الوسم: الأفكار

ولا تنسونا بدعواتكم …

للكاتب : جودت سعيد

الحرب جذورها مما بالأنفس من تصورات،من رؤية الأنفس للعالم.
العقيدة والإيمان هي تصور الإنسان للعالم
كيف يرى الإنسان العالم المرئي وكيف يتخيل ما وراء هذا العالم من قبل ومن بعد،
من أين أتى إلى أين وكيف؟ هذه التصورات هي التي تتحارب وتتقاتل،
يقال أنه في الألفي سنة الماضية حدثت أكثر من خمسة آلاف حرب،
والناس من الرجال والنساء في المؤسسات التي تذلهم وتسحقهم بدل تحريرهم –
وبحسب رؤية القائل –
يوجد ناس في كل مكان ينفصلون عن نفسانية القطيع البشري المنقاد إلى الهاوية
وأن عددهم في عام 1920 في حدود مئة ألف إنسان وأنهم سيبلغون مئة مليون
عند عتبة الألف الثالثة ولسوف يرفضون القيام بدور اللعبة الوحشية
هذا التيار كان قائما لدى حكماء الشرق
وتوضح على يد المعاصرين)) هكذا قال المتنبئ عن تصوره للعالم حسب تصوره للعالم،
من أين أتى وكيف؟
تغيير ما بالأنفس يتحرك ببطء ممل وبأزمان طويلة لمن لا يعلم كيف بدأت مسيرة الخلق،
ومن يعلم ويتذكر كيف بدأ الخلق يمكن أن نراه وأن الزمن بدأ يتسارع وحدث في زمننا تصورات هائلة
وجديدة جدا إذا تذكرنا وفق قوله تعالى
((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق))
إن هذه الآية القرآنية تدلنا على المصدر الصحيح للتصور الصحيح للعالم كيف بدأ ومن أين وإلى أين
هذه الآية حداثة مستمرة
وهذا المتنبئ الذي استشهدنا بتوقعاته في تحرر الناس
من سلطة المؤسسات التي تذلهم وتسحقهم بدل تحريرهم.
الحميمين الذين أصلي معهم الفجر لما نتناول الحديث عن الأوضاع العالمية التي نحن العرب في بؤرتها
ونرى البؤس الذي نعيشه حين أضرب لهم المثل بأوروبا التي شبعت من الحروب الدينية والقومية
والعالمية تجاوزت الآن تصور العالم
على أساس القومية ويتحدون بدون حرب الآلام قد علمتهم المذلات والسحق الذي عاشوه
تعلموا منه كيف يصنعون السلام بينهم
وأنهم بلغوا في تصورهم للعالم ((تعالوا إلى كلمة سواء)) وأن هذا حدث كبير
وأننا سنبلغ هذه المرحلة من النضج في أتون هذه المآسي التي نعيشها والناس يعدون العد التنازلي
للبدء بالحرب الخليجية الثالثة ولكن تغيير تصورنا للعالم لم يصل إلى النضج بعد وأنا لما أريد أن أرفع
من مستوى الذين أتحدث إليهم يقولون لي :
ما الفائدة إننا سوف لن نرى نحن ذلك اليوم الذي سنستيقظ فيه من الموات الذي نعيش فيه ؟
أشعر أن هذا التصور مناقض للتصور الإبراهيمي !
حين كان بيني الكعبة البيت الحرام ويدعو الله قائلاً للذين سيأتون من بعد أكثر من ألفين سنة:
((ربنا وابعث فيهم رسولاً يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخر لمن الصالحين ووصى بها إبراهيم بنيه))
إن هذا الموقف الإبراهيمي والرؤية الإبراهيمية للعالم
يختلف عن موقف لويس الخامس عشر حين كان يقول:
ليبقى الملك ما بقيت وبعدي فليكن الطوفان، هذا المتنبئ الذي بدأنا حديثنا عنده قال:
إن الناس يعيشون نفسية القطيع والذين تخلصوا من هذه النفسية قليل
وأن هذه اليقظة الفكرية والرؤية للعالم كانت قائمةً لدى حكماء الشرق وتوضحت على يد المعاصرين،
مع كل عسر المخاض إن الانتقال من الرؤية الخوارقية للعالم إلى الرؤية السننية نقلة نوعية
كظهور الحيوانات اللبونة وانتقال الإنسان من عصور الجمع والالتقاط والصيد إلى زراعة الأرض
واستئناس الحيوان (زيادة في الخلق)
نموذج مختلف منظور إن الذين يظنون أن الحرب ضربة لازب لا بد من تعليمهم كيف بدأ الخلق
وأن الذين يتمكنون من عرض كيفية بدء الخلق
بالنظر إلى آيات الله في الآفاق والأنفس بأسلوب سهل مبسط مقنع ومتسلسل
هو الذي يدخل الإنسان إلى رؤية كونية جديدة
رؤية إبراهيمية ملة إبراهيم ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه
إن آيات الآفاق والأنفس بدأت تخرج الناس عن رحم الآباء وعن التصورات القديمة
وعن اليأس الذي يقعد الناس عن العمل.
إن الذي يدفع الناس للعمل هو الأمل،
فإذا توضح هذا يكون دخل في ملة إبراهيم.
ما أحوجنا إلى تحديد ملة إبراهيم
وملة آزر وما أحوجنا إلى فهم ملة إبراهيم
من جديد على أساس آيات الأفاق والأنفس،
هذه الملة الجديدة التي تحمل تصوراً جديداً للعالم.
يتخيل جلال الدين الرومي امرأة تطبخ حمصاً،
وبعد أن توقد النار تحت القدر تخاطب حبات الحمص التي فيه كما تخاطب الأم
وتناغي طفلها في السرير فتقول للحمص في القدر :
أيتها الحبات كنتن تراباً فتحولتن إلى نبات أخضر ثم إلى حبات صفراء كما أنتن،
والآن.. أنتن في تحول جديد، فحين تنضجون ستتحولون إلى إنسان،،
ويتابع جلال الدين الرومي تصوراته فينطق الحبات بالقول:
أسرعي أيتها المرأة العزيزة في إيقاد النار وأججيها حتى ننضج فنتحول إلى إنسان.
العالم الإسلامي الآن في القدر الذي يغلي لينضج،
وكان يمكن أن ننضج من غير هذه النيران التي صبت علينا وستصب علينا،
لكننا لا نزال غير قادرين على الاعتبار ولا نفهم كيف بدأ الخلق وكيف تحول هذا الخلق إلى خلق آخر،
إن
النضج
والوعي
والاعتبار
يوفر
العرق
والدموع
والدماء،
أما الذين يقدسون العالم المنسوخ ولا يفهمون كيف تحولت الخيل والبغال والحمير إلى
السيارات والطائرات والمركبات الفضائية
لا يمكن أن يفهموا كيف سيخرجون من الانقلابات ومن جلد إخوانهم وسوقهم إلى الموت في الأقبية
فيعيشون في رعب دائم مستمر من أن يحدث عليهم انقلاب عسكري يقوم به الضباط،
إن هؤلاء لا يمكنهم أن يفهموا معنى الانتخابات والصناديق التي توضع فيها أوراق،
كيف أن هذا الصندوق الفارغ، وهذه الورقة التافهة،
هذه التعويذة ستكون طريقة انتقال للسلطة دون انتقال إلى القبر.
نعم إننا نعيش عصر (لنا الصدر دون العالمين أو القبر)،

فهل نقول على طريقة حبات الحمص أيتها النيران توهجي حتى ننضج،
لأننا لم ندخل إلى عصر فهم كيف بدا الخلق.
إن الناس لم يكونوا يعرفون من تاريخ الإنسان إلا القليل نحو أربعة آلاف سنة فقط،
ولكن الذين ساروا في الأرض ونظروا كيف بدا الخلق وصلوا في تقدير عمر الإنسان
المنتصب الواقف على قدميه إلى الملايين ووصلوا في بدأ خلق الأرض إلى مليارات السنين إلى
أن تخيلوا كيف انبثق العالم من رحم العدم إلى الوجود الذي نعيش فيه إلى أضعاف عمر الأرض.
إن الذين لم يدركوا لماذا توقف الوحي ولماذا لا يعود ينزل كتاب ولا يأتي نبي،
إن هذا حدث من خلال تطور وعي الإنسان، كان الإنسان يعيش الخوارق ولكن تحول العالم
الخارقي إلى سنني هذا عالم جديد لم نستطع أن نتكيف معه،
سنن الله ثابتة لن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا والإنسان لا يمكن أن ينكر السننية
إلا إذا أنكر عقله وإنسانيته وهو الذي يرغب عن ملة إبراهيم وملة الأنبياء
ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه،
إن الأنبياء وضعوا قانون العلم والمعرفة (من ثمارهم تعرفونهم) من العواقب تعرف السنن الثابتة،
تغيير ما بالأنفس علم وسنة ثابتة لا نهاية له،
وتغيير ما بالأنفس علم وهو وظيفة البشر،
فإذا تغير ما بالأنفس من تصورهم لآيات الآفاق وآيات الأنفس سوف تتغير حتماً مواقفهم من العالمـ
ستتغير رؤيتهم للعالم بفهم السنن.
على الأقل ينبغي أن نفهم أن العالم ليس خلق وانتهى وأنه في انحدار إلى الفساد،
إن العالم لا يزال يخلق وهو لا يزال في بداية الخلق، لا يزال يقدم القرابين البشرية،
هذا الذي سماه المتنبئ أنه الذين يرفضون القيام بدور اللعبة الوحشية، الحرب.
إن الحرب وضعت أوزارها منذ انفجار القنبلة النووية، ودخل العالم إلى عالم جديد،
عالم إبراهيم الذي قال لأبيه ((يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً))
فما كان جواب أبيه إلا أن :
((قال أراغب أنت عن ألهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً))،
قال له إبراهيم ((سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا))
الآن العالم بعيد عن ملة إبراهيم، ولو أن هناك إرهاصات اجتماعية،
اليوم 18/1/2003 ستخرج مظاهرات في جميع أنحاء العالم استنكاراً للحرب وعبادة مولوخ إله الحرب،
ونحن نعيش في بظن آبائنا ولا نعلم ماذا حدث في العالم إن صوت إبراهيم ضعيف وسيزداد
ونحن علينا أن نولد من رحم آبائنا الذين جعلناهم بداية التاريخ ونهايته،
علينا أن ننظر إليهم أنهم بشر ممن خلق نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم
هذا هو قانون التقدم البشري،
آباؤنا ذبح بعضهم بعضاً، علينا أن نخرج من عالم الوحشية التي نرجو أن تكون خاتمتهم الحرب الثالثة
ونتبع قانون نتقبل أحسن ما عمل هؤلاء الذين يستغلون جهلنا علينا
أن نتفهم الديمقراطية التي وصلوا إليها
ونتجاوز بل ونعمل هدفاً ليس تجاوز حق الفيتو حق النقض فقط
بل نعمل بجد حتى يزول من العالم من يملك حق الفيتو الذي هو الطاغوت الأكبر.