التصنيفات
العقيدة الاسلامية

الصبر على البلاء

قال الله تعالى:{ الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ. وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } العنكبوت 1-11.
وقال الله تعالى:{
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلالَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } البقرة 214. وقال الله تعالى لما ذكر المرتد والمكره بقوله:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِه } النحل 106, قال بعد ذلك:{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } النحل 110. فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب عز وجل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز الله تعالى هذه سنته تعالى يرسل الرسل إلى الخلق فيكذبهم الناس ويؤذونهم قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنّ } الأنعام 112, وقال تعالى:{ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } الذاريات 52, وقال تعالى:{ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ } فصلت 43.ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلى بما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة والكافر تحصل له النعمة ابتداء ثم يصير في الألم. سأل رجل الشافعي فقال يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي فقال الشافعي لا يمكن حتى يبتلى فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة. وهذا أصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه وهذا يحصل لكل أحد فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع الناس والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتارة من غيرهم ومن اختبر أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيرا كقوم يريدون الفواحش والظلم

ولهم أقوال باطلة في الدين أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرمات في قوله تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } الأعراف 33. وهم في مكان مشترك كدار جامعة أو خان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة فيها غيرهم وهم لا يتمكنون مما لا يريدون إلا بموافقة أولئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم فيطلبون من أولئك الموافقة أو السكوت فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم في الابتلاء ثم قد يتسلطون هم أنفسهم على أولئك يهينونهم ويعاقبونهم أضعاف ما كان أولئك يخافونه ابتداء كمن يطلب منه شهادة الزور أو الكلام في الدين بالباطل إما في الخبر وإما في الأمر أو المعاونة على الفاحشة والظلم فإن لم يجبهم آذوه وعادوه وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه وإلا عذب بغيرهم.فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلى معاوية ويروى موقوفا ومرفوعا:( من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس) وفي لفظ:(رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا) وفي لفظ: (عاد حامده من الناس ذامّا ) وهذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة وفيمن يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدين على بدعهم فمن هداه الله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثم تكون العاقبة في الدنيا والآخرة كما جرى للرسل وأتباعهم مع من آذاهم وعاداهم مثل المهاجرين في هذه الأمة ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها.وقد يجوز في بعض الأمور إظهار الموافقة وإبطان المخالفة كالمكره على الكفر كما هو مبسوط في غير هذا الموضع إذ المقصود هنا أنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي الناس فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكر الله تعالى في غير موضع

أنه لا بد أن يبتلي الناس والابتلاء يكون بالسراء والضراء ولا بد أن يبتلى الإنسان بما يسره وما يسوؤه فهو محتاج إلى أن يكون صابرا شكورا. قال تعالى:{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } الكهف 7, وقال تعالى:{ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الأعراف 168, وقال تعالى:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } طه 123-124, وقال تعالى:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } هذا في آل عمران 142.وقد قال قبل ذلك في البقرة ، فإن البقرة نزل أكثرها قبل آل عمران:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } البقرة 214 وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحص بالبلاء كالذهب الذي لا يخلص جيده من رديئه حتى يفتن في كبر الامتحان إذ كانت النفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شر يحصل للعبد فلا يحصل له شر إلا منها.قال تعالى:{ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } النساء 79, وقال تعالى:{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } آل عمران 165, وقال:{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } الشورى 30, وقال تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الأنفال 53. وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال وقد ذكر عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنهم ظلموا أنفسهم فهم الظالمون لا المظلومون وأول من اعترف بذلك أبواهم قالا:{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف 23, وقال لإبليس:{ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } ص 85, وإبليس إنما اتبعه الغواة منهم كما قال:{ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُالْمُخْلَصِينَ } الحجر 39- 40, وقال تعالى:{ إِنَّ عِبَادِيلَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } الحجر 42, والغي اتّباع هوى النفس.وما زال السلف معترفون بذلك كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه.وفي الحديث الإلهي حديث أبي ذر الذي يرويه الرسول عن ربه عز وجل (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) مسلم في الصحيح 41994 رقم 2577, وفي الحديث الصحيح حديث:( سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه دخل الجنة ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة) وفي حديث أبي بكر الصديق من طريق أبي هريرة وعبد الله بن عمرو: (أن رسول الله علّمه ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وان أقترف على نفسي سوأ أو أجرة إلى مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك ) الترمذي في الدعوات رقم 3389.وكان النبي يقول في خطبته: (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا) أبو داود في النكاح رقم 2118. وقد قال النبي (إني آخذ بحجركم عن النار وأنتم تتهافتون تهافت الفراش ) البخاري في الرقاق 11323 رقم 6483, شبههم بالفراش لجهله وخفة حركته وهي صغيرة النفس فإنها جاهلة سريعة الحركة.وفي الحديث:( مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلاة) ابن ماجه في المقدمة رقم 88. وفي حديث آخر( للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليان ) أحمد في المسند 624.ا ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الجهل ولهذا يقال لمن أطاع من يغويه أنه استخفه. قال عن فرعون إنه:{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوه } الزخرف 54, وقال تعالى:{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } الروم
فإن الخفيف لا يثبت بل يطيش. وصاحب اليقين ثابت يقال أيقن إذا كان مستقرا واليقين استقرار الإيمان في القلب علما وعملا فقد يكون علم العبد جيدا لكن نفسه لا تصبر عند المصائب بل تطيش.قال الحسن البصري: إذا شئت أن ترى بصيرا لا صبر له رأيته وإذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته فإذا رأيت بصيرا صابرا فذاك. قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة 24, ولهذا تشبه النفس بالنار في سرعة حركتها وإفسادها وغضبها وشهوتها من النار والشيطان من النار. وفي السنن عن النبي أنه قال: (الغضب من الشيطان والشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) أبو داود في الأدب 4784. وفي الحديث الآخر: (الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم), ألا ترى إلى جمرة عينيه وانتفاخ أوداجه وهو غليان دم القلب لطلب الانتقام.وفي الحديث المتفق على صحته (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم), وفي الصحيحين أن رجلين استبا عند النبي وقد اشتد غضب أحدهما فقال النبي: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) , وقد قال تعالى:{ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }فصلت 34-36. وقال تعالى:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . وقال تعالى:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} المؤمنون 96-98.

من كتاب الفوائد لبن قيم الجوزية رحمه الله




بسم الله الرحمان الرحيم

بارك الله فيك على هذا التذكير القيم الذي توجه مباشرة إلى النفس ليحسسها بما لها وما عليها

حتى تتعود المراقبة المستمرة لحالها وتستعين على الأمارة بالسوء منها بالعنايةوالتحصين بالأدعية

فتحميها من ا لإنزلاق والضلال والفتن ما ظهر منها وما بطن ، ولن تكون النفس كذلك حتى توقن بأن لها

ربا يحاسب ، وملائكة تسجل ، وجوارح تشهد فساعتها النفس ستنصاع للحق …

اللهم أجعل أنفسنا كهذه حتى يرضى الله عنا .

جزاك الله كل خير وجعل ذلك في ميزان حسناتك

تعليمية

تعليمية




وفيك بارك الله اختنا غاية الهدى وجزاك الله بالمثل
وجعلني واياكم من الذين يبتلون فيصبرون ويحتسبون فيأجرون
ونسال الله ان يثبتنا على الجادة والسراط المستقيم والمنهج القويم




غفرالله للشيخ محيي السنة وقامع البدعة ابن القيم ورحمه واسكنه فسيح جناته وجعلنا من الصابرين المحتسبين ..جزاك الله خير على الموضوع القيم جعله الله في موازين حسناتك .
فالصابر له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة أو له الجنة والكرامة في الآخرة إذا صبر على تقوى الله سبحانه وطاعته وصبر على ما ابتلي به من شظف العيش والفاقة والفقر والمرض ونحو ذلك كما قال الله سبحانه :ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
موضوع مميز ، نحن في انتظار المزيد




ما حكم إنكار المنكر هل هو صبر على البلاء وكفى ، وما صحة الأحاديث الواردة في الترغيب في الصبر على البلاء؟

الجواب

ليس من الصبر على البلاء عدم إنكار المنكر فالواجب عند وجود البلاء بالمنكرات هو إنكارها باليد أو باللسان أو بالقلب حسب الطاقة ، لقول الله سبحانه (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) الآية وعلى المسلمين عند الابتلاء بالمنكرات سواء كان ذلك في البيت أو في الطريق أو في غيرها الإنكار ولا يجوز التساهل في ذلك .

أما الأحاديث الواردة في الصبر على البلاء فهي كثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل " الحديث وهو حديث صحيح ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم مثلا : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان رضي الله عنه ، وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) وقال سبحانه : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة نسأل الله أن يجعلنا وإخواننا من الصابرين إنه جواد كريم . ومما ورد في الأحاديث في الصبر على البلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة " رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة .

وبعض الناس يظن أن هذا الذي يصاب بالأمراض ونحوها مغضوب عليه وليس الأمر كذلك فإنه قد يبتلى بالمرض والمصائب من هو من أعز الناس عند الله وأحبهم إليه كالأنبياء والرسل وغيرهم من الصالحين كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء " الحديث وكما حصل لنبينا صلى الله عليه وسلم في مكة وفي يوم أحد وغزوة الأحزاب وعند موته صلى الله عليه وسلم وكما حصل لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام ، ولنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ، وذلك ليرفع شأنهم ويعظم أجورهم وليكونوا أسوة صالحة للمبتلين بعدهم .

وقد يبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن يظن أنه بذلك يكون محبوبا عند الله إذا لم يكن مستقيما على طاعته ، فقد يكون من حصل له ذلك محبوبا ، وقد يكون مبغوضا ، والأحوال تختلف والمحبة عند الله ليست بالجاه والأولاد والمال والمناصب وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح والتقوى لله والإنابة إليه والقيام بحقه وكل من كان أكمل تقوى كان أحب إلى الله .

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب وإنما يعطي الإيمان والدين من أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه " فمن ابتلى بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى قال تعال : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب على معصيته فاعلم أنما هو استدراج " ثم قرأ قوله تعالى : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) أي آيسون من كل خير والعياذ بالله .

ويقول جل وعلا : ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ )

وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة منها رفع الدرجات وحط الخطايا كما تقدم بيان ذلك .

المفتي : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز




بارك الله فيك اخي ابو سليمان وجزاك الله خير الجزاء على الاصافة حقا انها متممة للموضوع ونسال الله ان يجعلنا من الصابرين والمحتسبين للاجر




التصنيفات
اسلاميات عامة

كيف يعرف الرجل البلاء إذا نزل به من المصيبة ؟

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

سؤال: كيف يُعرف ، أو كيف يَعرف الرجل البلاء ، إذا نزل به من المصيبة ؟

الشيخ: يعني إذا نزل بالعبد شيء هل يعتبره بلاء ، أم يعتبره مصيبة؟ ، وبالواقع أراد أن يقول: هل هو بلاء أم عقوبة؟ فيما يظهر ، أم هو بلاء أم مصيبة؟ ، هو يكون بلاء ، وهو مصيبة في نفس الوقت ، لأن المصيبة يبتلى بها ، ولكن الذي يقارن ، يقال: هل هو بلاء أم عقوبة؟ هذا الذي افهم ، أليس كذلك؟ ، ليشتبه هل هذا بلاء أم عقوبة؟ ، هل هو ابتلاء أم عقوبة؟

أما المصيبة الله جل وعلا يبتلي بالمصائب ، كما هو معلوم.

الأصل أن المسلم ما يصيبه ابتلاء لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمرَه كله له خير ، إن أصابته سراءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له)(10) ، السراء ، والضراء صارت خيراً للمؤمن ، وتكون إذاً من الابتلاء ، ابتلي بالسراء ، فشكر ، فكانت حيراً له ، وابتلي بالضراء ، فصبر ، فكانت خيراً له.
هذا الأصل في المسلم أنه يُبتلى بذلك ، ويقال: يُخشى أن تكون عقوبة ، فإن كان المسلم في نفسه يعلم أنه من أهل العصيان ، فقد يترجح له أنها عقوبة ، كما قال بعض السلف حينما أصيب يمرضٍ شديد ، في آخر عمره ، قال: مما أصيبت بهذا؟ ، فجعل يتذكر عله ذنب يعاقب عليه ، فتذكر ، فقال: ربما كانت من نظرة نظرتها وأنا شاب.
فهذا مما يخشاه العبد ، يخشى أن يكون ما أصابه عقوبة ، وهو ابتلاء يصبر عليه ، فإذا كان ذلك تذكر معصيته ، وذنبه فليبادر للتوبة ، والإنابة ، لأن هذه المصائب كفارات ، وتُذكر العبد ، وتمحو الخطايا ، ولا يزال البلاء بالمؤمن ، حتى يدعه وليس عليه خطيئة ، وقد جاء في البخاري وغيره: (من يرد الله به خيراً يصب منه)(11).

فإذاً نقول: الأصل أنه ابتلاء ولكن ما يجوز أن تقول: هذه عقوبة ، عاقب الله فلاناً ، لأن هذا ما تدري عنه ، عاقب الله أهل البلد الفلانية ، ما تدري هل هي عقوبة أم لا ، لأن هذا علمها عند الله جل وعلا ، تحديد هل هي ابتلاء أم عقوبة ، قد تكون ابتلاء ، وقد تكون عقوبة ، وقد تكون هذه ، وهذه ، في حق البعض كذا ، وفي حق البعض كذا.

نكتفي بهذا القدر ، وأسأل الله جل وعلا لي ولكم العلم النافع ، والعمل الصالح ، والهدى والاهتداء.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية
الشيخ صالح آل الشيخ
تفريغ : أبو تقي الدين ناصر الدين الجزائري
الجزائر: 28/محرم/1425 الموافق لــ
19/03/2004

وقال أيضا حفظه الله:

من كان ذا نعمة فليشكر الله وليستقم على أمره،

ومن كان ذا مصيبة فليتفكر في نفسه:

إن كان مقيما على الإيمان فليصبر وليحتسب، وليعلم أن ذلك زيادة في إيمانه لتصديقه ويقينه:

ومن كان ضد ذلك فليعلم أن تلك عقوبة يعاقب الله بها من خالف أمر الله، فهي إما ابتلاء وإما عقوبة. " شريط حقيقة الابتلاء"

و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات




اللهم لك الحمد حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ونستغفرك ونتوب اليك
شكرا

تعليمية




رائعة كعادتك ومميزة في طرحك فدام لنا نبضك

تحياتي لك ولحسن اختيارك




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جميلة فوق السحاب تعليمية
اللهم لك الحمد حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ونستغفرك ونتوب اليك
شكرا

تعليمية

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواجهة الزجاجية تعليمية
رائعة كعادتك ومميزة في طرحك فدام لنا نبضك

تحياتي لك ولحسن اختيارك


بارك الله فيكما و وفقكما لكل خير ،،




التصنيفات
اسلاميات عامة

كيف تصبر على البلاء ؟

كيف تصبر على البلاء ؟

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

الصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:

أحدها : شهود جزائها وثوابها.

الثاني : شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.

الثالث : شهود القدر السابق الجاري بها، وأنّها مقدّرة في أمّ الكتاب قبل أن تخلق، فلا بدّ منها؛ فجزعه لا يزيده إلا بلاءً.

الرابع : شهوده حقِّ الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبرُ بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين. فهو مأمور بأداء حقِّ الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بدَّ له منه، وإلا تضاعفت عليه.

الخامس : شهود ترتّبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ فهذا عامٌّ في كلّ مصيبة دقيقة وجليلة، فشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في رفع تلك المصيبة. قال علي بن أبي طالب: ( ما نزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلاّ بتوبة ).

السادس : أن يعلم أنّ الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمها، وأنّ العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيّدُه ومولاه. فإن لم يُوفِ قدر هذا المقام حقَّه، فهو لضعفه؛ فلينزل إلى مقام الصبر عليها. فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدّى الحق.

السابع : أن يعلم أنّ هذه المصيبة هي دواءٌ نافع ساقه إليه الطبيبُ العليمُ بمصلحته الرحيمُ به، فليصبرْ على تجرعه، ولا يتقيأْه بتسخّطه وشكواه، فيذهبَ نفعه باطلاً.

الثامن : أن يعلم أنّ في عُقبى هذا الدواءِ من الشفاءِ والعافية والصحة وزوال الألم ما لا تحصل بدونه. فإذا طالعت نفسه كراهية هذا الداءِ ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره. قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وقال الله تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًاوفي مثل هذا القائل:

لعلَ عتَبك محمودٌ عواقبُه وربّما صحّت الأجسامُ بالعِلَلِ

التاسع : أن يعلم أنّ المصيبة ما جاءَت لِتُهلِكَه وتقتلَه، وإنما جاءَت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه، وخلع عليه خِلَع الإكرام، وألبسه ملابس الفضل، وجعل أولياءَه وحزبه خدَماً له وعوناً له. وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه طُرِدَ، وصُفِع قفاه، وأُقصي، وتضاعفت عليه المصيبة. وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة في حقه صارت مصائب، كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقه صارت نعماً عديدة. وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبر ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة. والمصيبة لا بد أن تقلع عن هذا وهذا، ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحرمان والخذلان. لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

العاشر : أن يعلم أنّ الله يربي عبده على السرّاءِ والضرّاءِ، والنعمة والبلاءِ؛ فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال، فإنّ العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال. وأما عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأنّ به، وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته. فلا ريب أن الإيمان الذي يثبت على محكّ الابتلاءِ والعافية هو الأيمان النافع وقت الحاجة، وأما إيمان العافية فلا يكاد يصحب العبدَ ويبلّغه منازلَ المؤمنين، وإنّما يصحبه إيمانٌ يثبت على البلاء والعافية.

فالابتلاء كيرُ العبد ومحكّ إيمانه: فإمَّا أن يخرج تِبراً أحمر، وإما أن يخرج زَغَلاً محضاً، وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية، فلا يزال به البلاءُ حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهبا خالصا.

فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمة الله عليه في العافية لشغلَ قلبه بشكره، ولسانه بقوله: ( اللّهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ). وكيف لا يشكر مَن قيَّضَ له ما يستخرج به خَبَثه ونحاسه، ويُصيّره تِبراً خالصاً يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟.

فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبرَ على البلاءِ، فإنْ قويت أثمرت الرضا والشكر.

فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمنه وكرمه.

من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين ( 2 / 600 )




جزاك الله خيرا

حقا كم نحن محتاجون لمثل هذه المواضيع

شكرا لك




الله يعطيك العافية اختي سارة الاثرية

جزاك الله كل الخير وجعلها الله في ميزان حسناتك
وما أكثر إبتلائاء الانسان في هذه الدنيا

أخوك فارس البرايجي




جزاك الله خيرا اختي سارة الاثرية




و أنتم من أهل الخير و الجزاء.. بورك فيكم على مروركم العطر




تعليمية

الله يجازيك خيرا غاليتي سارة على الطرح المميز .
واصلي تميزك .




جزاك الله خيرا ..في ميزان حسناتك




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوها لرفع البلاء أو دفعه

من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوها لرفع البلاء أو دفعه

وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ

هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}1 .

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: "ما

هذه"؟ قال: من الواهنة. فقال: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت
أبدا"رواه أحمد بسند لا بأس به2 .
وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"3

وفي رواية: "من تعلق تميمة فقد أشرك"4 5. ولابن أبي حاتم عن حذيفة 6 : أنه رأى رجلا في

يده خيط من الحمى، فقطعه وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}

فيه مسائل:

الأولى: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك.

الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح، فيه شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر.

الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة.

الرابعة: أنها لا تنفع في العاجلة، بل تضر لقوله: "لا تزيدك إلا وهنا ".

الخامسة: الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.

السادسة: التصريح بأن من تعلق شيئا وكل إليه.

السابعة: التصريح بأن من تعلق تميمة فقد أشرك.

الثامنة: أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك.

التاسعة: تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك

الأكبر على الأصغر، كما ذكر ابن عباس في آية البقرة.

العاشرة: أن تعليق الودع عن العين من ذلك.

الحادية عشرة: الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يتم له، ومن تعلق ودعة فلا
ودع الله له. أي ترك الله له.

[التعليق:]

باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

وهذا الباب يتوقف فهمه على معرفة أحكام الأسباب.

