموعة من الجنود او رجال الشرطة لتشابه الـزي ، اكثر من مجموعة من الرجال
في السوق او الملعب .
وايضا يسهل علينا ادراك الموضوعات المتقارية في الزمان والمكان اكثر من
الموضوعات المتباعدة ، حيث ان الموضوعات المتقاربة تميل الى تجمع بأذهاننا ،
فالتلميذ مثلا يسهل عليه فهم وادراك درس ما اذا كانت عناصره متقاربة في
الزمان ، ويحدث العكس اذا ما تباعدت .
و اخيرا ، ندرك الموضوعات وفق صيغتها الفضلى ، فندرك الموضوعات الناقصة
كاملة مع نها ناقصة ، فندرك مثلا الخط المنحني غير المغلق دائرة ، وندرك
الشكل الذي لا يتقاطع فيه ضلعان مثلثا بالرغم انهما ناقصان . ويتساوى في
ذلك الجميع ، مما يعني ان الموضوعات المدرَكة هي التي تفرض نفسها على الذات
المٌدرِكة
2- جـ – النقد : ولكن الالحاح على اهمية العوامل الموضوعية في الادراك
واهمال العوامل الذاتية لاسيما دور العقل ، يجعل من الشخص المدرك آلة تصوير
او مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعات هي التي تفرض نفسها عليه سواء
اراد ذلك او لم يرد ، مما يجعل منه في النهاية مجرد متلقي سلبي منفعل لا
فاعل .
3 – التركيب : ان الادراك من الوظائف الشديدة التعقيد ، وهو العملية التي
تساهم فيها جملة من العوامل بعضها يعود الى نشاط الذات وبعضها الآخر الى
بنية الموضوع ، على اعتبار ان هناك تفاعل حيوي بين الذات والموضوع ، فكل
ادراك هو ادراك لموضوع ، على ان يكون لهذا الموضوع خصائص تساعد على ادراكه .
Iii – حل المشكلة :وهكذا يتضح ان الادراك لا يعود الى فاعلية الذات فقط او
الى بنية الموضوع فحسب ، من حيث انه لا وجود لادراك بدون موضوع ندركه ، على
يكون هذا الموضوع منظم وفق عوامل معينة تسهل من عملية ادراكه وفهمه . لذلك
يمكننا القول ان الادراك يعود الى تظافر جملة من العوامل سواء صدرت هذه
العوامل عن الذات او عن الموضوع .
مقالة حول العدل
هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية
طرح المشكلة :كل مجتمع من المجتمعات يسعى الى تحقيق العدل بين أفراده ،
وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه ، ومن هنا ينشأ التناقض بين العدالة التي تقتضي
المساواة ، وبين الفروق الفردية التي تقتضي مراعاتها ، إذ ان تأسيس العدالة
على المساواة يوقع الظلم بحكم وجود تفاوت طبيعي بين الافراد ، وتأسيسها
على التفاوت فيه تكريس للطبقية والعنصرية ؛ مما يجعالنا نطرح المشكلة
التالية : ماهو المبدأ الامثل الذي يحقق عدالة موضوعية : هل هو مبدأ
المساواة أم مبدأ التفاوت ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض الاطروحة:يرى البعض ان العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار ان
العدالة الحقيقية تعني المساواة بين الجميع الافراد في الحقوق والواجبات
وامام القانون ، وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة
القانون الطبيعي وفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا انصار المذهب الاشتراكي .
الحجة :- ويؤكد ذلك ، ان الافراد – حسب فلاسفة القانون الطبيعي – الذين
كانوا يعيشون في حالة الفطرة كانوا يتمتعون بمساوة تامة وكاملة فيما بينهم ،
ومارسوا حقوقهم الطبيعية على قدم المساواة ، لذلك فالافراد سواسية ، فـ«
ليس هناك شيئ اشبه بشيئ من الانسان بالانسان » ، وعليه فالعدالة تقتضي
المساواة بين جميع الافراد في الحقوق والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ،
ومادام الناس متساوون في كل شيئ فما على العدالة الا ان تحترم هذه المساواة
.
– اما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون ان انتقال الانسان من المجتمع
الطبيعي الى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على تعاقد ، وبما ان الافراد في
المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ، لم يكونوا ليقبلوا
التعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ، فالمساواة شرط قيام
العقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة اساسها المساواة بين الجميع في
الحقوق والواجبات .
– في حين ان الاشتراكيين يرون ان لا عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بين
الافراد في الحقوق والواجبات ، ولا تتحقق المساواة دون الاقرار بمبدأ
الملكية الجماعية لوسائل الانتاج ، التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ،
لأن الملكية الخاصة تكرّس الطبقية والاستغلال وهي بذلك تقضي على روح
المساواة التي هي اساس العدالة .
النقد : إن انصار المساواة مثاليون في دعواهم الى اقامة مساواة مطلقة ،
ويناقضون الواقع ، لأن التفاوت الطبيعي امر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا
متطابقة ولا متجانسين في كل شيئ ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي
المساواة ظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .
عرض نقيض الاطروحة :وبخلاف ما سبق ، يرى البعض الاخر ان العدالة لا تعني
بالضرورة المساواة ، بل ان في المساواة ظلم لعدم احترام الاختلافات بين
الناس ، ومن هذا المنطلق فإن العدالة الحقيقة تعني تكريس مبدأ التفاوت ، إذ
ليس من العدل ان نساوي بين اناس متفاوتين طبيعيا . ويذهب الى هذه الوجهة
من النظر فلاسفة قدامى ومحدثين وايضا بعض العلماء في ميدان علم النفس
والبيولوجيا .
الحجة :- فأفلاطون قديما قسم المجتمع الى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة
الجنود وطبقة العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس الانسانية : النفس
العاقلة والغضبية والشهوانية ، وهذا التقسيم يرجع الى الاختلاف بين الافراد
في القدرات والمعرفة والفضيلة ، وعلى العدالة ان تحترم هذا التمايز الطبقي
، ومن واجب الدولة ان تراعي هذه الفوارق ايضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل
فرد .
– اما ارسطو فاعتبر التفاوت قانون الطبيعة ، حيث ان الناس متفاوتين
بطبيعتهم ومختلفين في قدراتهم وفي ارادة العمل وقيمة الجهد المبذول ، وهذا
كله يستلزم التفاوت في الاستحقاق ؛ فلا يجب ان يحصل اناس متساوون على حصص
غير متساوية ، او يحصل اناس غير متساويين على حصص متساوية .
– وحديثا يؤكد ( هيجل 1770 – 1831 ) على مبدأ التفاوت بين الامم ، وان
الامة القوية هي التي يحق لها امتلاك كل الحقوق وتسيطر على العالم ، على
اساس انها افضل الامم ، وعلى الامم الاخرى واجب ، هو الخضوع للامة القوية.
– وفي نفس الاتجاه ، يذهب ( نيتشه 1844 – 1900 ) ان التفاوت بين الافراد
قائم ولا يمكن انكاره ، فيقسم المجتمع الى طبقتين : طبقة الاسياد وطبقة
العبيد ، وان للسادة اخلاقهم وحقوقهم ، وللعبيد اخلاقهم وواجباتهم .
– أما انصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على اساس التفاوت ، فالمساواة
المطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة الفرد العبقري المبدع بالفرد
العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل ، بل لابد
من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن ذلك يبعث على الجهد والعمل وخلق
جو من المنافسة بين المتفاوتين .
– ويؤكد بعض العلماء ان كل حق يقابله واجب ، غير ان قدرة الافراد في رد
الواجب المقابل للحق متفاوتة في مجالات عدة : فمن الناحية البيولوجية ،
هناك اختلاف بين الناس في بنياتهم البيولوجية والجسمانية ، مما ينتج عنه
اختلاف قدرتهم على العمل ورد الواجب ، لذلك فليس من العدل مساواتهم في
الحقوق ، بل يجب ان نساعد أولئك الذين يملكون افضل الاعضاء والعقول على
الارتقاء اجتماعيا ، يقول الطبيب الفيزيولوجي الفرنسي ( ألكسيس كاريل 1873 –
1944 ) : « بدلا من ان نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة العضوية
والعقلية ، يجب توسيع دائرة هذه الاختلافات وننشئ رجالا عظماء » . ومن
الناحية النفسية ، نجد تمايز بين الافراد من حيث مواهبهم وذكائهم وكل
القدرات العقلية الاخرى ، ومن العبث ان نحاول مساواة هؤلاء المتفاوتون
طبيعيا .
واخيرا ومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا سواء ، فهناك الغني الذي
يملك والفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي للفرد ، وليس من العدل نزع
هذه الملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .
النقد :ان التفاوت الطبيعي بين الافراد امر مؤكد ولا جدال فيه ، غير انه لا
ينبغي ان يكون مبررا لتفاوت طبقي او اجتماعي او عرقي عنصري . كما قد يكون
الاختلاف في الاستحقاق مبنيا على فوارق اصطناعية لا طبيعية فيظهر تفاوت لا
تحترم فيه الفروق الفردية .
التركيب :ان المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك انه ظلم ،
وعلى المجتمع ان يحارب هذا التفاوت ليقترب ولو نسبيا من العدالة ، ولا
يكون ذلك الا بتوفير شروط ذلك ، ولعل من أهمها اقرار مبدأ تكافؤ الفرص
والتناسب بين الكفاءة والاستحقاق ومحاربة الاستغلال .
حل المشكلة :وهكذا يتضح ان العدالة هي ما تسعى المجتمعات قديمها وحديثها
الى تجسيدها ، ويبقى التناقض قائما حول الاساس الذي تبنى عليه العدالة ،
غير ان المساواة – رغم صعوبة تحقيقها واقعا – تبقى هي السبيل الى تحقيق هذه
العدالة كقيمة اخلاقية عليا .
