التصنيفات
اسلاميات عامة

عائشة رضي الله عنها ام المؤمنين لا ام الكافرين

بسم الله الرحمن الرحيم


تجرَّأ رويبضةٌ حقيرٌ وضيعٌ ينتسبُ إلى الطَّائفة الشِّيعيَّة في النِّصف الثَّاني من شهر رمضان لسنة 1443هـ وقام خطيبًا في جماعة ممَّن هُم على مشرَبه ليصبَّ جامَّ غضبه على أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها محتفلا بليلة وفاتِها، سابًّا وشاتمًا ومقذعًا بأنواع السَّبِّ والشَّتم الَّتي تتفطَّر قلوب المؤمنين لسماعه، بل لا تطيق أذنُ مسلم يحبُّ الله ورسوله سماعَه، لما في ذلك من الإذاية لرسُول الله صلى الله عليه وسلم ولكلِّ من كانت عائشة رضي الله عنها أمًّا له، بل إنَّ القلم يأبى المطاوعةَ على كتابة ما تفوَّه به هذا المعتوه الَّذي حَكَم على نفسه بالكُفر والخُروج من ملَّة الإسلام؛ فقد أجمع العلماء رحمهم الله على أنَّه يُقطَعُ بكُفر مَن رمَاها بما برَّأها الله منه؛ لأنَّه ناقضَ صريحَ القرآن وكذَّب اللهَ عزَّ وجلَّ.
إنَّ عائشة أمَّ المؤمنين الصَّدِّيقة بنت الصِّدِّيق زوجة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الدُّنيا والآخرة، أفقه نساء الأمَّة على الإطلاق، وأحد السَّبعة المكثرين من الحَديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روَتْ وحفِظت عنه علمًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، مناقبُها وفيرة وفضائلُها كثيرة، مشهورة منثورة، تجدها في كُتُب الحديث والسُّنَّة مبثوثة، قد عقد لها المصنِّفون أبوابًا في كتبهم الجامعة، وبعضُهم أفردَها بالتَّأليف؛ ويكفي أن تَعلم أنَّها أحبُّ النِّساء إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه: «يا رسُول الله! أي النَّاس أحبُّ إليكَ؟ قال: عائشَة؛ قال: مِنَ الرِّجال؟ قال: أبُوها»؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
وإنَّ العجبَ لا ينقضي من حال كثير من الحركات والجماعات الَّتي تسمِّي نفسَها إسلاميَّة والَّتي تزعُم أنَّها تعمل جاهدةً لقضايا الأمَّة المصيريَّة، ثمَّ لا تَسمَع لهم في هذه القضيَّة همسًا ولا ركزًا؛ لأنَّ مثل هذه المسائل لم تعد عندهم ذات بال، فهي منَ القضايا الجانبيَّة والأمور الشَّكليَّة الَّتي لا ينبغي أن تُثار حتَّى لا تُثار الأحقاد، وحفاظًا على الوحدة المهزوزة، وتثبيتًا لمسألة التَّقريب المزعومة، فيتعلَّقون بأفكار هي في حقيقتها أوهام، ويتشبَّثون بخيوط كخُيوط