قال أبو عثمان [الجاحظ]: هناك لثغات في لسان العرب*اي بمعنى نطق بعض الحروف نطقا خاطئا* وهي أربعة أحرف: (القاف، والسين، واللام، والراء)، فأما التي هي على (الشين المعجمة) فذلك شيء لا يصوِّره الخَطّ؛ لأنه ليس من الحروف المعروفة، وإنما هو مَخْرجٌ من المخارج، والمخارجُ لا تُحصَى ولا يُوقف عليها.وكذلك القولُ في حروف كثيرة من حروف لغات العجم؛ وليس ذلك في شيء أكثَرَ مِنه في لغة الخوز، وفي سواحل البحر من أسياف فارسَ ناسٌ كثير، كلامُهم يشبه الصَّفير، فمَنْ يستطيع أن يصوِّر كثيراً من حروف الزَّمزمة، والحروفِ التي تظهر من فم المجوسيّ إذا تَرك الإفصاحَ عن معانيه، وأخَذَ في باب الكناية وهو على الطعام?
فاللُّثغة التي تعرِض للسّين تكون ثاء، كقولهم لأبي يَكسوم: أبي يَكثوم؛ وكما يقولون: بُثْرَةٌ، وبِثْم اللَّهِ، إذا أرادوا بُسْرة، وبسم اللَّه.
والثانية اللثْغة التي تعرِض للقاف؛ فإن صاحبها يجعل القاف طاءً، فإذا أراد أن يقول: قلت له، قال: طُلْت له؛ وإذا أراد أن يقول: قال لي، قال: طال لي.
وأما اللثغة التي تقع في اللام فإن مِن أهلها مَن يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله: اعتَلَلْتُ: اعتيْيت، وبدل جَمَل: جَمَيْ،
وآخرون يجعلون اللامَ كافاً، كالذي عَرَض لعُمَر أخي هلال، فإنه كان إذا أراد أن يقول: ما العلة في هذا، قال: مَكْعِكّة في هذا!
وأمّا اللُّثغة التي تقع في الراء فإنَّ ….الذي يعرِض لها أربعةُ أحرف: فمنهم مَن إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْيْ، فيجعل الراء ياءً، ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْغ، فيجعل الراء غيناً، ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْذ، فيجعل الراء ذالاً، وإذا أنشد قول الشاعر:
واستبدَّت مَـرَّةً واحـدة**إنما العاجزُ مَن لا يستبدّ
قال:
واستبدَّت مَـذَّة واحـدة=إنما العاجز من لا يستبدّ
فمن هؤلاء عليّ بن الجُنيد بن فُرَيدى، ومنهم من يجعل الراء ظاءً معجمة، فإذا أراد أن يقول:
واستبدت مـرة واحـدة=إنما العاجز من لا يستبدّ
يقول:
واستبدَّت مَظَّة واحـدة=إنما العاجز من لا يستبدّ
ومنهم من يجعل الرّاء غَيناً معجمة، فإذا أراد أن ينشد هذا البيت قال:
واستبدت مـغَّةً واحـدة=إنما العاجز من لا يستبدّ
كما أن الذي لُثْغته بالياء، إذا أراد أن يقول: واستبدّت مرة واحدة يقول:
واستبدت مَيَّةً واحدة،
وأما اللثغة الخامسة التي كانت تعرض لواصل بن عطاء، ولسليمان بن يزيدَ العدويِّ الشاعر، فليس إلى تصويرها سبيل،
وكذلك اللثغة التي تعرض في السين كنحو ما كان يعرِض لمحمَّد بن الحجاج، كاتب داود بن محمد، كاتب أم جعفر؛ فإنّ تلك أيضاً ليست لها صورةٌ في الخط تُرى بالعين، وإنما يصوِّرها اللِّسان وتتأدَّى إلى السمع،
وربَّما اجتمعت في الواحد لثُغْتان في حرفين، كنحو لثغة شَوْشَى، صاحب عبد اللَّه خالد الأموي؛ فإنه كان يجعل اللامَ ياءً والراء ياء، قال مرّةً: مَويايَ ويِيُّ يَّيْ، يريد: مولاي وليّ الرَّيّ، __________________ يقول الجاحظ: وقدْ زعم ناسٌ من العوامّ أن موسى عليه السلام كان ألثَغ، ولم يقِفوا من الحروف التي كانت تعرِض له على شيء بعينه، فمنهم مَن جعل ذلك خِلقة، ومنهم من زعَم أنَّه إنما اعتراه حين قالت آسيةُ بنتُ مُزاحِمٍ امرأة فرعون لفرعون: لا تَقْتُلْ طفلاً لا يعرف التَّمر من الجمر، فلمَّا دعا له فرعونُ بهما جميعاً تناول جَمرةً فأهوى بها إلى فِيه، فاعتراه من ذلك ما اعتراه، قال: وكان الواقديُّ يروي عن بعض رجالِه، أنّ لسان موسَى كانت عليه شأْمة فيها شَعَرات، وليس يدلُّ القرآنُ على شيءٍ من هذا؛ لأنّه ليس في قوله: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) طه: 72 دليلٌ على شيءٍ دونَ شيء
وقال الأصمعيّ: إذا تتعتع اللسانُ في التاء فهو تمتام، وإذا تتعتع في الفاء فهو فأفاء، وأنشد لرؤبة بن العجّاج:
يا حَمْدَ ذَاتَ المنطِق التّمتامِ كأنّ وَسْواسَكِ في اللِّمـامِ حديثُ شيطانِ بني هِنّامِ
وبعضهم ينشد : يا حَمْد ذاتَ المنطق النَّمْنَامِ وليس ذلك بشيء، وإنما هو كما قال أبو الزَّحْف:
لست بفأفاءٍ ولا تَـمـتـامِ=ولا كثيرِ الهُجْرِ في الكلام
وأنشد أيضاً للخَوْلانيِّ في كلمةٍ له:
إنَّ السِّياط تَرَكن لاستِك منطِقاً=كمقالة التمتامِ ليس بِمُعْـرِبِ
فجعل الخَولانيُّ التمتامَ غيرَ مُعْرِبٍ عن معناه، ولا مفصحٍ بحاجته،
وقال أبو عبيدة: إذا أدخَلَ الرَّجلُ بعضَ كلامه في بعض فهو أَلفُّ، وقيل بلسانه لَفَفٌ، وأنشدني لأبي الزَّحْف الراجز:
كأنّ فيه لَفَفاً إذا نطَقْ من طُولِ تحبيسٍ وهَمٍّ وأرَقْ
كأنّه لما جلس وحْدَه ولم يكن له مَن يكلِّمه، وطال عليه ذلك، أصابه لففٌ في لسانه، وقال سلمة بن عَيَّاش:
كَأنَّ بني رألانَ إذْ جاء جمعُهم**فراريجُ يُلقَى بينهنّ سَـويق
فقال ذلك لدِقّة أصواتهم وعَجَلة كلامهم
وقال اللَّهَبيُّ في اللجلاج:
ليس خَطيبُ القوم باللجلاجِ ولا الذي يَزْحلُ كالهِلباجِ ورُبَّ بيداءَ وليلٍ داجِ هتكتُه بالنَّصِّ والإدلاجِ
وقال محمد بن سَلاَّم الجُمَحي: كان عمرُ بن الخطاب، رحمه اللَّه، إذ رأى رجلاً يتلجلج في كلامه، قال: خالقُ هذا وخالقُ عمرِو بن العاصي واحد
ويقال: في لسانه حُبْسة، إذا كان الكلام يثقُل عليه ولم يبلُغْ حدَّ الفأْفاء والتمتام، ويقال في لسانه عُقْلةٌ، إذا تَعقَّل عليه الكلام، ويقال: في لسان لكنَةٌ، إذا أدخل بعض حروف العجَم في حروف العرب، وجَذبت لسانَه العادةُ الأولى إلى المخرج الأوَّل، فإذا قالوا: في لسانه ُ حكْلة، فإنما يذهبون إلى نُقصان آلة المنطق، وعَجْز أداة اللفظ، حتى لا تُعْرَفَ معانيه إلا بالاستدلال وقال محمد بن ذُويبِ، في مديح عبد الملك بن صالح:
ويفهمُ قول الحُكْلِ لو أَنَّ ذَرَّةً**تساوِدُ أُخرى لم يَفُتْه سِوَادُها
قال: وأنشَدَني سُحيمُ بن حفص، في الخطيب الذي تَعرِض له النّحنحة والسُّعلة، وذلك إذا انتفخَ سَحْرُه، وكَبا زَنده، ونَبا حدُّه؛ فقال:
نَعوذُ باللَّـه مِـن الإهـمـالِ ومِن كَلالِ الغَرْب في المَقالِ ومن خطيبٍ دائِم السُّـعـالِ
وقال الأشلُّ الأزرقيّ – من بعض أخوالِ عمرانَ بنِ حِطّان الصُّفريِّ القَعَديِّ – في زيد بن جندبٍ الإياديِّ خطيبِ الأزارقة، وقد اجتمعا في بعض المحافل، فقال بعد ذلك الأشَلُّ البكريّ:
نَحنَحَ زيدٌ وسَـعَـلْ لمّا رأى وَقْعَ الأسَلْ ويلُ أمِّه إذا ارتَجَـلْ ثمَّ أطالَ واحتَـفَـلْ
الموضوع منقول والمصدر شبكة الفصيح للغة العربية
|