مقالة حول الاخلاق
هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟ جدلية
i – طرح المشكلة : تعد مشكلة أساس القيمة الخلقية من أقدم المشكلات في
الفلسفة الاخلاقية وأكثرها إثارة للجدل ؛ إذ تباينت حولها الاراء واختلفت
المواقف ، ومن تلك المواقف الموقف العقلي الذي فسر أساس القيمة الاخلاقية
بإرجاعها الى العقل ؛ فهل فعلا يمكن تأسيس القيم الاخلاقية على العقل وحده ؟
ii – محاولة حل المشكلة :
1- أ – عرض الاطروحة : يرى البعض ، أن مايميز الانسان – عن الكائنات الاخرى
– هو العقل ، لذلك فهو المقياس الذي نحكم به على الاشياء وعلى سلوكنا وعلى
القيم جميعا ، أي أن أساس الحكم على الافعال و السلوكات وإضفاء طابع
اخلاقي عليها هو العقل ، وعليه أٌعتبر المصدر لكل قيمة خلقية . وقد دافع عن
هذا الرأي أفلاطون قديما والمعتزلة في العصر الاسلامي وكانط في العصر
الحديث .
1- ب – الحجة : ويؤكد ذلك أن ( أفلاطون 428 ق م – 347 ق م ) قسم أفعال
الناس تبعا لتقسيم المجتمع ، فإذا كان المجتمع ينقسم الى ثلاث طبقات هي
طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ، فإن الافعال – تبعا لذلك – تنقسم
الى ثلاثة قوى تحكمها ثلاث فضائل : القوة العاقلة ( تقابل طبقة الحكماء )
وفضيلتها الحكمة والقوة الغضبية ( طبقة الجنود ) وفضيلتها الشجاعة والقوة
الشهوانية ( العبيد ) وفضيلتها العفة ، والحكمة هي رأس الفضائل لأنها تحد
من طغيان القوتين الغضبية والشهوانية ، ولا يكون الانسان حكيما الا اذا
خضعت القوة الشهوانية والقوة الغضبية للقوة العاقلة .
– و عند المعتزلة ، فالعقل يدرك ما في الافعال من حسن او قبح ، أي ان
بإمكان العقل ادراك قيم الافعال والتمييز فيها بين ما هو حسن مستحسن وماهو
قبيح مستهجن ، وذلك حتى قبل مجيئ الشرع ، لأن الشرع مجرد مخبر لما يدركه
العقل ، بدليل ان العقلاء في الجاهلية كانوا يستحسنون افعالا كاصدق والعدل
والامانة والوفاء ، ويستقبحون أخرى كالكذب والظلم والخيانة والغدر .. وان
الانسان مكلف في كل زمان ومكان ولولا القدرة على التمييز لسقطت مسؤولية
العباد امام التكليف .
– والعقل عند ( كانط 1724 – 1804 ) الوسيلة التي يميز به الإنسان بين الخير
والشر، وهوالمشرّع ُ لمختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف
بالكلية والشمولية ، معتبراً الإرادة الخيرة القائمة على اساس الواجب
الركيزة الأساسية للفعل لأن الانسان بعقله ينجز نوعين من الاوامر : أوامر
شرطية مقيدة ( مثل : كن صادقا ليحبك الناس ) ، وأوامر قطعية مطلقة ( مثال :
كن صادقا ) ، فالاوامر الاولى ليس لها أي قيمة اخلاقية حقيقية ، فهي تحقق
اخلاق منفعة ، وتتخذ الاخلاق لا كغاية في ذاتها ، وانما كوسيلة لتحقيق غاية
. اما الاوامر الثاني فهي اساس الاخلاق ، لانها لا تهدف الى تحقيق أي غاية
او منفعة ، بل تسعى الى انجاز الواجب الاخلاقي على انه واجب فقط بصرف
النظر عن النتائج التي تحصل منه لذلك يقول : « إن الفعل الذي يتسم بالخيرية
الخلقية فعل نقي خالص , وكأنما هو قد هبط من السماء »
1- جـ – النقد :لكن التصور الذي قدمه العقليون لأساس القيمة الاخلاقية تصور
بعيد عن الواقع الانساني ، فالعقل اولا قاصر واحكامه متناقضة ، فما يحكم
عليه هذا بأنه خير يحكم عليه ذاك بأنه شر فاذا كان العقل قسمة مشتركة بين
الناس فلماذا تختلف القيم الاخلاقية بينهم إذن ؟ . كما يهمل هذا التصور
الطبيعة البشرية ، فالانسان ليس ملاكا يتصرف وفق احكام العقل ، بل هو ايضا
كائن له مطالب حيوية يسعى الى اشباعها ، والتي لها تأثير في تصور الفعل .
واخيرا أن الأخلاق عند كانط هي أخلاق متعالية مثالية لا يمكن تجسيدها على
ارض الواقع .
2- أ – عرض نقيض الاطروحة : وخلافا لما سبق ، يرى البعض الآخر أن العقل ليس
هو الاساس الوحيد للقيم الاخلاقية ، باعتبار ان القيمة الخلقية للأفعال
الإنسانية متوقفة على نتائجها وأثارها الايجابية أي ما تحصله من لذة ومنفعة
وما تتجنبه من الم ومضرة ، وقد تتوقف القيم الاخلاقية على ما هو سائد في
المجتمع من عادات وتقاليد واعراف وقوانين ، فتكون بذلك صدى لهذه الاطر
الاجتماعية ، وقد يتوقف – في الاخير – معيار الحكم على قيم الافعال من خير (
حسن ) او شر ( قبح ) على الارادة الالهية او الشرع .
2- ب – الحجة : وما يثبت ذلك ، ان القيم الاخلاقية ماهي الا مسألة حسابية
لنتائج الفعل ، وهذه النتائج لا تخرج عن تحصيل اللذات والمنافع ؛ فما يحفز
الانسان الى الفعل هو دائما رغبته في تحصيل لذة او منفعة لأن ذلك يتوافق مع
الطبيعة الانسانية فالانسان بطبعة يميل الى اللذة والمنفعة ويتجنب الالم
والضرر ، وهو يٌقدم على الفعل كلما اقترن بلذة او منفعة ، ويحجم عنه اذا
اقترن بألم او ضرر ، فاللذة والمنفعة هما غاية الوجود ومقياس أي عمل أخلاقي
، وهما الخير الاسمى والالم والضرر هماالشر الاقصى .
– ومن ناحية أخرى ، فإن القيم الأخلاقية بمختلف أنواعها وأشكالها سببها
المجتمع , وما سلوك الأفراد في حياتهم اليومية إلا انعكاس للضمير الجمعي
الذي يُهيمن على كل فرد في المجتمع . أي ان معيار تقويم الافعال اساسه
المجتمع ، والناس تصدر احكامها بالاعتماد عليه ، فمثلا الطفل حينما يولد لا
تكون لديه فكرة عن الخير او الشر ، فينشأ في مجتمع – يتعهده بالتربية
والتثقيف – يجد فيه الناس تستحسن افعالا وتستقبح أخرى ، فيأخذ هذا المقياس
عنهم ، فيستحسن ما يستحسنه الناس ، ويستقبح ما يستقبحونه ، فإن هواستقبح
مثلا الجريمة فلأن المجتمع كله يستقبحها ، ومن ثمّ يدرك ان كل ما يوافق
قواعد السلوك الاجتماعي فهو خير وكل ما يخالفها فهو شر . والنتيجة ان القيم
الاخلاقية من صنع المجتمع لا الفرد ، وما على هذا الفرد الا ان يذعن لها
طوعا اوكرها ، الامر الذي جعل دوركايم ( 1858 – 1917 ) يقول : « اذا تكلم
ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا » ، وكذلك : « ان المجتمع هو
النموذج والمصدر لكل سلطة اخلاقية ، وأي فعل لا يقره المجتمع بأنه اخلاقي ،
لا يكسب فاعله أي قدر من الهيبة او النفوذ » .
– ومن ناحية ثالثة ، ان معيار الحكم على قيم الافعال من خير او شر يرتد الى
الارادة الالهية او الشرع . فـنحن – حسب (إبن حزم الاندلسي 374هـ – 456 هـ
) – نستند الى الدين في تقويم الافعال الخلقية وفق قيم العمل بالخير
والفضيلة والانتهاء عن الشر والرذيلة ، ولا وجود لشيئ حسنا لذاته او قبيحا
لذاته ، ولكن الشرع قرر ذلك ، فما سمّاه الله حسنا فهو حسن وما سمّاه قبيحا
فهو قبيح .
كما ان الافعال حسنة او قبيحة – حسب ما يذهب اليه الاشاعرة – بالامر او
النهي الالهي ، فما امر به الله فهو خير وما نهى عنه فهو شر ، أي ان
الاوامر الالهية هي التي تضفي صفة الخير على الافعال او تنفيها عنها ،
ولذلك – مثلا – الصدق ليس خيرا لذاته ولا الكذب شرا لذاته ، ولن الشرع قرر
ذلك . والعقل عاجز عن ادراك قيم الافعال والتمييز فيها بين الحسن والقبح ،
وليس له مجال الا اتباع ما اثبته الشرع .
2- جـ – النقد : ولكن النفعيون لا يميزون بين الثابت والمتغير ولا بين
النسبي والمطلق لأن القيم الاخلاقية قيم ثابتة ومطلقة ، والاخذ باللذة
والمنفعة كمقياس لها يجعلها متغيرة ونسبية ، فيصبح الفعل الواحد خيرا وشرا
في آن واحد ، خيرا عند هذا اذا حقق له لذة او منفعة ، وشرا عند ذاك اذا لم
يحقق أيًّا منهما . ثم ان المنافع متعارضة ، فما ينفعني قد لا ينفع غيري
بالضرورة ، وأخيرا فان ربط الاخلاق باللذة والمنفعة يحط من قيمة الاخلاق و
الانسان معاً ؛ فتصبح الاخلاق مجرد وسيلة لتحقيق غايات كما يصبح الانسان في
مستوى واحد مع الحيوان .
ثم ان المدرسة الاجتماعية تبالغ كثيرا في تقدير المجتمع والاعلاء من شأنه ،
وفي المقابل تقلل او تعدم اهمية الفرد ودوره في صنع الاخلاق ، والتاريخ
يثبت ان افرادا ( انبياء ، مصلحين ) كانوا مصدرا لقيم اخلاقية ساعدت
المجتمعات على النهوض والتقدم . ومن جهة ثانية ، فالواقع يثبت ان القيم
الاخلاقية تتباين حتى داخل المجتمع الواحد ، وكذا اختلافها من عصر الى آخر ،
ولو كان المجتع مصدرا للاخلاق لكانت ثابتة فيه ولزال الاختلاف بين افراد
المجتمع الواحد .
وبالنسبة للنزعة الدينية فإنه لا يجوز الخلط بين مجالين من الاحكام : –
احكام شرعية حيث الحلال والحرام ، وهي متغيرة وفق مقاصد الشريعة
– واحكام اخلاقية حيث الخير والشر او الحسن والقبح ، وهي ثابتة في كل زمان
ومكان . مثلا : الكل يتفق على ان الكذب شر ، اما الاستثناء كجواز الكذب في
الحرب او من اجل انقاذ برئ ( بقصد حفظ النفس الذي هو من مقاصد الشريعة )
فلا يجعل من الكذب خيراً .
3 – التركيب : إن الانسان في كينونته متعدد الابعاد ؛ فهو اضافة الى كونه
كائن عاقل فإنه كائن بيولوجي أيضا لا يتواجد الا ضمن الجماعة التي تؤمن
بمعتقد خاص ، وهذه الابعاد كلها لها تأثير في تصور الانسان للفعل الاخلاقي
وكيفية الحكم عليه . فقد يتصور الانسان أخلاقية الفعل بمقتضئ ما يحكم به
علقه ، أو بمقتضى ما يهدف الى تحصيله من وراء الفعل ، أو بمقتضى العرف
الاجتماعي أو وفق معتقداته التي يؤمن بها .
Iii– حل المشكلة : وهكذا يتضح أن أسس القيم الاخلاقية مختلفة ومتعددة ،
وهذا التعدد والاختلاف يعود في جوهره الى تباين وجهات النظر بين الفلاسفة
الذين نظر كل واحدا منهم الى المشكلة من زاوية خاصة ، أي زاوية المذهب او
الاتجاه الذي ينتمي اليه . والى تعدد ابعاد الانسان ، لذلك جاز القول ان
العقل ليس الاساس الوحيد للقيم الاخلاقية .
ملاحظة : يمكن الاكتفاء في نقيض الاطروحة برأي واحد
مقالة حول الابداع
هل ترجع عملية الابداع الى شروط نفسية فقط ؟ جدلية
i- طرح المشكلة : إن الابداع هو ايجاد شيئ جديد ، وذلك ما يكشف عن اختلافه
عن ماهو مألوف ومتعارف عليه ، وعن تحرره من التقليد ومحكاة الواقع . ومن
جهة أخرى ، فإن عدد المبدين – في جميع المجالات – قليل جدا مقارنة بغير
المبدعين ، وهو ما يوحي ان تلك القلة المبدعة تتوافر فيها صفات وشروط خاصة
تنعدم عند غيرهم ، فهل معنى ذلك ان الابداع يتوقف على شروط ذاتية خاصة
بالمبدع ؟
ii– محاولة حل المشكلة :
1- أ – عرض الاطروحة : يرى بعض العلماء ، ان الابداع يعود اصلا الى شروط
نفسية تتعلق بذات المبدع وتميزه عن غيره من غير المبدعين كالذكاء وقوة
الذاكرة وسعة الخيال والاهتمام والارادة والشجاعة الادبية والجرأة والصبر
والرغبة في التجديد .. اضافة الى الانفعالات من عواطف وهيجانات مختلفة .
ومن يذهب الى هذه الوجهة من النظر الفيلسوف الفرنسي ( هنري برغسون )
والعالم النفساني ( سيغموند فرويد ) الذي يزعم ان الابداع يكشف عن فاعلية
اللاشعور وتعبير غير مباشر عن الرعبات المكبوتة .
1- ب – الحجة : ويؤكد ذلك ، أن استقراء حياة المبدعين – في مختلف ميادين
الابداع – يكشف ان هؤلاء المبدعين انما يمتازون بخصائص نفسية وقدرات عقلية
هيأتهم لوعي المشاكل القائمة وايجاد الحلول لها .
فالمبدع يتصف بدرجة عالية من الذكاء والعبقرية ، فإذا كان الذكاء – في احد
تعاريفه – قدرة على حل المشكلات ، فإنه يساعد المبدع على طرح المشاكل طرحا
صحيحا وايجاد الحلول الجديدة لها . ثم ان المبدع في تركيبه لأجزاء وعناصر
سابقة لإبداع جديد انما يكشف في الحقيقة عن علاقة بين هذه الاجزاء او
العناصر ، والذكاء – كما يعرف ايضا – هوادراك العلاقات بين الاسشياء
اوالافكار .
واصل كل ابداع التخيل المبدع ، والتخيل – اصلا – هو تمثل الصور مع تركيبها
تركيبا حرا وجديدا ، لذلك فالابداع يقتضي مخيلة قوية وخيالا واسعا خصبا ،
فكلما كانت قدرة الانسان على التخيل اوسع كلما استطاع تصور صور خصبة وجديدة
، وفي المقابل كلما كانت هذه القدرة ضيقة كان رهينة الحاضر ومعطيات الواقع
.
ويشترط الابداع ذاكرة قوية ، فالعقل لا يبدع من العدم بل استنادا الى
معلومات وخبرات سابقة التي تقتضي تذكرها ، لذلك فالذاكرة تمثل المادة الخام
والعناصر الاولية للابداع .
هذا ، واستقراء حياة المبدعين وتتبع اقوالهم وهم يصفون حالاتهم قبل الابداع
اواثنائه ، يؤكد دور الارادة والاهتمام في عملية الابداع ، فمن كثرة
اهتمام العالم الرياضي الفرنسي ( بوانكاريه ) بإيجاد الحلول الجديدة
للمعادلات الرياضية المعقدة ، غالبا ما كان يجد تلك الحلول وهو يضع قدميه
على درج الحافلة ، وهذا ( ابن سينا ) قبله من شدة اهتمامه بمواضيع بحثه
كثيرا ما كان يجد الحلول للمشكلات التي استعصت عليه اثناء النوم . والعالم (
نيوتن ) لم يكتشف قانون الجاذبية لمجرد سقوط التفاحة ، وانما كان يفكر
باهتمام بالغ وتركيز قوي في ظاهرة سقوط الاجسام ، وما سقوط التفاحة الا
مناسبة لاكتشاف القانون .
وما يثبت دور الحالات الوجدانية الانفعالية في عملية الابداع ان التاريخ
يثبت – على حد قول برغسون – ان « كبار العلماء والفانين يبدعون وهم في حالة
انفعال قوي » . ذلك ان معطيات علم النفس كشفت ان الانفعالات والعواطف
القوية تنشط المخيلة التي هي المسؤولة عن عملية الابداع . وبالفعل ، فاروع
الابداعات الفنية والفكرية تعبر عن حالات وجدانية ملتهبة ، فلقد اجتمعت
عواطف المحبة الاخوية والحزن عند ( الخنساء ) فأبدعت في الرثاء .
ولما كان الابداع هو ايجاد شيئ جديد ، فماهو جديد – في جميع المجالات –
يقابل برفض المجتمع لتحكم العادة ، فمثلا افكار( سقراط ) و ( غاليلي )
قوبلت بالرفض والاستنكار ، ودفعا حياتهما ثمنا لافكارهما الجديدة ، وعليه
فالمبدع اذا لم يتصف بالشجاعة الفكرية والادبية والروح النقدية والميل الى
التحرر .. فإنه لن يبدع خشية مقاومة المجتمع له .
1- جـ – النقد : ولكن الشروط النفسية المتعلقة بذات المبدع وحدها ليست
كافية لحصول الابداع ، إذ معنى ذلك وجود ابداع من العدم . والحقيقة انه
مهما طالت حياة المبدع فانه من المحال ان يجد بمفرده اجزاء الابداع ثم
يركبها من العدم . ومن جهة أخرى ، فالذكاء – الذي يساهم في عملية الابداع –
وان كان في اصله وراثيا ، فإنه يبقى مجرد استعدادات فطرية كامنة لا تؤدي
الى الابداع مالم تقم البيئة الاجتماعية بتنميتها وابرازها . كما يستحيل
الحديث عن ذاكرة فردية محضة بمعزل عن المجتمع . واخيرا ، فإن ان هذه الشروط
حتى وان توفرت فهي لا تؤدي الى الابداع مالم تكن هناك بيئة اجتماعية
ملائمة تساعد على ذلك . وهذا يعني ان للمجتمع نصيب في عملية الابداع .
2- أ – عرض نقيض الاطروحة : وعلى هذا الاساس ، يذهب الاجتماعيون الى ان
الابداع ظاهرة اجتماعية بالدرجة الاولى ، تقوم على ما يوفره المحتمع من
شروط مادية او معنوية ، تلك الشروط التي تهيئ الفرد وتسح بالابداع . وهو ما
يذهب اليه انصار النزعة الاجتماعية ومنهم ( دوركايم ) الذي يؤكد على
ارتباط صور الابداع المختلفة بالاطر الاجتماعية .
2- ب – الحجة : وما يثبت ذلك ، ان الابداع مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية
اما لجلب منفعة او دفع ضرر ، فالحاجة هي التي تدفع الى لابداع وهي ام
الاختراع ، وتظهر الحاجة في شكل مشكلة اجتماعية ملحة تتطلب حلا ، فإبـداع (
ماركس ) لفكرة " الاشتراكية " انما هو حل لمشكلة طبقة اجتماعية مهضومة
الحقوق ، و اكتشاف ( تورشيلي ) لقانون الضغط جاء كحل لمشكلة اجتماعية طرحها
السقاؤون عند تعذر ارتفاع الماء الى اكثر من 10.33م .
كما ان التنافس بين المجتمعات وسعي كل مجتمع الى اثبات الوجود ما يجعل
المجتمع يحفز افراده على الابداع ويوفر لهم شروط ذلك ؛ فاليابان – مثلا –
لم تكن شيئا يذكر بعد الحرب العالمية الثانية ، لكن تنافسها الاقتصادي مع
امريكا واروبا الغربية جعل منها قوة خلاقة مبدعة . كما ان التنافس العسكري
بين امريكا والاتحاد السوفياتي سابقا ادى الابداع في مجال التسلح .
