تحية ط:_here::)
يتسم الأديب ابراهيم عبدالقادر المازني بسمتين بارزتين تجعله نسيجاً وحده بين كتاب عصره ,هاتان السمتانهما: أولاً: النفاذ إلى مكنون النفس الانسانية و تحليل هذا المكنون و بسطه علىالناس بشكل مثير و غني, ثانياً: أسلوب السخرية التي صارت علامة من علامات فنه وتعبيره الأدبي.
أما بالقياس إلى السمة الأولى فهي بارزة عنده على المستويينالنقدي و الابداعي وذلك في تحليله للشخصيات التي درسها وقام بتحليلها في مقالاتهالنقدية ,وكذلك نراها ملمحاً من ملامح فنه الروائي تشهد بذلك رواياته وأهمها علىالاطلاق رواية ابراهيم الكاتب التي رسم فيها تلك الشخصية الانسانية الفذة التيتعتبر نموذجاً بشرياً منفرداً بكل ما في هذه الكلمة من معنى وسواء أكان ابراهيمالكاتب هو شخصية المازني أو لم يكن فإن من يقرأ هذه الشخصية ويقف عند تفاصيلجزئياتها و يتعمق إلى نفسيتها وما يدور في داخلها من مشاعر و ما يصدر عنها من مواقففكرية وإنسانية يجد نفسه أمام شخصية حية من شخصيات الحياة حتى لكأن ابراهيم الكاتبقد أصبح بعد قراءته صديقاً حميماً للقارئ… إنساناً يبقى حياً في ذاكرتنا حتى بعدأن نترك الكتاب سنوات طويلة .ولم تقتصر عبقرية المازني في تحليله للشخصيةالانسانية عند هذا الحد الذي يعطيك بقلمه نموذجاً إنسانياً حياً بكل نبضاته وخلجاته ,بل تجاوز هذا إلى تحقيق هدف صار في عصرنا الحديث صفة غالبة على الأدب الرفيع هذاالهدف هو أن يصبح العمل الابداعي عملاً نقدياً في الوقت ذاتهفقد أصبحالكتاب في عصرنا الحاضر يشعرون بالحاجة إلى تقديم النظريات عن فنهم و الدفاع عنكتاباتهم وشرحها أكثر مما فعلوا في الماضي.ومن هنا جاءت ظاهرة غلبة الفكرالناقد على الأدب الحديث فلم يعد هناك محل للتمييزالقاطع بين العمل النقدي و العملالابداعي الفني.وتخطت مطالب العقل الناقد لدى الكتاب العظام في هذا العصرحدود كتاباتهم الخاصة… كما لا ننسى أن عملية التفحص والتأمل وإطالة التفكير فيمغزى ما ينتجه المرء من فن وما يؤلفه من كتابات كانت من الاهتمامات التي شغلتالمازني وأثرت كتابته وجعلتها تتسم بالرؤية الخاصة و الاحساس العميق, ولاسيما مايتصل بالفكر الانساني والنفس عنده.وعلى هذه الحقيقة ,حقيقة أن أكبرالكتاب هم أصحاب أعمق وأشمل قدرة على النقد وليس خافياً أن عملية الابداع الفنيتتضمن اختياراً للموضوع و للشكل و للغة و لعدد لا يحصى من التفاصيل وقدرة الكاتبالنقدية و الذوقية تتدخل في صياغة هذا كله, وتلك ظاهرة من الظواهر التي برزت في فنالمازني التحليلي و النقدي بلا جدال.أما السمة الثانية التي تبرز هيالأخرى بشكل ظاهر في أدب المازني فهي أسلوبه الساخر : وللسخرية معان كثيرة: فمنهاالسخرية الحزينة المرة, ومنها السخرية الضاحكة حين تترجم حاجة روحية فكثيراً مايحاول المجتمع أن يسحق الكاتب بأفكاره فيسحقه الكاتب بأن يسخر منه ويحتقره .وسخرية المازني لاتكتفي بالمضحك الذي يلاحظ الخلل في عالم الظواهر ويعبرعنه,وإنما سخريته تتعدى هذا إلى ملاحظة الخلل الباطن الذي يهدد جوهر العالم فهيلاتقتصر على نقد الظواهر و العادات و الأخلاق فحسب, وإنما تشك في الانسان ذاته وفيالنظام العام الذي يسير العالم أحياناً أخرى.على أن السخرية عند المازنيقد منحت أدبه نبرة من الحيوية و الحركة و التحرر و الشجاعة التي تجعله يجرب تأثيرسخريته على نفسه وهي سخرية تخبئ حنيناً عميقاً إلى الشفاء الروحي كما أنها تتجهأحياناً إلى الخلاص و التطهير من عبء الدهر أو الزمن أو مايصيب الانسان من صدمات أومآسي بعد هاتين السمتين البارزتين في فن المازني تبقى قيمته الحقيقية التي تكمن فيدوره الريادي مع زميله العقاد وشكري في تطوير حركة الشعر المعاصر بمقالاتهمالنقدية,التي نقلت الفكر النقدي الأوروبي والتي عالجت الكثير من قضايا الشعر العربيالتقليدي,وأثارت موضوعات جديدة منها : موضوع التجربة الابداعية و معناها,ومنها شعرالمناسبات ,ومنها قضايا الوحدة العضوية في القصيدة,و وظيفة الصورة الشعرية وقيمتهاالفنية و دورها في تحقيق الكيان العضوي للقصيدة ,هذه جميعها موضوعات تمكنت من زعزعةالمعتقدات القديمة, و التنبيه إلى معان جديدة ,ومفاهيم حديثة للشعر و القصيدة.هذه الثورة النقدية التي تزعمتها جماعة الديوان العقاد و شكري والمازني,كان لها أكبر الأثر في تغيير مسار الشعر,وفي خلق تجارب شعرية متطورة من حيثاللغة و الأداء و الشكل الفني و الموسيقى أيضاً
وكيف ننسى أحد أعمدة النقد الأدبي الحديث ورائد من رواد مدرسة الديوان
المازني بأسلوبه التهكمي الساخر الذي صوبه إلى المجتمع ملتقطا به الآفات الإجتماعية
والصفات اللإخلاقية عند مختلف الشرائح ليرسي على القيم المرجوة
فجعل من أدبه معول بناء للمبادئ السامية ، ومنهجا يصلح من شأن الأدب وتوجه الأديب .
نترقب المزيد
بالتوفيق