{يَا أيُّهَا الَّذِينَ َآمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
وقد قسم سبحانه الخلق إلى قسمين: سعداء وأشقياء، فجعل السعداء هم أهلَ الصدق والتصديق، والأشقياء هم أهلَ الكذب والتكذيب،وهو تقسيم حاصِر مطَّرد منعكِس. فالسعادةُ دائرة مع الصدق والتصديقِ، والشقاوةُ دائرة مع الكذب والتكذيب.
وأخبر سبحانه وتعالى: أنه لا ينفعُ العبادَ يومَ القيامة إلا صدقهم، وجعل عَلَم المنَافقين الذى تميزوا به هو الكذبَ فى أقوالهم وأفعالهم، فجميعُ ما نعاه عليهم أصلُه الكذبُ فى القول والفعل، فالصدق بريدُ الإيمان، ودليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحِليته، ولباسُه، بل هو لبُّه وروحه. والكذب: بريدُ الكفر والنفاق، ودليلهُ، ومركبه، وسائقه، وقائدُه، وحليته، ولباسه، ولبُّه، فمضادة الكذبِ للإيمان كمضادة الشِّرك للتوحيد، فلا يجتمعُ الكذب والإيمان إلا ويطرُد أحدهما صاحبه، ويستقِرُّ موضعه، والله سبحانه أنجى الثلاثَةَ بصدقهم، وأهلكَ غيرَهم من المخلَّفين بكذبهم، فما أنعم اللهُ على عبدٍ بعد الإسلام بنعمة أفضل من الصدق الذى هو غِذاء الإسلام وحياتُه، ولا ابتلاه ببلية أعظمَ من الكذب الذى هو مرضُ الإسلام وفساده. والله المستعان.
وقوله تعالى: {لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ. إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: 117]، هذا من أَعظَم ما يُعَرِّفُ العبد قدرَ التوبة وفضلَها عند الله، وأنها غاية كمال المؤمن، فإنَّه سبحانه أعطاهم هذا الكمال بعد آخر الغزواتِ بعد أن قَضَوْا نحبَهم، وبذلوا نفوسهم، وأموالهم، وديارهم لله، وكان غايةَ أمرهم أن تاب عليهم، ولهذا جعل النبى صلى الله عليه وسلم يومَ توبةِ كعب خيرَ يوم مَرَّ عليه منذ ولدته أُمه، إلى ذلك اليوم، ولا يعرِفُ هذا حق معرفته إلا مَن عرف الله، وعرف حقوقَه عليه، وعرف ما ينبغى له من عُبوديته، وعرف نفسَه وصفاتِها وأفعالها، وأن الذى قام
به مِن العبودية بالنسبة إلى حق ربه عليه، كقَطْرة فى بحرٍ، هذا إذا سلم من الآفات الظاهرة والباطنة، فسُبحان مَن لا يسعُ عبادَه غيرُ عفوه ومغفرته، وتغمده لهم بمغفرته ورحمته، وليس إلا ذلك أو الهلاك، فإن وضع عليهم عدله، فعذَّب أهلَ سماواته وأرضه عذَّبهم، وهو غيرُ ظالم لهم، وإن رحمهم، فرحمتُه خير لهم من أعمالهم، ولا يُنجى أحداً منهم عملُه.
قالوا عن الصدق:
وقال بشر بن الحارث:
من عامل الله بالصدق استوحش من الناس.
وقال أبو سليمان:
اجعل الصدق مطيتك، والحق سيفك والله تعالى غاية طلبك.
وقال رجل لحكيم:
ما رأيت صادقًا !
فقال له:
لو كنت صادقًا لعرفت الصادقين.
قال الحارث المحاسبي :
الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ,
ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله ،
فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من علامات الصادقين .
ابن القيم – مدارج السالكين (2/289) (3/186)
قال ابن القيم رحمه الله :
فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل وأنه لا شيء وأنه ممن لم يصح له الإسلام بعد ، حتى يدعى الشرف فيه .
ابن القيم – تهذيب المدارج (277)
ويقول كذلك عليه رحمة الله في كتاب الفوائد ص 185:
لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره .
وقال عبد الملك بن مروان لمعلم أولاده:
"علمهم الصدق كما تعلمهم القران".
أسأل الله أن ينفع بها الجميع
والله أعلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.