كما ترتبط ظاهرة الابداع بحالة العلم والثقافة القائمة ؛ وما يثبت ذلك مثلا
انه من المحال ان يكتشف المصباح الكهربائي في القرن السابع ، لأنه كإبداع
يقوم على نظريات علمية رياضية فيزيائية لم تكن متوفرة وقتذاك . ولم يكن
ممكنا اكتشاف الهندسة التحليلية قبل عصر ( ديكارت ) ، لأن الجبر والهندسة
لم يبلغا من التطور ما يسمح بالتركيب بينهما . ولم يبدع شعراء كبار مثل (
المتنبي ، أبو تمام .. ) الشعر المسرحي في عصرهم ، لأن الادب المسرحي لم
يكن معروفا حينذاك . وتعذر على ( عباس بن فرناس ) الطيران ، لأن ذلك يقوم
على نظريات علمية لم تكتشف في ذلك العصر .
ويرتبط الابداع – ايضا – بمختلف الظروف السياسية ؛ حيث يكثر الابداع اليوم
في الدول التي تخصص ميزانية ضخمة للبحث العلمي وتهيئ كل الظروف التي تساعد
عى الابداع . ولقد عرفت الحضارة الاسلامية ازهى عصور الابداع ، لما كان
المبدع يأخذ مقابل ابداعه ذهبا وتشريفا .
2- جـ – النقد : غير ان التسليم بأن الشروط الاجتماعية وحدها كافية لحصول
الابداع يلزم عنه التسليم ايضا ان كل افراد المجتمع الواحد مبدعين عند توفر
تلك الشروط وهذا غير واقع . كما ان الاعتقاد ان الحاجة ام الاختراع غير
صحيح ، فليس من المعقول ان يحصل اختراع او ابداع كلما احتاج المجتمع الى
ذلك مهما وفره من شروط ووسائل . وما يقلل من اهمية الشروط الاجتماعية هو ان
المجتمع ذاته كثيرا ما يقف عائقا امام الابداع ويعمل على عرقلته ، كما كان
الحال في اروبا إبّـان سيطرة الكنيسة في العصور الوسطى .
3 – التركيب : ان الابداع كعملية لا تحصل الا اذا توفرت لها شروط ذلك ، فهي
تتطلب اولا قدرات خاصة لعلها لا تتوفر عند الكثير ، مما يعني ان تلك القلة
المبدعة لم تكن لتبدع لولا توفرها على تلك الشروط ، غير انه ينبغي التسليم
ان تلك الشروط وحدها لا تكفي ، فقد تتوفر كل الصفات لكن صاحبها لا يبدع ،
مالم يجد مناخ اجتماعي مناسب يساعده على ذلك ، مما يعني ان المجتمع يساهم
بدرجة كبيرة في عملية الابداع بما يوفره من شروط مادية ومعنوية ، مما ؤدي
بنا الى القول ان الابداع لا يكون الا بتوفر الشروط النفسية والاجتماعية
معا .
Iii – حل المشكلة : وهكذا يتضح ان عملية الابداع لا ترجع الى شروط نفسية
فقط ، بل وتتطلب بالاضافة الى ذلك جملة من الشروط الاجتماعية فالشروط
الاولى عديمة الجدوى بدون الثانية ، الامر الذي يدعونا ان نقول مع ( ريبو )
: « مهما كان الابداع فرديا ، فإنه يحتوي على نصيب اجتماعي » .
مقالة حول البيولوجيا
هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟ جدلية
i- طرح المشكلة :تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ،
الامر الذي جعل البعض يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجربيي عليها بنفس
الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ، و يعتقد آخرون ان المادة الحية
كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح بامكانية اخضاعها للدراسة التجريبية ،
فهل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة
الجامدة ؟
ii– محاولة حل المشكلة :
1- أ- الاطروحة :يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجرببي على
الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ
تعترض ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع
المدروس ذاته و هو المادة الحية ، و بعضها الاخر الى يتعلق بتطبيق خطوات
المنج التجريبي عليها .
1-ب- الحجة : و يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة –
شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق
التناسل للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على
توازن الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية
التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي
مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب للمرحلة
اللاحقة . هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من
خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها
جملة من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو
تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز الكائنات الحية –
ايضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و لا يمكن أن يقوم
بوظيفته الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحية
– باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
بالاضافة الى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق
بالمنهج المطبق و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، و أول عائق
يصادفنا على مستوى المنهج هو عائق الملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية
الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و مراحلها ،
لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن
ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و تكامل و ترابط الاجزاء
العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة عند
حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ،
فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم ان عزل العضو
قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين : « إن سائر اجزاء
الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك الا بمقدار ما تتحرك كلها معا
، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من نظام الاحياء الى نظام الاموات
».
و دائما على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن
المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي و
الاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ، إذ أن
تغير المحيط من وسط طبيعي الى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي و يخلق
اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن .
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر
للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان الباحث في ميدان المادة
الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ، ففي المادة الحية
يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس النتيجة ، مثال ذلك
ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة الاولى ، و في الثانية
قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ، مما يعني أن نفس الاسباب
لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما يلزم عنه عدم امكانية
تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما ان التجريب و تكراره
يستند الى هذا المبدأ .
و بشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة .
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة
سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي
وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة
نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف
يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث .
وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع افراد الجنس الواحد ، بحيث ان
الكائن الحي لا يكون هو هو مع الانواع الاخرى من الكائنات ، ويعود ذلك الى
الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي .
1-جـ- النقد : لكن هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و
محاولتها الظهور كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن
الفلسفة ، كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى
التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها .
هذه مجموعة من المقالات الفلسفية
تحضير بكالوريا bac 2022
تجدونها هنــــــــــــــــا
منقول للفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه المجموعه من المقالات هي لأستاذ يعطي دروسا خصوصيه في مادة الفلسفه
ومن أهم المقالات هاته المجموعة التي كتبتها أخت لنا بارك الله فيها ووفقها في مشوارها الدراسي أترككم مع المقالات ونلتقي في موضوع آخر مع كيفية التحضير لهذه الماده المشوقه جدا أثبت الاطروحة القائلة: يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية.( استقصاء بالوضع ) |
||
بالتوفيق لجميع الطلبة
وترقبوا مشاركاتي قريبا ان شاء الله بمواضيع حصرية
✿ موافقة للتصحيحات النموذجية للبكالوريا ✿
هديتي لكم
ملخصات لدروس التاريخ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه . تحذير أولي الألباب من المقالات المخالفة للصواب (2) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد الله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه وكفى بالله شهيداً أما بعد: فيا معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات أُحيِّكم هذه الليلة وأرحِّبُ بكم محدِّثاً إياكم في مقالنا الثاني من سلسلة مقالتنا الموسومة "تحذير أولي الألباب من المقالات المخالفة للصواب" وهذه القصة استمعتُ إليها عبر شريط للأستاذ [صالح بن عواد المغامسي] وفي أغلب ظنِّي أنه أستادٌ في [كُلِّية اللغة من جامعة طيبة بالمدينة النبوية] ومند سمعت هذه القصة استنكرتها، وأستوحش منها قلبي، كما مجَّها سمعي، ولكن لم أحب أن أقول فيها شيئاً قبل أن أستوفِيَ دراستها سنداً ومتناً. وفي الأيامِ القريبةِ القليلةِ وقفتُ على ما أرى أنه يُروي الغليل ويَشفي العليل بإقامة الدّليل على أنّ تلكم القصّة هالكةٌ تالفةٌ ذاهبةٌ. وتتضمَّن رسالتُنا إليكم هذه الليلة معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات ونحن نحدثكم عن هذه القِصّة ما يأتي: أولا: إسماعُكم إياها بصوت الرجل، -ويعلم الله أنه لم يكن فيه من قِبَلِنا لازيادةٌ ولانقصٌ. وثانيا: بيانُ المأخد على هذه القصّة التى عدَّها من سمعها -وليس له أهليَّة النظر في سقيمِ الكلام وصحيحِه- موعظةً من المواعظِ البليغةِ.