العَنكبوت، وهذا لخلوِّ ساحتهم من العلم الصَّحيح المستمدِّ من وحي الرِّسالة ونور النُّبوَّة، لأجل هذا كان سهلا أن يهونَ عليهم عِرض نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، ولا يحرِّك كلامُ ذاك الدَّعي الخسيس شعرةً من أبدانهم، ولا يثير حفائظَهم، وإلَّا فمَن شَمَّ رائحةَ العلم عرفَ قدرَ عائشة رضي الله عنها في الإسلام ومنزلتَها في قلوب المسلمين، وعلم أنَّ مثل هذا التَّجرُّؤ لا يحسُن السُّكوت عليه؛ لأنَّه لا يُعقَل أنَّ أحدًا في قلبه بقية من حياة يسكتُ عمَّن يسُبُّ أمَّه؛ فكيفَ بمَن يسبُّ أمَّ المؤمنين جميعًا!!!
وإنَّ هذه الحركة الَّتي قام بها هذا السَّافل الآفِل هي حلقةٌ في سلسلة طويلة مشدودة حلقاتها بإحكام في التَّهجُّم على نبيِّ الإسلام صلى الله عليه وسلم وتشويه صورتِه، ومحاولة تَصدير التَّشيُّع بتواطؤ معَ اليَهود والنَّصارى فهُم أحبَّاء متعاونون، وإن زعَموا في العَلَن أنَّهم أعداء متنافرون، يجمعهم الكيد والمكر بأهل السُّنَّة، وشواهد التَّاريخ والواقع على هذه الحقيقة غير خافيةٍ على من كان له أدنى تأمُّل واطِّلاع، وإلَّا فكيف يُمَكَّن لمثل هذا الدَّنيء السَّاقط أن يسبَّ أمَّ المؤمنين رضي الله عنها ثمَّ يُحتَفى به وتتهاوى عليه وكالات الأنباء والمحطَّات والقنوات لتحظى معه بلقاء أو ندوة صحفيَّة في بلدٍ يزعُمُ أهلُه أنَّهم من أكثر الدُّول احترامًا لأديان النَّاس واعتقاداتِهم!!
إنَّ الغربَ الكافر يريدُ أن يهدمَ حصونَ الإسلام ويدكَّ معاقلَ التَّوحيد والسُّنَّة، ولن يجد معاول هدمٍ لبلوغ هذا الهدف الأثيم مثل الشِّيعة الرَّوافض، فليحذَر أهل السُّنَّة ولا يُستَغفَلُون..
إنَّهم يريدوننا أن نتعوَّد على سماع مثل هذا السَّبِّ والشَّتم في عرض نبيِّنا صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ التَّعوُّد يورِّث التَّبلُّد، وكثرةُ الإمساس تميتُ الإحساس، ولو مَاتت في قلوبنا الغَيرةُ على نساء نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، فيعني ذلك هلاك أنفسِنا وذهاب دينِنا؛ فلنهبَّ للذَّبِّ عن عِرض سيِّد الخَلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، والدِّفاع عن الصِّدِّيقة بنتِ الصِّدِّيق حبيبة حبيبِ الله، المبرَّأة من العيوب، ومضرَب المَثَل في العفَّة والطُّهر والفَضيلة رضي الله عنها، ولننشُرْ مآثرَها، ونُذِعْ مناقبَها، ونُسمع النَّاسَ فضائلَها ومحاسنَها.

