بسم الله الرحمن الرحيم
الأب: قلت لك قم بتنظيف الغرفة.
الطفل: ولكني لا أعرف.
الأب: قلت لك نظف الغرفة ألا تفهم، هل هذا الأمر بحاجة إلى شرح؟ لقد كبرت وأنت تستطيع فعل ذلك، فإذا ما قمت بتنظيف الغرفة؛ سأشتري لك ما تحب.
الطفل: هل هذا صحيح يا أبي؟
الأب: نعم يا بني.
الأب: ولكن إن لم تفعل فستكون العواقب وخيمة.
وبعد أن قام الطفل بتنظيف الغرفة.
الطفل: أبي لقد قمت بتنظيف الغرفة.
الأب: وهل تسمي هذا تنظيف.
الطفل: لقد بذلت كل وسعي وجهدي.
الأب: لِمَ لَم تنظف تحت السرير، ولم تنفض عن الزجاج التراب، وترتب الملابس في مكانها؟!
الطفل: لم أكن أعرف ذلك؛ ولكن سأفعل.
وبعد أن أعاد الطفل التنظيف.
الطفل: أبي لقد نظفت كل شيء.
الأب: حسن هذا سلوك جيد.
الطفل: الآن أنا أستحق المكافئة.
الأب: نعم تستحق.
الطفل: لقد قلت لي أنك ستشتري لي ما أريده.
الأب: نعم لقد قلت، ماذا تحب أن أشتري لك؟
الطفل: أريد منك أن تشتري لي دراجة بخارية.
الأب: هه، ماذا تقول؟! دراجة بخارية، إنها باهظة الثمن، ولن أشتريها لك الآن.
الطفل: ولكنك قلت يا أبي أنك ستشتري لي ما أشاء.
الأب: نعم، ولكن اطلب شيئًا معقولًا.
الطفل: ولكني أريد الدراجة البخارية، ولن أرضى بغيرها.
الأب: لا أحب الجدال، اطلب شيئًا معقولًا، وإلا لن أشتري لك شيئًا.
الطفل في بكاء: ولكني أحب الدراجة البخارية.
وانصرف الطفل إلى غرفته التي قام بتنظيفها، وهو يعض أصابع الندم والحسرة على كل لحظة قضاها في تنظيف الغرفة، وهو في نفس الوقت قد فقد الثقة بوعود أبيه المتكررة "الوهمية" التي لا يفي بها أبدًا، وأغلق على نفسه الغرفة وانهمك في نومه العميق.
عزيزي المربي: كن محددًا ومنطقيًا ومحفزًا، فلقد رأيت في القصة السابقة، الأب الذي حرص على تحفيز طفله ليقوم بتنظيف الغرفة.
والآن أنا أسألك، هل كان هذا الأب محددًا في أمره ومنطقيًا في هذا الأمر الذي أمر به طفله؟ وهل كان محفزًا جيدًا أم أنه كان محفزًا فاشلًا في تحفيزه؟!
تعال أيها الأب الغالي في هذه العجالة؛ نجيب على هذا الثلاثة أسئلة:
أولًا: هل كان الأب محددًا؟!
ماذا نعني بالمحدد؟ إننا نعني به المحدد في أوامره.
لماذا يفترض الآباء في الغالب، سوء الظن في الطفل إذا رفض الاستجابة للأوامر، أو إذا كانت استجابة الطفل ليست كما يجب، لماذا نسيء الظن بالطفل ونتهمه بالإهمال والتقصير؟
إننا في كثير من الأحيان نحتاج لأن نوجه الاتهام لأنفسنا أولًا، ونوجه السؤال لأنفسنا أولًا: هل كنا محددين في الأوامر التي نطلبها من الطفل أم لا؟
فالأب الذي طلب من طفله أن ينظف الغرفة، هل هذا الطلب يكفي، أم أن الأمر خاصة مع صغر عمر الطفل بحاجة إلى توضيح!!
إن النتيجة التي يحصل عليها الطفل عند استجابته لأمر الأب أو الأم هي المحفز الحقيقي له، وهي التي تكسبه الثقة بنفسه والشعور بإمكانياته، ولذلك فالآباء الذين لا يكونون محددين مع أبنائهم عندما يطلبون منهم الأوامر؛ يقودون أبناءهم للفشل من حيث لا يشعرون.
