في ضوابط الإعلان الإشهاري للشيخ فركوس حفظه الله |
||
السـؤال:
ممَّا لا يخفى أنَّ الإعلام التجاري -في إطار المنافسة التجارية- قد أضحى في عصرنا الحالي وسيلةً أساسيةً للتعريف بالسِّلع والبضائع والخدمات، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما حكم تصميم الإعلانات الإشهارية؟ وكذا عرض اللوحات الإشهارية في مختلف الأماكن والمحطَّات في الطرقات والقطارات والحافلات وغيرها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجـواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد: فالإعلاناتُ الإشهاريةُ سواء كانت تجاريةً أو غيرَ تجاريةٍ تدخل في قسم المعاملات والعادات، والأصل فيها الإباحة والجواز ما لم يقترن بها محظورٌ شرعيٌّ ينقل الحكمَ إلى المنع، ويمكن أن يحافظ الإعلان الإشهاري على حكم الإباحة والحِلِّ إذا ما انضبط بجُملةٍ من الشروط تظهر على الوجه التالي: الأول: أن يكون الإعلان الإشهاري مباحًا في حَدِّ ذاته، خاليًا من الدِّعايات المبتذلة التي تنافي الأحكام الشرعيةَ، والأخلاق والقِيَمَ الإسلاميةَ وآدابَها، فلا يجوز تصميم الإعلانات التي تحتوي على الصور المثيرة للغرائز والشهوات، كعرض جسد المرأة بما فيها من العُري والتبرج والفتنة، وعموم الأفلام الماجنة والمثيرة، ولا للنوادي الليلية والحفلات المنكرة، وكتب أهل الفساد والفجور والضلال، ولا يجوز الترويج للخمر والدخان والمخدِّرات وغيرها، ولا لنوادي القِمار والرهان سواء كان رياضيًّا أو غيرَ رياضي، ويجب تجنُّبَها سواء كانت مصحوبةً بموسيقى أو خاليةً منها. فالحاصل: أنَّ كُلَّ وسيلةٍ أبطلها الشرعُ وذمَّها لفسادها وإفسادها للدِّين والخُلق فهي محرَّمة، والتعاون عليها محرَّمٌ بنصِّ قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]. الثاني: أن يتحرَّى المعلِنُ الصدقَ والأمانةَ في عرض السلع والخدمات، فلا يصوِّر الأمر على غير حقيقته بالكذب وإخفاء العيوب، أو بالمبالغة في حجم المنتوج المراد تصميم إعلانه ونشره، أو تضخيم محاسنه للمستهلك أو الزبون، فالواجب أن يكون الإعلان مطابقًا لحقيقة ما يعرضه من السلع والمنتوجات والخدمات على وجه الصدق والأمانة، لوجوب التحلِّي بالصدق وهو سبب البركة، وحرمة الكذب وكتمان العيوب، لأنه عِلة الكساد والمَحْقِ، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «المُتَبَايِعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»(١- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا: (1973)، ومسلم في «صحيحه» كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان: (3858)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه). الثالث: ومن هذا القبيل لا يجوز إشاعةُ إعلانٍ إشهاريٍّ فيه غِشٌّ وخِداع، ولا تهويل ما فيه مكرٌ وتزوير، ولا إيهام ما فيه تدليس لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالمَكْرُ وَالخِدَاعُ فِي النَّارِ»(٢- أخرجه ابن حبان في «صحيحه» كتاب البر والإحسان، باب الصحبة والمجالسة: (567)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1058))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، وَلاَ يَحِلُّ لمِسُلْمٍ إِذَا بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَنْ لاَ يُبَيِّنَهُ»(٣- أخرجه ابن ماجه في «صحيحه» كتاب التجارات، باب من باع عيبا فليبينه: (2246)، والحاكم في «المستدرك»: (2152)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وأخرجه أحمد في «مسنده»: (15583)، من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه. والحديث حسّنه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: (4/364)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع»: (6705))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ»(٤- أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب العلم، باب التوقي في الفتيا: (3657)، والحاكم في «المستدرك»: (350)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الجامع»: (6068).). الرابع: أن لا ينعكس إعلانه الإشهاري سلبًا على غيره من التجار، بحيث يحدث ضررًا بمنتوجاتهم وسلعهم بالتحقير لأصنافها، والتهوين لأوصافها، والذمِّ لحسنها، كل ذلك لتحقيق مصالحه المادية على حساب مصالح غيره من التجار، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارٍ»(٥- أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره: (2340)، وأحمد في «مسنده»: (23462)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «إرواء الغليل»: (896))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»(٦- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه: (13)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير: (170)، من حديث أنس رضي الله عنه). الخامس: أن يجتنب التغرير بالمستهلكين عن طريق استغلال التشابه في الاسم التجاري أو في العلامة التجارية سواء وقع التشابه في التسمية موافقة، أو تعمده بسوء نيته، ليبتغي من ورائها إيهام المستهلكين والزبائن بأنها هي البضائع المشهورة في الأسواق، أو المماثلة لها في الجودة والإتقان ليقع المستهلك فريسة التضليل والإيهام، وهو مخالف لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(٧- أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة: (205)، وأبو داود في «سننه» كتاب الأدب، باب في النصيحة: (4946)، والترمذي في «سننه» كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في النصيحة: (1926)، والنسائي في «سننه»، كتاب البيعة، باب النصيحة للإمام: (4214)، وأحمد في مسنده: (17403)، من حديث تميم الداري رضي الله عنه) الحديث. السادس: أن يحرص على أن يكون عقد الإعلان الإشهاري مستوفى شروط عقد الإجارة، ومن جملتها: العلم بثمن الإجارة، ومُدَّتها بين المتعاقدين، وأن يكون محلّ الإجارة منتفعًا به، ومقدور التسليم مع خلو العقد من الجهالة والغرر. هذا ما بان لي من ضوابط الإعلان الإشهاري قصد المحافظة على سلامة أصلِ الإباحة والجواز. والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا. الجزائر في: 26 شعبان 1443ﻫ
المصدر : http://ferkous.com/rep/Bi149.php |
|||||||||||