تعليق سماحة الإمام الوالد / عبد العزيز بن باز
رحمه الله تعالى
أثابكم الله …
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداه.
أما بعد:
قد سمعنا هذه الكلمة المباركة الطيبة من صاحب الفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في موضوع التمسك بالكتاب والسنة والحذر مما خالفهما، والحذر من أبواب التفرق والاختلاف والتعصب للأهواء، ولقد أحسن وأجاد وأفاد، جزاه الله خيرا وضاعف مثوبته.
وهذا هو الواجب والتحاكم إليهما في القليل والكثير كما قال الله جل وعلا : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
وقال سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله).
والله يقول جلا وعلا : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
والأمر كما قال يجب على المؤمنين التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام والتحاكم إليهما وعرض ما تنازع فيه الناس عليهما.
فما شهد له كتاب الله أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بالصدق والصحة فهو الصحيح، وما شهدا له أو أحدهما بالباطل فهو الباطل ، فهذا هو الواجب على جميع الأمة لأن الله أمر بذلك وأوجب ذلك وهكذا الرسول عليه الصلاة والسلام، فالواجب على أهل العلم وعلى طلبة العلم وعلى جميع المكلفين التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والسير على منهج السلف الصالح وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان كما قال الله جل وعلا: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ).
هذا جزاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان ومن سار على طريقهم، والواجب على طلبة العلم التفقه في ذلك والإنصاف والصدق وتجري الحق والحذر من أسباب الخلاف ومن إتباع الهوى ومن التقليد الأعمى والتعصب لزيد أو عمر أو الطائفة الفلانية أو غير ذلك، الواجب إتباع الحق والتمسك به و الحذر مما يخالفه وإن كان الذي قال أباك أو أخاك أو غيرهما فعليك بإتباع الحق فهو أحق بالإتباع.
يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ). ويقول جل وعلا : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) ويقول سبحانه : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)، ويقول صلى الله عليه وسلم : (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) ، قيل يا رسول الله من يأبى؟ قال : (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ).
فالواجب على أهل العلم تبليغ الناس وتبصيرهم وتفهيمهم ما يجب عليهم وهكذا طلبة العلم أن يتأسوا بأهل العلم وأن يسيروا على نهجهم في إيضاح الحق والحذر من التنازع والاختلاف وإتباع الهوى، وهكذا عامة المسلمين يجب أن يستقيموا على الحق وأن يسألوا علماءهم الذين يعرفونهم بالسنة ويعرفونهم بالاستقامة على دين الله ويعرفونهم بالحق عليهم أن يستقيموا وأن يسألوا عما أشكل عليهم.
كما قال عز وجل : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ومما يروى عن رسول الله صلى الله وسلم أنه قال لقوم أفتوا بغير علم : (ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال)، وهكذا يجب على أهل العلم نشر العلم نشر الحق وإيضاحه للناس في المساجد وفي المجالس العامة وفي الإذاعة وفي الصحافة وبكل وسيلة يصل بها العلم، الناس بحاجة إلى العلم قال الله وقال الرسول، مع بيان الباطل والتحذير منه.
وما ذكره فضيلة الشيخ ربيع عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه هو الحقيقة، فإن الله من على هذه البلاد بهذه الدعوة المباركة وهي دعوة سلفية لكن شوه أعداء الله هذه الدعوة وقالوا وهابية المبتدعة التي فعلت وفعلت، وهو الضالون المبتدعون وهم ما بين جاهل أو من قلد جاهلا إما جاهل وإما مقلد لجاهل وإما ثالثهم متبع لهواء الذي يعصي الله على بصيرة، هؤلاء أعداء الدعوة السلفية، إما جاهل وإما مقلد لجاهل وإلا صاحب هوى متعصب لهواه يريد المآكل ويريد إرضاء الناس على حساب مأكله ومشربه وهواه نسأل الله العافية.
ودعوة الشيخ محمد رحمة الله عليه دعوة سلفية درج فيها على ما درج عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وأتباعهم بإحسان وتبعهم في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وأشباههم من أئمة الإسلام ثم جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر في النصف الثاني من القرن الثاني عشر رحمة من الله لهذه الأمة لهذه الجزيرة فأوضح لهم العبادة الشرعية التي تجب لله وأوضح لهم حقيقة التوحيد وما كان عليه المشركون وما كان عليه سلف الأمة وأوضح لهم طريقة السلف الصالح ودعاهم إلى الجهاد وألف كتاب التوحيد وكشف الشبهات والثلاثة الأصول لبيان الحق وهي كتب عظيمة مفيدة وهكذا.
نشر بينهم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لما فيها من الخير والعلم والدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فنفع الله بهذه الدعوة المسلمين وجمع الله عليها أهل هذه الجزيرة بأسباب أنصارها من آل سعود وغيرهم، ممن نصر الحق واستقام على الحق، فدعوا إلى الله ونصروا هذه الدعوة نصرا لدين الله نصرا لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، حتى أيدهم الله وفتح عليهم الفتوح وجمع الله عليهم هذه الجزيرة من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها على الحق وعلى إتباع شريعة الله وعلى الاستقامة على دين الله فالحمد لله على ذلك.
فالواجب التمسك بهذه العقيدة والدعوة إليها والحفاظ عليها ونشرها بين الناس بالحكمة بالأسلوب الحسن بالرفق لا بالعنف والشدة وبيان الأخطاء والضلالات والشبهات بالبيان الواضح بالرفق بالحكمة لا بالعنف والشدة ولا بالأساليب الملتوية ولكن بالبيان الواضح والأسلوب الواضح والرفق والحكمة كما قال الله جل وعلا : (ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة) يعني: بالعلم قال الله وقال رسوله ووضع الأمور في مواضعها (والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي أحسن) وقال صلى الله عليه وسلم : (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) والله وصفه بقوله سبحانه وتعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
فالواجب على الدعاة أن يتبصروا وأن يبصروا وأن يرفقوا وأن يعتنوا بالأساليب الواضحة البينة وأن يحذروا العنف والشدة وعدم التعصب لزيد أو عمرو.
نسأل الله أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم وأن يصلح قادتهم وأن يوفق ولاة أمرنا في هذه المملكة نسأل الله أن يوفقهم لكل خير وأن ينصر بهم الحق وأن يجعلهم من الهداة المهتدين وأن يصلح لهم البطانة وأن يعيذهم من بطانة السوء وأن يوفق صاحب الفضيلة الشيخ ربيع لكل خير وأن يجزيه عن كلمته خيرا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.