فهاكم القصّة أولا مسوقةً إليكم بصوت الأستاذ [صالح بن عواد المغامسي] حاكٍ : [ المغامسي] : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وكان الرجل معه ابنه، وليس هناك فرقٌ بين الإبن وأبيه، فتعجب عمر قائلا: "والله ما رأيت مثل هذا اليوم عجباً ما أشبه أحد أحداً أنت وابنك إنك ما أشبه الغراب الغراب"، -والعرب تضرب فى أمثالها أن الغراب كثير الشبه بقرينه-، [ سماحة الوالد الشيخ عبيد الجابري]:سمعتم معاشرَ المسلمين والمسلمات هذه القصة وكما أسلفتُ فإنها بصوتِ الرجل كما حكاها، وهاكم بعد أن سمعتُموها ووعيتُموها تماماً، التعليقَ عليها، ويتضمَّن: أولاً مصادرَها كما وقفتُ عليها: المصدر الأول: كتاب [الدعاء للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني اللّخمِي -رحمه الله-]فإنها موجودةٌ في كتابه ذلك بسندِها، وسندها فيه (عُبيد بن إسحاق العطار) ويقال (عطَّارُ المطلَّقات) كوفي كنيته أبو عبدالرحمن مات بعد المائتين من الهجرة. والمصدر الثاني: كتابٌ لرجلٍ من غلاة المتصوِّفة وهو [ابن عطاء الله الإسكندراني] وقد شرح هذا الكتب [الحِكَم] متصوفٌ أخر هو أحمد بن محمد ابن عَجِيبة الحسَنِي. قال فيه صاحبُ [معجم المطبوعات العربية]: "العارف الصّوفي!!"، وسَمَّى شرحه (إيقاظ الهِمَم شرح متن الحِكَم) والقصة موجودةٌ في الشّرح. وأما المأخذ الثاني: وهو منصبٌّ على بعضِ عباراتِ القصة، وليست كلِّها. فالعبارة الأولى: قول الشيخ -عفا الله عنّا وعنه، وأصلحَ الله حالنا وحالَه- في عمر -رضي الله عنه-: "وكان يحبُّ غرائبَ الأخبار!!" فالسؤال أولاً ما هذه الغرائب التي كان يحبُّها عمر -رضي الله عنه-؟! كما قال الأستاذ [صالح المغامسي] فإن هذه العبارة مجملة ولا عبرةَ بالمجمل إلا بعد البيان. وثانيا: من له عنايةٌ بالحديث والأثر -نظرٌ يتضمّن الرّواية والدّراية- لا يقبلُ هذا القول لما هو ثابتٌ عن الفاروق -رضي الله عنه- من الشدَّة في الحق، والتحرِّي، ومن ذلكم: وثالثا: من خبَرَ قصة صَبِيغ من خلال دواوين الإسلام في العقائد خاصّة وما صنعَ به عمرُ -رضي الله عنه- من ضَربِِه بالعَراجِين لأنه يعمدُ إلى الغرائبِ من الأقوال تيقَّنَ أن عمرَ -رضي الله عنه- بعيدٌ كلَّ البعد من سماع الغرائب، حتى أن الفاروق -رضي الله عنه- كتب إلى عامله بالعراق -وأظنُّه- سعدَ بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بعزل صبيغ عن مجالس الناس، فبلغَ به من شدَّةِ الكَرْب والضيق ما بلغ، لأنّ صبيغاً كل ما أتى حَلقَة من حِلَق المسجد نادت حَلقَةٌ أخرى: "عَزمةُ أمير المؤمنين"، حتى أصبحَ الرجلُ كالأجرب الذي يَطرده الناس حتى لا يُعدِيَ مواشيهم، أفبعد هذه الأمور الثلاثة يقال: "إن الفاروق أمير المؤمنين ثاني الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم أجمعين- كان يحبُّ غرائب الأخبار!!". المأخذ الثاني : وإن قال قائل: ألا تصدقون بكرامات الأولياء فهذه كرامة .؟ أحدُهما: أن يكون -من يُخبَر عنه بالكرامة- من أهل التوحيد والسُّنة، ومن أهل التّوى والصلاح، وليس من أهل الشّركيات والخرافات ولا من الفُسّاق ولا الفجار . – وأخر صاحب هوى ضالٌّ مُضل له مَقصَد سيّئ، وهو: إشغال الناس عن فقه الكتاب والسنة، أو ربط عوام الناس بأهل الخُرافة من غلاة المتصوفة وأمثالِهم. وأعيذ نفسي والأستاذ [المغامسي] بالله من هذين المسلكين فَكِلاهما إفساد غير إصلاح، وكلاهما سبيلٌ غير سبيل المؤمنين. هذا ما يسرَّ الله سبحانه وتعالى جمعَه حيالَ هذه القصّة، -والله يعلم إني ما أردت إلا النصح-، كما قال -صلي الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم" [أخرجه مسلم] وخاتمة هذا الحديث: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظَ أهل السُّنة في كل مكانٍ وزمانٍ، وأن يثبِّتهم عليها بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أملاه عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري وفرغه الفقير إلى عفو ربه علي الطرابلسي |
||
[COLOR="Blue"]هذه مجموعة من المقالات الفلسفية تهم الشعب التالية النظام الجديد )
اللغات الأجنبية ،العلوم التجريبية ، تسيير واقتصاد ، رياضي ، تقنيرياضي .
قسمناها حسب الإشكاليات التي تخص كل الشعب المذكورة أعلاه
1 – إشكالية : السؤال بين المشكلة و الإشكالية
مشكلة : السؤال و المشكلة
المقالة الأولى :
نص السؤال : هل لكل سؤال جواب بالضرورة ؟
الإجابة النموذجية : الطريقة الجدلية
طرح المشكلة : ماهي الحالة التي يتعذر فيه الجواب عن بعض الأسئلة ؟ أو هل هناك أسئلة تبقى من دون الأجوبة ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة : هو الموقف الذي يقول أن لكل سؤال جواب بالضرورة
الحجج : لأن الأسئلة المبتذلة والمكتسبة والعملية تمتلك هذه الخصوصية ذكر الأمثلة ( الأسئلة اليومية للإنسان ) ( كل شيء يتعلمه الإنسان من المدرسة ) ( أسئلة البيع والشراء وما تطلبه من ذكاء وشطارة )
النقد : لكن هناك أسئلة يتعذر و يستعصي الإجابة عنها لكونها تفلت منه .
نقيض الأطروحة : هو الموقف الذي يقول أنه ليس لكل سؤال جواب بالضرورة
الحجج : لأن هناك صنف أخر من الأسئلة لا يجد لها المفكرين والعلماء و الفلاسفة حلا مقنعا وذلك في صنف الأسئلة الانفعالية ( الأسئلة العلمية ، الأسئلة الفلسفية ) التي تجعل الإنسان حائرا مندهشا أمام بحر من تساؤلات الحياة والكون ،و ما تحمله من صور الخير والشر ، ولذة و ألم ، وشقاء ، وسعادة ، ومصير … وغيرها من الأسئلة التي تنبثق من صميم وجودنا وتعبر عنه في وضعيات مستعصية حول مسألة الأخلاق فلسفيا أو حول مسألة الاستنساخ علميا أو في وضعيات متناقضة محيرة مثل مسألتي الحتمية المناقضة لمسألة الحرية أحرجت الفكر الفلسفي طويلا .كما توجد مسائل مغلقة لم تجد لها المعرفتين ( الفلسفية ، العلمية ) مثل مسألة من الأسبق الدجاجة أم البيضة ..إلخ أو الانغلاق الذي يحمله في طياته كل من مفهوم الديمقراطية و اللاديمقراطية هذه كلها مسائل لا تزال من دون جواب رغم ما حققه العلم من تطور وما كسبه من تقنيات ووسائل ضخمة ودقيقة .. ومهما بلغت الفلسفة من إجابات جمة حول مباحثها .
النقد : لكن هذا لا يعني أن السؤال يخلوا من جواب فلقد استطاع الإنسان أن يجيب على العديد من الأسئلة لقد كان يخشى الرعد والفيضان والنار واليوم لم يصبحوا إلا ظواهر .
التركيب : من خلال هذا التناقض بين الأطروحتين ؛ نجد أنه يمكن حصر الأسئلة في صنفين فمنها بسيطة الجواب وسهلة ، أي معروفة لدى العامة من الناس فمثلا أنا كطالب كنت عاميا من قبل أخلط بين الأسئلة ؛ لكني تعلمت أنني كنت أعرف نوع واحد منها وأتعامل معها في حياتي اليومية والعملية ، كما أنني تعرفت على طبيعة الأسئلة المستعصية التي يستحيل الوصول فيها إلى جواب كاف ومقنع لها ، وهذه الأسئلة مناط اهتمام الفلاسفة بها ، لذلك يقول كارل ياسبرس : " تكمن قيمة الفلسفة من خلال طرح تساؤلاتها و ليس في الإجابة عنها " .
حل المشكلة : نستطيع القول في الأخير ، إن لكل سؤال جواب ، لكن هناك حالات يعسر فيها جواب ، أو يعلق بين الإثبات والنفي عندئذ نقول : " إن السؤال ينتظر جوابا ، بعد أن أحدث نوعا من الإحراج النفسي والعقلي معا ، وربما من باب فضول الفلاسفة والعلماء الاهتمام بالسؤال أكثر من جوابه ؛ قديما إلى يومنا هذا ، نظرا لما يصنع من حيوية واستمرارية في البحث عن الحقيقة التي لا تنهي التساؤلات فيها .
المقالة الثانية :
نص السؤال : هل تقدم العلم سيعود سلبا على الفلسفة ؟
الإجابة النموذجية :الطريقة الجدلية
طرح المشكلة : فهل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل وراءه ، أو بمعنى أخر ما الذي يبرر وجود الفلسفة بعد أن استحوذت العلوم الحديثة على مواضيعها .
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة : لا جدوى من الفلسفة بعد تطور العلم
الموقف : يذهب بعض الفلاسفة من أنصار النزعة العلمية ( أوجست كونت ، غوبلو ) أنه لم يعد للمعرفة الفلسفية دور في الحياة الإنسانية بعد ظهور وتطور العلم في العصر الحديث .
الحجج :
– لأنها بحث عبثي لا يصل إلى نتائج نهائية ، تتعدد فيه الإجابات المتناقضة ، بل نظرتها الميتافيزيقية تبعدها عن الدقة الموضوعية التي يتصف بها الخطاب العلمي هذا الذي جعل أوجست كنت يعتبرها حالة من الحالات الثلاث التي حان للفكر البشري أن يتخلص منها حتى يترك للمرحلة الوضعية وهي المرحلة العلمية ذاتها . وهذا الذي دفع غوبلو يقول : " المعرفة التي ليست معرفة علمية معرفة بل جهلا " .
النقد : لكن طبيعة الفلسفة تختلف عن طبيعة العلم ، فلا يمكن قياس النشاط الفلسفي بمقياس علمي ، كما أن الفلسفة تقدمت بتقدم العلم ، فالإنسان لم يكف عن التفلسف بل تحول من فلسفة إلى فلسفة أخرى .
نقيض الأطروحة : هناك من يبرر وجود الفلسفة رغم تطور العلم
الموقف : يذهب بعض الفلاسفة من أنصار الاتجاه الفلسفي ( ديكارت ، برغسون ، مارتن هيدجر ، كارل ياسبرس ) أن العلم لا يمكنه أن يحل محل الفلسفة فهي ضرورية .
الحجج : لأن الفلسفة تجيب عن تساؤلات لا يجيب عنها العلم . فهاهو كارل ياسبرس ينفي أن تصبح الفلسفة علما لأنه يعتبر العلم يهتم بالدراسات المتخصصة لأجزاء محددة من الوجود مثل المادة الحية والمادة الجامدة … إلخ . بينما الفلسفة تهتم بمسألة الوجود ككل ، وهو نفس الموقف نجده عند هيدجر الذي يرى أن الفلسفة موضوع مترامي الأطراف أما برغسون أن العلوم نسبية نفعية في جوهرها بينما الفلسفة تتعدى هذه الاعتبارات الخارجية للبحث عن المعرفة المطلقة للأشياء ، أي الأشياء في حد ذاتها . وقبل هذا وذاك كان ديكارت قد أكد على هذا الدور للفلسفة بل ربط مقياس تحضر أي أمة من الأمم بقدرة أناسها على تفلسف أحسن .