وتفصيل القول فيها: أنه يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:

أحدها: أن لا يجعل منها سببا إلا ما ثبت أنه سبب شرعا أو قدرا.

ثانيها: أن لا يعتمد العبد عليها، بل يعتمد على مسببها ومقدرها، مع

قيامه بالمشروع منها، وحرصه على النافع منها.

ثالثها: أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره لا خروج لها عنه، والله تعالى يتصرف

فيها كيف يشاء: إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته ليقوم بها العباد، ويعرفوا بذلك تمام حكمته، حيث

ربط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها، وإن شاء غيرها كيف يشاء لئلا يعتمد عليها العباد، وليعلموا كمال قدرته،

وأن التصرف المطلق والإرادة المطلقة لله وحده، فهذا هو الواجب على العبد في نظره وعمله بجميع الأسباب.

إذا علم ذلك فمن لبس الحلقة أو الخيط أو نحوهما قاصدا بذلك رفع البلاء بعد نزوله، أو دفعه

قبل نزوله فقد أشرك ; لأنه إن اعتقد أنها هي الدافعة الرافعة فهذا الشرك الأكبر.

وهو شرك في الربوبية حيث اعتقد شريكا مع الله في الخلق والتدبير.

وشرك في العبودية حيث تأله لذلك وعلق به قلبه طمعا ورجاء لنفعه، وإن اعتقد أن الله

هو الدافع الرافع وحده ولكن اعتقدها سببا يستدفع بها البلاء، فقد جعل ما ليس سببا

شرعيا ولا قدريا سببا، وهذا محرم وكذب على الشرع وعلى القدر.

أما الشرع فإنه ينهى عن ذلك أشد النهي، وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة.

وأما القَدَر فليس هذا من الأسباب المعهودة ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود،

ولا من الأدوية المباحة النافعة.

وكذلك هو من جملة وسائل الشرك؛ فإنه لا بد أن يتعلق قلب متعلقها بها، وذلك نوع شرك ووسيلة إليه.

فإذا كانت هذه الأمور ليست من الأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه التي يتوسل بها إلى رضاء الله

وثوابه، ولا من الأسباب القدرية التي قد علم أو

جرب نفعها مثل الأدوية المباحة كان المتعلق بها متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها، فيتعين على المؤمن تركها ليتم إيمانه

وتوحيده؛ فإنه لو تم توحيده لم يتعلق قلبه بما ينافيه، وذلك أيضا نقص في العقل حيث التعلق بغير متعلق ولا نافع

بوجه من الوجوه، بل هو ضرر محض. والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين، وعلى

تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات، والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول، المزكية للنفوس، المصلحة

للأحوال كلها دينيها ودنيويها والله أعلم

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
1 سورة الزمر آية : 38.
2 رواه الإمام أحمد (المسند) 4 / 445. وفي إسناده (المبارك) وهو ابن فضالة أبو فضالة البصري. قال ابن حجر (تقريب التهذيب) 2 / 227: (صدوق يدلس ويسوي). ومن طريق أبي عامر الحزاز عن الحسن عن عمران بنحوه رواه ابن حبان (1411). والحاكم 4 / 216 وصححه ووافقه الذهبي.
) 3 (المسند) 4 / 154. وفي إسناده (خالد بن عبيد) وهو المعافري. قال ابن حجر (تعجيل المنفعة ص 114: (رجال حديثه موثوقون). والحاكم 4 / 216 وصححه ووافقه الذهبي.
4 أحمد (4/156).
5 (المسند) 4 / 156 عن عقبة بن عامر الجهني. قال الهيثمي (مجمع الزوائد) 5 / 103: (رجال أحمد ثقات). ا هـ.
6 ذكره ابن كثير (التفسير) 4 / 55 معلقا, ولم يعزه لمخرجه من طريق حماد بن سلمة عن عاصم ابن أبي النجود عن عروة قال: دخل حذيفة على مريض… نحوه ومع تعليق إسناده فيه (عاصم ابن أبي النجود). قال ابن حجر (تقريب التهذيب) 1 / 383: (صدوق له أوهام, وحديثه في الصحيحين مقرون). اهـ.
7 سورة يوسف آية : 106.

من كتاب القول السديد في مقاصد التوحيد

للشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله