هذا تطبيق عملي لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال:إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وهذه التطبيق من راوي الحديث ومن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله-أريد به الرد على طائفتين، طائفة شاذة تفهم الحديث على معنى القتال والمطاعنة بالسلاح! ، وطائفة تُسهل بالأمر فتقول: إن المراد الحرص على الدفع لكن لا يصل ذلك إلى ما فيه شدة، وكلاهما مخطئ ودونكم الآثار.
روى ابن أبي شيبة في مصنفه فقال:
2930- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَائِمًا يُصَلِّي ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدفَعَهُ وَأَبَى إِلاَّ أَنْ يَمْضِيَ ،فدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَطَرَحَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : تَصْنَعُ هَذَا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَوْ أَبَى إِلاَّ أَنْ آخُذَ بِشَعْرِهِ لأَخَذْتُ.وهذا إسناد ظاهره الصحة.
– وهكذا أورد العيني في "عمدة القاري" ما رواه أبو الفضل ابن دكين في كتاب "الصلاة" قال:
حدثنا عبد الله بن عامر عن زيد بن أسلم قال بينما أبو سعيد قائم يصلي في المسجد فأقبل الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه فرده ، فأبى إلا أن يمر ، فدفعه ولكمه ا.هـــ
قلت: والبخاري رواه في الصحيح في سبب الحديث لكن فيه "فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ، فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى"
ولا شك أن رواية نعيم أصرح في مقدار الشدة التي وقعت منه -رضي الله عنه- لكن عبد الله بن عامر هو الأسلمي ضعيف فلذا أخرت هذه الرواية.
– ونقل ابن رجب في "الفتح" صنيع الإمام أحمد -رحمه الله- فقال ما نصه:
وقال أبو الحارث : أخبرني بعض أصحابنا ، أنّه رأى أحمد يوم الجمعة يصلي في مسجد الجامع ، فمر بين يديه رجل فرده ، فأبى أن يرجع ، فدفعه حتى رمى به . ا.ه [2/ 673]
فهذان الخبران صريحان في الدفع الشديد ولو أدى إلى الطرح أرضا.
لكن من الحكمة أن يراعي المرء الأحوال ، فقد يُعتدى عليه إن كان مستضعفا، ومن طريف ما قرأت ما أورده ابن أبي شيبة كذلك فقال:
2933- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، قَالَ : قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيَّ ؟ قَالَ : لا ، قُلْتُ : فَإِنْ أَبَى ، قَالَ : فَمَا تَصْنَعُ ؟ قُلْتُ : بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ -[قلت: أي ابن جبير]- : إِنْ ذَهَبْتَ تَصْنَعُ صَنِيعَ ابْنِ عُمَرَ دُقَّ أَنْفُكَ.
وهكذا التدرج ينبغي أن يلاحظ، وقد ورد في نص الحديث الإشارة إليه، وجاء من فعل الإمام أحمد -رحمه الله- فروى ابن هانئ:
رأيت أبا عبد الله إذا صلى فمر بين يديه أحد دفعه دفعا رفيقا ، فإن أبى إلا أن يمر دفعه دفعا شديدا، إذا لم يكن له موضع يتنحى حتى يجوز، دفعه دفعا شديدًا ا.هـ 1/ 66
نترقب المزيد
بالتوفيق