وفي الأخير ما يسعُنا إلَّا أن نقول لهذا الضَّالِّ الحقير بملء أفواهنا ما قاله عمَّار بن ياسر رضي الله عنه لرَجُلٍ سبَّ عَائِشَةَ ووَقَع فيها: «اسْكُتْ مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا؛ أَتُؤْذِي حَبِيبَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم! إنَّها لزَوْجَتُه في الجنَّة» [الترمذي (3888)، والحاكم (3/444) وصحَّحاه، وأحمد في «فضائل الصَّحابة» (1647)].
فضيلة الشيخ توفيق عمروني الجزائري- حفظه الله – مديرمجلة الاصلاح السلفيةالجزائرية




جزاكم الله خيرا




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[شرح] الحذر من موالاة الكافرين

تعليمية تعليمية
[شرح] الحذر من موالاة الكافرين


الناقض الثامن
(مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ).
ومن ظاهر المشركين وناصرهم على المسلمين فقد تعرض لتهديد الله ووعيده، وخان الله ورسوله والمؤمنين، واستحق سخط الله وعذابه قال تعالى : [المـَـائدة: 80-81]{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ *وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ *}.
وجعل الله ذلك من خصال المنافقين فقال تعالى : [النّـِسـَـاء: 138-139]{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا *الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا *}
وجعل حكم من يتولى المشركين كحكمهم فقال: [المـَـائدة: 51]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
وجعل موالاتهم سراً أو علانية ووعدهم بالمناصرة صدقاً أو كذباً في النهي سواء، فقال تعالى: [الحـَـشـر: 11]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *}
وقطع سائر الأعذار لتوليهم كحظوظ الدنيا أو الخوف منهم أو مداراتهم أو مداهنتهم أو خشية الدوائر أو عصمة النفس والمال فقال : [المـَـائدة: 52]{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وقال : [النّحـل: 107]{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآْخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ *}.
وعمَّم النهي في موالاة الكافرين عامة ذوي أرحام أو أجانب، كتابيين أو مشركين أو مرتدين وغيرهم من ملل الكفر فقال: [المـَـائدة: 57]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *}.
وقال: [المجـَـادلة: 22]{لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}
وتوعد من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين إن هو لم يرتدع عن موالاته وينجر عن مخالته أن يلحقه بأهل ولايته من المنافقين فيستحق ما استحقوه بأوضح حجه وأقوى برهان فقال: [النّـِسـَـاء: 144]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينِ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا *}
وتبرأ ممن يتولاهم فقال: [آل عِـمرَان: 28]{لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}
وقطع بردتهم فقال: [محـَـمَّد: 25-26]{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَْمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ *} إلى غير ذلك من الآيات.
والنصوص في الكتاب والسنة في هذا الباب أكثر من أن تحصر، وقد حرص الشارع على بيان هذا الأصل العظيم من الدين أشد بيان، فتواترت به النصوص من الكتاب والسنة، وتظافرت فيه الأدلة، وذلك لأنه من أعظم أصول الملة، فبموالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين تهدم الشريعة ويثلم الدين.
قال الشيخ حمد بن عتيق في «سبيل النجاة»: (ص31) :
(فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده) انتهى.
وقد وقع الجهل في هذا الباب، والتسامح فيه، فأصبح اتِّباع الأهواء وملذات الدنيا وحب الرئاسة عذراً في موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين، فأصبح هذا الباب فتنة لكثير من الأولين وبلاء للآخرين.
فتحرم موالاة الكافرين على المؤمنين بالمال والنفس والرأي، وإن لم يقع في القلب حبهم، وتفضيل دينهم على دين المؤمنين، وقد حذر الله من ذلك أشد تحذير، كما تقدم في الآيات قال تعالى : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وهذا يجري على ظاهره أنه في حكمهم.
قال ابن القيم في «أحكام أهل الذمة»: (1/67) :
(قد حكم ـ الله ـ ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإذا كان أولياءهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم) انتهى.
وقال القرطبي في «تفسيره»: (6/217):
ُ س ش ] ِ أي يعضدهم على المسلمين ُ ء _ ِ بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة) انتهى.
وقال ابن حزم في «المحلى»: (11/ 35) :
(وصح أن قول الله تعالى [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين) انتهى.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في «الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك»: (52) :
(قال تعالى : [الحـَـشـر: 11]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *} فإذا كان وَعْد المشركين في السر ـ بالدخول معهم ونصرتهم والخروج معهم إن جَلَوا- نفاقاً وكفراً وإن كان كذباً، فكيف بمن أظهر لهم ذلك صادقاً، وقدم عليهم، ودخل في طاعتهم، ودعا إليها، ونصرهم وانقاد لهم، وصار من جملتهم، وأعانهم بالمال والرأي.
هذا مع أن المنافقين لم يفعلوا ذلك إلا خوفاً من الدوائر كما قال تعالى : [المـَـائدة: 52]{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}) انتهى.
