ماذا فعلت العصبية الجاهلية بأهل مصر والجزائر؟!
بقلم :
فضيلة الشَّيخ
أبي عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان
– حفظه الله –
بسم الله والحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن اتبع هداه،
أما بعد؛ فهذه رسالة هامة إلى كل مسلم غيور على دينه في الدولتين المسلمتين: مصر والجزائر.
فأقول: لقد ميَّز الله سبحانه عباده المؤمنين بالاجتماع على دين قيِّم ذي أصول عظيمة وأركان متينة، كما قال سبحانه: { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }، وجعل لُحمة النسب بينهم: الإيمان، فقال الله عز وجل: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.
وعليه فإن هذه الآصرة المتينة لا تزعزها حدود إقليمية مصطنعة ولا نعرات جاهلية مفتعلة، وأهل مصر والجزائر يدين أغلبهم بهذا الدين القيم: دين الإسلام، ومن ثَمَّ يلزم الجميع في كلا البلدين أن يكون اجتماعهم على هذا الدين لا على نعرة وطنية كاذبة تنطلق من عصبية مقيتة محرَّمة بالاتفاق.
وأني عجبت أشد العجب أن يتدنى المستوى في التفكير ببعض مَن ينتمي إلى كلا البلدين إلى درجة أن تصير الحمية عندهم حمية الجاهلية لا الحمية للدين القيم الذي يربطهما.
فما فائدة هذا الصراع الخاسر الذي أشعلته أيدٍ خفية –تريد الشرَّ بكلا البلدين- إلا أن يقعوا في غضب الله عز وجل، بسبب هذه الحمية الجاهلية للعبة لا قيمة لها عند العقلاء ؟!
ألا فحقَّ لأعدائنا أن يسخروا منا إذ بلغ بنا الأمر هذا المبلغ من السفاهة والانحطاط في تقييم الأمور.
أتقطع أواصر الإخوة الإيمانية بين المسلمين في مصر والجزائر بسبب مباراة كرة … ؟!
هل يتصور هذا مسلم يحترم دينه، ويربأ بنفسه أن يكون كالبعير الذي تردى بذَنَبه في البئر يسعى خلاصًا لكن هيهات هيهات؟!
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل الذي يعين عشيرته على غير الـحق مثل البعير، رُدِّىَ في بئر؛ فهو يَمُدُّ بذَنَبه"، وفي رواية: " من نَصَر قومه على غير الـحق.."، وفي لفظ: " مثل الذي يعين قومًا على الظلم مثل البعير الذي يتردى في الركي ينزع بذنبه " [1]
وقال البخاري في صحيحه في كتاب المناقب: باب ما يُنهى من دعوى الجاهلية
[2]، رقم (3518): حدثنا محـــــمد، أخـــــبرنا مخـــــلد بن يزيد، أخـــــبرنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابرًا -رضي الله عنـه- يقول: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعَّاب[3] فكَسَعَ [4] أنصاريًّا، فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بالُ دعوى أهل الـجاهلية، ثم قال: ما شأنهم؟، فأُخبر بكَسعة المهاجري الأنصاري، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها خبيثة "، وفي رواية مسلم (2584): "دعوها فإنها منتنة " ، وزاد أحمد في روايته كما في المسند (3/338): ثم قال:" ألا ما بال دعوى الـجاهلية؟ ألا ما بال دعوى الـجاهلية؟."
وجاء في رواية أبي الزبير، عن جابر عند مسلم (2584): فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: ما هذا؟ دعوى أهل الـجاهلية؟، قالوا: لا، يا رسول الله، إلاَّ أن غلامين اقتتلا، فكسع أحدهما الآخر، قال: فلا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالـمًــا أو مظلومًا، إن كان ظالـمًـا فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره [5].
أيصير منتهى آمال عامة المسلمين في كلا البلدين الوصول إلى كأس العالم الذي تنظمه المؤسَّسات اليهودية الكافرة؟!
فأين الجنة أيها العقلاء ؟!
إن منتهى آمال المؤمن أن يستقر في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن ينجوا ويسلم من عذاب الله عز وجل، لا أن يحصل على مكانة زائفة في لعبة تافهة ..!!
ولا أستطيع إلا أن أقول كما قال كليم الله موسى عليه السلام راجيًا ربَّه: { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }.
يا أيها العقلاء إن المستفيد الوحيد من قطع العلاقات بين البلدين وترحيل الجاليتين هم أعداؤنا من اليهود والروافض، ولا أخال أحدًا أشعل هذه الفتنة إلا منهم.
وإن المادة الثانية في دستور كلا البلدين تنص على أن الدين الرسمي لكليهما هو الإسلام.
أفيجمعهما دين الإسلام القيِّم، وتفرقهما لُعبة؟
هل يصدق هذا عاقل؟
وإن المادة الرابعة في الدستور المصري تنص على أن : يقوم الاقتصاد في جمهورية مصر العربية على تنمية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية، والحفاظ على حقوق العمال.
والمادة الثامنة في الدستور الجزائري تنص على حماية الاقتصاد الوطني من أيّ شكل من أشكال التّلاعب، أو الاختلاس، أو الاستحواذ، أو المصادرة غير المشروعة.
وبلا شك هذه القرارات العشوائية الصادرة من كلا البلدين في حق العمالة المصرية والجزائرية يخالف نص المادتين، ويضر باقتصاد كلا البلدين أيَّما ضرر، فالحذر الحذر !!
فهذا نداء حار إلى المسؤولين والوجهاء والعلماء في كلا البلدين أن يسعوا بكل جدٍّ إلى تخطي هذه الفتنة العمياء، وإلى تبصرة الناس بأصول معتقدهم الإيماني، والذي منه نبذ هذه النعرة الجاهلية خلف الظهور، والاستعلاء بالنفس عن التردي في هذه الأوحال.
نسأل الله سبحانه بمنِّه وكرمه أن يزيل هذه الفتنة، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يؤلِّف بين قلوبنا على محبته وطاعته.
ورجاء إلى كل من عنده قدرة أن يوِّصل رسالتي هذه إلى كل مَن بيده الأمر من المسئولين في كلا البلدين، لعلَّ الله سبحانه أن ينفع بجهد عبده الضعيف في إطفاء نار الفتنة بهذه الكلمات القليلة.
وصلى اللهم على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليمًا كثيرًا.
وكتب
أبو عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري
فجر الأثنين 4 ذي الحجة لعام1430 هـ
الحواشي :
[1] :حديث صحيح: أخرجه أحمد (1/393)، والبزار في مسنده (5/381)، وغيرهما.
قال أبو محمد الرامهرمزي: "الركي: البئر الصغيرة …، والنزع: قلعك الشيء من الشيء، وهذا مثل في ذمِّ الحمية والتعاون على العصبية، ومثَّل بالبعير الذي يتردى في البئر فيحاول نجاة نفسه بهلاك بعضه، وكان هذا من شأن العرب ومذهبها ".اهـ
وقال القاري في مرقاة المفاتيح (8/643) [1]: "والمعنى: أن من نصر قومه على غير الحق فقد أوقع نفسه في الهلكة بتلك النُّصرة الباطلة، حيث أراد الرفعة بنصرة قومه، فوقع في حضيض بئر الإثم، وهلك كالبعير، فلا تنفعه تلك النُّصرة كما لا ينفع البعير نزعه عن البئر بذَنَبه.
وقيل: شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم القوم ببعير هالك؛ لأن من كان على غير حق فهو هالك، وشبَّه ناصرهم بذَنب هذا البعير، فكما أن نزعه بذَنَبه لا يخلصه من الهَلَكة، كذلك هذا الناصر لا يخلصهم عن بئر الهلاك التي وقعوا فيها".اهـ
[2]: قال الحافظ في الفتح (6/631-ريان): "دعوى الجاهلية: الاستغاثة عند إرادة الحرب، كانوا يقولون: يا آل فلان، فيجتمعون فينصرون القائل ولو كان ظالمًا، فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك.ا.هـ
[3] : أي بطَّال، وقيل: كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة، كما في الفتح (6/632-ريان).
[4]: قال القاضي عياض في إكمال المعلم (8/54): "قال الطبري: والكسع هو ضرب الرجل عجزة الآخر بظهر الرجل، وقال: هو ضرب الدبر، وقيل: هو ضربه بالسيف على مؤخره، وقال الخليل: هو ضربك دبر الرجل بيدك أو رجلك.اهـ
[5]: قال الحافظ في الفتح (6/631-ريان) بعد أن ساق هذه الرواية وعزاها إلى إسحاق بن راهوية والمحاملي في الفوائد الأصبهانية: " وعرف من هذا أن الاستغاثة ليست حرامًا، إنما الحرام ما يترتب عليها من دعوى الجاهلية إ.هـ