لماذا لم يوضح الأب لطفله الأمر من البداية فيقول له:
قم بتنظيف الغرفة كما يلي:
·استخدم المكنسة في تنظيف الأرض.
·قم بترتيب الملابس وضعها في المكان الخاص بها.
·قم بنفض الغبار عن الزجاج والأثاث.
وبهذه الطريقة يكون الطفل قد تعرف على الأمر بسهولة، وعرف بالتحديد ما المراد من الأمر، حينها إن قصر فسيكون التقصير منه لا منك أيها المربي العزيز.
التحديد في التحفيز مطلوب:
فلا يقول: عندما تنظف الغرفة اشتري لك ما تشاء.
لأن الطفل خيالي بطبعه يطلب ولا حدود لطلباته، فعندما يطلب الطفل في هذه اللحظة، ولا يستجاب لطلبه يصاب الطفل بالإحباط، ويفقد الثقة بوعود والده وتحفيزاته، بل يصبح فيما بعد هذا التحفيز بمثابة تثبيط.
وهذا تفسير ما حدث في القصة السابقة، طلب الطفل دراجة بخارية، ولم يكن بوسع الأب أن ينفذ هذا الطلب الصعب، فكانت النتيجة الإحباط والتثبيط.
لابد أن يكون الأب محددًا؛ حتى في تحفيزه لطفله، فيقول له مثلًا: عندما تنظف الغرفة، سأسمح لك بمشاهدة فيلم كرتون، كما أن الأب أو الأم يجب أن يكونا محددين في الثواب، كما ينبغي أن يكونا محددين في العقاب، فلا يقول إن لم تفعل كذا؛ ستكون العواقب وخيمة.
لا بد أن يكون العقاب محددًا فمثلًا، إن لم تفعل كذا ستحرم من المصروف.
أو إن لم تفعل كذا؛ ستحرم من لعب الفيديو جيم، أو من مشاهدة فيلم الكرتون.
وعلى الأب أن يتخير العقوبة التي تكون لها أثر في الطفل، فتعويم العقوبة وتمييعها في كثير من الأحيان يجعل الطفل لا يأبه بالعقوبة لأنه لا يشعر بأثرها عليه.
وأفضل شيء تفعله لكي تكون محددًا في طلباتك مع طفلك، هو أن تجعله يراك وأنت ترتب غرفتك على سبيل المثال، بمعنى أن تكون قدوة له، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لصحابته، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالًا للمربي القدوة يتبعه الناس، فكان يتقدم الصحابة, ويوجههم في الحروب، ويحثهم على الإنفاق في سبيل الله، ويحفر الخندق مع صحابته أثناء غزوة الخندق، ويصبر على الشدائد، ويحسن معاملة أهله) [صورة الطفولة في التربية الإسلامية، د/ إبراهيم ياسين الخطيب – أحمد محمد الزبادي، ص(115)، بتصرف].
واعلم أيها المربي الفاضل أن (إعطاء رسائل واضحة يُعد أحد المفاتيح الأساسية للتعليم المناسب، فلابد أن يخبر الآباء أطفالهم بما يريدون منهم فعله, وكيفية فعله بشكل محدد، ولابد أيضًا أن يعرفوا أطفالهم بشكل واضح عندما يكون سلوكهم جيدًا وعندما يكون غير ذلك) [تربية الأطفال بالفطرة السليمة، راي بيرك – رون هيرون، ص(16)].
ثانيًا: هل كان الأب منطقيًا:
أيها المربي الفاضل، إن ما نعنيه بكون الأب منطقيًا أمرين:
1.هل كان الأب منطقيًا في الطلب الذي أمر به الطفل.
2.هل كان الأب منطقيًا، في النتيجة التي توقعها من الطفل.
فكثير من الآباء يطلبون من أبنائهم ما لا يطيقون وما لا يتناسب مع أعمارهم، فهم بذلك يقودونهم للفشل، كما أنهم بعد ذلك يطلبون منهم نتائج ممتازة، وذلك مثل الذي يطلب من طفل الثلاث سنوات أن يقوم بغسل الصحون، أو أن يقوم بتنظيف الغرفة.