ومن تبرأ من أعداءِ الله وأعداءِ وليه ودينه، عليه موالاة أولياء الله، قال تعالى : [المـَـائدة: 55]{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}.
ولا يُعذر مسلم بتوليه الكافرين، ومناصرته لهم على المؤمنين، فمصلحة التوحيد أعظم مصلحة ترجى للأمة، ومفسدة الشرك أعظم مفسدة تُدرأ عنها، فلا يحل مظاهرة الكافرين على المؤمنين لأجل طمع في الدنيا يرجى، من عصمة مال أو رياسة وغيرها، بل ولا عصمة الدم، حيث عُلم أن مظاهرة الكافرين كفر وردة عن الدين، وقد أجمع أهل العلم على أن من ظاهر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من الملل الكفرية على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم قال الله جل وعلا: [المـَـائدة: 51]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله كما في مقدمة كتاب «الدلائل» :
(اعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفاً منهم، ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين، هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، فكيف إذا كان في دار منعة واستدعى بهم ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم الباطل وأعانهم عليه بالنصرة والمال ووالاهم وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار من جنود القباب والشرك وأهلها بعد ما كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر من أشد الناس عداوة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يستثنى من ذلك إلا المكره وهو: الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكفر أو افعل كذا وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان.
وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر، فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا) انتهى.
* ولأجل هذا شرع الله الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإيمان، لما تتضمنه الإقامة بين ظهرانيهم في الغالب من المودة لهم وطلب رضاهم بمدح ما هم عليه، وعيب المسلمين.
قال ابن حزم الأندلسي في «المحلى»: (11/199، 200) :
(وقد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى، وعن إمام المسلمين وجماعتهم ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم أنه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر، قال الله تعالى: [التّوبـَـة: 71]{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.
قال أبو محمد رحمه الله:
فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه متى قدر عليه ومن إباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم.
وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليهم، ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لا شيء عليه لأنه مضطر مكره) انتهى كلام ابن حزم.
* والموالاة والمعاداة أوثق عرى الإيمان، ولأجل حماية هذا الأصل العظيم حرَّم الله التشبه بالكفار في الهدي الظاهر حتى وإن لم يصاحبه حب في الباطن، فقد روى أحمد وأبو داود من حديث حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن تشبه بقوم فهو منهم».
ويخرج من هذا من كان من المسلمين في دار كفر، وخشي الضرر بالمخالفة لهم في الزي الظاهر، فيجوز له موافقتهم في هديهم الظاهر، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بمخالفة المشركين حال ضعف المُعِيْن له، وقلة الناصر، بل أمر بذلك بعد ظهور الإسلام وقوَّة أهله.
ومن أعظم موالاة أهل الكفر التي تناقض الإيمان إقامة المنظمات والملتقيات والمؤتمرات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الفوارق العقدية، ومحو الخلاف فيما بينها، وهذا الأمر يتكئ على فكرة خبيثة عرفت قديماً عند ملاحدة المتصوفة كالتلمساني وابن سبعين وابن هود، وعرفت حديثاً عند دعاة العلمانية والليبرالية الذين يتفقون مع سابقيهم في الإلحاد، ونبذ الإسلام وتنحيته عن شئون الحياة.
مسألة في الاستعانة بالكفار في القتال:
وأما الاستعانة بالكفار في قتال كفار آخرين، فهي مما وقع في جوازها الخلاف بين أهل المعرفة، فمنهم من منع مطلقاً، ومنهم من أجاز بقيود وشروطٍ، كمسيسِ الحاجة إليهم، وأمن مكرهم وخيانتهم بالمؤمنين.
وأما الاستعانة بالكفار على قتال بغاة مسلمين، فقد منع منه أكثر العلماء وجماهيرهم، فإن كان قتال هؤلاء البغاة مما يقوِّي شوكة الكفار على المسلمين، ويظهرهم عليهم، ونفع أهل الكفر بهذا القتال أكثر من نفع أهل الإسلام، فهذا داخل في قوله جل وعلا : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} بلا ريب.
ومن الاستعانة بهم في القتال ما هو دون ذلك في الحكم فلا يصل إلى الكفر والردة، والخروج من الملة.
قال ابن حزم الأندلسي _ح في «المحلى»: (11/200، 201) :
(وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين، أو على أخذ أموالهم أو سبيهم، فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافراً، لأنه لم يأت شيئا أوجب به عليه كفراً قرآن أو إجماع.
وإن كان حكم الكفار جارياً عليه فهو بذلك كافر، على ما ذكرنا، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافراً. والله أعلم) انتهى.
من شرح الشيخ عبدالعزيز الطريفي

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية