الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فاليوم مع إمام جبل من أئمة أهل السنة وهو عبد الوهاب الوراق ، وأختزل التعريف بكلمات قالها إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل فيه
قال المزي في تهذيب الكمال :" قال أبو بكر المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : عبد الوهاب الوراق رجل صالح
، مثله يوفق لإصابة الحق .
و قال أبو الحسن الميمونى : و ذكره عنده ـ يعنى : عند أحمد بن حنبل ـ
عبد الوهاب الوراق ، و قيل له : با أبا عبد الله إنه ليس يعرف مثله ، قال
أبو عبد الله : عبد الوهاب عافاه الله قل من يرى مثله "
فإليك بعضاً من درر هذا الجبل الذي أثنى عليه الإمام أحمد بما رأيت
قال أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق في زوائده على كتاب الورع للمروذي ص89 ط دار الكتب العلمية :" سألت عبد الوهاب عمن لا يكفر الجهمية قلت يا ابا الحسن يصلي خلفه قال لا يصلي خلفه هذا ضال مضل منهم على الاسلام"
وقال أيضاً سألت عبد الوهاب يجالس من لايكفر الجهمية قال لا تجالسون ولا يكلمون المرء على دين خليله
أقول : هذا فيمن لا يكفرهم وقد يكون يبدعهم ويضللهم ، فكيف بمن يثني عليهم
فأين هذا التأصيل من قول من يقول ( إن الله لن يسألك عن تكفير فلان أو تبديعه ) أو ( لن تسأل في قبرك عن هذه الأمور ) ؟
وأين هذا التأصيل من قول من يقول ( اطلب العلم عند من لا يبدع الجهم بن صفوان ) ؟
فهذا قول السلف فيمن لا يشهد على الجهم بأنه وقع في الكفر فكيف بمن لا يبدعه ؟!
وأين هذا التأصيل من قول من يقول ( خلافنا في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا ) فعبد الوهاب الوراق لم يقنع من الآخر بتضليل الجهمية بل لا بد من تكفيرهم ، وهنا يريدون التكفير العام ، وليس تكفير الأعيان والله أعلم ؟
وهذا الذي لا يكفر الجهمية ليس جهمياً بطبيعة الحال بل هو يخالفهم أي أنه على معتقد السلف في المسائل المختلف فيها أو أصوله سلفية كما يقال اليوم فتأمل !
وليس عبد الوهاب الوراق وحيداً في هذا الباب
قال ابن شاهين في كتابه اللطيف في مذاهب أهل السنة 28 – قال أحمد قال يزيد قال أبو خيثمة ومن شك في كفر الجهمية فهو كافر
وقال عبد الله بن أحمد في السنة 19 – حدثني غياث بن جعفر ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : « القرآن كلام الله عز وجل ، من قال : مخلوق ، فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر »
وهذا إسنادٌ صحيح ، فكيف بمن لا يبدعه أصلاً فضلاً عن الحكم عليه بالوقوع في الكفر أيطلب عنده العلم ؟!
أليس هذا كله من الإلزام بالجرح في أقصى صوره شدةً ، ولا شك أن التبديع أهون من التكفير ، فإذا كان الإنسان يخرج من الإسلام بموقفه من شخص معين أفلا يخرج من السنة بموقفه من شخصٍ معين ؟
ومن هذا الباب قول شيخ الإسلام في الصارم المسلول ص578:" وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم
والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الأمة التي هي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وخيرها هو القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام"
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (4/ 367) :" وقال المروذي في كتاب القصص: عزم حسن بن البزاز، وأبو نصر بن عبد المجيد، وغيرهما على أن يجيئوا بكتاب المدلسين الذي وضعه الكرابيسي يطعن فيه على الأعمش، وسليمان التيمي. فمضيت إليه في سنة أربع وثلاثين فقلت: إن كتابك يريد قوم أن يعرضوه على عبد الله، فأظهر أنك قد ندمت عليه.
فقال: إن أبا عبد الله رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق. قد رضيت أن يعرض عليه. لقد سألني أبو ثور أن أمحوه، فأبيت.
فجيء بالكتاب إلى عبد الله، وهو لا يعلم لمن هو، فعلموا على مستبشعات من الكتاب، وموضع فيه وضع على الأعمش، وفيه: إن زعمتم أن الحسن بن صالح كان يرى السيف فهذا ابن الزبير قد خرج.
فقال أبو عبد الله: هذا أراد نصرة الحسن بن صالح، فوضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جمع للروافض أحاديث في هذا الكتاب.
فقال أبو نصر: إن فتياننا يختلفون إلى صاحب هذا الكتاب.
فقال: حذروا عنه.
ثم انكشف أمره، فبلغ الكرابيسي، فبلغني أنه قال: سمعت حسينا الصايغ يقول: قال الكرابيسي: لأقولن مقالة حتى يقول أحمد بن حنبل بخلافها فيكفر، فقال: لفظي بالقرآن مخلوق.
فقلت لأبي عبد الله: إن الكرابيسي قال: لفظي بالقرآن مخلوق. وقال أيضا: أقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات، إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق. ومن لم يقل إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر.
فقال أبو عبد الله: بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا؟ قالوا كلام الله، ثم قالوا: مخلوق. وما ينفعه وقد نقض كلامه إلا خير كلامه الأول حين قال: لفظي بالقرآن مخلوق.
ثم قال أحمد: ما كان الله ليدعه وهو يقصد إلى التابعين مثل سليمان الأعمش، وغيره، يتكلم فيهم. مات بشر المريسي، وخلفه حسين الكرابيسي.
ثم قال: أيش خبر ابي ثور؟ وافقه على هذا؟ قلت: قد هجره.
قال: قد أحسن.
قلت: إني سألت أبا ثور عمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: مبتدع.
فغضب أبو عبد الله وقال: أيش مبتدع؟! هذا كلام جهم بعينه. ليس يفلح أصحاب الكلام"
فتأمل إنكار أحمد على أبي ثور ، مع أنه بدعهم ولكن أحمد أراد التجهيم واعتبر التبديع فقط تساهلاً فأين ( خلافنا في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا ) وأين ( إن الله لن يسألك عن تبديع أو تكفيره ؟)
قال الشيخ عبد الرحمن بنحسن آل الشيخ كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/497) :" ولكن ذكرالحافظ الذّهبي أنّ حسيناً الصّائغ قال للإمام أحمد: سألت أبا ثور عناللّفظية، فقال: مبتدعة.فغضب أحمد وقال: اللّفظية جهمية من أهل الكلام، ولايفلح أهل الكلام أو كما قال؛ فأنكر على أبي ثور التّساهل في الإنكار، ورأىأنّ تعظيم الأمر والنّهي يقتضي غير ذلك من ذكر أوصافهم الخاصّة الشّنيعة،والغلظة في كلّ مقامٍ بحسبه.وفتنة البغي فتحت ناب الفتنة بالشّركوالمكفرّات ووصل دخنها وشررها جمهور من خاصّ فيها من منتسب إلى العلموغيره.والخلاص منها عزيز إلاّ مَن تداركه الله وردّه إلى الإسلام.ومَنَّعليه بالتّوبة النّصوح وعرف ذنبه.وبلّغ سلامنا الأولاد والأخوان، ومن لديناعبد العزيز وإخوانه وإسماعيل وإخوانه ينهون إليك السّلام.وأنتسالم.والسّلام"
وقال الإمامُ أبو المُظفَّر السَّمعانيُّ في قواطعِ الأدلة (5/13): "كلُّ ما كانَ من أصولِ الدِّينِ, فالأدلةُ عليهِ ظاهرةٌ, والمُخالفُ فيهِ مكَابرٌ,-والقَولُ بِتضلِيلِهِ واجبٌ؟!, والبراءةُ منهُ شرعٌ"
فتأمل قوله ( القول بتضليله واجب ) والواجب يأثم المرء بتركه ، وقارن ذلك مع قول من يقول ( إن الله لن يسألك عن تبديع أحد أو تكفيره ) و ( خلافنا في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا )
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم