إِرْشَادُ الخَاصَةِ وَالعَامة
إلى تفسير قول الله -جل وعز-{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} بسم الله الرحمن الرحيم وتفسيرها ردّ أيضاً على من يقسمون الدين إلى لب وقشور.
وقد أنكر ربنا-جل وعز-على من أخذ من الدين ما يوافق هواه فقال-عز وجل-:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}(1)
فقررت أن أكون متعاوناً مع أهل السنة والحديث-لنشر الوحيين-كما قال-جل وعز-{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}(2)
قال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}(3) .::أسباب النزول::.
قال الواحدي-رحمه الله-: قوله – عز وجل – { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنوا ادْخلوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } الآية . وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر، إذْ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت، وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه…)سيأتي كلامه مفصلاً-رحمه الله-.
وقال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله-: فأنت ترى أن الخطاب موجه للمؤمنين ولذلك قال ابن جرير في "تفسيره" (4/ 259) لقوله تعالى: {فإن زللتم}: " يعني بذلك جل ثناؤه فإن أخطأتم الحق فضللتم عنه وخالفتم الإسلام وشرائعه من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي, واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون – فاعلموا أن الله ذو عزة … " نعم قد روى ابن جرير (4/ 255) عن عكرمة قوله:" {ادخلوا في السلم كافة} قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وو … كلهم من يهود قالوا: يا رسول الله يوم السبت كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه … فنزلت". قلت: وهذا مع أنه في مؤمني اليهود لا يصح إسناده لإرساله, ولو صح لم يجز القول بأنها " نزلت في حق اليهود " لأنها تعني عند الإطلاق كفارهم والواقع خلافه فتأمل هذا رحمنا الله وإياك اهـ(5) .::تفسير الآية::. وقال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-: يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله: أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك. وقال القرطبي-رحمه الله-: لما بين الله سبحانه الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق فقال : كونوا على ملة واحدة ، واجتمعوا على الإسلام واثبتوا عليه. فالسلم هنا بمعنى الإسلام اهـ(9)
وقال العلامة محمد صديق خان بن حسن القِنَّوجي -رحمه الله-: لما ذكر سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف مؤمنين وكافرين ومنافقين، أمرهم بعد ذلك ما يكون على ملة واحدة، وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم وكتابهم، والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه، والسلم بفتح السين وكسرها، قال الكسائي: معناهما واحد، وكذا عند البصريين وهما جميعاً يقعان للإسلام والمسالمة. وقال الشوكاني-رحمه الله-: لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف مؤمنين وكافرين ومنافقين أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم وكتابهم والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه والسلم بفتح السين وكسرها. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-: { يا أيها الذين آمنوا}: الخطاب للمؤمنين؛ وقد تَقدم أن الله تعالى إذا ابتدأ الحكم بالنداء فهو دليل على العناية به؛ لأن المقصود بالنداء تنبيه المخاطب؛ ولا يتطلب التنبيه إلا ما كان مهماً؛ فعندما أقول: «انتبه» يكون أقل مما لو قلت: «يا فلان انتبه»؛ ثم إذا كان الخطاب للذين آمنوا فإن في ذلك ثلاث فوائد سبق ذكرها.
قوله تعالى: { ادخلوا في السلم كافة }؛ { السلم } فيها قراءتان: بفتح السين؛ وبكسرها؛ والمراد به الإسلام؛ وهو الاستسلام لله – تعالى – ظاهراً، وباطناً. فإن قال قائل: كيف يقول: { ادخلوا في السلم } ونحن قد عرفنا من قبل أن الإيمان أكمل من الإسلام؛ لقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}(12)، قلنا: إن هذا الأمر مقيد بما بعد قوله: { في السلم }؛ وهو قوله تعالى: {كافة}؛ فيكون الأمر هنا منصباً على قوله تعالى: {كافة}؛ و {كافة} اسم فاعل يطلق على من يكف غيره؛ فتكون التاء فيه للمبالغة، مثل: راوية، ساقية، علامة… وما أشبه ذلك؛ والتاء في هذه الأمثلة للمبالغة؛ فيكون { كافة } بمعنى كافاً؛ والتاء للمبالغة؛ قالوا: ومنه قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس}(13) ، أي كافاً لهم عمَّا يضرهم لتخرجهم من الظلمات إلى النور. وتأتي «كافة» بمعنى جميع، مثل «عامة»، كقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة)(14) ووجه ارتباطها بالمعنى الأصلي – الذي هو الكف – أن الجماعة لها شوكة ومنعة تكف بجمعيتها من أرادها بسوء؛ وهنا قال تعالى: {ادخلوا في السلم كافة} هل المراد ادخلوا في السلم جميعه، فتكون {كافة} حالاً من {السلم}؛ أو ادخلوا أنتم جميعاً في السلم، وتكون {كافة} حالاً من الواو في قوله تعالى: {ادخلوا}؟ الأقرب: المعنى الأول؛ لأننا لو قلنا بالمعنى الثاني: ادخلوا جميعاً في السلم صار معنى ذلك أن بعض المؤمنين لم يدخل في الإسلام؛ وحينئذ فلا يصح أن يوجه إليه النداء بوصف الإيمان؛ فالمعنى الأول هو الصواب أن { كافة } حال من { السلم } يعني ادخلوا في الإسلام كله؛ أي نفذوا أحكام الإسلام جميعاً، ولا تدعوا شيئاً من شعائره، ولا تفرطوا في شيء منها؛ وهذا مقتضى الإيمان؛ فإن مقتضى الإيمان أن يقوم الإنسان بجميع شرائع الإسلام اهـ(15) وقال-رحمه الله-:الفوائد:أي:فوائد الآية: وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
والحمد لله رب العالمين
جمعه وخرج آحاديثه
أبو المقداد ربيع بن علي الليبي
الثاني من ذي القعدة 1443 هجري
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
1-سورة البقرة الآية:[85].
2-سورة المائدة الآية:[2].
3-سورة البقرة الآية:[208]. 4-"أسباب النزول"[1/40]. 5-"مختصر العلو" [ص22-25]. 6-"جامع البيان"[600/3]. 7-"جامع البيان"[601/3].
8-"تفسير القرآن العظيم"[565/1].
9-"الجامع لأحكام القرآن"[22/3].
10-"فتحُ البيان في مقاصد القرآن"[419/1].
11-"فتح القدير"[210/1]. 12-سورة الحجرات الآية:[14]. 13-سورة سبأ الآية:[28]. 14-وكأن الشيخ-رحمه الله يشير إلى الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري-رحمه الله- في "صحيحه"[ج1 ص119] من حديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ). 15-"تفسير العلامة محمد العثيمين".
16-سورة النساء الآية :[136]. 17-قلت أبو المقداد: وكأن الشيخ-رحمه الله- يشير إلى الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم-رحمه الله-:[ج6 ص109ْ] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله سلم- قَالَ ( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ )
زاد ابن ماجه -رحمه الله-[ج4 ص406] ( وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ)وقد صحح إسناده العلامة الألباني-رحمه الله- أنظر:"الصحيحة" حديث رقم:[1236].
18-وكان الشيخ هنا يشير إلى الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري-رحمه الله- في"صحيحه"[ج1 ص191] من حديث عَائِشَةَ-رضي الله عنها- ، قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ.
|
||