النقد : لكن الفلسفة باستمرارها في طرح مسائل مجردة لا تيسر حياة الإنسان مثلما يفعل العلم فإنها تفقد قيمتها ومكانتها وضرورتها . فحاجة الإنسان إلى الفلسفة مرتبطة بمدى معالجتها لمشاكله وهمومه اليومية .
التركيب : لكل من الفلسفة والعلم خصوصيات مميزة
لا ينبغي للإنسان أن يثق في قدرة العلم على حل كل مشاكله و الإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها و بالتالي يتخلى عن الفلسفة ، كما لا ينبغي له أن ينظر إلى العلم نظرة عجز وقصور عن فهم وتفسير الوجود الشامل ، بل ينبغي للإنسان أن يتمسك بالفلسفة والعلم معا . لأن كل منهما خصوصيات تميزه عن الأخر من حيث الموضوع والمنهج والهدف وفي هذا الصدد يقول المفكر الفرنسي لوي ألتو سير : " لكي تولد الفلسفة أو تتجدد نشأتها لا بد لها من وجود العلوم …"
حل المشكلة : وفي الأخير نخلص إلى أن الإنسان يعتمد في تكوين معرفته وتطوير حياته عن طريق الفلسفة والعلم معا فلا يوجد تعارض بينهما فإن كانت الفلسفة تطرح أسئلة فإن العلم يسعى سعيا للإجابة عنها ، ثم تقوم هي بدورها بفحص إجابات العلم و نقدها و. وهذا يدفع العلم إلى المزيد من البحث والرقي وهذا الذي دفع هيجل إلى قولته الشهيرة " إن العلوم كانت الأرضية التي قامت عليها الفلسفة ، وتجددت عبر العصور ".
المقالة الثالثة :
نص السؤال : يرى باسكال أن كل تهجم على الفلسفة هو في الحقيقة تفلسف .
الإجابة النموذجية : الطريقة جدلية
طرح المشكلة : لم يكن الخلاف الفلاسفة قائما حول ضرورة الفلسفة ما دامت مرتبطة بتفكير الإنسان ، وإنما كان قائما حول قيمتها والفائدة منها . فإذا كان هذا النمط من التفكير لا يمد الإنسان بمعارف يقينية و لا يساهم في تطوره على غرار العلم فما الفائدة منه ؟ وما جدواه؟ وهل يمكن الاستغناء عنه ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة : الفلسفة بحث عقيم لا جدوى منه ، فهي لا تفيد الإنسان في شيء فلا معارف تقدمها و لا حقائق .
الحجج : لأنها مجرد تساؤلات لا تنتهي كثيرا ما تكون متناقضة وتعمل على التشكيل في بعض المعتقدات مما يفتح الباب لبروز الصراعات الفكرية كما هو الشأن في علم الكلام .
النقد : لكن هذا الموقف فيه جهل لحقيقة الفلسفة . فهي ليست علما بل وترفض أن تكون علما حتى تقدم معارف يقينية. وإنما هي تساؤل مستمر في الطبيعة وما وراءها و في الإنسان وأبعاده ، وقيمتها لا تكمن فيما تقدمه و إنما في النشاط الفكري الدؤوب الذي تتميز به ، أو ما يسمى بفعل التفلسف .
نقيض الأطروحة : الفلسفة ضرورية ورفضها يعتبر في حد ذاته فلسفة
الحجج : لأن التفلسف مرتبط بتفكير الإنسان والاستغناء عنه يعني الاستغناء عن التفكير وهذا غير ممكن .ثم إن الذين يشككون في قيمتها مطالبون بتقديم الأدلة على ذلك ، والرأي و الدليل هو التفلسف بعينه . ثم إن الذين يطعنون فيها يجهلون حقيقتها ، فالفلسفة كتفكير كثيرا ما ساهم في تغيير أوضاع الإنسان من خلال البحث عن الأفضل دائما ، فقد تغير وضع المجتمع الفرنسي مثلا بفضل أفكار جون جاك روسو عن الديمقراطية . وقامت الثورة البلشفية في روسيا على خلفية أفكار فلسفية لكارل ماركس عن الاشتراكية ، وبتن الولايات المتحدة الأمريكية سياستها كلها عن أفكار فلسفية لجون ديوي عن البراغماتية .
النقد : لكن الأبحاث الفلسفية مهما كانت فإنها تبقى نظرية بعيدة عن الواقع الملموس ولا يمكن ترجمتها إلى وسائل مادية مثل ما يعمله العلم .
التركيب : إن قيمة الفلسفة ليست في نتائجها والتي هي متجددة باستمرار لأن غايتها في الحقيقة مطلقة . وإنما تكمن في الأسئلة التي تطرحها ، و في ممارسة فعل التفلسف الذي يحرك النشاط الفكري عند الإنسان. وحتى الذين يشككون في قيمتها مضطرين لاستعمالها من حيث لا يشعرون ، فهو يرفض شيئا وفي نفس الوقت يستعمله .
حل المشكلة : نعم إن كل رفض للفلسفة هو في حد ذاته تفلسف.
2 – الإشكالية :الفكر بين المبدأ و الواقع
مشكلة : انطباق الفكر مع الواقع
المقالة الرابعة :
نص السؤال : قارن بين عناصر الأطروحة التالية : " بالاستدلال الصوري والاستقرائي يتوصل إلى معرفة الحقائق "
الإجابة النموذجية : طريقة المقارنة
1 – طرح المشكلة : يسلك العقل الإنساني عمليات فكرية مختلفة في البحث عن المعرفة وفي طلب الحقيقة ومن بينها طريقة الاستدلال أهمها استخداما الاستدلال الصوري والاستدلال الاستقرائي.فأما الاستدلال الصوري (الاستنتاج) فيعتبر من أشيع صور الاستدلال وأكملها إنه في عرف المناطقة القدماء ينطلق من المبدأ إلى النتائج أو هو البرهان على " القضايا الجزئية بواسطة القضايا الكلية العامة ، باستخلاص الحقيقة الجزئية من الحقيقة الكلية العامة " ويدخل في هذا التعريف شكلا الاستنتاج الصوري أو الاستنتاج التحليلي والاستنتاج أو الرياضي ، أما الاستدلال الاستقرائي كما عرفه القدماء ، منهم أرسطو : " إقامة قضية عامة ليس عن طريق الاستنباط ، وإنما بالالتجاء إلى الأمثلة الجزئية التي يمكن فيها صدق تلك القضية العامة …" أما المحدثون فقد عرفوه " استنتاج قضية كلية من أكثر من قضيتين ، وبعبارة أخرى هو استخلاص القواعد العامة من الأحكام الجزئية ". فإذا كان العقل في بحثه يعتمد على هذين الاستدلالين فما علاقة كل منهما بالآخر في مساندة العقل على بلوغ الحقيقة ؟
2 – محاولة حل المشكلة :
كل من الاستدلال الصوري والاستقرائي منهجان عقليان يهدفان إلى بلوغ الحقيقة والوقوف على النتيجة بعد حركة فكرية هادفة ، كما أنهما نوعان من الاستدلال ينتقلا سويا من مقدمات وصولا إلى نتائج ، كما أن العقل في بنائه للقوانين العامة أو في استنباطه لما يترتب عنها من نتائج يتبع أساليب محددة في التفكير ويستند إلى مبادئ العقل .
ولكن هل وجود نقاط تشابه بينهما يمنع وجود اختلاف بينهما.
من خلال الوقوف على حقيقة كل من الاستدلال الصوري والاستدلال الاستقرائي سنجد أهم فرق بينهما في كون أن الاستدلال الاستقرائي ينطلق من أحكام كلية باتجاه أحكام جزئية ويتدرج نحو قوانينها العامة ، أما الاستدلال الصوري فينطلق من أحكام كلية باتجاه أحكام جزئية . فعملية الاستقراء تقوم على استنباط القوانين من استنطاق الوقائع ، أما عملية الاستنتاج فتقوم على انتقال الفكر من المبادئ إلى نتائجها بصورة عقلية بحتة . وقد بين ذلك برتراند راسل في قوله " يعرف الاستقراء بأنه سلوك فكري يسير من الخاص إلى العام ، في حين أن الاستنتاج هو السلوك الفكري العكسي الذي يذهب من العام إلى الخاص " هذا بالإضافة إلى كون نتائج الاستدلال الاستقرائي تستمد يقينها من الرجوع إلى التجربة أي تتطلب العودة إلى المدرك الحسي من أجل التحقق ، بينما نتائج الاستنتاج تستمد يقينها من علاقاتها بالمقدمات أي تفترض عدم التناقض بين النتائج والمقدمات .بالإضافة إلى ذلك نجد أن النتيجة في الاستدلال الصوري متضمنة منطقيا في المقدمات ، وأننا قد نصل إلى نتيجة كاذبة على الرغم من صدق المقدمات ، نجد على العكس من ذلك أن الاستدلال الاستقرائي يستهدف إلى الكشف عما هو جديد ، لأنه ليس مجرد تلخيص للملاحظات السابقة فقط ، بل إنه يمنحنا القدرة على التنبؤ.
لكن هل وجود نقاط الاختلاف هذه تمنع من وجود نقاط تداخل بينهما ؟
إن عملية الفصل بين الاستدلال الصوري والاستدلال الاستقرائي تبدو صعبة خاصة في الممارسة العملية ، فبالرغم من أننا ننساق عادة مع النظرة التي تميز بينهما باعتبارهما أسلوبين من الاستدلال .إلا أن هناك نظرة تبسيطية مثل الفيلسوف كارل بوبر الذي يرى إن العمل الاستقرائي العلمي يحتاج إلى استنباط منطقي ، يمكن من البحث عن الصورة المنطقية للنظرية ، ومقارنة نتائجها بالاتساق الداخلي وبغيرها من النظريات الأخرى .يقول بترا ند راسل: " إذا كان تفكير المجرب يتصرف عادة منطلقا من ملاحظة خاصة ، ليصعد شيئا فشيئا نحو مبادئ وقوانين عامة ، فهو يتصرف كذلك حتما منطلقا من نفس تلك القوانين العامة ، أو المبادئ ليتوجه نحو أحداث خاصة يستنتجها منطقيا من تلك المبادئ " وهذا يثبت التداخل الكبير بينهما باعتبار أن المقدمات هي في الأغلب أحكام استقرائية ويتجلى دور الاستدلال الصوري في عملية الاستدلال الاستقرائي في مرحلة وضع الفروض فبالاستدلال الصوري يكمل الاستدلال الاستقرائي في المراحل المتقدمة من عملية بناء المعرفة العلمية .
3 – حل المشكلة : إن العلاقة بين الاستدلال الصوري والاستقرائي هي علاقة تكامل إذ لا يمكن الفصل بينهما أو عزلهما عن بعضهما فالذهن ينتقل من الاستدلال الاستقرائي إلى الاستدلال الصوري و يرتد من الاستدلال الصوري إلى الاستدلال الاستقرائي بحثا عن المعرفة ويقو ل الدكتور محمود قاسم : " وهكذا يتبين لنا أن التفرقة بين هذين الأسلوبين من التفكير مصطنعة "ويقول بترا ند راسل " ويصعب كذلك الفصل بين الاستنتاج والاستقراء" و بناء على هذا فالفكر الاستدلالي يستند في طلبه للمعرفة إلى هذين الطريقين المتكاملين وبدونهما يتعذر بناء استدلال صحيح .
[
]المقالة الخامسة :
نص السؤال : " ينبغي أن تكون الحتمية المطلقة أساسا للقوانين التي يتوصل إليها العلم " ما رأيك ؟
الإجابة النموذجية : الطريقة الجدلية
طرح المشكلة ← إن الغاية من العلم هو الوصول إلى تفسير الظواهر تفسيرا صحيحا ، أي معرفة الأسباب القريبة التي تتحكم في الظواهر و أنه إذا تكرر نفس السبب فإنه سيؤدي حتما إلى نفس النتائج وقد اصطلح على تسميته من طرف العلماء بمبدأ الحتمية ؛ إلا أنه شكل محل خلاف بين الفلاسفة القرن 19 وفلاسفة القرن 20 فقد كان نظاما ثابتا يحكم كل الظواهر عند الفريق الأول ثم أفلتت بعض الظواهر عنه حسب الفريق الثاني بظهور مجال جديد سمي باللاحتمية فأي الفريقين على صواب أو بمعنى أخر :هل يمكن الاعتقاد بأن الحوادث الطبيعية تجري حسب نظام كلي دائم ؟ أم يمكن تجاوزه ؟
محاولة حل المشكلة ←
الأطروحة ← يرى علماء ( الفيزياء الحديثة) وفلاسفة القرن التاسع عشر ( نيوتن ، كلود برنار ، لابلاس ، غوبلو ، بوانكاريه ) أن الحتمية مبدأ مطلق . فجميع ظواهر الكون سواء المادية منها أو البيولوجية تخضع لمبدأ إمكانية التنبؤ بها . ولقد أشار نيوتن في القاعدة الثانية من أسس تقدم البحث العلمي و الفلسفي : " يجب أن نعين قدر المستطاع لنفس الآثار الطبيعية نفس العلل " كما اعتبر بوانكاريه الحتمية مبدأ لا يمكن الاستغناء عنه في أي تفكير علمي أو غيره فهو يشبه إلى حد كبير البديهيات إذ يقول " إن العلم حتمي و ذلك بالبداهة " كما عبر عنها لابلاس عن مبدأ الحتمية أصدق تعبير عندما قال " يجب علينا أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة "" وكلود برنار يضيف أن الحتمية ليس خاصة بالعلوم الفيزيائية وحدها فقط بل هي سارية المفعول حتى على علوم الإحياء . وأخيرا يذهب غوبلو إلى القول : بأن العالم متسق ، تجري حوادثه على نظام ثابت وأن نظام العالم كلي وعام فلا يشذ عنه في المكان حادث أو ظاهرة فالقانون العلمي هو إذن العلاقة الضرورية بين الظواهر الطبيعية "
الحجج ← إن الطبيعة تخضع لنظام ثابت لا يقبل الشك أو الاحتمال لأنها غير مضطرة و معقدة وبالتالي فمبدأ الحتمية هو أساس بناء أي قانون علمي ورفضه هو إلغاء للعقل وللعلم معا .
النقد ← لكن مع اقتراب القرن 19 من نهايته اصطدم التفسير الميكانيكي ببعض الصعوبات لم يتمكن من إيجاد حل لها مثلا : افتراض فيزياء نيوتن أن الظواهر الطبيعية مترابطة و متشابكة مما يقلل من فعالية ووسائل القياس عن تجزئتها إلى فرديات يمكن الحكم على كل واحد منها بمعزل عن الأخرى . ولن يكون صورة كاملة عن هذا العالم إلا إذا وصلت درجة القياس الذي حواسنا إلى درجة النهاية وهذا مستحيل .
نقيض الأطروحة ← يرى علماء ( الفيزياء المعاصرة ) و فلاسفة القرن العشرين ( بلانك ، ادينجتون ، ديراك ، هيزنبرغ ) أن مبدأ الحتمية غير مطلق فهو لا يسود جميع الظواهر الطبيعية .
الحجج ← لقد أدت الأبحاث التي قام بها علماء الفيزياء و الكيمياء على الأجسام الدقيقة ، الأجسام الميكروفيزيائية إلى نتائج غيرت الاعتقاد تغييرا جذريا . حيث ظهر ما يسمى باللاحتمية أو حساب الاحتمال وبذلك ظهر ما يسمى بأزمة الفيزياء المعاصرة و المقصود بهذه الأزمة ، أن العلماء الذين درسوا مجال العالم الأصغر أي الظواهر المتناهية في الصغر ، توصلوا إلى أن هذه الظواهر تخضع لللاحتمية وليس للحتمية ورأى كل من ادينجتون و ديراك أن الدفاع عن مبدأ الحتمية بات مستحيلا ، وكلاهما يرى أن العالم المتناهي في الصغر عالم الميكروفيزياء خاضع لمبدأ الإمكان و الحرية و الاختيار . ومعنى هذا أنه لا يمكن التنبؤ بهذه الظواهر ونفس الشيء بالنسبة لبعض ظواهر العالم الأكبر (الماكروفيزياء ) مثل الزلازل . وقد توصل هايزنبرغ عام 1926 إلى أن قياس حركة الإلكترون أمر صعب للغاية ، واكتفى فقط بحساب احتمالات الخطأ المرتكب في التوقع أو ما يسمى بعلائق الارتياب حيث وضع القوانين التالية :
← كلما دق قياس موقع الجسم غيرت هذه الدقة كمية حركته .
← كلما دق قياس حركته التبس موقعه .
← يمتنع أن يقاس موقع الجسم وكمية حركته معا قياسا دقيقا ، أي يصعب معرفة موقعه وسرعته في زمن لاحق .
إذا هذه الحقائق غيرت المفهوم التوليدي حيث أصبح العلماء الفيزيائيون يتكلمون بلغة الاحتمال و عندئذ أصبحت الحتمية فرضية علمية ، ولم تعد مبدأ علميا مطلقا يفسر جميع الظواهر .
نقد ← لكن رغم أن النتائج و البحوث العلمية أثبتت أن عالم الميكروفيزياء يخضع لللاحتمية وحساب الاحتمال فإن ذلك مرتبط بمستوى التقنية المستعملة لحد الآن . فقد تتطور التقنية و عندئذ في الإمكان تحديد موقع وسرعة الجسم في آن واحد .
التركيب ← ذهب بعض العلماء أصحاب الرأي المعتدل على أن مبدأ الحتمية نسبي و يبقى قاعدة أساسية للعلم ، فقد طبق الاحتمال في العلوم الطبيعية و البيولوجية وتمكن العلماء من ضبط ظواهر متناهية في الصغر واستخرجوا قوانين حتمية في مجال الذرة و الوراثة ، ولقد ذهب لانجفان إلى القول " و إنما تهدم فكرة القوانين الصارمة الأكيدة أي تهدم المذهب التقليدي "
حل المشكلة ← ومنه يمكن القول أن كل من الحتمية المطلقة والحتمية النسبية يهدفان إلى تحقيق نتائج علمية كما أن المبدأين يمثلان روح الثورة العلمية المعاصرة ، كما يتناسب هذا مع الفطرة الإنسانية التي تتطلع إلى المزيد من المعرفة ، وواضح أن مبدأ الحتمية المطلق يقودنا على الصرامة وغلق الباب الشك و التأويل لأن هذه العناصر مضرة للعلم ، وفي الجهة المقابلة نجد مبدأ الحتمية النسبي يحث على الحذر و الابتعاد عن الثقة المفرطة في ثباتها ، لكن من جهة المبدأ العام فإنه يجب علينا أن نعتبر كل نشاط علمي هو سعي نحو الحتمية فباشلار مثلا يعتبر بأن مبدأ اللاتعيين في الفيزياء المجهرية ليس نفيا للحتمية ، وفي هذا الصدد نرى بضرورة بقاء مبدأ الحتمية المطلق قائم في العقلية العلمية حتى وإن كانت بعض النتائج المتحصل عليها أحيانا تخضع لمبدأ حساب الاحتمالات .[/b]
[b][font="Georgia"]المقالة السادسة :
نص السؤال :
يقول هنري بوانكاريه : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن … » أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنها فما عساك أن تفعل ؟
الإجابة النموذجية : طريقة استقصاء بالوضع
طرح المشكلة :
إن الفرضية هي تلك الفكرة المسبقة التي توحي بها الملاحظة للعالم ، فتكون بمثابة خطوة تمهيدية لوضع القانون العلمي ، أي الفكرة المؤقتة التي يسترشد بها المجرب في إقامته للتجربة . ولقد كان شائعا بين الفلاسفة والعلماء من أصحاب النزعة التجريبية أنه لم يبق للفرضية دور في البحث التجريبي إلا أنه ثمة موقف آخر يناقض ذلك متمثلا في موقف النزعة العقلية التي تؤكد على فعالية الفرضية و أنه لا يمكن الاستغناء عنها لهذا كان لزاما علينا أن نتساءل كيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة؟ هل يمكن تأكيدها بأدلة قوية ؟ و بالتالي تبني موقف أنصارها ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة :
يذهب أنصار الاتجاه العقلي إلى أن الفرضية كفكرة تسبق التجربة أمر ضروري في البحث التجريبي ومن أهم المناصرين للفرضية كخطوة تمهيدية في المنهج التجريبي الفيلسوف الفرنسي كلود برنار ( 1813 – 1878 ) و هو يصرح بقوله عنها « ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل» ويقول في موضع أخر « الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع و إليها ترجع كل مبادرة » وبالتالي نجد كلود برنار يعتبر الفرض العلمي خطوة من الخطوات الهامة في المنهج التجريبي إذ يصرح « إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة » أما المسلمة المعتمدة في هذه الأطروحة هو أن " الإنسان يميل بطبعه إلى التفسير و التساؤل كلما شاهد ظاهرة غير عادية " وهو في هذا الصدد يقدم أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثه عن العالم التجريبي " فرانسوا هوبير" ، وهو يقول أن هذا العالم العظيم على الرغم من أنه كان أعمى فإنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها ،، ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية ، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربة لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطبع العقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة مسبقة . و بهذا المثال نكون قد أعطينا أكبر دليل على وجوب الفرضية وهي حجة منطقية تبين لنا أنه لا يمكن أن نتصور في تفسير الظواهر عدم وجود أفكار مسبقة و التي سنتأكد على صحتها أو خطئها بعد القيام بالتجربة .
نقد خصوم الأطروحة :
هذه الأطروحة لها خصوم وهم أنصار الفلسفة التجريبية و الذين يقرون بأن الحقيقة موجودة في الطبيعة و الوصول إليها لا يأتي إلا عن طريق الحواس أي أن الذهن غير قادر على أن يقودنا إلى حقيقة علمية . والفروض جزء من التخمينات العقلية لهذا نجد هذا الاتجاه يحاربها بكل شدة ؛ حيث نجد على رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل ( 1806 – 1873 ) الذي يقول فيها « إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة »وقد وضع من أجل ذلك قواعد سماها بقواعد الاستقراء متمثلة في : ( قاعدة الاتفاق أو التلازم في الحضور _ قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب – قاعدة البواقي – قاعدة التلازم في التغير أو التغير النسبي ) وهذه القواعد حسب " مل " تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية . ومنه فالفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج – لأنها تشكل الخطوة الأولى لتأسيس القانون العلمي بعد أن تحقق بالتجربة – هذا الذي دفع من قبل العالم نيوتن يصرح ب : « أنا لا أصطنع الفروض » كما نجد "ما جندي" يرد على تلميذه كلود برنار : «اترك عباءتك ، و خيالك عند باب المخبر » . لكن هذا الموقف ( موقف الخصوم ) تعرض لعدة انتقادات أهمها :
– أما عن التعرض للإطار العقلي للفرض العلمي ؛ فالنزعة التجريبية قبلت المنهج الاستقرائي وقواعده لكنها تناست أن هذه المصادر هي نفسها من صنع العقل مثلها مثل الفرض أليس من التناقض أن نرفض هذا ونقبل بذاك .
– كما أننا لو استغنينا عن مشروع الافتراض للحقيقة العلمية علينا أن نتخلى أيضا عن خطوة القانون العلمي – هو مرحلة تأتي بعد التجربة للتحقق من الفرضية العلمية – المرحلة الضرورية لتحرير القواعد العلمية فكلاهما – الفرض ، القانون العلمي – مصدران عقليان ضروريان في البحث العلمي عدمهما في المنهج التجريبي بتر لكل الحقيقة العلمية .
– كما أن عقل العالم أثناء البحث ينبغي أن يكون فعالا ، وهو ما تغفله قواعد "جون ستيوارت مل "التي تهمل العقل و نشاطه في البحث رغم أنه الأداة الحقيقية لكشف العلاقات بين الظواهر عن طريق وضع الفروض ، فدور الفرض يكمن في تخيل ما لا يظهر بشكل محسوس .
– كما أننا يجب أن نرد على "جون ستيوارت مل" بقولنا أنه إذا أردنا أن ننطلق من الملاحظة إلى التجربة بالقفز وتجاهل الفرضية فنحن مضطرين لتحليل الملاحظة المجهزة تحليلا عقليا و خاصة إذا كان هذا التحليل متعلق بعالم يتصف بالروح العلمية . يستطيع بها أن يتجاوز تخميناته الخاطئة ويصل إلى تأسيس أصيل لنظريته العلمية مستعملا الفرض العلمي لا متجاوزا له .
– أما" نيوتن " ( 1642 – 1727 )لم يقم برفض كل أنواع الفرضيات بل قام برفض نوع واحد وهو المتعلق بالافتراضات ذات الطرح الميتافيزيقي ، أما الواقعية منها سواء كانت علية ، وصفية ، أو صورية فهي في رأيه ضرورية للوصول إلى الحقيقة . فهو نفسه استخدم الفرض العلمي في أبحاثة التي أوصلته إلى صياغة نظريته حول الجاذبية .
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية شكلا ومضمونا :
إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلى الدفاع مرة أخرى عن الأطروحة القائلة : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن … » ، ولكن بحجج وأدلة جديدة تنسجم مع ما ذهب إليه كلود برنار أهمها :
– يؤكد الفيلسوف الرياضي " بوانكاريه " ( 1854 – 1912 ) وهو يعتبر خير مدافع عن دور الفرضية لأن غيابها حسبه يجعل كل تجربة عقيمة ، «ذلك لأن الملاحظة الخالصة و التجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم » مما يدل على أن الفكرة التي يسترشد بها العالم في بحثه تكون من بناء العقل وليس بتأثير من الأشياء الملاحظة وهذا ما جعل بوانكاريه يقول أيضا « إن كومة الحجارة ليست بيتا فكذلك تجميع الحوادث ليس علما »
– إن الكشف العلمي يرجع إلى تأثير العقل أكثر مما يرجع إلى تأثير الأشياء يقول " ويوال " : « إن الحوادث تتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يحي الفكر المبدع .» والفرض علمي تأويل من التأويلات العقلية .
– إن العقل لا يستقبل كل ما يقع في الطبيعة استقبالا سلبيا على نحو ما تصنع الآلة ، فهو يعمل على إنطاقها مكتشفا العلاقات الخفية ؛ بل نجد التفكير العلمي في عصرنا المعاصر لم يعد يهمه اكتشاف العلل أو الأسباب بقدر ما هو اكتشاف العلاقات الثابتة بين الظواهر ؛ والفرض العلمي تمهيد ملائم لهذه الاكتشافات ، ومنه فليس الحادث الأخرس هو الذي يهب الفرض كما تهب النار الفرض كما تهب النار ؛ لأن الفرض من قبيل الخيال ومن قبيل واقع غير الواقع المحسوس ، ألم يلاحظ أحد الفلكيين مرة ، الكوكب "نبتون" قبل " لوفيري " ؟ ولكنه ، لم يصل إلى ما وصل إليه " لوفيري " ، لأن ملاحظته العابرة لم تسبق فكرة أو فرض .
– 2022) لا نستطيع الاعتماد على العوامل الخارجية لتنشئة الفرضية لأنها برأيه « … مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض … » بل حسبه أيضا يعتبر العوامل الخارجية مشتركة بين جميع الناس ولو كان الفرض مرهونا بها لصار جميع الناس علماء وهذا أمر لا يثبته الواقع فالتفاحة التي شاهدها نيوتن شاهدها قبله الكثير لكن لا أحد منهم توصل إلى قانون الجاذبية . ولهذا نجد عبد الرحمان بدوي يركز على العوامل الباطنية ؛ «… أي على الأفكار التي تثيرها الظواهر الخارجية في نفس المشاهد …»
– ومع ذلك ، يبقى الفرض أكثر المساعي فتنة وفعالية ، بل المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواء كانت صحته مثبتة أو غير مثبتة ، لأن الفرض الذي لا تثبت صحته يساعد بعد فشله على توجيه الذهن وجهة أخرى وبذلك يساهم في إنشاء الفرض من جديد ؛ فالفكرة إذن منبع رائع للإبداع مولد للتفكير في مسائل جديدة لا يمكن للملاحظة الحسية أن تنتبه لها بدون الفرض العلمي .
حل المشكلة :
نستنتج في الأخير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار دور الفرضية أو استبعاد آثارها من مجال التفكير عامة ، لأنها من جهة أمر عفوي يندفع إليه العقل الإنساني بطبيعته ، ومن جهة أخرى وهذه هي الصعوبة ، تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم وشعوره الخالص وقديما تنبه العالم المسلم الحسن بن الهيثم ( 965 – 1039 ) – قبل كلود برنار _ في مطلع القرن الحادي عشر بقوله عن ضرورة الفرضية « إني لا أصل إلى الحق من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية و صورتها الأمور العقلية » ومعنى هذا أنه لكي ينتقل من المحسوس إلى المعقول ، لابد أن ينطلق من ظواهر تقوم عليها الفروض ، ثم من هذه القوانين التي هي صورة الظواهر الحسية .وهذا ما يأخذنا في نهاية المطاف التأكيد على مشروعية الدفاع وبالتالي صحة أطروحتن
بارك الله فيكم وسدد خطاكم وجعلكم من اهل الجنة
ننتظر منكم المزيد
ينقل للقسم المناسب
وعلينا عندما ننقل مقالات أو أعمال ليست من إنجازنا أن نقول العمل منقول للفائدة فقط
نريد أن تفيدوا المنتدى بشيء جديد و متميز
شكرا على المجهود رغم ذلك
الأستاذة عيسى فاطمة
فلنبتدئ على بركة الله
ج – حل المشكلة : مهما تطور الإنسان علميا ، وصال و جال ، فإنه بحاجة إلى الفلسفة ، ولا يمكنه الاستغناء عنها
اللهم انصر اخوننا في فلسطين
ننتضر مزيد من التالق والمواضيع المميزة
يا ريت لو تعطونا تحليل للنصوص