وعلى العكس تمامًا فهناك كثير من الآباء من يقزمون قدرات أطفالهم، ويطلبون منهم ما لا يطيقون لأنهم في الحقيقة يطيقون أضعافه لكبر سنهم ونضج عقلهم، فالأم التي تطلب من طفلها الذي جاوز العشر سنوات، أن يجلس معها لتذاكر هي له كل كلمة وكل حرف في الواجبات المدرسية؛ فهي بذلك تطلب منه ما لا يطيق، لا لأنه لا يعرف بل لأن هذا الأمر يعد بالنسبة له إهانة أو اتهام بالجهل وفي النهاية تطلب الأم من طفلها نتائج ممتازة، وأنى له أن يحرز ذلك وقد جعلته يلقي باعتماده كله عليها.
لابد أن يكون الأب منطقيًا، وهو يطلب الأمر من الطفل، ويكون منطقيًا أيضًا في توقع النتيجة.
ولكي يكون الأب منطقيًا لا بد له أن يراعي أمرين:
1.الإمكانيات المتاحة لدى الطفل، "العمر، القوة، الذكاء، النشاط، الثقة بالنفس".
2.الطلب الذي يطلبه.
ثم يقوم الأب بمقارنة الإمكانيات المتاحة بالطلب الذي يريده، وذلك بعد تجنب وعلاج كل المشاكل النفسية أو المرضية، عندها يستطيع الأب أن يكون منطقيًا.
ومن هنا يعي قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} [الطلاق: 7].
ثالثًا: هل كان الأب محفزًا؟؟
وهذه النقطة تعد من الأهمية بمكان.
ذلك لأن النفس البشرية أسيرة المدح والإثابة، وعلاج العصيان بالتحفيز والتشجيع من أهم أساليب التربية، فمن آثار التحفيز في نفس الطفل (أن ذلك يولد الوعي بالنجاح في العمل الذي أثيب عليه، مما يشبع بعض دوافعه التي تؤدي إلى تنشيط جهود التعلم اللاحقة التي يقوم بها، وذلك يؤدي بدوره إلى زيادة الثقة لدى الطفل بنفسه، كما يؤدي غالبًا إلى تشجيعه على المغامرة والإبداع، وتزيده قناعة في المثابرة على عملية التعليم وجدواه) [العشرة الطيبة، محمد حسين، ص(267)].
فهذا الأسلوب من الأهمية بمكان في تشجيع الأطفال، ولكن يراعى فيه:
·أن لا يكون هذا هو الأسلوب الوحيد، فلا يستخدم في حالة يرى فيها الأب مثلًا ضرورة العقاب، فلابد من الموازنة بين العقاب والثواب.
·أن يكون التحفيز محددًا كما ذكرنا فيحدد الآباء ما يثاب به الطفل؛ إن فعل ما يُطلب منه ولا يترك الأمر عائمًا.
·أن يكون الأب وفيًا في تنفيذ التحفيز، ولا يغدر بطفله مهما كان السبب.
·أن يكون الأب حازمًا بعدم تنفيذ الوعد، إن أخلف الطفل وعده.
·أن لا يكون التحفيز مبالغًا فيه.
·أن يكون التحفيز بالشيء الذي يحبه الطفل، ويرغب فيه.
وبإمكانك أيها الوالد أن تستخدم بعض العبارات عندما تطلب من طفلك أمر، ثم يقوم بتنفيذه، كأن تقول له (تعجبني الطريقة التي اتخذتها في تعاملك مع هذا الأمر _ لأنني أعرفك جيدًا، فأنا على يقين بأنك ستتصرف على نحو طيب ـ أعتقد أن باستطاعتك القيام به) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، ص(47)].
وأخيرًا:
لا تنس أيها الوالد عندما تطلب من طفلك مثلًا ترتيب غرفته، أن تكون محددًا، بأن توضح له الأشياء التي تحتاج إلى ترتيب، لا تكلفه بما يطيق، وأن يكون تحفيزك محددًا لطفلك، كأن تقول إذا قمت بذلك فسنخرج إلى النادي للعب الكرة.
وإلى لقاء قريب ومستقبل راق لأبنائنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر:
·كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك سال سيفير.
·العشرة الطيبة محمد حسين.
·تربية الأطفال بالفطرة السليمة راي بيرك – رون هيرون.
·صورة الطفولة في التربية الإسلامية د/ إبراهيم ياسين الخطيب – أحمد محمد الزبادي.
-منقول للأمانة والإفادة –
نسال الله ان يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك وان يرزقك الفردوس الاعلى
تقبلي مروري