شـــجـــرة الـــزقـــوم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى :( أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ـ إنا جعلناها فتنة للظالمين ـ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ـ طلعها كأنه رءوس الشياطين ـ فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ـ ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ) . [ الصافات : 62 ] .
( أذلك خير ) أي : ذلك النعيم الذي وصفناه لأهل الجنة خير ، أم العذاب الذي يكون في الجحيم من جميع أصناف العذاب ؟ فأي الطعامين أولى ؟ الذي وصف في الجنة (أم ) طعام أهل النار ؟ وهو ( شجرة الزقوم ـ إنا جعلناها فتنة ) أي : عذابا ونكالا ( للظالمين ) أنفسهم بالكفر والمعاصي .
( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ) أي : وسطه ، فهذا مخرجها ، ومعدنها أشر المعادن وأسوؤها ، وشر المغرس يدل على شر الغراس وخسته ، ولهذا نبهنا الله على شرها بما ذكر أين تنبت به ، وبما ذكر من صفة ثمرتها .
وأنها : ( رءوس الشياطين ) فلا تسأل بعد هذا عن طعمها ، وما تفعل في أجوافهم وبطونهم ، وليس لهم عنها مندوحة ولا معدل .
ولهذا قال : ( فإنهم لأكلون منها فمالئون منها البطون ) فهذا طعام أهل النار ، فبئس الطعام طعامهم .
ثم ذكر شرابهم فقال : ( ثم إن لهم عليها ) أي : على أثر هذا الطعام ( لشوبا من حميم ) أي : ماء ً حارا قد انتهى [ حره ] ، كما قال تعالى : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا ) ، وكما قال تعالى : ( وسقوا ماء حميما فقطّع أمعاءهم ) .
قال الله تعالى : ( ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ـ لأكلون من شجر من زقوم ـ فمالئون منها البطون ـ فشاربون عليه من الحميم ـ فشاربون شرب الهيم ) [ الواقعة : 52 ] .
( ثم إنكم أيها الضالون ) عن طريق الهدى ، التابعون لطريق الردى ( المكذبون ) بالرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق والوعد والوعيد ، ( لأكلون من شجر من زقوم ) وهو أقبح الأشجار وأخسها وأنتنها ريحا وأبشعها منظرا ( فمالئون منها البطون ) .
والذي أوجب لهم أكلها ـ مع ماهي عليه من الشناعة ـ الجوع المفرط الذي يلتهب في أكبادهم وتكاد تنقطع منه أفئدتهم .
هذا الطعام الذي يدفعون به الجوع ، وهو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع .
وأما شرابهم فهو بئس الشراب ، وهو أنهم يشربون على هذا الطعام من الماء الحميم الذي يغلي في البطون ، شرب الإبل الهيم ، أي : العطاش التي قد اشتد عطشها ، أو [ أن الهيم ] داء يصيب الإبل ، لا تروى معه من شراب الماء . ( هذا ) الطعام والشراب ( نزلهم ) أي : ضيافتهم ( يوم الدين ) وهي الضيافة التي قدموها لأنفسهم ، وآثروها على ضيافة الله لأوليائه .
المصدر :
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله