[مقال] الجواب في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلّم
بسم الله الرحمن الرحيم
كثُرَ في هذا العصر تنازع الناس في مسائل أثارتْها الفتن، والفتنُ امتحان للقوب، ومن هذه المسائل: مسألة السمع والطاعة لولي الأمر المسلم.
ولقد تفرّع الخلافُ إلى قضايا عديدة.. وأحب هنا أنْ أبحث عن جواب ما تنازع فيه الناس في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ففيها الحق المبين. عملا بقوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59] قال مجاهد وغير واحد من السلف:«أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله» [تفسير القرن العظيم، ابن كثير: 2/ 345 ط، دار طيبة الإصدار2]
وسنةُ الرسول صلى الله عليه وسلم شارحة لكتاب الله تعالى، ومفصِّلة لمجمله.
وإنِّي أرجو منك أخي القارئ أن تقف معي على هاتين الآيتين الكريمتين:
1-قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسولَه وأولي الأمر منكم}. [النساء: 59]
قال ابن عبَّاس: نزلَت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي، إذ بعثَه النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم في سريَّة. [صحيح البخاري: رقم: 4584].
وقد أوردَ الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية طائفة من الأحاديث التي تأمر بالسمع والطاعة بالمعروف لولاة الأمور (=الأمراء)، وقال: «الأحاديث في هذا كثيرة» [تفسيره: 2/ 344] ثم قال رحمه الله: «والظاهر والله أعلم أنَّ الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء» [2/ 345].
2- قال تعالى: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} [الأحزاب: 67] قال ابن كثير: «أي: اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة». [تفسيره: 6/ 484].
يفهم البعض من هذه الآية ونظائرها، أو يحاول أن يفهِمَنا أنَّ طاعة عصاة ولاة الأمور اتباع لسبيل الضالين، وتحاكم إليهم دون القرآن، مطلقا.
فيضرب بين هذه الآية والآية السابقة.
والحق واضح. فطاعة هؤلاء الهالكين لأسيادهم تقليدٌ أعمى. قال القرطبي: «أي:أطعناهم في معصيتك وما دعونا إليه فأضلونا السبيلا»[تفسيره: نسخة موقع: إسلام ويب].
وهي طاعةٌ لأئمة كفر، وفي كفرٍ وضلالٍ وفجور. وطاعةٌ لـ«غيرِ الله في معصيةِ الله ورسولِه»[التفسير الميسر، ط المجمع: 427] وعاقبة ذلك: {يوم تُقلَّب وجوهُهُم في النَّارِ يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا}[الأحزاب: 66]. وقال تعالى: {إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطَّعَتْ بهم الأسباب (166) وقال الذين اتَّبعوا لو أنَّ لنا كرَّة فنتبرأَ منهم كما تبرَّأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار} [البقرة: 166، 167]
فمن أطاعَ غيرَ الله في معصية الله فقد ضل.
ولا يعني هذا عدم طاعة ولي الأمر بالمعروف، فإنَّ من طاعةِ الله تعالى ورسوله أن تطيعَ من ولاه الله أمر المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يُطع الأميرَ فقد أطاعني، ومن يعصي الأمير فقد عصاني)) [البخاري: 2957ومسلم: 1835].
فطاعةُ أهلِ السنَّة لمن ولاه اللهُ أمرَهم: استجابةٌ لأمرِ الله واتّباعٌ لنبيِّه صلى الله عليه وسلم. وليست تملُّقا للسلاطين ورجاءً لما عندهم ورهبةً منهم، كما يدَّعي ذلك مَن تقلَّبَتْ بهم الأهواء.
س/ إذن، ماذا لو أمرَ الأميرُ بمعصية؟
ج/ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الطاعة بالمعروف)) [البخاري: 4340] وفي لفظ [مسلم: 1840]: ((لا طاعةَ في معصية الله، إنَّما الطاعةُ في المعروف)).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((السمع والطاعةُ حقٌّ ما لم يؤمَرْ بمعصيَةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة)) [البخاري: 2955].
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: ((أطعْه في طاعةِ الله، واعصِهِ في معصية الله)). [مسلم: 1844].
وأهلُ السنَّة لا يدعون الناسَ إلى طاعة السلطان في معصية الله، كما يزعم ذلك الكاذبون، ولا هم يتحاكمون إلى أوامر السلاطين فيحكّمونها في دينهم، كما يفهم ذلك كثيرٌ من الأغبياء.
س/ وإنْ استأثر الحاكمُ بالأموال دوننا؟
ج/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ((عليك السَّمْعُ والطاعة، في عُسْرِكَ ويُسرِك، ومنشَطِك ومكرَهِك، وأثرَةٍ عليك)) [مسلم: 1836].
سألَ سَلَمةُ بن يزيد الجُعْفِي رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم، فال: يا نبيَّ الله! أرأيتَ إن قامَتْ علينا أُمراءُ يسألوننا حقَّهم ويمنعوننا حقَّنا، فما تأمرُنا؟ فأعرَضَ عنه، ثم سألَه فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو الثالثة فجذبَه الأشعث بن قيس وقال: ((اسمعوا وأطيعوا، فإنَّما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلْتُم))[مسلم: 1846].
وفي رواية بعدَها: فجبذه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا….))الحديث.
س/ وما الذي علينا تجاه ظلم الحاكم الظالم؟
ج/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ((إنَّكم ستلقون بعدي أَثَرَة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) [مسلم: 1845]
وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ رأى من أميرِه شيئا يكرهُه فليصبر عليه، فإنَّه من فارق الجماعة شِبْرًا فمات إلا مات ميتة جاهليَّة)) [البخاري: 7054، واللفظ له، مسلم: 1849].
أي: «أي: مات على الضلالة كما يموت أهل الجاهلية عليها، فإنهم كانوا لا يدخلون تحت طاعة أمير» [فتاوى اللجنة الدائمة: الفتوى رقم: (17627) موقع: الرئاسة العامة للبحوث العلميَّة والإفتاء: http://www.alifta.net]
فالأمر بالصبر على الاستبداد والأثرة: أمرٌ نبوي ومنهاجٌ سلفي، وإن رضيَ بعضُ الحقوقيين وأتباعهم غيرَ ذلك.
وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((تسمع وتطيع للأميرِ، وإنْ ضُرِبَ ظهرُك، وأخِذَ مالُك، فاسمَعْ وأطِع)) [مسلم: 1847، الرواية الثانية].
وقد حاول صاحب كتاب «أسئلة الثورة» أن يُضعِّفَ زيادة: ((وإنْ ضُرِبَ ظهرُك، وأخِذَ مالُك، فاسمَعْ وأطِع))، وهي من رواية الإمام مسلم في صحيحه، وسلك إلى تضعيفها طريقةً تدل على استخفافه بعقول القراء والمتابعين له، وللأسف الشديد! وانظر تفصيل ذلك في كتاب: «كشف أبرز شبه: "أسئلة الثورة"» لعلي بن فهد أبابطين (ص: 76 – 84).
وليس الإشكال في أنَّه حكم على إسناد هذه الزيادة بالضعف –وحسب-، بل في الطريقة الخَلَفيَّة الرديئة التي سلكها لهدم هذا الحديث سندا ومتنا.
وحاول أحدُ الوعاظ أن يستغل التفاتَ قلوبِ العامة إليه واغترارهم به في تحريف معنى هذا الحديث.
وقد ردَّ عليهما فضيلة الشيخ الدكتور: صالح بن فوزان آل فوزان، بمقالٍ مختصر بعنوان: «تنبيه على خطأ في شرح حديث: وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» http://www.alfawzan.af.org.sa/node/13975
وفي الأحاديث الصريحة الصحيحة مما يدل على مشروعيَّة الصبر على جورِ السلطان، ما يشفي ويقطع الطريق على كل متصيِّد. حتى لو أخذنا بتضعيف الحديث الآنف الذِّكر.
س/ وماذا لو كان الحاكمُ فاسقا جائرا. أنسمع ونطيع؟
ج/ قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((ألا منْ ولي عليه والٍ، فرآهُ يأتي شيئا من معصيةِ الله، فليكره ما يأتي مِنْ معصية الله، ولا ينزِعنَّ يدًا من طاعة)) [مسلم: 1855، الرواية الثانية]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ((إنَّها ستكون بعدي أَثَرَةٌ، وأمورٌ تنكرونَها))، قالوا يا رسولَ الله! كيف تأمرُ من أدْرَك منَّا ذلك؟ قال: ((تؤدُّون الحقَّ الذي عليكم، وتسألون اللهَ الذي لكم)). [مسلم: 1834].
ومع أنَّ علماء السنَّة يدعون الراعي إلى أداء حقوق الرعية، والرعيةَ إلى حقوق الراعي، إذ إنَّ كل أحد يُخاطب بما يحتاجه، ولا يزال العلماء يشرحون حقوق الطرفين على بعضهما في دروس وكتب، إلا أنَّ الهازئين الجاهلين لا يكفُّون عن السخرية بعلمائنا قائلين: "أزعجتمونا بحقوق الراعي، فأين حقوق الرعيَّة؟!".
وعن جنادة بن أبي أميَّة قال: دخلْنا على عبادةَ بنِ الصامتِ وهو مريضٌ، فقلنا: حدِّثْنَا، أصلحَك اللهُ، بحديثٍ ينفعُ اللهُ به، سمعتَه من رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم، قال دعانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم فبايعناه، فكانَ فيما أخذَ علينا، أنْ بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويُسرنا، وأَثَرَةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمرَ أهلَه، قال: ((إلا أنْ تَرَوا كُفْرًا بواحًا عندَكم من الله فيه بُرهان)) [البخاري: 7055 ، ومسلم –واللفظ له-: 1709 (42 من أحاديث كتاب الإمارة)]
س/ وما موقفنا من منكراتِه؟
ج/ في صحيح مسلم عن طارق بن شهاب قال: أولُّ من بدأ بالخُطبة يوم العيدِ قبلَ الصَّلاة مروانُ، فقام إليه رَجُلٌ فقال: الصلاةُ قبلَ الخُطبة. فقال قد تُرِكَ ما هُنالِك.
فقال أبو سعيدٍ (يعني: الخُدْرِي) : أمَّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: ((مَنْ رَأى منكم مُنكرًا فليغيِّرْه بيده، فإنْ لَم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبِه، وذلك أضعف الإيمان)) [مسلم: 49].
قال الحافظ ابن رجب: «الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم في كل حال، وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة» [جامع العلوم والحِكَم، شرح حديث: من رأى منكم منكرا. (نسخة إلكترونية: موقع: إسلام ويب)]
والتغيير باليد لا يعني الخروج عليهم، أو قتالهم. قال ابن رجب رحمه الله: «جهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه». [المصدر السابق]
وقال رحمه الله: «إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه، لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره ، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره، ومع هذا، فمتى خاف منهم على نفسه السيف، أو السوط، أو الحبس، أو القيد، أو النفي، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى، سقط أمرهم ونهيهم، وقد نص الأئمة على ذلك، منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم» [السابق]
وفي كلامه هذا -رحمه الله- ردٌّ على دعاة المظاهرات الذين لا يبالون أَهُتِكَت الأعراض بسببهم أم سفكت الدماء وتعطلت عموم المصالح وعمَّ الخراب!
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ((ستكون أُمرَاءُ، فتعرِفون وتُنْكِرون، فمن عَرَفَ برئ، ومن أنكَرَ سلِم، ولكن مَنْ رضي وتابَع)). قالوا: أفلا نقاتِلُهم؟ قال: ((لا، ما صلّوْا)) [مسلم: 1854].
وقال عليه الصلاةُ والسلام: ((ألا مَنْ وَليَ عليه والٍ، فرآه يأتي شيئا مِنْ معصية الله، فليكرَه ما يأتي من معصيةِ الله، ولا ينزِعَنَّ يدًا من طاعة)) [مسلم: 1855، الرواية الثانية]
وبوَّبَ النووي في شرحه على مسلم: «باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالِفُ الشرع…».
س/ كيف يكون الإنكار على الحاكم؟
ج/ في صحيح البخاري عن أبي وائل قال: قيلَ لأسامة: لو أتيت فلانا (يعني: عثمان) فكلَّمتَه، قال: إنَّكم لترونَ أنِّي لا أكلِّمه، إلا أُسمِعُكم. إنِّي أكلِّمه في السرِّ دون أن أفتح بابًا أكون أوَّل من فتحه… [البخاري: 3267، واللفظ له، مسلم: 2989]
قال الشيخ ابن باز –رحمه الله-: «ليس من منهج السلف التشهير بعيوبِ الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأنَّ ذلك يُفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويُفضِي إلى الخوض الذي يضرُّ ولا ينفَع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان أو الكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يُوجَّه إلى الخير».اهـ [المعلوم من واجب العلاقة الحاكم بالمحكوم: أسئلة أجاب عليه الشيخ ابن باز رحمه الله وطُبعت في رسالة صغيرة].
ومسألة الإنكار علانية مما يكثر الخلط فيها. وضرب النصوص بعضها ببعض، وأقوال العلماء بعضها ببعض، وسبب ذلك الهوى والعجَلة. وللعلماء سلفا وخلفا كلام فيها. ليس هذا موضع بسطه.
وقد فصَّل الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في هذه المسألة تفصيلا يزيل اللبس. وكان مما قال: «جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم. وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً…»اهـ. [لقاء الباب المفتوح 62، نسخة إلكترونيَّة: موقع: إسلام ويب]
ولمزيدٍ من التفصيل راجع الشريط رقم 62 من اللقاءات:
http://www.ibnothaimeen.com/publish/cat_index_226.shtml
وقد كتب عدد من الأفاضل مقالاتٍ نافعة في بيان الفروق بين سبيل السلف وسبيل مَن أحدَثَ ممن خلَف في نصح السلطان. منها سلسلة مقالات كتبها الشيخ صالح السويح تحت عنوان: «السلاطين بين نصح الصادقين، وتهييج الثائرين».
وخلاصة الأمر: أن يتحرَّى الناصحُ أحسنَ السبل لنصيحة الإمام وردِّه عن الشرِّ، ويتوخى أقرب طريق لقبوله، ويبتعد عن شحن نفوس الناس عليه، وكسر هيبته بينهم، وتثبيطهم عن طاعته في المعروف، وتزيين الخروج لهم، لأن ذلك يُفضي إلى الفوضى والفساد.
س/ ما حكم من مات وليس في عُنقه بيعة؟
ج/ في صحيح مسلم عن نافع قال: جاء عبدُ الله بن عمر إلى عبدِ الله بن مُطيع، حين كان مِنْ أمرِ الحرَّةِ ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادةً، فقال: إنِّي لَمْ آتِكَ لأجلِسَ، أتيتُكَ لأحدِّثكَ حديثًا سمعتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((من خلَعَ يدًا من طاعةٍ، لقِيَ اللهَ يوم القيامةِ لا حُجَّةَ له، ومن مات وليس في عُنُقِه بيعةٌ، ماتَ مِيتَةً جاهليَّة)) [مسلم: 1851]
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فماتَ، ماتَ مِيتَةً جاهليَّة)) [مسلم: 1848].
وعن ابن عبَّاس عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: ((من كَرِهَ مِن أميره شيئا فليصبر، فإنَّه من خرَجَ من السلطان شِبْرًا ماتَ ميتة جاهليَّة)) [البخاري: 7053]
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (في مسائل الجاهليَّة) : «الثالثة: أنَّ مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمعَ والطاعةَ له ذلٌّ ومهانة، فخالَفهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأمَرَ بالصبر على جورِ الوُلاة، وأَمَرَ بالسمع والطَّاعة لهم والنصيحة، وغلَّظ فيه وأعاد»اهـ.
س/ ما حكم الخروج على الحاكم الكافر؟
ج/ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إلا أنْ تَرَوا كُفْرًا بواحًا عندَكم من الله فيه بُرهان)) [البخاري: 7055 ، ومسلم: 1709]
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: « لا يكون إلا إذا وجدت أمة قوة تستطيع إزالة الحكم الباطل. أما خروج الأفراد والناس العامة الذين يفسدون ولا يصلحون فلا يجوز خروجهم، هذا يضرون به الناس ولا ينفعونهم»اهـ. انظر: http://www.binbaz.org.sa/mat/4178
وقد فصَّل أهل العلم في ذلك، يقول الشيخ عبد العزيز الراجحي:
«لا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا بشروط خمسة دلت عليها النصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
أحدها: أن يفعل ولي الأمر كفراً لا فسقاً ولا معصيةً.
الثاني: أن يكون الكفر بُواحاً. أي واضحاً لا لبس فيه، فإن كان فيه شكٌ أو لبسٌ، فلا يجوز الخروج عليه.
الثالث: أن يكون هذا الكفر دليله واضحٌ من الكتاب أو السنة، ودليل هذه الشروط الثلاثة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لمّا سُئل عن الأمراء وظلمهم قال: ((إلا أن تروا كفراً بُواحاً عندكم من الله فيه برهان)) [متفق عليه].
الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محل الكافر، ويُزيل الظلم، ويَحكم بشرع الله، وإلا فيجب البقاء مع الأول.
الخامس: وجود القدرة والاستطاعة، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) [متفق عليه]».اهـ[بيان: حكم المظاهرات، موقع الشيخ عبد العزيز الراجحي: http://shrajhi.com//Fatawa/ID/1315 ]
وكأني بشابٍّ يسأل –مستنكرا- فيقول: لماذا البحث في هذه القضايا وتكرارها؟!
وأقول:
1-إنَّ هذه المسائل قد حكمَتْ فيها الشريعةُ، فنشرها –على ما جاءت به السنة- نشرٌ لشيءٌ من الشريعة. وإنكارُ الغلط الشائع في هذه المسائل إنكارٌ للمنكر.
2- إنَّ هذه المسائل مع وضوح الأدلة فيها قد كثر فيها اللبس والتلبيس، مما يدلّ على شيوع أهواءٍ يريد أصحابُها حرْف الناس عن السنة. وقد نجحوا في ذلك كثيرا بعد الفتن الأخيرة، فجرأوا العامة على علماء السنَّة، وتكرر استهزاء البعض ببعض الأحاديث الثابتة في الصحيح، واستصغار نعمة الله عليهم في بلد التوحيد والسخرية بمن يقرّ بها، وتسمية من يدعو إلى ما أمرت به السنة في معاملة السلطان وسار على طريقة علماء هذا البلد كابن باز وابن عثيمين رحمهما الله: غلاة طاعة، وطلاب دراهم السلطان… وتفنن مزينو المظاهرات والاعتصامات في لمز مخالفيهم في منهج الإنكار على الولاة، هذا مع دعواهم المكرورة في إعذار ذي الاجتهاد الآخر (!) التي تبين أن المراد منها فسح المجال أكثر لأهوائهم ومن يهوون !
3- الإخلال بهذه الأصول والضوابط الشرعيَّة في معاملة الحاكم يعرِّض المجتمع لفوضى وضياع الدماء والأعراض.
4- اشتداد الفتن من حولنا، وتشوُّف الكثيرين لجرِّها إلينا في بلاد التوحيد يدعو أهلَ الغيرة إلى أن يبذلوا ما يستطيعون في وأدِها في مهدها… كيف وقد كادت أن تكون جذعة؟!
أيها الشاب، لا تفسح لمن يريد التلاعب بدينك، وعقلك، وأمنِ مجتمعك، فتكون ألعوبة بأيديهم!
ولا تدع العواطف تحيد بك عن الصراط المستقيم.
ولا تغرَّنك كثرة المتلطخين بالفتنة، وما في كلامهم من بهرج… واصبر نفسَك على السنَّة، فهي أغلى وأنفس منهم أجمعين!
كتبه: ناصر بن عبد الله بن ناصر الخزيم
@Nasseralkhozim
في: 18 / 3 / 1443
للامانة العلمية الموضوع منقول